يرتبط موسم أعياد الميلاد (الكريسماس) في جميع أنحاء العالم بتوزيع الهدايا بين الأفراد، حتى أصبحت عادة دائمة مرتبطة بموسم الأعياد، بل ربما نلاحظ أن بعض الأشخاص يؤدون دور سانتا كلوز (بابا نويل)، ويبدأون في توزيع الهدايا في الشوارع، أو المستشفيات، ودور الأيتام وغيرها.

لكن مهما بلغ عدد الهدايا التي يوزعها هؤلاء الأشخاص الكرماء كل عام، فلن تُعادل تلك الهدايا التي وُزعت على الجنود البريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى، هل تتساءل عن كمية هذه الهدايا؟ حسنًا، إنها 2.6 ملايين هدية، فما قصة هذه الهدايا؟ ومن أهداها؟ ولماذا؟

عشية عيد الميلاد والهدنة غير الرسمية

قبل الدخول في تفاصيل قصة هذه الهدايا، ربما سمع البعض بما حدث خلال الحرب العالمية الأولى، عندما توقفت الحرب بعد خمسة أشهر فقط من اندلاع الأعمال العدائية على طول الجبهة الغربية (بين ألمانيا من جهة ولكسمبورج وبلجيكا من جهة أخرى) عندما حلت أعياد الميلاد.

كانت هذه الهدنة غير رسمية؛ أي لم تحدث نتيجة اتفاق رسمي بين الدول المتصارعة، ففي الأسبوع الذي سبق يوم عيد الميلاد في 25 ديسمبر (كانون الأول)، عبر الجنود الفرنسيون والألمان والبريطانيون الخنادق الفاصلة بينهم لتبادل التحيات والتهاني وتبادل أطراف الحديث.

الجنود يلعبون كرة القدم معًا في يوم عيد الميلاد

وفي بعض المناطق، غامر رجال من كلا الجانبين بدخول المنطقة الفاصلة الممنوعة عشية عيد الميلاد ويوم عيد الميلاد للاختلاط وتبادل الطعام والهدايا التذكارية، كذلك، كانت هناك مراسم دفن مشتركة وتبادل للأسرى، كما انتهت عدة لقاءات بين الجنود بغناء ترانيم أعياد الميلاد، بل أيضًا لعب بعض مباريات كرة القدم.

كانت هذه واحدة من أكثر أشكال الهدنة التي لا ينساها التاريخ، وبقيت عالقة في الأذهان، لكن، هناك ذكرى أخرى تتعلق بعيد الميلاد ذاته لا يمكن نسيانها، بل يعرفها كل شخص مهتم بالحرب العالمية الأولى، إنها هدايا الأميرة ماري إلى الجنود البريطانيين.

الأميرة ماري.. «أول أميرة حديثة»

كانت الأميرة ماري وكونتيسة هاروود، واسمها الكامل فيكتوريا ألكسندرا أليس ماري، الابنة الوحيدة للملك جورج الخامس والملكة ماري، وشقيقة الملك إدوارد الثامن وجورج السادس، وخالة ملكة بريطانيا الحالية، الملكة إليزابيث الثانية.

في الحرب العالمية الأولى، قامت بأعمال خيرية لدعم الجنود وعائلاتهم؛ إذ زارت الأميرة ماري المستشفيات ومنظمات الرعاية الاجتماعية مع والدتها؛ وساعدت في مشروعات لتوفير الراحة للجنود البريطانيين ومساعدة أسرهم، وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت القائد المراقب للخدمات الإقليمية لتقديم المساعدات. عرف عن الأميرة ماري ذكاؤها، وتلقت تعليمًا جيدًا، كما كانت تتميز بأنها متفانية وخجولة وذات طبيعة صامتة، كما أطلق عليها بعض المؤرخين لقب «أول أميرة حديثة».

Embed from Getty Images

صندوق هدايا عيد الميلاد.. ماري تتبع خطى الملكة فيكتوريا

كان أحد أهم مشروعات الأميرة ماري خلال الحرب العالمية الأولى، هو صندوق هدايا عيد الميلاد، والذي أُرسل من خلاله هدايا بقيمة 100 ألف جنيه إسترليني (يساوي نحو 11 مليون جنيه إسترليني عام 2017) لجميع الجنود والبحارة البريطانيين بمناسبة عيد الميلاد، عام 1914.

في ذلك الوقت كانت الأميرة تبلغ من العمر 17 عامًا فقط، وقد رغبت الأميرة في الدفع من قيمة بدلها الخاص (البدل الذي يصرف من الحكومة البريطانية لكل فرد من العائلة المالكة)، مقابل هدية شخصية لكل جندي وبحار بريطاني موجود بين الخنادق أو وسط البحار.

بالطبع، اعتبر هذا الأمر غير عملي، وقُدم اقتراح بإعارة الأميرة اسمها إلى صندوق عام «صندوق الأميرة ماري»، بهدف جمع الأموال اللازمة لتقديم الهدية، وأولت الأميرة الشابة اهتمامًا شخصيًّا عميقًا بعمل هذا الصندوق. وبالفعل، تلقى الصندوق التبرعات من كافة شرائح المجتمع، حتى المدارس، ليس هذا فحسب، بل جاءت بعض التبرعات من جميع أنحاء الإمبراطورية، مثل سكان محليين في إحدى المقاطعات الكندية.

«أريدك الآن أن تساعدني في إرسال هدية عيد الميلاد من الأمة بأكملها إلى كل بحار واقف على قدميه وكل جندي في المقدمة» *من خطاب صادر عن قصر باكنجهام وقعته الأميرة ماري.

كانت الأميرة تريد أن تشعر بقدر من السعادة عندما تساعد في إرسال رمز صغير للحب والتعاطف في صباح عيد الميلاد لكل هؤلاء الجنود، من وجهة نظرها، كانت ترى أن صناعة كل هذا العدد من الهدايا مفيد وذو قيمة كونه سيوفر فرص العمل للمهن التي تأثرت سلبًا من الحرب، كذلك، هي ترى أنه لا شيء يرفع الروح المعنوية للجنود أكثر من هدية يستلمونها مباشرة من الوطن يوم عيد الميلاد.

Embed from Getty Images

استمدت الأميرة هذه الفكرة من حرب البوير عام 1899، ففي العام الأول من هذه الحرب التي وقعت بين الجيش البريطاني وبين جمهوريات أفريقية تسعى للاستقلال في جنوب أفريقيا، كانت الملكة فيكتوريا قد شرعت في تقديم هدية شخصية فريدة للجنود الذين كانوا يقاتلون آنذاك، الهدية كانت شوكولاتة في علبة خاصة، صممت لتكون واحدة من أكثر القطع الأثرية قيمة في الحرب، ويبدو أن هذه الفكرة كان لها تأثير إيجابي في الأميرة ماري.

ماذا كانت هدية الأميرة ماري للجنود؟

ابتُكرت الهدايا في أكتوبر (تشرين الأول) 1914، وكانت مخصصة لتوزيعها على جميع من كانوا يخدمون في الخارج أو في البحر، في الوقت المناسب لعيد الميلاد، بعد ذلك، ومع ملاحظة وجود فائض في الأموال وشعور الكثيرين بأنهم قد استبعدوا من الحصول على هذه الرسائل، توسعت عملية التوزيع لتشمل جميع الذين كانوا يخدمون، سواء في الداخل أو في الخارج، وإلى أسرى الحرب وأقارب الضحايا.

هذا التوسيع في توزيع الهدايا، جعل إجمالي عدد الهدايا التي وزعت قرابة مليونين و620 ألفًا و19 هدية، كان من المتوقع أن يتلقى غالبية المستفيدين صندوقًا نحاسيًّا مزخرفًا يحتوي على أوقية واحدة من التبغ، و20 سيجارة، وغليون، وولاعة صاعقة، وبطاقة عيد الميلاد، وصورة فوتوغرافية.

لكن اللجنة المسؤولة تلقت شكاوى تتعلق بضرورة توفير بديل لهذه الهدايا لغير المدخنين، وبعد مناقشات، اتفقت اللجنة على أن يستلم غير المدخنين الصندوق النحاسي وعلبة من الأقراص الحمضية، وعلبة كتابة باللون الكاكي (اللون البني الفاتح) تحتوي على قلم رصاص وورق وأظرف مع بطاقة عيد الميلاد وصورة للأميرة.

ليس هذا فحسب، بل كان لا بد من مراعاة أذواق الأقليات واحترام القواعد الغذائية للمجموعات الدينية المختلفة، هذا يعني حدوث تغييرات لبعض فئات القوات الهندية، فالسيخ حصلوا على علبة مليئة بالحلوى السكرية، وعلبة من البهارات وبطاقة عيد الميلاد.

في النهاية، واجه موردو البضائع مشكلة في توفير كل هذه الكمية، فحلت اللجنة المشكلة عن طريق الشراء السريع لمجموعة متنوعة من الهدايا البديلة، مثل: أقلام الرصاص، وأكياس تبغ، وفرش حلاقة، والأمشاط، وعلب الأقلام، وسكاكين، ومقصات، وعلب سجائر، ومحافظ.

تاريخ

منذ سنتين
بدأت عادةً وثنية وصارت رمزًا للسنة الجديدة.. تاريخ شجرة «الكريسماس»

من الهند مرورًا بكندا وأستراليا وصولًا للمملكة المتحدة، لا يزال بالإمكان العثور على هذه الصناديق النحاسية الصغيرة الأنيقة التي تحمل صورة الأميرة الشابة في الأدراج والخزائن في جميع أنحاء العالم، البعض لا يزال يحتفظ بهذا الصندوق، بل يورثه لأبنائه وأحفاده حتى يومنا هذا.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد