الولايات المتحدة تخدعنا لحساب إسرائيل. *الرئيس المصري أنور السادات

في كتابه «البحث عن الذات» يسرد الرئيس المصري محمد أنور السادات جانبًا مجهولًا من الشهادات السرية حول نكسة 1967، أو حرب الأيام الستة؛ فيقول: «بعد قيام الرئيس جمال عبد الناصر بإغلاق خليج العقبة قبل الحرب بشهر، تدخلت الولايات المتحدة لحل المشكلة، وعرض الرئيس الأمريكي ليندون جونسون إرسال نائبه إلى القاهرة، وبعد مفاوضات اتفق الطرفان على أن يذهب نائب الرئيس المصري إلى القاهرة في يوم 7 يونيو (حزيران) 1976»؛ يُضيف السادات: «وقبل يومين من وصول نائب عبد الناصر في واشنطن، كان الرئيس الأمريكي يحث إسرائيل على البدء بالهجوم على سيناء، بعدما قدّم لهم القمر الصناعي الأمريكي صورًا عن أوضاع تمركز القوات المصرية».

وفي عام 1971، أصبح السادات الذي اختبر خداع واشنطن رئيس مصر؛ وبعدما أعلنت مصر الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، كان الرئيس المصري ساهرًا في منتصف الليل يكتب الجزء الأكثر إثارة من مذكراته: «في اليوم الرابع من الحرب، أرسلت الولايات المتحدة وسطاءها لإقناعي بوقف إطلاق النار، بدءًا من السفير البريطاني في القاهرة، وحتى الاتحاد السوفيتي الذي كان يمدني بالسلاح، وبعدما أصدر مجلس الأمن قرارًا بوقف إطلاق النار، طلب مني كسينجر -وزير الخارجية الأمريكي- الحضور للتفاوض، ولأول مرة أرى وجهًا جديدًا، وأسلوبًا جديدًا في السياسة لم أعهده.. هذا وجه أمريكا الحقيقي».

وفي الصورة الشهيرة التي التقطت عام 1978، كان السادات يُوقّع اتفاقية السلام مع إسرائيل التي وصفها بأنها لا تلتزم بأي قرار أخلاقي، وبرعاية الولايات المتحدة التي يعتبرها السادات دولة مُخادعة؛ يقول الرئيس المصري: «وهنا أحب أن أسجل للتاريخ أنّ الثغرة التي حدثت في الحرب هي مسؤولية أمريكا ومسؤولية البنتاجون، لقد دخلت واشنطن الحرب بعدما أطلقت إسرائيل استغاثتها الشهيرة (save Israel)، فقدمت لها الأسلحة المتطورة التي كانت تُخبأها عن العالم، وأنا أعرف إمكاناتي، وأعرف حدودي.. لذا أنا لن أحارب أمريكا».

هذه السطور تعود إلى أبرز قصص الفخاخ المتكررة التي نصبتها أمريكا للعرب حين آمنوا بأنها «الوسيط المحايد».

1- مؤتمر باريس 1919.. أمريكا رفضت استقلال الدول العربية

لم تكن الولايات المتحدة قبل قرنين هي القوة العظمى المؤثرة في سياق الأحداث العالمية؛ فالإمبراطورية الروسية دخلت عدة حروب مع الإمبراطورية العثمانية الممتدة في ثلاث قارات، ونجحت في انتزاع مساحات شاسعة في أوروبا عام 1878، ومن جهة أخرى كانت المملكة البريطانية على رأس الدول الأوروبية التي دعمت التمردات والثورات الساعية للانفصال عن الدولة العثمانية التي كانت تخوض وحدها معركة البقاء، دون أن يكون لها حلفاء سوى ألمانيا، حتى أنّ السلطان عبد الحميد الثاني الذي تولى العرش عام 1876 كان يواجه وحده نفوذ رجالات القصر الذين أصروا على إعلان الحرب على روسيا.

(الوثيقة الحقيقة لسايكس بيكو التي قسمت الأرض العربية بين بريطانيا وفرنسا)

لم يكد يُكمل السلطان الشاب عامه الثاني على العرش، حتى اندلعت الحرب واجتاحت روسيا على إثرها مساحات شاسعة من أملاك الدولة في أوروبا، واضطرت الدولة العثمانية المنهزمة لتوقيع معاهدة «سان ستيفانو»، التي قضت باستقلال إمارات الصرب ورومانيا وبلغاريا والجبل الأسود، ولم تكن هذه سوى مجرد بداية لما حدث بعد ذلك؛ فالنمسا حرضت بلاد البوسنة والهرسك على الفوضى، وروسيا وألمانيا حرضت الصرب وبلغاريا على التمرد، وبعدما اشتعلت الحرائق في كافة أطراف الدولة، تدخلت الدول الكبرى بغرض فرض وصاية أوروبية، وبعدما اجتمع كل الطامعين مع السلطان العثماني في «مؤتمر برلين» عام 1878، أعيدت موازين القوى إلى طبيعتها؛ فردت روسيا الأراضي التي استولت عليها، وبعدها بسنوات احتلت فرنسا تونس وضمتها تحت حمايتها عام 1881، وبريطانيا احتلت مصر عام 1882، وإيطاليا احتلت ليبيا عام 1911.

دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى عام 1914، إلى جانب ألمانيا والنمسا، على أمل استرداد ما انتزعته منها دول الوفاق: إنجلترا، وفرنسا، وروسيا، وحفاظًا على ما تبقى تحت يديها من ولايات عربية وقعت تحت مُخطط التقسيم، وفي تلك الأثناء اندلعت الثورة العربية عام 1916، وأعلن شريف مكة الحسين بن علي الثورة العربية الكبرى بدعم بريطاني، ومساندة عسكرية فرنسية، وخاضت قواته معارك في الشام لإسقاط الدولة العُثمانية، وبعد عامين ونصف من القتال، كادت دول الوفاق أن تفقد السيطرة على الأوضاع، فأعلنت الولايات المتحدة دخولها الحرب بأكثر من مليون جندي من أصل 5 ملايين، مما قلب موازين القوى، ومهّد الطريق أمامها في ما بعد لأن تُصبح القوة العالمية التي سترث العالم.

انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 بتوقيع هندسة عقب خسارة ألمانيا والنمسا وتركيا، وبعدها بعام حضر المنتصرون المُحمّلين بفاتورة حربٍ باهظة «مؤتمر باريس» للسلام من أجل تقسيم غنائم الحرب، وفي تلك الأثناء تقوم الولايات المتحدة بزعامة رئيسها آنذاك «وودر ويلسون» بإعلانٍ عالمي مثير للجدل سُمّي وقتها بـ«حق تقرير المصير»، ويعني حق الشعوب المُحتلة سواء كانت نتيجة للأطماع الاستعمارية أو التي بالفعل تحت جناح الدول المنهزمة في الحرب في الاستقلال، مما أثار الشعوب العربية في ظل تسريبات اتفاقية «سايكس بيكو» التي قسمت الجزيرة العربية بين بريطانيا وفرنسا.

خرجت الوفود العربية إلى مؤتمر الصلح لعرض مطالبها في الاستقلال، فمثّل الملك فيصل بن الحسين مطالب الجزيرة العربية، بينما كان سعد زغلول زعيم الوفد المصري، وكانت الدعاية الأمريكية وقتها تروّج لنفسها بأنها الدولة التي ترعى السلام العالمي، وتساعد الشعوب في الاستقلال، وحين وصلت الوفود إلى باريس فوجئوا بأنّ الدول الأعضاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة قد أقرّوا الحماية البريطانية والفرنسية على كل الدول التي استولوا عليها، ليس هذا فقط؛ فكل من ذهب ليطالب بالاستقلال تعرض للنفي لاحقًا، فنُفي الزعيم المصري سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة مالطة، ونفي شريف مكة بعدها إلى جزيرة قبرص، وبهذا رفضت أمريكا استقلال الدول العربية، في إطار خطتها لانتزاع أملاك بريطانيا وفرنسا كما حدث في ما بعد.

2- الولايات المتحدة.. الراعي الرسمي لتأسيس إسرائيل

وُضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني كما نصت اتفاقية سايكس بيكو عام 1917، وكانت السياسة البريطانية وقتها تستهدف إنشاء وطن قومي لليهود مع عدم إثارة الشعوب العربية، عن طريق التنسيق مع الحكومات والأنظمة الداخلية، فاتفاقية «فيصل- وايزمان» التي كانت بين المندوب البريطاني في مصر، والأمير فيصل بن الحسين شريف مكة جاء فيها: «يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين»، أيضًا الحكومة المصرية كانت تشجع الحركة الصهيونية تزامنًا مع الاتفاق البريطاني مع الأمراء العرب بما فيهم السعودية، بالمساعدة في الاستقلال عن الدولة العثمانية مقابل عدم الاعتراض على وعد بلفور الذي تعهد بإنشاء وطن قومي لليهود.

وفي تلك الأجواء أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض الأول، والذي وعدت فيه العرب بأن الاستيطان لن يؤثر في وجودهم. وفي عام 1930، صدر الكتاب الأبيض الثاني، الذي أكد صراحة تنفيذ وعد بلفور، ليستمر الغضب المكتوم خمس سنوات أخرى، حتى اندلعت الثورة العربية الكبرى في فلسطين، واستمرت ثلاث سنوات، لكنها انتهت بالفشل حين تدخل ملوك العراق والسعودية والأردن واليمن لصالح بريطانيا عن طريق إقناع الثوار بإنهاء الإضراب، لتنتهي الأزمة بإصدار اللجنة البريطانية التي تباحثت مع الثوار، وتفاوضت مع اليهود، أول مشروع لتقسيم فلسطين إلى دولة فلسطينية ويهودية.

مع انتهاء الثلاثينات، انتهى الوجود البريطاني لصالح الولايات المتحدة التي أصبحت قوة عالمية سُرعان ما حاول الملوك والرؤساء العرب إلى توطيد علاقاتهم بها، لتكون الوسيط الوحيد بينهم وبين اليهود، ومع ذلك فواشنطن وافقت على وعد بلفور، إضافة إلى أنها شجعت على تهجير 100 ألف يهودي إلى فلسطين بدون استشارة أصدقائها العرب، وفي عام 1942، عقدت الولايات المتحدة مؤتمر «بلتيمور»، وكان من نتائجه تشكيل قوة عسكرية تحارب تحت علمها الخاص، كما منح القائمين على إدارة فلسطين حقوقًا إدارية تمهيدًا لاستلام أمور الحُكم، وحين اكتملت أساسيات إنشاء الدولة اليهودية، أحالت واشنطن -إمعانًا في الحياد- القضية إلى الأمم المتحدة عام 1947، وكانت النتيجة اتفقت 23 دولة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين بما فيها أمريكا، وبهذا أعلنت إسرائيل دولتها التي سُرعان ما نالت اعتراف الولايات المتحدة التي دعمتها بالمال والسلاح والتأييد الدولي.

 

وكان من الطبيعي أن تدخل الدول العربية حرب فلسطين عام 1948؛ اعتراضًا على قرار الأمم المتحدة، لكنّ المشكلة أنّ الأنظمة العربية لا تريد خسارة الحليف الأمريكي، ولا الدخول معه في حربٍ مباشرة، فدخلت ستة جيوش عربية إلى الأراضي الفلسطينية (الأردن والعراق وسوريا والسعودية ومصر) بقوات قليلة غير منظمة بلغت خُمس الميليشيات الإسرائيلية بهدف تحرير فلسطين، واللافت أنّ الجامعة العربية لم تدعم الثوار الفلسطينيين بالسلاح والذخيرة والأموال من التبرعات التي كانت تتلقاها، كما تشير الوثائق إلى أنّ الملك الأردني الحسين بن طلال توصل إلى صفقة سرية مع إسرائيل بألا يشتبك الجيش مع اليهود، وبعدما انتهت الحرب لصالح إسرائيل، عُرفت فيما بعد بـ«الحرب المزيفة».

3- النووي الإسرائيلي.. واشنطن اعترضت علنًا ودعمت سرًّا

عقب هزيمة الجيوش العربية في حرب 48، حصلت إسرائيل بجانب اعتراف الأمم المتحدة بشرعيتها إلى أراضٍ جديدة، واضطرت دول المواجهة: مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، إلى توقيع هُدنة «رودس»، والتي كان نتيجتها استسلام عربي واعتراف دولي بالحدود الجديدة، ودخلت المنطقة العربية في مرحلة «لا سلم.. ولا حرب»، لذا اتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها «ديفيد بن جوريون» للتفكير جديًا بامتلاك إسرائيل سلاحًا نوويًّا يكسر موازين القوى في المنطقة.

لكنّ الأزمة وقتها تمثلت في الحليف الأمريكي الذي رفض امتلاك إسرائيل أي سلاح نووي، إضافة إلى الدعم المالي الذي كان معظمه يأتي من الولايات المتحدة التي عرضت مدّ تل أبيب بكافة الأسلحة المتطورة التي تضمن تفوقها على العنصر العربي عدا الأسلحة النووية، لكنّ الظرف السياسي أوجد لإسرائيل حليفًا أكثر تعاونًا من الولايات المتحدة، ففرنسا هي من منحت إسرائيل الضوء الأخضر لبدء أعمال التنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب، وفي عام 1953، أرسلت إسرائيل علماءها إلى الوكالة الذرية الفرنسية في إطار دعم المشروع النووي، وبعدها بعامين فقط، وقّعت إسرائيل اتفاقًا مع الولايات المتحدة لإنشاء مفاعل نووي، دفع تكاليفه رجال الأعمال الأمريكيون وقتها.

Embed from Getty Images

صورة لمفاعل ديمونة الإسرائيلي

وبحسب مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية: «فإنه لم يسبق لأي دولة أن مدت أخرى بهذا القدر الهائل من التكنولوجيا اللازمة لبناء قنبلة نووية مثلما فعلت فرنسا»، تُضيف المجلة: «كان ذلك نصف المعركة فقط؛ فرئيس الوزراء الإسرائيلي كان بحاجة إلى الأموال اللازمة لدفع ثمن الصفقة النووية لفرنسا، ولا يعرف حجم تكلفة بناء منشآت ديمونة النووية -أنشئت عام 1957-، لكن إسرائيل دفعت لفرنسا ما لا يقل عن 80 مليون دولار إلى 100 مليون دولار عام 1960، عن طريق التبرعات التي جُمعت من داخل الولايات المتحدة وأوروبا برعاية رجل الأعمال اليهودي (فاينبرغ) الذي كانت تجمعه صلات وثيقة بالحزب الديمقراطي الحاكم وقتها».

وبتعاقب الرؤساء الأمريكيين انهارت تدريجيًّا الفكرة التقليدية القائمة على منع امتلاك إسرائيل سلاح نووي، واسُتبدلت بالدعم السري على تلك البرامج، وحتى الآن لا تعترف إسرائيل بامتلاكها ترسانة أسلحة نووية، كما لا يُعرف على وجه التحديد ماهية قدرات نشاطها النووي، وبحسب صحيفة «الجارديان البريطانية» فإن صحافية أمريكية سألت الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حول ما إذا كان يعرف أي بلد في الشرق الأوسط يمتلك أسلحة نووية، في إشارة إلى إسرائيل، إلا أنّ أوباما تهّرب من السؤال بإجابة أخرى.

وتبدو المفارقة أن الولايات المتحدة وإسرائيل تخوضان حربًا ضد إيران للتخلي عن برامجها النووية، وحين أعلنت السعودية إنشاء مفاعل نووي بغرض الاستخدام السلمي، اعترضت إسرائيل واشترطت على الولايات المتحدة عدة شروط للموافقة على المشروع السعودي، بداية من أن تكون واشنطن هي المزود الوحيد للمملكة بالوقود النووي، ونهاية بأن تطّلع إسرائيل على كل تفاصيل المشروع، في حين أنها ترفض تفتيش وكالة الطاقة الذرية على مفاعلاتها.

4- فضيحة إيران كونترا.. أمريكا باعت سرًّا السلاح لطهران

في عام 1980، اضطرت إيران إلى الدخول في حرب الخليج الأولى، بينما حصل العراق على دعم واشنطن، والاتحاد السوفيتي، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وأغلبية الدول العربية، ومنها الكويت التي فتحت موانيها للجيش العراقي، كانت الأمم المتحدة تتهم إيران أنها هي من أشعل فتيل الحرب التي استمرت ثماني سنوات أنهكت النظام الاقتصادي والعسكري لكلا البلدين، وفي الوقت الذين حظي فيه العرب بتأييد واشنطن، كانت إيران ترفع شعار الثورة القديم «الموت لأمريكا».

Embed from Getty Images

 

وقبل أن تنتهي الحرب تنكشف فضيحة كبرى، المتهم الرئيس فيها هي الولايات المتحدة، فإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ريجان تواصلت مع الحكومة الإيرانية وعرضت بيع أسلحة متطورة احتاجها الإيرانيون في حربهم، مقابل إطلاق سراح بعض الأمريكان الذين كانوا محتجزين في لبنان، في ما عُرف وقتها بفضيحة «إيران كونترا»، وهو ما سبب حرجًا بالغًا لواشنطن التي كانت تفرض عقوبات دولية على الدول التي كانت تتعاون مع طهران.

 

5- مؤتمر أوسلو.. أمريكا أقنعت العرب بالاستعمار الفاخر

 

عقب حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، ساد شعور عام عربي بانتهاء فترة الحرب، وبدأ معركة السلام، لذ شهدت التسعينات طفرة في العلاقات العربية الإسرائيلية، فكل من قطر، وتونس، والمغرب، وموريتانيا، وعُمان كانوا على علاقات علنية وتطبيع رسمي مع إسرائيل، ولأول مرة يصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى مفاوضات مباشرة انتهت بتوقيع اتفاقية «أوسلو» عام 1993، وهو الاتفاق الذي أنهي 60 عامًا من الصراع المسلح في سبيل القضية الفلسطينية، ووصفه مدير الاستخبارات الإسرائيلي في ما بعد بأنه: «استعمار فاخر».

Embed from Getty Images

لم يشمل الاتفاق كافة الفصائل الفلسطينية، بل كان قرارًا منفردًا من القائد العام لحركة فتح، ورئيس جبهة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي أصبح رئيسًا للسلطة الفلسطينية في ما بعد بموجب الاتفاق، وفي الخطاب الذي بعثه عرفات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، جاء فيه: «تعترف منظمة التحرير بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن جديد»، ليس هذا فقط، فالسلطة الفلسطينية حذفت من الميثاق الوطني لجبهة التحرير كل البنود التي تدعو لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرت أنّ التنسيق الأمني مقدس بين الطرفين، وبذلك أصبحت المقاومة المسلحة إرهابًا.

نصت أوسلو أيضًا على الاعتراف المتبادل، وعلى انسحاب إسرائيل من أجزاء من الضفة الغربي وغزة؛ تمهيدًا لإنشاء سلطة حكم فلسطيني، وبهذا الاتفاق تشكلت السلطة الفلسطينية الحالية، وتعهدت السلطة الفلسطينية على انتهاج الحل السلمي، وقُسمت فلسطين إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج)، تفاوتت بين سيطرة إسرائيلية كاملة، وسيطرة مدنية فلسطينية، وسيطرة مدنية فلسطينية جنبًا إلى جنب مع سيطرة عسكرية إسرائيلية.

على أن يتناول الطرفان في السنوات اللاحقة للاتفاقية مفاوضات الوضع النهائي والتي تشمل: «القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والحدود»، وهو ما لم يحدث حتى الآن؛ فالمستوطنات توسعت في الضفة الغربية، وشنّت إسرائيل ثلاث حروب على قطاع غزة في الأعوام 2000، و2008، و2014، ولم يتوقف تهويد القدس حتى الآن، أما الامتيازات التي حصلت عليها السلطة الفلسطينية من الاتفاقية حتى الآن، فقد تمثلت في الحكم الشرعي فقط.

وبينما كانت الولايات المتحدة هي الضامن الحقيقي لسريان الاتفاقية، إلا أنّ واشنطن خذلت العرب مرة أخرى، باعترافها في عهد دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو المشروع القديم الذين أصدره الكونجرس الأمريكي عام 1955، ما يعني أنّ العرب وثقوا بحليفٍ أخذ قرار خُذلانهم مبكرًا.

تحميل المزيد