آخر تحديث 10 مارس 2019

أعلنت ماليزيا يوم الأربعاء الماضي، الموافق 6 مارس (آذار) 2019، ترحيل معارضين مصريين من ماليزيا وتسليمهم إلى مصر، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الماليزية، إن المُرحلين الذين أقاموا في ماليزيا لأربع سنوات اعتقلوا بموجب قانون الجرائم الأمنية، بعدما ألغيت إقاماتهم بموجب المادة التاسعة من قانون الهجرة التي تخول مدير دائرة الهجرة الماليزية الحق في إلغاء إقامة من يعتقد أن وجوده «يسيء إلى البلاد لأي سبب» بحسب بيان للدائرة، ضمن كلام رسمي ماليزي معلن مقتضب ومتأخر أثار تساؤلات حول أسباب تلك الخطوة ودلالتها أكثر مما قدّم إجابات؛ لنحاول في هذا التقرير التعرف إلى الأسباب المحتملة التي قد تقف وراء تلك الخطوة المفاجئة!

خطوة قد يعقبها طلبات مغادرة للمعارضين المصريين 

حاول «ساسة بوست» الوصول لتفسير محدد لتلك الخطوة من خلال التواصل مع باحث مصري مقيم في ماليزيا، والذي أشار إلى غموض وتكتم ماليزي في التعامل مع الحادثة، إذ قال: «هذا أمر غير مفهوم وغير معروف عن ماليزيا. والكلام الرسمي غير كاف لتوضيح الأسباب، لكن يبدو أن هناك تغيرًا ما في السياسات. وليس مفهومًا بعد إذا كانت تلك الخطوة مجرد حادثة عابرة، أم سياسة عامة ستنتهجها ماليزيا ضد المعارضين في الفترة المقبلة» لافتًا إلى أنه «خلال الفترة الماضية، كان هناك تضييق على بعض المصريين واستدعاء لهم».

تقرير مصور من إعداد صحيفة «ميديل إيست آي» البريطانية، تظهر استغاثة باكية لزوجة أحد المُرحلين:

وحول سياسة ماليزيا المستقبلية في التعامل مع المعارضين المصريين على أراضيها، توقع الباحث الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن يكون هناك طلبات بالمغادرة من بعض المعارضين المصريين، لا ترحيل مباشر لهم، وأشار الباحث إلى انخفاض الحديث الرسمي الماليزي عن القضية، مندهشًا من ذلك التكتم «غير المعتاد في قضايا الارهاب والمداهمات؛ فهم يحبون إظهار مجهوداتهم في هذا الجانب»، بحسبه.

وهو تكتم ظل مستمرًا لفترة طويل تمتد لخمسة أيام قبل أن تعلن وزارة الداخلية الماليزية في بيان متأخر صدر يوم 10 مارس (آذار) 2019 بأنها ألقت القبض على تسعة أشخاص بينهم ماليزيين، وستة مصريين وتونسي اعتبرتهم أنهم لهم علاقة بالإرهاب. وقالت ماليزيا في بيانها: إن هناك تونسيًا ومصريًا منضمين لتنظيم «أنصار الشريعة التونسية» التابع لـ«القاعدة»، فيما قدّم بقية المتهمين لهم تسهيلات بالسكن والإقامة والتنقل في ماليزيا، بحسب البيان الماليزي، الذي ألقاه فوزي هارون المفتش العام للشرطة الماليزية، والذي لفت إلى أن المتهمين حاولوا جعل ماليزيا ملاذًا آمنًا  للإرهابيين ونقطة تنقل لهم، وعلى إثر تلك الاتهامات رحّلت ماليزيا الأجانب وأدرجتهم في القائمة السوداء الممنوعين من دخول ماليزيا مدى الحياة، بدلًا عن مقاضاتهم على أراضيها.

https://www.sasapost.com/10-international-organizations-condemn-the-execution-of-9-youth-in-egypt/

وبالنظر في هذه الواقعة التي تعد الأولى من نوعها، نجد أن الأسباب المحتملة لترحيل المعارضين المصريين الذين لم تتهمهم ماليزيا بالتورط في أعمال إرهابية، قسريًا، قد يعود للأسباب التالية، أو أحدها:

1- الإخوان تباطؤوا في وقف الترحيل

من بين المرحلين أربعة، أشارت تقارير إلى قربهم من جماعة الإخوان المسلمين  وهم: محمد فتحي عيد، وعبد الله محمد هشام، وعبد الرحمن عبد العزيز، وعزمي محمد، وتشير أحد احتمالات ترحيلهم إلى تباطؤ قيادات الإخوان المسلمين في وقف عملية الترحيل، وأنه لو كانت الإجراءات أكثر جدية وقوة لكانت النتيجة مختلفة.

وهو ما مال إليه الباحث المصري، الذي قال إن عند اعتقال المعارضين «كان هناك بطء شديد من الإخوان في التدخل سياسيًا وقانونيًا لوقف الترحيل؛ إذ استعانوا بمحامين بلا خبرة، ولم يتدخلوا بالجدية الكافية مع المسؤولين لوقف الترحيل».

منذ اللحظة الأولى سارع جميع الأصدقاء والزملاء المتواجدون في ماليزيا بالوقوف مع المضارين، كلٌّ وفقًا لما يستطيع. وتم توكيل المحامين، والتواصل مع من له صلة شخصية بالمجتمع الماليزي. كانت جميع الرسائل والمعلومات الواردة عبر المحامين وأهالي المقبوض عليهم مطمئنة وإيجابية، وتم التأكيد على براءة الشباب من الارتباط بالإرهاب؛ وتم تسليم جهات التحقيق ما يفيد وقوع ضرر بالغ على الموقوفين حال ترحيلهم إلى مصر. وتمت مقابلة وزير الداخلية الماليزي وقد وعد خيرًا.

هذه الكلمات جاءت في بيان توضيحي أصدره همام علي يوسف القيادي بجماعة الإخوان المسلمين عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، مساء يوم 5 مارس 2019، ولكن الأمور على أرض الواقع جرّت على عكس تلك الكلمات التي بدت «مُطمئنة»؛ بالترحيل الفعلي للمعارضين.

«بيقولوا الناس مترحلوش وبنكلم وزير الداخلية وهما (المعارضين ) كانوا اتسلموا؛ تصريحاتهم كذبتهم»، هكذا علق الباحث المصري على بيان يوسف منتقدًا إياه، و لم يصدر يوسف بيانًا تاليًا لتوضيح الأمور بعد إعلان ترحيل المعارضين، وحاول «ساسة بوست» التواصل مع يوسف للتعليق على الترحيل والرد على الانتقادات، لكن لم يصلنا رد منه حتى مثول التقرير للنشر.

توضيح بشأن الشباب المصري المحتجز في ماليزيا كما وردني من المهتمين بالشأن المصري بماليزيا .********************بسم الله…

Geplaatst door ‎همام على يوسف‎ op Dinsdag 5 maart 2019

2- خوفًا على الجالية الماليزية في مصر

في 5 مارس ذلك اليوم الذي شهد ترحيل معارضيين مصريين من ماليزيا إلى مصر ذلك العام 2019، كان قد شهد قبل عامين، في 2017،  ترحيل 104 طالب أزهري ماليزي، من مصر إلى ماليزيا بشكل مفاجئ، لأسباب معلنة تتعلق بعدم حصولهم على تأشيرات طلاب مناسبة، وهو قرار تسبب في إزعاج كبير للطلبة المرحلين وذويهم، الذين أكدوا تفاجأهم باعتقالهم وترحيلهم، مع أنهم كانوا قد قدموا كافة الإجراءات المطلوبة لتقديم طلبات تأشيرة، ولكن السلطات المصرية باغتتهم بالاعتقال والترحيل.

من بين هذه الطالبات كانت إليا محمد نجيب التي قالت في تصريحات صحافية عقب وصولها ماليزيا: «لقد تقدمت بطلب للحصول على التأشيرة سابقًا وجرى الموافقة عليها، ومع أني تقدمت بالطلب هذا العام، إلا أنني لم أستلمه بعد»، وأضافت «اعتقدت أن الأمر سيستغرق بعض الوقت للسفارة الماليزية في القاهرة لإصداره. لكني صُدمت عندما وجدت القوات المصرية في حرمنا وبدأت في تفتيش مكتبنا الإداري»، وأشارت إلى خضوعها لمراقبة الشرطة لمدة أسبوع قبل ترحيلها.

Embed from Getty Images

ماليزيون في مصر

بدورها، قالت شاه علم، إنها اتبعت كل القواعد والإجراءات المطلوبة للتقديم إلى التأشيرة، ومع ذلك رُحلت، وقالت بعد وصولها ماليزيا «لا أستحق الترحيل، هذا ليس خطئي، لقد عانى والدي كثيرًا لدفع تكاليف دراستي»، وأضافت باكية: «لدي امتحان في 15 مارس، وبسبب هذا الترحيل لن أتمكن من حضوره، كل ما درسته خلال العام الماضي أُهدر الآن، وعندما أعود بعد ذلك، سأضطر إلى إعادة دراستي».

ذلك الترحيل الذي بدا «تعسفيًا» بعض الشيء وتكديريًا لماليزيا وجاليتها في مصر، ربما مثّل ورقة ضغط على الحكومة الماليزية، لترحيل بعض المعارضين المصريين المطلوبين لدى السلطات المصرية، تجنبًا لإجراءات ترحيل للطلبة الماليزيين في مصر، وخوفًا على سلامة الجالية الماليزية في مصر؛ إذ يتواجد آلاف الماليزين في مصر، لتلقي التعليم الأزهري.

وقد حاولت صحف ماليزية أخذ رد من السفارة المصرية على ترحيل المعارضين المصريين، ولكنها لم تتلقَ ردودًا، ليزيد على التكتم الماليزي تكتم مصري قد يفتح المجال لإمكانية وجود ضغوط دبلوماسية وسياسية وأمنية غير معلنة لهذا الترحيل.

وفي هذا الجانب، قال أحمد عزام، نائب رئيس «الاتحاد العام للمنظمات غير الحكومية في العالم الإسلامي»، إن السلطات الماليزية حاولت التغطية على عملية الترحيل، واصفًا إياه بـ«المخجل» وقال إن: «الشرطة الماليزية تعاونت مع المخابرات المصرية لترحيل المعارضين سرًا، دون علم المسؤولين الحكوميين».

ولفت إلى أن قانون مكافحة الإرهاب في ماليزيا يسمح لأجهزة الأمن والشرطة بالتصرف دون إبلاغ الحكومة، وهو ما أكدت عليه لجنة «حقوق الإنسان الماليزية»، المدعومة من الحكومة، التي نفت علم الحكومة بالاعتقالات، فيما قال باحث في «معهد الدراسات الماليزية» إن المسؤولين فضلوا أن يكونوا في «الظل» أثناء عمليات الترحيل المخطط لها مسبقًا، وفضلوا عدم الظهور في الصورة.

دولي

منذ 4 سنوات
عجوز يجدد أمل شباب ماليزيا.. القصة الكاملة لـ«مهاتير» محمد وصعوده الجديد

3- هل للسعودية أوالإمارت أي دخل؟

بالرغم من اقتضاب الحديث الرسمي، إلا أن الطابع الرسمي لترحيل هؤلاء المعارضين الأربعة، بدا واضحًا من التصريحات الرسمية، ويبدو أن هناك سببًا محتملًا آخرًا قد يكون هو ما دفع ماليزيا لتلك الخطوة التي بدّت غريبة عن سياستها المرنة التي انتهجتها لسنوات تجاه المعارضين المصريين المقيمين على أراضيها، الذين لم يثبت تورطهم في شيء يمس أمن البلاد

إذ من المحتمل أن تكون الحكومة الماليزية قد تعرضت لضغوط من معارضيها المدعومين بحسب تقارير صحافية من السعودية والإمارات، للتضييق على معارضين مصريين، قد تتهمهم أصوات ماليزية معارضة بالإرهاب، وهو ما رجحه أيضًا الباحث المصري الذي تواصل «ساسة بوست» معه.

ودعم ذلك التوجه أيضًا حرص ماليزيا على الظهور بمظهر الطرف المحايد في قضايا الشرق الأوسط، عدا ملف إسرائيل الذي تُظهر فيه ماليزيا عداوة واضحة لإسرائيل وتضع على جواز سفرها «صالح لكل دول العالم عدا إسرائيل».

ومع تأكيد ماليزيا حرصها على علاقة جيدة مع الجميع عدا إسرائيل، والنأي بنفسها عن الأزمة الخليجية، وحرصها على علاقات جيدة مع السعودية مثلها مثل قطر، إلا أنها تُتهم أحيانًا بالتقرب أكثر نحو المحور التركي القطري، وبالأخص مع الإعلان في يونيو (حزيران) الماضي، عن الانسحاب من التحالف العربي في اليمن، مما قد يوحي بأن ترحيل المعارضين المصريين، ما هو إلا خطوة في اتجاه المحور المصري الإماراتي السعودي، وتوضيح أنها على الحياد.

لكن على الجانب الآخر، يضعف ذلك الاحتمال ابتعاده بعض الشيء عن إمكانية أن تضغط دول بحجم السعودية والإمارات فقط لترحيل بعض المعارضين المصريين، وبالأخص مع اتهامات ماليزيا بعلاقة المُرحلين بـ«الإرهاب»، وإمكانية أن تكون واقعة الترحيل مجرد واقعة فردية بظروف خاصة، وليست بالضرورة سياسة عامة من الحكومة الماليزية للتضييق على معارضي النظام المصري على أراضيها.

«تناقض وانتهاكات مخجلة».. انتقادات حقوقية للحكومة الماليزية

«زوجي كان يعترف مباشرة عن نفسه، دون الاستماع لأسئلة القاضي، القاضي قال له «يا ابني هو أنا لسه سألتك؟» فأجابه: «أيوه أنا محمد وعارف بقول إيه». المحامي قال إن زوجي لم يكن متزنًا عقليًا، وكان مشتت الانتباه ونظره ضعيف للغاية، ويشير بيده بحركات غريبة وابتسامات غير مفهومة».

هكذا عبّرت ولاء الغزالي، زوجة محمد عبد الحفيظ المعتقل المرحل من تركيا إلى مصر، والمتهم باغتيال النائب العام السابق هشام بركات، وأرجعت سبب ذلك إلى اصطحابه من ظابطي أمن وطني في التحقيقات وتعرضه لتعذيب «ممنهج طيلة الأسابيع الماضية»، وقالت أيضًا إن نزلاء الزنازين المجاورة، أبلغوها سماع صراخه طوال الليل، ولفتت إنه أدرج في قضية حادثة الاغتيال، بالرغم من وقوع الحادث بعد خروجه من مصر.

ليظل مصير عبد الحفيظ عالقًا في الأذهان، ويثير شكوكًا عن احتمالية تعرض المعارضين الآخرين المرحلين مؤخرًا من ماليزيا، وسط موجة ترحيل لمعارضين، كاد أن ينضم إليها اليوم طالب مصري في كوريا يُدعى مصطفى، داهمه البوليس الإيطالي أثناء مروره ترانيزت على روما قبل أن يتركوه.

وزادت الانتقادات الحقوقية الماليزية لقرار ترحيل المعارضين المصريين؛ إذ قالت الحقوقية الماليزية لطيفة كويا إن ماليزيا بقرار ترحيلهم تنتهك بوضوح المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وشبهت قرارها بـ«وضع حبل المشنقة على رقابهم» مؤكدًا تعرضهم للاضطهاد.

بدورها، انتقدت منظمة «العفو الدولية» قرار الترحيل، وقالت على لسان شاميني دارشني، رئيس الفرع الماليزي للمنظمة إن «الرجال (المُرحلين) يواجهون الآن خطر الاختفاء القسري والتعذيب والاحتجاز لفترات طويلة قبل المحاكمة بالإضافة إلى المحاكمات الجائرة»، مطالبًا الحكومة الماليزية، باحترام مبدأ عدم الترحيل القسري.

فيما قالت صحيفة «فري ماليزيا توداي» الماليزية إن قرار ترحيل المصريين «يتناقض مع إسقاط السلطات الماليزية التهم المتعلقة بهجرة 11 شخصًا من الإيجور دخلوا إلى ماليزيا بعد فرارهم من السجن في تايلاند؛ وتحدّت ماليزيا الصين بإرسالهم إلى تركيا؛ لخوفها من احتمال تعرضهم لتعذيب في الصين».

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد