الشَّباب وقود الثَّورات

بالطبع هذه هي الجملة الأشهر حول دور الشباب في الثورات. في ثورة مصر 25 يناير التي دشَّنها الشباب، طالما تشدَّق السياسيون والمسؤولون بوجوب إشراكهم في الحياة السياسية لأنَّهم روحُ الثورة ومفجِّروها. فهل تمَّ إشراكهم فيها فعلًا؟ أم تمَّ كبتهم والتضييق عليهم؟ وهل بقيَ منهم من حافظ على ثوريته؟ من ظلَّ على منهجه ومبادئه؟ أم أنَّ أحابيل السياسة وتصاريف الزَّمن قد غيرتهم كذلك؟

في هذا التقرير عرض لتاريخ 11 من شباب الثورة الذين تمتعوا بحسٍّ قياديّ أو برزوا وحشدوا للثورة:

تنويه: الاختيار ليس انتقائيًا وإنما حاول التعبير عن جميع الاطياف. كما أنَّه حاول التعبير عن الشباب الذين شاركوا بالنزول في الاعتصامات والمظاهرات أو الذين أيدوا وبرزوا بعد الثورة كشباب كتاب ومفكرين

1- وائل غُنيم: الثورة من فيس بوك ثمَّ اعتزال السياسة!

050815_1523_1.jpg

 

الشابّ المصري الصغير، النَّاجح في شركة جوجل العالميَّة، يتسلَّم جائزة جون كينيدي السنوية في الشجاعة باعتبارهِ أحد رموز ثورة 25 يناير 2011. الشَّاب لم يكن يتخيَّل أن يُصبح الفتى الأوَّل في مصر خلال أيام الثورة. هو الذي أنشأ صفحة كلنا خالد سعيد مع بعض زملائه (عبدالرحمن منصور ومصطفى النَّجار) وكان صاحب فكرة الدعوة للتظاهرات في عيد الشرطة 25 يناير، لتنطلق الثورة.

تمَّ اعتقال وائل غنيم من قبل الدولة المصرية، ظلَّ مُعتقلًا منذ بداية الثورة وحتى خروجه يوم 8 فبراير 2011 قبل سقوط النظام بثلاثة أيام. لم يكن أحد يعرف أين وائل طيلة 12 يومًا. استمرّ وائل بعد الثورة ناشطًا سياسيًا يدعو للتظاهرات وينتظر الناس مواقفه السياسية.

كلمة وائل غنيم يوم 8 فبراير 2011 بميدان التحرير

 

 

في فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي كان وائل معارضًا للنظام، وقد وجه أكثر من رسالة للرئيس مرسي عبر حسابه على تويتر. الجدير بالذكر أن وائل غنيم كان مؤيدًا للرئيس مرسي أثناء الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة عام 2012، لكنَّه اعترض على سياساته مرارًا. حتَّى أيد مظاهرات 30 يونيو 2013، لكنَّهُ ومنذ الإطاحة بالرئيس من قبل الجيش أعلن أنَّهُ سيعتزل السياسة تمامًا مفضلًا الصَّمت. وحتَّى الآن لا يشارك وائل غنيم أية مشاركات سياسية. لتنتهي هاهنا الحلقة الأولى لمسيرة أحد شباب ثورة 25 يناير السياسية.

2- أحمد ماهر: من تأييد السيسي إلى سجون السيسي!

إن كثيرًا من النخب الليبرالية والثورية والشبابية وقعت بالفعل في الفخ، وإن الجميع كانوا يعلمون منذ البداية أن العسكر عائدون إلى السلطة، وأنه لن يسلم أحد من التشويه والشائعات” ختام رسالة من داخل السجن بعنوان “للأسف كُنتُ أعلم.

أحمد ماهر ـ بخلاف وائل غنيم وغيره، له تاريخه الشخصي من المعارضة والاعتقال لنظام الحكم. أثناء نظام مبارك كان ماهر المؤسس الرئيسي لحركة 6 أبريل الاحتجاجية في أبريل 2008. اعتقل أحمد أثناء نظام مبارك عام 2006 و2008 و2010، بتهم تتعلق كلها بتكدير الصفو العام وإهانة المناصب والتحريض على العنف. ما يتعلق بهذه النقطة أن ماهر قد اعتقل إبان حكم الرئيس السابق محمد مرسي في سجن العقرب على خلفية تظاهره أمام منزل وزير الداخلية المُقال محمَّد إبراهيم. ليس هذا فحسب بل إنَّهُ يقبع في المعتقل حاليًا بعدما سلَّم نفسه للسلطات – التي كان قد أيدها – امتثالًا لأمر قضائي بالقبض عليه لتحديه قانون التظاهر الذي تمَّ سَنُّه بعد 3 يوليو 2013. فإلى بعض وقفات في تاريخ أحمد السياسي.

 من داخل الزنزانة

من المعروف بالطبع أن ماهر كان في الصفوف الأولى لثورة يناير هو وحركة 6 أبريل. وكانت الحركة ممثلةً في ائتلاف شباب الثورة، عارض ماهر – وكذلك الحركة بالطبع – المجلس العسكري وحكمه لمصر، شارك في التظاهرات الثورية، وحين الجولة النهائية للانتخابات وقف في صفّ الرئيس السابق مُحمَّد مرسي، في مواجهة الفريق أحمد شفيق. لكنَّ التعاون بين الحركة وماهر وبين الإخوان لم يكتمل بالطبع.

شهور قليلة وعاد ماهر إلى الشارع في معارضة الرئيس السابق محمد مرسي. شارك في تظاهرات 30 يونيو 2013، أيَّد السُلطة الجديدة، ولكنهُ سرعانَ ما تراجع عن تأييده معلنًا أنَّهُ ضد هذه السلطة وأنَّ منهج حركته ضدَّ الدمّ والعنف وهو ما حدث من قبل السلطة الجديدة. ماهر الآن مُعتقل منذُ سنة وخمسة أشهر – نوفمبر 2013  – ويكتب مقالات من داخل السجن.

لقراءة مقالات ماهر؛ من هنا

مُدوَّنة أحمد ماهر:  MAHER’S VOICE

اقرأ أيضًا: في الذكرى السابعة لتأسيسها: حركة شباب 6 أبريل.. المسار والحصاد وتحديات المستقبل

3- علاء عبد الفتَّاح: الميراث اليساري من المعتقل إلى المعتقل

سجين كُلّ العصور

هذا هُوَ لقب علاء عبد الفتاح. علاء من أسرة يسارية، المحامي الحقوقي أحمد سيف الإسلام، والدكتورة ليلى سويف، المعروفان بنشاطاتهما السياسية هُما والداه، علاء يساري كما الأسرة. ومثل أحمد ماهر كان لعلاء تاريخ آخر من النضال قبل الثورة ضد النظام الأسبق، نظام مبارك. في 2006 كانت البداية من قبل علاء وبعض المدونين المصريين الآخرين عندما قاموا بتدشين وقفة احتجاجية تطالب باستقلال القضاء. هذا الاعتقال أوجدَ صدىً كبيرًا في الداخل والخارج، أنشات مدونة بالإنجليزية عنوانها “الحرية لعلاء” Free Alaa للمطالبة بإطلاق سراحه. ما أوجد زخمًا كبيرًا حول شخص علاء.

مدوَّنة علاء وزوجته منال: منال وعلاء

لا تراجع بعد اليوم، سوف نستمر في أنشطتنا السياسية” * منال حسن زوجة علاء متحدثةً لصحيفة بريطانية لدى الإفراج عنه في يونيو/حزيران 2006.

050815_1523_2.jpg

في ميدان التحرير

خلال ثورة 25 يناير كانَ علاء قد اكتسب زخمًا كبيرًا، تزايدت تحركات علاء خلال الفترة الانتقالية بعد الثورة، كان اعتقاله الثاني في أكتوبر 2011 بتُهمة التَّحريض والاشتراك على التعدِّي على عناصر ومعدَّات الجيش. وأثناء سجنه رُزق بابنه الأول، الذي أسماه خالد. خلال التحقيقات معه رفضَ الرَّدّ على الأسئلة التي وجهتها له النيابة العسكرية من منطلق رفضُه للمحاكمات العسكرية فتمّ تحويله إلى نيابة أمن الدولة العليا. كسابقيه كان علاء عبد الفتاح مؤيدًا للرئيس السابق محمد مرسي أثناء الجولة الأخيرة من انتخابات 2012 لكنَّهُ سرعان ما عارضهُ كذلك.

انضمَّ علاء لمظاهرات 30 يونيو، وبعد تحرك الجيش في 3 يوليو كان مؤيدًا لفضّ اعتصام النهضة باعتباره اعتصامًا مُسلَّحًا. لكنَّهُ سرعان أيضًا ما انقلب على السلطة الجديدة وعارضها بعد سنها لقانون تنظيم التظاهر. (عارض الرئيسين عدلي منصور والسيسي معًا). شارك في وقفة أمام مجلس الشورى لرفض المحاكمات العسكرية فتمَّ القبض عليه وحُكم عليه بـ 15 عامًا في جلسة لم يحضرها. ثمَّ تمَّ إخلاء سبيله مؤقتًا في سبتمبر 2014.

بالنهاية؛ بعد تخفيف الحُكم، علاء معتقل الآن يواجه حكمًا بالسَّجن خمس سنوات.

اقرأ أيضًا: في الذكرى الثالثة لأحداث محمد محمود .. رفقاء “شارع الحرية” في السجن

4- وائل عبَّاس: ضد جميع الأنظمة!

حاول جهاز أمن الدولة المصري إسقاط مدونتي أكثر من مرة، كما فعل مع عشر مدونات سياسية أخرى اختفت بالفعل من شبكة الإنترنت أو لم يعد ممكنا الدخول إليها سوى من خارج مصر . *وائل عبّاس

050815_1523_3.jpg

من مدوّني عام 2004، اشتهرَ بعد أن أذاع شريطًا مسجلًا يظهر فيه الشرطة المصرية وهي تنتهك مواطنين وتقوم بتعذيبهم. ما كان سببًا في إثبات الأدلة على ضباط الشرطة حينها. اشتهرت مدونته الوعي المصري منذ العام 2005، بعد ذلك وصلت زياراتها أكثر من مليون زائر شهريًا. بدأ عباس نزول المظاهرات كذلك في عهد نظام مبارك، لكنَّ ظهوره أصبح خافتًا ما بعد الثورة، ربما اكتفى بتدوينات هُنا وهناك، وبعض النزول للمظاهرات، لكنَّ الملاحظ أن ظهوره خفت. لكنَّ تدويناته لم تختفِ. حسب وائل فإنَّ ظهوره لم يخفت وإنما كان موجودًا، الذي حدث أنَّ الإعلام أظهر بعض الوجوه الثورية الأخرى ولم تُظهر نشاطاته لأنه كانت له مشكلات مع بعض مالكي هذه القنوات.

بالطبع كان معارضًا لحكم المجلس العسكري، معارضًا للفريق شفيق ولمرسي معًا، مقاطعًا للانتخابات التي حدثت بين شفيق ومرسي باعتبارها صفقة بين العسكر والإخوان، ثمَّ أصبح معارضًا لمرسي كذلك، ورغم ذلك كان معارضًا لعزله بالطريقة التي عُزل بها بتدخل عسكري، لكنه يؤكد أنه لم يكن يمانع من عزله شعبيًا.

وائل عبَّاس ضدَّ الإطاحة بمرسي

 

وائل عباس ربَّما هو الوحيد من جيل المدونين الذي نال عددًا كبيرًا من الجوائز من خارج مصر (حوالي 11 جائزة) ولهُ حضور واسع خارج مصر. ورغم معارضته للسيسي من خلال حسابيه على فيس بوك وتويتر لم يتورَّط فيما يضعهُ على طائلة القانون مثل ماهر وعلاء عبد الفتاح مثلًا.

5- حسام أبو البخاري:الوجه الإسلامي للثورة

عاوزين حرية حقيقية

ربما لم يبزغ نجم من التيار الإسلامي مثلما بزغ نجم حسام أبو البخاري، المتحدث الرسمي لما يسمى التيار الإسلامي العام. حُسام ربما كان مختلفًا، الشاب صاحب الذقن باعتباره إسلاميًا، الذي يتبنى وجهات نظر إسلامية ويخرج إلى البرامج التليفزيونية ليناقشها علانيةً. ربَّما لم يكن مشهدًا متكررًا أن يخرج “إسلاميّ على مثل هذه البرامج ويناقش بمثل هذه الجدِّية. حُسام لهُ قصتهُ هو الآخر مع الثورة.

في الأيام الاولى لثورة يناير خرجَ حُسام أبو البخاري في المظاهرات، اتخذ موقفًا واضحًا منذ البداية ضدّ حكم “العسكر”، واتخذ خطوات تصعيدية كبيرة؛ فقد كان من كبار الداعين للتظاهر عند مقرات أمن الدولة في مارس 2011  ثمَّ اقتحامها. ظلّ على موقفه من النظام “العسكري” حتى كانت أحداث 3يوليو والتحرُّك الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي. هنا كان أبو البخاري ضد العسكر كما كان منذ البداية، لكنَّ تحركه كان على مستوى الأرض فدخل في اعتصام رابعة العدوية من ضمن المعتصمين.

أبو البخاري من فوق منصة اعتصام رابعة العدوية:

في أغسطس 2013 كان فضّ اعتصام رابعة العدوية، تمَّ القبض عليه ثم إصابته برصاصة في وجهه من قِبل قوات الأمن ـ وفق أشهر الروايات ـ بعدها نُقل إلى مستشفى التأمين الصحي فأبلغ عنه الطبيب المعالج! فتم اقتياده وهو مصاب إلى قسم النزهة ثمَّ تم ترحيله إلى سجن طُره، ثم إلى سجن العقرب شديد الحراسة. في رسالته التي سربت من محبسه وصف الزنزانة التي يقبع فيها بـ “علبة السردين”. ولا زال أبو البخاري يعاني كمًا من الانتهاكات التي تمثلت في: منع الزيارات الخاصة به، نقله إلى الحبس الانفرادي، منعه من التصرف في الاموال التي تركت لهُ في كانتين السجن، إلى غير ذلك من الممارسات التي تم رصدها.

1 2
تحميل المزيد