فنلندا، تلك الدولة الصغيرة التي قد لا تسمع عنها كثيرًا في الصراعات السياسية التي يعيشها العالم، تتميز بظهور استثنائي عالمي في جوانب حساسة، مثل: الأمن والسعادة والتعليم والتحرش الجنسي، وأجرت تجربة غير مسبوقة بمنح عاطليها 585 دولارًا شهريًّا بلا شروط، ضمن عدد من الحقائق والأشياء التي قد لا تعرفها عن فنلندا ونتناولها في هذا التقرير.

1- أسعد دولة في العالم

أصدرت الأمم المتحدة مؤشر السعادة العالمي لعام 2018، وتصدّرت فنلندا المؤشر الذي تضمن ترتيب 156 دولة في العالم، وفقًا لعدة عوامل للسعادة تتضمن: الحرية، والثقة، والكرم، والدعم الاجتماعي، ولم يقتصر المؤشر هذه المرة على قياس سعادة مواطني الدولة محل الدراسة، وإنما قاس أيضًا مدى سعادة المهاجرين إليها، وكانت فنلندا أيضًا هي الأعلى عالميًّا.

2- التعليم.. راحة أكثر وعمل أقل

يعتمد نظام التعليم في فنلندا على فتح مجال أكبر لراحة الطلاب والمعلمين بدلًا من الحصص الدراسية الطويلة والمرهقة؛ إذ يُركز تركيزًا أساسيًّا على العمق في المضمون المدروس، بدلًا من زيادة المضمون والتعامل معه بسطحية، والمعلمون يعملون في الفصول لمدة أربع ساعات يوميًّا و20 ساعة أسبوعيًّا، نصف هذه الساعات يُعِد فيها المدرس المناهج الدراسية ويُقيم الطلاب، ومع تقلص ساعات الدراسة تزداد فترات الراحة نسبيًّا لتصل إلى 75 دقيقة موزعة على اليوم الدراسي.

اللافت أيضًا، أن إراحة الطلاب لا تتوقف على تقليص عدد ساعات العمل والحصص اليومية فقط؛ وإنما أيضًا تقليص الواجبات المدرسية، وزيادة الإجازات خلال العام الدراسي؛ إذ يعطي نظام التعليم الابتدائي في فنلندا الحد الأدنى من الواجبات الدراسية، ويوسع من طول الإجازات، التي تصل إلى 11 أسبوعًا خلال العام الدراسي.

3- سنوات الأطفال السبع الأولى.. للإبداع فقط

يبدأ البعض بإدراج أطفالهم في روضات ومؤسسات تعليمية ما بين الثالثة والخامسة من عمرهم، ليبدؤوا بمرور الوقت الالتزام بواجبات دراسية قد تكون كبيرة وصعبة على سنهم الصغيرة، ولكن الأمر يبدو مختلفًا تمامًا في فنلندا، حيث لا يبدأ الأطفال بالذهاب إلى المدرسة قبل سن السابعة. فأول سبع سنوات في الحياة «هي سنوات الإبداع، يلعب فيها الأطفال وينشطون بدنيًّا» على حد تعبير تينا مارجونيمي، رئيسة مركز الرعاية النهارية في فرانسينيا بالعاصمة الفنلندية هلسنكي، والتي تعبر بتصريحاتها عن ثقافة فنلندا في التعليم والتربية، وفتح مجال الإبداع والنشاط البدني والذهني للأطفال قبل الاندراج رسميًّا ضمن المدارس التعليمية.

4- اعتادت تصدر مؤشرات جودة التعليم عالميًّا

خرجت فنلندا عن المألوف عربيًّا في نظامها التعليمي، بنظام تعليم يبدو مُريحًا للطلاب والمعلمين حقًّا، وفيما يرى البعض أن هذا النظام قد ينتابه «التسيُّب» و«الاستهتار» وينقصه الصرامة والشدة؛ فإن نتائجه كانت مذهلة حقًّا.

Embed from Getty Images

إذ اعتادت فنلندا أن تتصدر دول العالم في مؤشر جودة التعليم الابتدائي، خلال الخمس سنوات الأخيرة؛ إذ حافظت على صدارتها المؤشر وفقًا لتقارير التنافسية العالمية الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي لأعوام: 2017، و2016، و2015، و2014، وخلال أحدث تقرير للتنافسية العالمية لعام 2017- 2018 تصدّرت فنلندا أيضًا المؤشر العالمي لجودة التعليم الابتدائي.

5- للعاطل عن العمل: 585 دولارًا شهريًّا بلا شروط

في سابقة هي الأولى من نوعها عالميًّا، قررت الحكومة الفنلندية، منح عاطلين من مواطنيها راتبًا أساسيًّا شهريًّا بلا شروط مدة عامين بدايةً من عام 2017، ويبلغ قيمة الراتب الشهري الأساسي 560 يورو (أي 585 دولارًا)، وتمنح الحكومة ذلك الراتب لألفي عاطل، يُختارون عشوائيًّا ولا يُخيرون بين المشاركة في تلك التجربة أو عدمها، ولكنهم يحصلون تلقائيًّا على الراتب الأساسي كل شهر.

ولا تطلب الحكومة من هؤلاء العاطلين ما يُثبت أنهم يبحثون عن عمل، وتصرف الراتب الشهري لهم بصرف النظر عن أي دخل يتلقاه هؤلاء الأشخاص من مصادر أخرى، وبلغت نسبة البطالة في فنلندا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016، حوالي 8.2%، بوجود 213 ألف عاطل فيها.

وتستهدف الحكومة الفنلندية من ذلك النظام: تحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص عمل جديدة، وخفض نسبة البطالة، وتسعى فنلندا من خلال هذه التجربة إلى دراسة مدى إمكانية أن تساعد تلك السياسة العاطلين المتلقين للراتب على إيجاد عمل لهم في ظل شعورهم بالأمان المالي نتيجة تلقيهم الراتب الشهري الأساسي، بدلًا من تطبيق نظام إعانة البطالة المؤقتة، وإذا نجحت التجربة تلك في مساعدة العاطلين على إيجاد فرصة عمل، فقد تمنح الحكومة ذلك الراتب لمزيد من الفنلنديين.

ويبدو من هذا القرار أن الحكومة تحاول مساعدة العاطلين الفنلنديين الذين تخرجوا في التعليم الأقوى عالميًّا، ولم يجدوا عملًا مناسبًا، وبذلك لا يتوقف دعم الحكومة الفنلندية لمواطنيها على تقديم التعليم الأقوى عالميًّا، وإنما تسعى لاستمرار الدعم للعاطلين الذين قابلهم الحظ السيئ بعد ذلك، ولم يجدوا فرصة عمل.

6- الأكثر أمانًا في العالم

التميز الفنلندي لا يتوقف على التعليم والسعادة فقط، وإنما يمتد إلى جوانب حساسة ومهمة أيضًا تتمثل في الأمن، ففنلندا ببساطة هي الدولة الأكثر أمانًا عالميًّا، وفقًا لمؤشر الأمان العالمي المرتبط بتقرير التنافسية العالمية لعام 2017- 2018، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

ويعتمد المؤشر على عدة معايير لقياس مستوى الأمان للدولة محل الدراسة، تتمثل بشكل أساسي في: تكاليف أعمال الجريمة والعنف، وتكاليف أعمال الإرهاب، ومعدلات الإصابة بالإرهاب، ومعدلات القتل، وموثوقية جهاز الشرطة، ومدى قدرته على توفير الحماية من الجريمة.

Embed from Getty Images

ويعتمد المؤشر في الترتيب على حساب الدرجة المتوسطة التي حصلت عليها الدولة محل الدراسة في كافة المعايير من صفر إلى سبع درجات لوضع ترتيبها في المؤشر، بحيث يكون أعلى تقييم تحصل عليه الدولة في المؤشر هو سبع، وأقل تقييم تحصل عليه الدولة في المؤشر هو صفر، وكلما ارتفع ترتيب الدولة محل الدراسة في المؤشر؛ دلّ ذلك على توافر الأمان فيها، والعكس صحيح، وقد تصدّرت فنلندا المؤشر بحصولها على درجة متوسطة بلغت 6.6.

7- أصغر من محافظة «الدقهلية» في مصر

تتميز فنلندا في العديد من المجالات المهمة التي تتضمن: السعادة وجودة التعليم والأمن، وهي مجالات تفوقت فيها فنلندا على كل دول العالم، وهذا التميز جاء من بلد تعداده السكاني صغير لدرجة أنه أقل من تعداد سكان بعض المحافظات العربية.

إذ يبلغ التعداد السكاني لفنلندا نحو 5.5 ملايين نسمة، وهي بذلك أصغر من التعداد السكاني لمحافظة إقليمية في مصر مثل الدقهلية، التي يبلغ تعدادها أكثر من 6.6 مليون نسمة، بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر.

8- الأولى عالميًّا في متوسط الميداليات الأولمبية لكل مليون نسمة

لم يتوقف التميز الفنلندي عند هذا الحد، وإنما امتد إلى الرياضة الأولمبية أيضًا؛ فيحصد كل مليون مواطن فنلندي، في المتوسط 18.4 ميدالية ذهبية، لتتصدر بذلك فنلندا دول العالم في متوسط الحصول على الميداليات الذهبية بالنسبة لتعداد السكان، بعد حصولها على 101 ميدالية ذهبية في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016.

وهي الأولمبياد نفسها التي حصدت فيها فنلندا 303 ميداليات أولمبية، لتتصدر بذلك متوسط الحصول على الميداليات الأولمبية بالنسبة لتعداد السكان، بمتوسط 55.16 ميدالية أولمبية لكل مليون مواطن من تلك الدولة الصغيرة التي يبلغ تعدادها 5.5 مليون نسمة فقط.

9- بلد «البحيرات»

يمكن توصيف فنلندا بـ«بلد البحيرات»؛ إذ يتواجد بها 188 ألف بحيرة، بينها ثاني أكبر بحيرة في غرب أوروبا والتي تحمل اسم بحيرة سايما، وتبلغ مساحتها 1700 ميل مربع، وتأتي ثانيًا من حيث الحجم والمساحة بعد بحيرة فانرن السويدية، اللافت أيضًا في البحيرة الفنلندية وجود فقمة السايما الحلقية المهددة بالانقراض، والتي يبلغ إجمالي عددها نحو 320 فقط.

10- تعرض 71% من نساء فنلندا للتحرش الجنسي

يتميز علم فنلندا باللونين الأبيض والأزرق وهو ما يعبر بحسب أحد شعراء فنلندا عن «زرقة سمائنا وبياض ثلوج شتائنا»، ولكن الصورة ليست بهذا النقاء والصفاء دائمًا في فنلندا، تلك الدولة التي تتصدر دول أوروبا أيضًا في جوانب سلبية مثل التحرش الجنسي على سبيل المثال.

نتائج دراسة التحرش الجنسي في أوروبا وفنلندا خامسًا

وهو ما أظهرته دراسة موسعة هي الأكبر من نوعها، أجرتها المؤسسة الأوروبية للحقوق الأساسية، لقياس العنف الجنسي والبدني ضد نساء دول الاتحاد الأوروبي، واعتمدت الدراسة على مقابلة عينة عشوائية قدرها 42 ألف مبحوث؛ خرجت الدراسة للنور عام 2014، وشملت 28 دولة من الاتحاد الأوروبي، بينهم بريطانيا التي لم تكن قد خرجت من الاتحاد الأوروبي أثناء إجراء الدراسة، وكشفت الدراسة عن ارتفاع ملحوظ في نسب التحرش الجنسي في فنلندا.

إذ أفادت الدراسة بأن النسبة المتوسطة للتحرش الجنسي الذي تعرضت له النساء منذ سن 15 عامًا في دول الاتحاد الأوروبي قد تصل إلى 55%، فيما تصل تلك النسبة إلى مستوى عالٍ في فنلندا، بتعرُّض 71% من نساء فنلندا للاعتداء الجنسي، لتكون بذلك خامس دولة أوروبية في التحرش الجنسي.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد