متى ينبغي على الأمم أن تدخل الحرب؟ ولماذا تدخلها؟ وما هي طبيعة الحرب ومراحلها؟ ومتى يكون الانسحاب من الحرب خيارًا إستراتيجيًا؟ أو يكون دخولها خطأً؟ والأهم ماذا يأتي بعد الحرب؟

تتطوّر الحرب مع تقدّم الزمن وترافق البشرية في معظم تحولاتها الكبرى، ومن الحرب تُولد دول وتموت أخرى، وتُولد شعوب لم تكن قبلها أمةً واحدة.

في هذا التقرير نستعرض خمسة كتب مهمة عن الحرب والإستراتيجية، بعضها كلاسيكيّ وتأسيسي، وبعضها هو الأبرز في الإستراتيجية والحرب الحديثة، ولا يفوتنا أن نضمّ للقائمة كتابًا يقدّم منظورًا عربيًا للحرب وعلاقتها بالسياسة.

1- «عن الإستراتيجية الكبرى»: الإستراتيجية من قصص الحرب والزعماء

كتاب «الإستراتيجية الكبرى – On Grand Strategy» أحدث كتاب في القائمة، نُشر عام 2018 وترجم للغة العربية.

مؤلف الكتاب جون لويس جاديس، مؤرخٌ أمريكي بارز درَّس الإستراتيجية والحرب لأكثر من عقدين في جامعات أمريكية، وهو من أهم المؤرخين الأمريكيين ممن يكتبون عن الحرب الباردة وتاريخها.

غلاف كتاب: عن الإستراتيجية الكبرى – On Grand Strategy

يعرض جاديس الأفكار الأساسية والكبرى عن الحرب والإستراتيجية باستعراضه لقصص تاريخية وحروب مفصلية، فيبدأ بالحديث عن قصة غزو الفرس بقيادة خشايارشا الأول لليونان، ويقفز منها ليتحدث عن أفكار الفيلسوف البريطاني أشعيا برلين وتصنيفه للقادة السياسيين: بعضهم يرى العالم من منظور فكرة واحدة وهدف واحد، وهؤلاء القنافذ. والثعالب يَسعون لتحقيق هدفهم بشتى الوسائل والطرق.

ويضمّ الكتاب بالطبع قصصًا ودروسًا من أحداث أكثر قربًا تاريخيًا، ويعرّج على ستالين، زعيم الاتحاد السوفيتي وخصمه ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الشهير، وأبرز وجوه بريطانيا الاستعمارية.

الكتاب من 10 مقالات، وفي كل جزء يكرر جاديس نصيحته بأن على القائد الإستراتيجي التخلص من المشاعر والأنا، وقبول بحقيقة أنه إذا كنت تسعى لتحقيق غايات تتجاوز إمكاناتك، فعاجلًا أم آجلًا ستضطر لتقليص أهدافك لتناسب إمكاناتك، تلك النصيحة التي نسيها كثير من القادة العظام في التاريخ، وأخذتهم الحماسة لتحقيق أهدافهم الكبرى، ومنهم يوليوس قيصر، والإسكندر الأكبر، ونابليون وهتلر، ونسيانهم لهذه الحقيقة انتهى بهم إلى الموت، أو المهانة، أو الهزيمة.

كما قلنا: الكتاب مليء بالقصص والحكايات، ويكتب المؤلف فيه مثلما يدرس؛ يخلط التحليل التاريخي بالأدبي وبالقصص، ويوظّف في الكتاب خبراته ومعرفته المتراكمة لسنوات طويلة في تدريس المجال.

لمزيد من التفاصيل عن الكتاب اضغط هنا.

2- «الإستراتيجية».. من أهم كتب التخصص

لمؤلف هذا الكتاب قصة مميزة، وهو باسل ليدل هارت، المؤرخ البريطاني والمفكر الإستراتيجي الذي هجر الحياة الأكاديمية في كامبريدج مع اندلاع الحرب العالمية الأولى ليكون ضابطًا في الجيش البريطاني.

تقاعد هارت بعد 10 أعوام، وعمل مراسلًا حربيًا حتى تقلد أول منصب سياسي رسمي مستشارًا شخصيًا لوزير الدولة لشؤون الحرب قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتبلورت حياته المهنية حول الحرب، وصدر كتابه الذي نناقشه عامَ 1941.

Embed from Getty Images

المؤرخ وعالم الحرب البريطاني باسل ليدل هارت، مؤلف كتاب «الإستراتيجية – Strategy» ومستشار حربي بريطاني.

يُعرف هارت الإستراتيجية بأنها فن استغلال الوسائل العسكرية المتاحة لتحقيق الأهداف السياسية المطلوبة، ويميل في رؤيته للحرب إلى النهج غير المباشر الذي يهدف لتفكيك قدرات العدو، وتقليص وسائل مقاومته، بالاعتماد على تكتيكات التسلل والمفاجأة.

وفي كتابه «الإستراتيجية – Strategy» يوضح هارت كيف تكون الطرق غير المباشرة مادية أحيانًا ونفسية دائمًا باستعراض تجارب سابقة معتمدًا على التاريخ كمثال عمليّ لما يقول، ويبدأ بأمثلة من حروب القرن الخامس قبل الميلاد متنقلًا بين ما استنبطه من دراسة وتحليل 25 قرنًا، رأى أن النصر فيها كان لصالح من تحرك بشكل غير متوقع على غفلة من خصومه.

لم تستفد بريطانيا أو فرنسا من هارت أكثر مما استفادت ألمانيا من نظرياته، وأصبحت أساس إستراتيجيتها في «الحروب الخاطفة» أو ما سمّي «حرب البرق»، التي قادها الجنرال الألماني هاينز جوديريان، وقد طوّر رؤيته العسكرية هذه من كتابات هارت، وأثبت نجاحها بعدما سيطرت ألمانيا على القارة الأوروبية بين عامي 1939 و1941، مستغلةً المفاجأة والسرعة.

وأحدث الأسلوب النازيّ الجديد في القتال صدمة نفسية واسعة لمن واجهوه من قوات الحلفاء، ومن أهم نتائجه على الأرض تشتيت قوات العدو، واعتمد الجنرال الألماني في ذلك على الإنزال السريع لسلاح الدبابات، وهو ما فضله مؤلفنا البريطاني هارت على أساليب الحرب الاولى، وقد أصيب فيها من هجمات بالغاز أمرضته وأجبرته على التقاعد المبكر.

ولمزيد من التفاصيل عن الكتاب اضغط هنا.

3- «الإستراتيجية والتكتيك في فن علم الحرب».. نظرة عربية على الحرب

لا ذكرَ في الكتب السابقة للحروب العربية أو للفتوحات الإسلامية الأولى، ومعظمها تتحدث عن الحروب القديمة بين الفرس وبيزنطة، أو عن حروب أوروبية – أوروبية، ولا تعرض للحرب والإستراتيجية في التاريخ العربي العسكري، ولا تربطه بالسياق العربي، وهذه فجوة يحاول المفكر العربي والفلسطيني منير شفيق سدّها في كتابه «الإستراتيجية والتكتيك في فن علم الحرب».

منير شفيق فلسطيني انضمَ لمنظمة التحرير الفلسطينية وقاتل مع الفدائيين الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشارك في الحرب الأهلية اللبنانية الشرسة، وطوّرت تجربته العسكرية والسياسية الطويلة أفكاره عن الحرب والإستراتيجية، وقد تأثر هو ورفاقه بما شهده العالم آنذاك من حروب جديدة، أهمها حرب فيتنام.

أثبت الفيتناميون بمقاومتهم للترسانة الأمريكية المتقدمة قدرة الشعوب على أن تقاوم مستعمرًا، أو قوة خارجية كبرى، بشرط أن تكون لديها الإستراتيجية السليمة التي توظّف الموارد المتاحة بأفضل شكل، وفي حرب فيتنام صعد نجم القتال غير النظامي الذي اعتمده الفيتناميون لمواجهة القوات الأمريكية، وبالطبع تقدّم هذه الأحداث دروسًا مهمة للفلسطينيين.

منير شفيق
المفكر الفلسطيني منير شفيق، مؤلف كتاب فن علم الحرب وكتب أخرى عن العسكرية والإستراتيجية والثورات

ويحلل شفيق الحرب باعتبارها عملية «قتال جماعي»، وظاهرةً مرافقة للمجتمعات البشرية منذ فجر الحضارة الإنسانية، وباعتبارها أعلى درجات الصراع لحل الخلافات إذا بلغت مرحلة العداء، وعندها تكون الحرب الثورية الوطنية، والثورية الطبقية، عدلًا، ووسيلة للقضاء على وحشية الحروب العدوانية والمضادة الطبقية.

ويحدد شفيق مجالات تفوق العرب عسكريًا على كل من سبقهم في التكتيك العسكري، ويرى أن الحرب على يد العرب صارت حربًا متحركة، لا تتبع الأصول التقليدية في القتال وقيادة الحرب التي درجت عليها الجيوش الرومانية، واليونانية، والفارسية من قبلهم، أو جيوش الإقطاع الأوروبي وعصر النهضة، وحتى نابليون من بعدهم.

ولمزيد من التفاصيل عن الكتاب اضغط هنا.

4- «فن الحرب» لسون تزو أبي الإستراتيجية الصينية

قبل أكثر من 25 قرنًا حلّ سون تزو على ملك في شرق الصين من سلالة «زو»، ليعرض عليه خدمته في صراعه مع الدول الكبرى المجاورة وإنقاذه من الهزيمة، وكتب تزو مبادئ الاشتباك في الحرب وصفات قائد الجيش في أرض المعركة في 13 فصلًا على ألواح خشبية، بهيئة نقاط بسيطة متسلسلة حول فن الحرب. ولاقت المبادئ إعجاب الملك، وعيّن تزو قائدًا عامًا للجيش، ليحرز له نصرًا تلو الآخر.

غلاف كتاب «فن الحرب»، للفيلسوف الصيني سن تزو.

ويعتبر كتاب «فن الحرب» من أقدم المخطوطات والكتب المتوفرة عن الحرب وإستراتيجيتها وطبيعتها، وكيف رأتها الدول القديمة، ويتحدث سون تزو في الكتاب عن أحد أهم أهداف الإستراتيجية: إخضاع العدو بأقل الخسائر، ويناقش أسئلة شائكة مثل: كيف تعرف متى تقاتل؟ ومتى تنسحب؟ وكيف تميّز القوي من الضعيف ونقاط كل منهما، ويتحدث عن خداع العدو والتظاهر الضعف.

الكتاب مترجمٌ للعربية والإنجليزية، وللمزيد من التفاصيل اضغط هنا.

5- «عن الحرب».. كلاوزفيتز مُجدد علم الحرب

مؤلف الكتاب المفكر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز، من أول دعاة الإصلاح العسكري في أوروبا، وقصته مع الحرب فريدةٌ أيضًا، إذ شارك في أول حرب له بسن المراهقة، ودفعه والده لها؛ لأن الجيش في الإمبراطورية البروسية كان بوابةً للصعود في الرتب الاجتماعية بالإمبراطورية.

كانت الحرب للدفاع عن النمسا الحليفة ضد اعتداء فرنسا الثورة عام 1793، وبعد تجاربه العسكرية المختلفة، واحتلال فرنسا للإمبراطورية البروسية منزلةً بها وبكلاوزفيتز صدمةً كبرى وشعورًا عميقًا بالإهانة، ركّز أفكاره وبحثه في الحرب، وظلّ مشغولًا بقية عمره بها.

المنظر البروسي كارل فون كلاوزفيتز، مؤلف الكتاب الشهير «عن الحرب»، وهو أول من عرّف الحرب باعتبارها امتدادًا للسياسة.

رأى كلاوزفيتز ضرورة إصلاح الجيش البروسي لتنهض الإمبراطورية من جديد بعد الحروب النابليونية، ومن الجدير بالذكر أنه لم يُنهِ كتابه الأهم «عن الحرب»، ونشرته عنه زوجته عام 1832 قبل أن يكتمل بسبب وفاته بالكوليرا.

وفي كتابه عرّف كلاوزفيتز الحرب بأنها استمرار السياسة بوسائل أخرى «عنيفة»، وهذه أهم فكرة قدّمها في أعماله، وللكتاب أثر بالغ على الإستراتيجية وعلى دارسيها وكبار الساسة، ومنهم: ليدل هارت، المؤرخ البريطاني سابق الذكر، وزعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، وماو تسي تونج، والرئيس الأمريكي أيزنهاور الذي قادَ الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية، وأخيرًا أبو الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر.

تتوفر ترجمة عربية للكتاب، ولمعرفة المزيد من التفاصيل عنه اضغط هنا.

المصادر

تحميل المزيد