يُمكنك، وفقًا للمُعتقدات البشرية القديمة، أن تجد آلهة من الإناث تقع على كواهلهن العديد من المهام الرئيسة في الكون، يتولين تنظيم حياة البشر وحمايتهم ودعمهم في الحروب وإلهامهم القوة والشجاعة، آلهة تسعى لدعم الحكمة وتعزيز الرخاء ورُبما تسعى أيضًا لمُعاقبة البشر.

خلال السطور التالية يُمكنك التعرف على أربع إلهات من الإناث كان لهن دور رئيس ومهم في حضارات وثقافات قديمة مُختلفة.

1. حتحور.. الإلهة الذهبية التي جلبت الخير

كانت حتحور في الديانة المصرية القديمة هي إلهة السماء، وراعية المرأة، والخصوبة، والحب. نشأت عبادة حتحور في أوائل عصر الأسرات، تقريبًا في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ويعني اسم حتحور «معبد حورس»، ويُقال إن اسم حتحور يُشير إلى الأسطورة القائلة بأن حورس، إله الشمس، يدخل فمها كل ليلة للراحة ويعود مع طلوع الفجر. وهكذا يرتبط اسمها بإعادة الولادة، والتجديد، والإلهام، والضوء.

تاريخ وفلسفة

منذ 3 سنوات
حتى القاتل في حاجة إلى إله يقدسه.. 4 من «آلهة العنف» في الثقافات القديمة

كانت حتحور تعتبر الإلهة البدائية التي اشتُقت منها الآلهة الأخرى. عادةً ما يتم تصويرها على أنها امرأة برأس بقرة، أو آذان بقرة، أو يتم تجسيدها بالكامل في شكل بقرة. جُسدت أحيانًا في شكل بقرة بيضاء نقية تحمل صينية طعام على رأسها ويتدفق الحليب من ضرعها.

كان من مهام حتحور طرد الشر من الأرض وإلهام الخير، وكانت ربة الفرح، والاحتفال، والحب، وقد ارتبطت دومًا بصحة المرأة وجسدها.

وكانت حتحور إلهة ذات شعبية كبيرة ومؤثرة. تُعلّق باحثة المصريات جيرالدين بينش على هذا قائلة: «كانت حتحور هي الإلهة الذهبية التي ساعدت النساء على الإنجاب، وساعدت الأموات على البعث، والولادة من جديد، وتجدد الكون. اعتُبر أن هذا الإله المُعقد يعمل أمًّا وقرينة وابنة للإله الخالق. وقد اعتبرت العديد من الآلهة الصغرى «أسماء» لحتحور في جوانبها الخيرية والمُدمرة المتناقضة».

على الرغم من أن حتحور تُعتبر التجسيد النهائي للرفق والحب، إلا أنها كانت في البداية متعطشة للدماء، وأطلقت عنانها لمُعاقبة البشر على خطاياهم.

Embed from Getty Images

يحكي نص قديم، من كتاب «البقرة السماوية»، عن غضب الإله العظيم رع من الشر وجحود البشر، وإطلاقه حتحور على البشرية لتدميرها.

تنزل حتحور إلى العالم البشري في غمرة دمار، وتقتل كل من تجده وتطيح بمدنهم، وتحطم منازلهم وتُفسد الحقول والحدائق وهي في ذلك تحمل اسم الإلهة سخمت. كان رع يراقب دمار سخمت بارتياح حتى تدخلت الآلهة الأخرى وطلبوا منه الرحمة، وأشاروا إلى أن سخمت تطرفت في عقاب البشر، وأنه مع استمرار سخمت في عقابها لن يكون هناك بشر على وجه الأرض للاستفادة من الدرس.

يأسف رع لقراره ويقوم بتحويل سخمت إلى حتحور الخيِّرة. لتنجو البشرية من الدمار وتتحول مُعذبتها السابقة إلى أعظم محسن لها.

بعد تحولها، منحت حتحور هدايا جميلة لأطفال الأرض، وتولت مكانة عالية، وأصبحت الإلهة الأم الأولى، والتي تولّت السماء، والشمس، والقمر، والزراعة، والخصوبة، والشرق، والغرب، والرطوبةئ والولادة. وارتبطت بالفرح، والموسيقى، والحب، والأمومة، والرقص، وقبل كل شيء الامتنان.

2. ساراسواتي.. إلهة الحكمة الهندوسية وحامية الكون

ساراسواتي هي إلهة التعلم والحكمة والجمال الهندوسية، وهي راعية للفنون والعلوم، اسم ساراسواتي يعني «أنيقة» و «متدفقة»، وهي متزوجة من براهما، أعلى إله في الديانة الهندوسية، وتحاول حماية زوجها بجهودها النشطة في السعي إلى الحفاظ على الحكمة.

Embed from Getty Images

ساراسواتي هي جزء من أحد الثالوثين الأساسيين في الثقافة الهندوسية. الأول والأكثر شهرة هو ثالوث براهما، وفيشنو، وشيفا، الذين يحافظون معًا على تنظيم الكون وتوازنه. ففي التقليد الهندوسي، براهما هو المسؤول عن خلق الكون، ويضمن فيشنو الحفاظ على الكون وتنظيمه، بينما شيفا مُكلف بتدمير الكون في الوقت المُحدد وإعادة تدويره أو إحيائه.

ساراسواتي هي جزء من الثالوث الثاني، مع لاكشمي، وهي زوجة فيشنو، وترتبط بالثروة والازدهار، وبارفاتي، وهي إلهة الحب والخصوبة، أما ساراسواتي فهي إلهة الحكمة والفن.

وتساعد هؤلاء النساء الثلاث في الحفاظ على الكون إلى جانب نظرائهن من الرجال.

صوّرت بعض المرويات أن ساراسواتي كانت في البدء زوجة لفيشنو، لكن فيشنو الذي كان مُتزوجًا بالفعل من زوجتين أخريين أعطاها لبراهما هدية، ويعتقد بعض الهندوس أن جميع المخلوقات ولدت من اتحاد براهما وساراسواتي.

ترتبط ساراسواتي في الفن بزهرة اللوتس البيضاء؛ لأنها ترمز إلى المعرفة التي تسعى إليها باستمرار؛ وتتوافق مع طبيعتها النقية البريئة، ويُحتفل بمهرجانها الأساسي «ساراسواتي بوجا» في اليوم الأول من الربيع، يُقدّم الهندوس قرابين من الطعام إلى الإلهة في معابدها، ويضع الأطفال كتبهم وأدواتهم الثابتة أمام تماثيل الإلهة على مذابح منازلهم لتلقي مساعدتها في اكتساب الحكمة.

ترتبط الإلهة ساراسواتي أيضًا بنهر سارسوتي، والذي كان يُعتقد منذ فترة طويلة أنه يمتلك قوى خاصة، فكان من المُعتقد أن الاستحمام فيه يجلب للمُصلي ثروة طيبة وخصوبة، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت ساراسواتي سُمّيت نسبة إلى النهر أو النهر هو من نُسبت تسميته إليها، ومع ذلك، هناك اتفاق بين العلماء على ارتباط النهر بالإلهة ساراسواتي.

تُعرف ساراسواتي أيضًا بأسماء أخرى، كل اسم يحمل صفة تدل على أحد الجوانب الأساسية لشخصها الذي يريد المُصلي استدعاءه. ومن هذه الأسماء: بهاراتي، وشاتاروبا، وفاك. وهي ما تعني على التوالي: الفصاحة، والوجود، والكلام.

3. أثينا العذراء.. إلهة الحرب والحكمة والشجاعة والقوة في اليونان

كانت أثينا إلهة قويّة ومُتعددة المهام، فهي إلهة الحكمة، والشجاعة، والإلهام، والحضارة، والقانون، والعدالة، والحرب، والقوة، والفنون، والحرف اليدوية، والمهارة، وعرفت على وجه التحديد بمهاراتها الإستراتيجية في الحرب، وغالبًا ما يتم تصويرها على أنها رفيقة الأبطال.

Embed from Getty Images

ولدت أثينا من الإله زيوس، المُلقب عند الإغريق بأبي الآلهة والبشر، بعد أن عانى من صداع هائل ونمت أثينا بشكل كامل وهي مرتدية الدروع من جبهته. ليس لديها أم، ولكن إحدى القصص الأكثر شيوعًا تقول إن زيوس أقام علاقة جنسية مع ميتيس، إلهة الفكر، والحكمة الماكرة، ثم ابتلعها بالكامل لأنه كان يخشى أن تلد طفلًا أقوى منه، فخرجت أثينا من جبهة زيوس بعد ابتلاعه لأمها، وبعد ولادتها أصبحت أثينا الطفلة المُفضّلة لزيوس، ومنحها قوة كبيرة.

يُعتقد أن أثينا ليس لها زوج ولا ذرية. وقد كانت توصف دومًا بأنها عذراء، كإلهة حرب، لم يكن مُمكنًا أن يُهيمن على أثينا آلهة أخرى، كذلك لا يجوز إقامة علاقة جنسية معها.

في إلياذة هوميروس، كانت أثينا مُحاربة شرسة وعديمة الرحمة، كانت تُلهم، باعتبارها إلهة حرب، وتحارب إلى جانب أبطال اليونان؛ والبراعة العسكرية للمُحاربين هي المُرادف العملي لمُساعدة أثينا لهم.

في الإلياذة أيضًا، خصص زيوس، مجال الحرب لآريس وأثينا. لكن أثينا كانت مُتفوقة على آريس، وينبع تفوقها الأخلاقي والعسكري جزئيًا من حقيقة أنها تُمثل الجانب الفكري والحضاري للحرب، وتدعم فضائل العدالة والمهارة، بينما يُمثل آريس مجرد شهوة الدم.

في وقت السلم، أصبحت أثينا إلهة الحرف اليدوية. كانت تُعرف بشكل خاص باسم راعية الغزل والنسيج. وبناءً على دورها في وقت السلم، أصبحت أثينا تُجسد الحكمة والصلاح كتطور طبيعي لرعايتها للمهارة.

في الفن والأدب، تُصوَّر أثينا عادةً على أنها سيدة مهيبة، ذات وجه جميل، لكنه صارم، شفاه ممتلئة غير مبتسمة، وعيون رمادية وبنية، تنبثق منها القوة والسلطة.

ودائمًا ما ترتدي أثينا ملابس ملكية، أو درعًا كاملًا. وفي حالة ارتدائها ملابس ملكية، يتم تمثيلها أحيانًا بمغزل، أما في حالة تمثيلها بالدرع، فترتدي خوذة مُتقنة، وتحمل رمحًا طويلًا في يد، ورأسًا في الأخرى.

4. أماتيراسو.. إلهة الشمس في اليابانية القديمة

كانت أماتيراسو إلهة الشمس في اليابانية القديمة، وهي ابنة الإلهين الخالقين إيزاناجي وإيزاناميك مركز ديانة الشنتو. والشنتو هي الديانة السائدة في اليابان، وهي أقدم الديانات هناك، واسمها منقول عن الصينية شن تو أو طريق الأرواح.

أماتيراسو هي أيضًا مركز الحياة الروحية اليابانية وحاكمة الكون. وتدّعي العائلة الإمبراطورية اليابانية أنها انحدرت منها، وهذا ما يمنحها الحق الإلهي في حكم اليابان.

Embed from Getty Images

يمكن ترجمة أماتيراسو بمعنى «تضيء من السماء»، ووفقًا للعقيدة اليابانية فإن أماتيراسو، وعلى الرغم من أنها لم تخلق الكون، إلا أنها إلهة الخلق، وهو الدور الذي ورثته عن والدها إيزاناجي، الذي يدافع عن العالم من أرض الموتى.

دور أماتيراسو الأساسي هو دور آلهة الشمس. في هذا المنصب، هي لا تعمل فقط باعتبارها الشمس المشرقة التي تضيء كل الأشياء، ولكنها توفر أيضًا الغذاء لجميع الكائنات الحية وتُنظم ما بين النهار والليل، تُمثل الشمس النظام والنقاء، وهما من أهم مفاهيم الشنتو.

وكما ذكرنا سابقًا، تجلس العائلة الإمبراطورية اليابانية، التي تدّعي النسب من أماتيراسو، على رأس المجتمع الياباني، ومن العائلة الإمبراطورية يوجد تسلسل هرمي، وبناءً على هذا المُعتقد كان يُبنى نظام الطبقات في مجتمع اليابان ما قبل الحديثة.

مجتمع

منذ سنتين
3 ديانات قديمة ما زالت تمارس حتى الآن

يُعدّ ضريح إيسه الكبير، المعروف أيضًا باسم جينجو، أهم مزارات أماتيراسو، وهو أيضًا يُعتبر بشكل عام أهم مزار تاريخي في اليابان، فهو الضريح الرسمي للعائلة الإمبراطورية.

خُصِّص الضريح الداخلي لتبجيل أماتيراسو، وكان موقعًا مهمًا للحج خلال فترة إيدو (1600-1868)، وهي آخر فترات تاريخ اليابان القديم، والتي مهدّت لقيام فترة مييجي، ومييجي هي بداية التاريخ الحديث في اليابان.

توجد عدّة أقسام من الضريح حيث لا يسمح إلا للكاهنات وأعضاء العائلة الإمبراطورية بالمرور فيها. ويجب أن يكون كبير كهنة الضريح والكاهنات من سلالة العائلة الإمبراطورية.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد