يحبِس الشارع الجزائري أنفاسه انتظارًا لما يحمله يوم الجمعة 22 فبراير (شباط)، بعد ظهور عدّة دعوات وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الخروج للشارع والاحتجاج ضد ترشّح الرئيس بوتفليقة البالغ من العُمر 81 سنة لعُهدة خامسة، والذي يعاني من تدهور حالته الصحيّة منذ سنة 2013؛ إذ لا يستطيع الحديث أو المشي، وكان آخر خطاب متلفز ألقاه للعموم يعود لأكثر من ستّ سنوات كاملة.
ويعاني الرئيس بوتفليقة منذ أبريل (نيسان) 2013 من تدهور شديد في حالته الصحيّة؛ إذ تعرّض حينها لإصابة بجلطة دماغيّة، جعلته يبقى حبيس مستشفيات أوروبا لأكثر من 80 يومًا، ومنذ ذلك الحين لا يستطيع الرئيس التحرّك على قدميه أو الحديث للعلن، كما لا يؤدّي وظائفه الرسميّة الطبيعيّة كالظهور الإعلامي والخطابات الشعبية أو الزيارات الدبلوماسيّة.
وبعد الكثير من الترقّب والتكهّنات، أعلن بوتفليقة في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن ترشّحه لعهدة خامسة، وأقرّ الرئيس الذي وصل إلى سدّة الحكم سنة 1999 بأنّه «لم يعُد بنفس القوّة البدنيّة» التي كان عليها حسب تعبير الرسالة، في إشارة إلى مرضه، كما أعلن عن إجراء «ندوة وطنيّة من أجل التوافق» في حال فوزه، وهي نفس المبادرة التي كانت تنادي بها بعض الأحزاب المعارضة قبل الانتخابات.
وكانت طريقة إعلان بوتفليقة لترشّح قد أثارت جدلًا كبيرًا في الساحة السياسيّة، كونه لم يُخاطب الشعب مباشرة؛ إذ شكّكت بعض الوجوه المعارضة في مدى معرفة الرئيس بوتفليقة بهذه الرسالة أو كُتّابها الحقيقيين، من بينهم الوزير الأسبق، ورئيس حزب «طلائع الحريّات» المُعارض علي بن فليس الذي قال بأنّ بوتفليقة «لا يعلم بأنّه قد ترشّح» في إشارة إلى مرض الرئيس، وبأنّ أطرافًا أخرى لم يسمّها، تتحدّث باسمه.
احتجاجات تمهيديّة.. تحضيرًا لليوم الموعود
غليان الشارع الجزائري قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسيّة قد بدأ يتجسّد على شكل احتجاجات ومظاهرات رافضة للعهدة الخامسة في عدّة مناطق، فحتى قبل دعوات التظاهر في يوم 22 فبراير الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ شهدت مدينة خرّاطة الواقعة في الشرق الجزائري احتجاجات لمئات المواطنين حملوا الأعلام السوداء ورفعوا شعارات ضد العُهدة الخامسة، بالإضافة إلى مدينة خنشلة التي شهدت تجمّع مئات المواطنين أمام مقرّ البلدية، وطالبوا البلديّة بنزع صورة ضخمة للرئيس بوتفليقة تغطّي مبنى البلديّة، وذلك تعبيرًا عن اعتراضهم ورفضهم لترشّح الرئيس لعهدة جديدة. كما شهدت مدينة عنّابة الواقعة في أقصى الشرق الجزائري وقفات سلميّة حملوا فيها لافتات ضد العهدة الخامسة.
وبرزت عدّة مظاهر احتجاجيّة رافضة لترشّح الرئيس المريض لعهدة جديدة، كانت أبرزها تلك التي رافقت المترشّح للرئاسيّات رشيد نكاز الذي استطاع اكتساب شعبيّة جارفة في أوساط الشباب؛ إذ كثيرًا ما تتحوّل تجمّعاته الشعبية ولقاءاته بالمواطنين إلى احتجاجات ضدّ الأوضاع المعيشية والسياسيّة، تُرفع فيها شعارات معارضة للعهدة الخامسة.
وتأتي هذه الدعوات للتظاهر الشعبي في ظلّ عجز أحزاب المعارضة وشخصياتها على الاتفاق حول مرشّح توافقي لمنافسة بوتفليقة، وذلك رغم بروز عدّة مبادرات في هذا الصدد، من بينها مبادرة «حركة مجتمع السلم» وحزب «العدالة والتنمية»، إلاّ أنّها جميعها قد فشلت في الاتفاق على اسم تدخل به السباق ضد بوتفليقة.
وكانت هذه الأحزاب في اجتماعها الأخير الذي جرى الأربعاء 20 فبراير وسط حضور شخصيات سياسيّة ورؤساء أحزاب وغياب أخرى، عجزت فيه عن الخروج بمرشّح موحّد، واكتفت بإعلان تأييدها للتظاهرات السلميّة المُعارضة للعهدة الخامسة، وحذّروا السلطة من «مواجهة المواطنين في ممارسة حقّهم الدستوري في التظاهر والتعبير عن رفضهم لاستمرارية الوضع الحالي» حسب البيان الذي وقّعته.
وكانت مدينة بجاية قد شهدت مسيرات جابت شوارعها، حمل فيها المواطنون لافتات مُعارضة للعهدة الخامسة ومُطالبة برحيل النظام، كما تداول بعض الناشطين صورًا لمحلّات مُغلقة قالوا إنّ أصحابها دخلوا في إضراب عن العمل اعتراضًا على العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة.
#مباشرةبكارو – تيشيمسيرة شعبية سلمية في هذه الأثناء ضد العهدة الخامسة.
Geplaatst door بجاية كن المراقب Béjaia Sois l'observateur op Donderdag 21 februari 2019
لم تبرز تعليقات مهمّة حول هذه الدعوات الاحتجاجيّة من جهة الأطراف الحكوميّة، إذ يسود صمت وتوجّس كبير في الأوساط الرسميّة حوله، لكن مُنسّق حزب «جبهة التحرير الوطني» الحاكم مُعاذ بوشارب كان قد دعا في تعليمات أرسلها إلى أعضاء الحزب إلى «تعبئة شاملة» للمناضلين والمؤيدين للاتفاف حول رئيس الجمهورية، كما دعا إلى عقد جمعيات تحسيسية في كل أرجاء الوطن في يوميْ الجمعة والسبت 22 و23 فبراير، وهو نفس اليوم الذي وُجهت فيه دعوات للتظاهر ضدّ ترشّح بوتفليقة. وكان الوزير الأوّل السابق ومدير حملة بوتفليقة عبد المالك سلّال قد دعا إلى التحلّي بـ«السلمية والحنكة»، وأضاف «نحن نقبل الرأي الآخر».
تحضر الصورة ويغيب الأصل.. كيف تسبب المناسبات الوطنية الجزائرية الحرج لبوتفليقة؟
احتجاجات بدون قيادة واضحة.. وتخوّفات من انحراف الأوضاع نحو العنف
وعن الأطراف والحركات السياسيّة التي تقف خلف هذه الدعوات، فلا تبرز أحزاب رسميّة أو شخصيّات مُعارضة بارزة تتبنّى الحشد للمشاركة في هذا اليوم، إذ تغلُب حالة من الترقّب والتريّث على مواقف الأحزاب التي ثمّنت هذا الحراك دون أن تدعو إليه صراحة؛ مما قد يشير إلى أنّ هذه الاحتجاجات نابعة عن غضب شعبيّ عفوي، دون توجيه من الأحزاب والتيارات التقليدية.
وكانت بعض الشخصيات السياسيّة المعارضة قد عبّرت عن دعمها لهذه الاحتجاجات ودعت إليها عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، من بينهم الدبلوماسي السابق وعضو حركة «رشاد» المُعارضة محمد العربي زيتوت، الذي دعا إلى التحلّي بالسلمية وتأطير الاحتجاجات بدقّة من أجل تجنب انزلاقها للعُنف والتخريب.
وكانت بعض الأصوات قد حذّرت من انزلاق مثل هذه الاحتجاجات إلى العُنف مثلما حدث من قبل في يناير (كانون الثاني) سنة 2011 فيما سمّيت بانتفاضة «الزيت والسكّر»، والتي أتت في نفس توقيت الثورات العربيّة، إلاّ أن السلطات الجزائريّة وقوّات الأمن استطاعت التحكّم في الأوضاع الأمنية وإنهاء الموجة الاحتجاجيّة دون خسائر بشريّة كبيرة؛ مما سمح باحتواء تلك الموجة، كما أنّ السلطات كانت قد اتخذت إجراءات اجتماعيّة لخفض غضب الشارع، وأعلن الرئيس بوتفليقة في خطاب له آنذاك عن بدأ إصلاحات سياسيّة، من بينها فتح المجال الإعلامي للقنوات الخاصة، وفتح نقاش وطني لتعديل الدستور، والسماح بإنشاء أحزاب جديدة، لكن هذه الإجراءات شهدت تراجعًا ملحوظًا بعد مرور موجة الربيع العربي؛ إذ تعاني الكثير من الأحزاب والناشطين السياسيين من غياب الاعتماد ومنعهم من النشاط بشكل قانونيّ.
في المُقابل، وفي ظلّ مؤشّرات الغضب الشعبي والدعوات لاحتجاجات 22 فبراير، ترسم أصوات السلطة واقعًا موازيًا بعيدًا تمامًا عن هذه الدعوات؛ إذ يؤكّد الوزير الأوّل ورئيس حملة المترشّح بوتفليقة أنّ حملته استطاعت جمع ملايين الاستمارات، وقد فاق عددها تلك التي جمعتها سنة 2014.
«عهدة خامسة» تلوح في الأفق.. كيف استطاع بوتفليقة التلاعب بالطبقة السياسيّة؟