هناك مهارات وقيم حياتية يجب أن يتعلمها الأطفال منذ سن مُبكرة، إذ يجب ألا تؤجلي تعليم طفلكِ المسؤولية أو كيفية اتخاذ القرارات أو التعامل الجيد مع المال، وألا تقولي إن الوقت ما زال مُبكرًا.
إذا بدأت في تعليم طفلكِ هذه المهارات في سن صغيرة فأنتِ تُسدين له معروفًا كبيرًا، وستكون جزءًا لا يتجزأ من شخصيته وستستمر معه طوال حياته، مما سيُجنبه الكثير من المُشكلات والأزمات في حياته. خلال السطور التالية ستجدين بعض المهارات والقيم الأساسية التي يجب أن تُعلميها لطفلكِ منذ سن مُبكرة.
1. اتخاذ القرار والقدرة على الاختيار
اتخاذ قرارات مسؤولة هي مهارة مُكتسبة تأتي بالتعلم والتدريب، ويجب أن يتعلمها طفلكِ منذ سن مُبكرة. صنع القرار هو الإجراء أو العملية التي تسبق الاستقرار على خيار ما، من خلال تقييم الخيارات والاحتمالات البديلة الأخرى، لذلك ترتبط مهارة صنع القرار بالقدرة على الاختيار من بين الخيارات المُتعددة.
يُمكنكِ أن تسألي طفلكِ أسئلة من نوعية: «شيكولاته أم أيس كريم؟» أو «أتريد ارتداء الجوارب البيضاء أم الحمراء؟» من خلال هذه المواقف البسيطة أنتِ تُساعدينه على تعلم الاختيار وأخذ القرار، لكن انتبهي إلى أنه يجب أن تكون البدائل التي تطرحينها عليه ليس لديكِ موانع حولها، ولا يوجد ما هو ضار بها، لأنه لا يحق لكِ أن تمنعيه بعد أن يختار أحد الأشياء التي عرضتيها عليه.
تؤثر القرارات التي يتخذها الأطفال على صحتهم النفسية ورفاهيتهم، وتعتمد علاقاتهم ونجاحهم إلى حد كبير على قدرتهم على اتخاذ القرارات، هذه المهارة تساعدهم على أن يصبحوا مسؤولين ومستقلين. كما أنها تساعدهم على التحكم في سلوكهم الاندفاعي.
في البداية، ربما يتخذ الأطفال أحيانًا قرارات خاطئة، لكنهم يتعلمون من أخطائهم ويحاولون اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل. وتوجد بعض الطرق البسيطة التي تُمكنكِ من تعليم أطفالكِ مهارة اتخاذ القرارات الصحيحة، ومنها:
- تعريض الأطفال للعالم الحقيقي: جرعة مفيدة وحيّة من الواقع هي أفضل معلم لطفلك. إذا كُنتِ ترغبين في جعل طفلكِ يفهم أن عواقب فعل معين سيئة، يجب عليك تعريض الطفل للعواقب بالفعل من خلال عرض أمثلة حيّة، يُمكنه مثلًا أن يلمس سريعًا كوب المشروب الساخن تحت إشرافكِ ليعرف معنى كونه ساخنًا.
- السماح للأطفال بارتكاب الأخطاء: يجب أن تسمحي لطفلكِ بارتكاب الأخطاء بدلًا عن حمايته من المخاطر المُحتملة. بالطبع شريطة أن تكون هذه الأخطاء آمنة بدرجة ما فلا تدّعيه مثلًا يقفز من النافذة ليتعلم من أخطائه. عندما يتعلم الأطفال درسًا صعبًا من أخطائهم، فإن هذا يوفر لهم بصيرة ويجعلهم يتعلمون من تجاربهم الخاصة ولا يكررونها مرة أخرى.
- علمي أطفالكِ أن يتعرفوا إلى أنفسهم: يجب تعليم الأطفال التمييز بين نقاط قوتهم وضعفهم حتى يكونوا قادرين على اتخاذ قرارات أفضل في الحياة، كما يجب تعليمهم قبول الهزيمة والنكسات والقرارات الخاطئة التي قد يتخذونها.
- تحدّثي إلى طفلكِ: التواصل المفتوح أمر حيوي للأبوة والأمومة. إذا كُنتِ تُجرين مناقشة حقيقية مع طفلكِ، فمن المؤكد أنك ستحصلين على معرفة وثيقة وقوية به ستُمكنكِ من توقع قراراته وتحذيره وفقًا لذلك.
2. النظافة الشخصية والصحة
يجب أن يبدأ أطفالكِ في التعرّف على مفاهيم الصحة والنظافة الشخصية أيضًا منذ سن مُبكرة، إذ ينطوي اتباع عادات النظافة الجيدة على أكثر من مجرد غسل اليدين. علمي أطفالكِ اتباع روتين صحي للنظافة الشخصية، مع شرح أهمية النظافة وتوضيح سلبيات عدم الالتزام بها، هذا من شأنه أن يخلق عادات تدوم معهم طوال حياتهم، ومن هذه العادات:
- غسل الشعر: يمكن أن يغسل معظم الأطفال الصغار شعرهم مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع. لا يجب الإكثار من غسيل الشعر بالشامبو حتى لا يحدث جفافًا في فروة الرأس، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بقشرة الرأس.
- الاستحمام: يُمكنكِ إضفاء روح اللعب والمرح على الاستحمام. مثلًا اجعلي طفلكِ يرتدي مايوه السباحة وضعيه في وعاء من الماء الدافئ والصابون.
- نظافة الفم: يمكن أن يحمي تنظيف الأسنان واللثة من مجموعة كبيرة من المشكلات الصحية، بما في ذلك رائحة الفم الكريهة والتسوس، يجب أن يُنظف طفلكِ أسنانه بالفرشاة والخيط مرتين يوميًا على الأقل، إن لم يكن بعد كل وجبة.
- غسل اليدين: أفضل طريقة للقضاء على الجراثيم هي غسل اليدين قبل وبعد الوجبات وبعد اللعب في التراب أو مع الحيوانات الأليفة وبعد الاتصال بشخص مريض. علّمي طفلكِ أهمية الفرك بالصابون لمدة 40 ثانية.
- العناية بالأظافر: الأظافر أرض خصبة للبكتيريا، ويمكن للجراثيم التي تعيش تحت أظافر طفلكِ أن تنتقل بسهولة إلى عينيه وأنفه وفمه. اشتري فرشاة أظافر جيدة وساعدي طفلكِ على تنظيف الأوساخ من تحت أظافره قبل النوم، كما يساعد القص الأسبوعي في التخلص من الأوساخ.
3. التعامل الجيد مع المال
التعامل الجيد مع المال وإدارته هي مهارة قد يفتقدها الكثير من البالغين، ستُساعدين طفلكِ في حياته كثيرًا إذا حرصتي على تعليمه كيفية إدارة الأموال بشكل مسؤول، حتى يكون مُستعدًا للتعامل بشكل أفضل عندما يبدأ في كسب المال. علّمي طفلكِ كيفية الادخار وأهميته وما الإيجابيات التي قد يُحققها إذا التزم بالإدخار، علّميه أيضًا أن عليه دومًا الإنفاق بحكمة.
توجد بعض العادات البسيطة التي يُمكنكِ القيام بها لتحقيق ذلك:
- دمج المال في الحياة اليومية لطفلكِ: أشركي طفلكِ في بعض الأنشطة التي تخص إدارة أموال الأسرة، مثل: اصطحاب طفلكِ لشراء البقالة، ومقارنة أسعار عنصرين متشابهين أمامه ومناقشته في سبب اختلاف الأسعار، دعي طفلكِ يشاهد أو يُشارك في دفع الفواتير واشرحي المبالغ عند الحاجة، دعي طفلكِ يعرف مقدار المال الذي يأتي كل شهر والمبلغ الذي يتم إنفاقه. هذه الدروس من شأنها أن تساعد طفلكِ على فهم المال بشكل أفضل.
- قدّم لطفلك نموذجًا في حسن السلوك المالي: أنت نموذج لأطفالك، فعليك ألا تتأخر قدر إستطاعتك في سداد فواتيرك وإلتزاماتك المالية، وعليك ألا تُنفق ببذخ ودون مسؤولية، قم بترتيب أولوياتك المالية وكن صادقًا مع أطفالك. دعهم يعرفون سبب قيامك بما تفعله، وانقل لهم مبادئ الإدارة المالية السليمة كعائلة.
- علّمي أطفالكِ الخيارات المُتاحة لهم في إدارة أموالهم: الإنفاق ليس هو الخيار الوحيد المتاح لطفلكِ عند التعامل مع أمواله. يُعدّ الادخار أو الاستثمار أو التبرع للجمعيات الخيرية خيارات قابلة للتطبيق أيضًا، وكل خيار من الخيارات السابقة ينقل لطفلكِ قيمة حياتية وأخلاقية تُساعده على التعامل مع حياته بإيجابية.
4. إدارة الوقت والاستفادة منه
الوقت أيضًا مورد هام يجب تعلّم كيفية تنظيمه وإدارته للاستفادة منه في سن مُبكرة، تنطوي هذه المهارة على تعليم الأطفال الصغار كيفية قياس الوقت، والاستمرار في أداء مهمة حتى إنهاءها، والقدرة على الالتزام بجدول زمني، هناك بعض الخطوات البسيطة التي يمكن القيام بها مع الصغار لإكسابهم مهارة إدارة الوقت بفعّالية، ومنها:
- علّم أطفالك كيفية قياس الوقت: ساعد أطفالك على تعلّم قياس الوقت من خلال تعيين مؤقت خلال فترة زمنية يُفترض أنهم يكملون فيها مهمة ما، احتفظ بساعة قريبة منك وامنحهم العدّ التنازلي اللفظي مع مرور الدقائق حتى يتمكنوا من البدء في الشعور الداخلي بهذه الأجزاء الزمنية. أنت لا تُوتر صغارك، ولا تُرهبهم من فكرة مرور الوقت، هدفك ببساطة هو مساعدتهم على فهم كيف يبدو مرور الساعة أو الـ15 دقيقة أو حتى الخمس دقائق. في المرة القادمة التي تقول فيها: «سنغادر بعد خمس دقائق»، سيعرفون أن ذلك لا يعني أن لديهم وقتًا للعب بألعابهم ومشاهدة التلفزيون وتنظيف غرفتهم أولًا.
- اجعل إدارة الوقت ممتعة: يجب أن يكون تعلم إدارة الوقت ممتعًا للأطفال. استخدم الطباشير الملون لتلوين التقويمات. أضف ملصقات للاحتفال بالأيام الخاصة. اجعل الأمر مسابقة بينهم لمعرفة من يمكنه إكمال المهام البسيطة في المنزل أولًا، كلما زادت متعة إدارة الوقت لأطفالك، كان من الأسهل جعلهم يفهمون أهمية الوقت وكيفية إدارته.
- اطلب من طفلك إنشاء قائمة أعمال خاصة به: اعمل مع طفلك لإضافة أنشطة ما بعد المدرسة إلى قائمة الأعمال الخاصة به لمساعدته على معرفة المطلوب منه وما عليه القيام به، كلما بدأ طفلك في التعرّف على ما ينبغي عليه القيام به مبكرًا، كلما أصبح أكثر استقلالية، وكلما قلّ مقدار ما تفعله له. كذلك يجب تحديد ساعة ثابتة للنوم، وتحديد أوقات وجبات منتظمة لجميع أفراد الأسرة، هذا يساعد في إنشاء روتين ثابت لليوم، أيضًا هذا يساعد طفلك على معرفة مقدار الوقت المتاح له لتنفيذ المهام المطلوبة منه والأشياء التي يودّ القيام بها.
5. المسؤولية
قد تكون كلمة «المسؤولية» هي المفتاح للعديد من الصفات التي تُحبين أن تري طفلكِ عليها، فإذا أردتي أن تجعليه يُرتب سريره ويُنظف غرفته، ويعدّ حقيبة مدرسته، ويستطيع أن يعدّ وجبات الطعام البسيطة لنفسه، وأن يكون قادرًا على حزم أمتعته واحتياجاته بنفسه عند السفر، فالطريق لكل هذا هو تعليمه «المسؤولية»، وهذا هو مفتاح نجاح الطفل في المدرسة وفي الحياة عندما يكبر، هناك بعض الخطوات التي يُمكنكِ من خلالها تعليم طفلكِ المسؤولية، ومنها:
- علّمي طفلكِ أنه يُتوقع منّا دومًا أن نُصلح ما أفسدناه، فإذا سكب طفلكِ كوب الماء، فعليه أن يقوم بتنظيف ما تسبب فيه وتجفيف الأرض.
- أجعلي طفلكِ يُشارك في مساعدة المُحيطين به، سواء أكان ذلك من خلال مُساعدتكِ في أعمال تنظيف المنزل، أو الاعتناء بأخته الأصغر واللعب معها أو تعليمها شيئًا يُتقنه.
- دعيّه يفعل الأشياء التي يقدر عليها بنفسه، فإذا كان يستطيع أن يأكل بنفسه فاجعليه يفعل ذلك، الأطفال الصغار يريدون بشدّة السيطرة على عوالمهم المادية، وعندما ندعمهم للقيام بذلك فإننا نضعهم على طريق تعلم المسؤولية.
- حاولي أن تطلبي من طفلكِ التفكير، بدلًا عن مجرد إصدار الأوامر، على سبيل المثال: بدلًا عن الصراخ «نظف أسنانك! هل أعددت حقيبتك؟ لا تنسى غدائك!»، يُمكنكِ فقط أن تسألي «ما هو الشيء التالي الذي عليك فعله للاستعداد للمدرسة؟» والهدف من ذلك هو إبقاء أطفالكِ مركزين على المهام المطلوبة منهم.