عند الإصابة بفيروس كورونا المستجد، يختلف الوقت الذي يستغرقه المصاب حتى يتعافى من شخص لآخر. يشعر كثير من المصابين بالتحسن في غضون أيام أو أسابيع قليلة، ويتماثل معظمهم للشفاء في غضون 12 أسبوعًا. ولكن بعض الأشخاص، بمن فيهم أولئك الذين كانت إصابتهم خفيفة، يستمرون في الشعور بالأعراض لفترة أطول، ويعانون من مشكلات طويلة الأمد.

وتسمى هذه الحالات بـ«متلازمة ما بعد كوفيد-19»، أو «كوفيد-19 الطويل»، وتُطلق على علامات ومضاعفات الفيروس التي تستمر لأكثر من أربعة أسابيع بعد التشخيص بالإصابة. ويُعد كبار السن، والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية خطيرة على الأغلب الأكثر عرضة للمعاناة من أعراض كوفيد-19 المزمنة، ولكن حتى الشباب الذين يتمتعون بصحة جيدة يمكن أن يعانوا منها لأسابيع وشهور بعد الإصابة. فما أبرز الأعراض المزمنة الخطيرة التي يعاني منها المتعافون من فيروس كورونا؟

1. الشعور بالتعب والإرهاق الدائم

الشعور بالتعب والإرهاق الدائم، والدوار عند الوقوف، من الأعراض طويلة الأمد التي تستمر مع المتعافين من فيروس كورونا.

و«يختلف الإرهاق الذي يلي العدوى الفيروسية تمامًا عن التعب الطبيعي؛ إذ يشعر المصابون بالإرهاق التام، والتوعك في الجسم كله. ويظهر أحيانًا بين المرضى الذين يتعافون من فيروسات أخرى، مثل الإنفلونزا، أو النكاف» حسبما أوضحت دكتورة سارة جارفيس لموقع «بيشنت».

وتوجد عديد من الأسباب التي تجعل المتعافين يشعرون بالإرهاق الدائم بعد الإصابة بكوفيد-19، كأن يكون هذا الإرهاق استجابة جسدية مستمرة ضد الفيروس، أو نتيجة مضاعفات خطيرة أصيب بها الشخص، مثل الالتهاب الرئوي الذي يمكن أن يستغرق الإنهاك الناجم عنه ستة أشهر.

وفي حالات أخرى، تساهم عوامل مختلفة في الشعور بالإنهاك وتجعله يدوم لفترة طويلة، مثل انخفاض مستوى النشاط البدني لدى المتعافي، واضطراب الروتين اليومي، وأنماط النوم السيئة، والانهماك في العمل ومسؤوليات الرعاية، والمزاج السيئ، والقلق والتوتر.

2. الضباب الدماغي.. احذر الإعاقات الإدراكية!

يعاني المتعافون من فيروس كورونا من أعراض عصبية أيضًا، منها الضباب الدماغي أو الضعف الإدراكي. ولا يعد الضباب الدماغي تشخيصًا طبيًّا بقدر ما هو مصطلح عام يستخدم لوصف الشعور بالبطء الذهني، أو الارتباك، وتشمل أعراضه: مشكلات في الذاكرة، وضعف التركيز، والصداع.

وعن السبب في ذلك، وجدت دراسة أجريت في يناير (كانون الثاني) الماضي، زيادة في مستويات السيتوكينات الالتهابية في السائل المحيط بأدمغة الأشخاص المتعافين من فيروس كورونا بعد أسابيع من إصابتهم. والسيتوكينات هي جزيئات ينتجها الجهاز المناعي، تُنشط الاستجابة المناعية ضد مسببات الأمراض، وتُحفز الالتهاب.

ويعوق الالتهاب قدرة الخلايا العصبية على التواصل فيما بينها. وبناءً عليه؛ قد يكون هذا أحد العوامل التي تساهم في حدوث الضباب الدماغي. وعلى صعيد آخر، استطاع فريق من الباحثين تحديد تغيرات هيكلية مجهرية في منطقة الحُصين ومناطق أخرى من الدماغ لدى المتعافين من كورونا، ويعتقدون أن هذه التغييرات قد تلعب دورًا أيضًا في الإعاقات الإدراكية.

3. اضطرابات نفسية وعصبية

أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة «ذا لانسيت الطبية» (The Lancet Psychiatry)، أن ثلث الأشخاص المتعافين من فيروس كورونا، أصيبوا بمشكلات عصبية أو نفسية. وتوصل الباحثون لذلك بعد تتبع البيانات الطبية لأكثر من ربع مليون شخص أصيبوا بفيروس كورونا، وتبين أن ثلث المتعافين أصيبوا بمشكلات نفسية أو عصبية خلال ستة أشهر بعد إصابتهم بالفيروس. وكانت هذه المشكلات النفسية والعصبية أول تشخيص نفسي مُسجَّل لـ13% من هؤلاء المتعافين؛ إذ لم يعانوا سابقًا من أي اضطرابات نفسية!

الاضطرابات الأكثر شيوعًا التي عانى منها المرضى بعد تعافيهم كانت اضطرابات القلق التي ظهرت في 17% منهم، واضطرابات المزاج وأبرزها الاكتئاب بنسبة 14%، واضطرابات تعاطي المخدرات بنسبة 7%، والأرق 5%. في حين كان معدل حدوث الاضطرابات العصبية أقل، بنسبة 0.6% لنزيف المخ، و2.1% للسكتة الدماغية، و0.7% للخرف.

وقال البروفيسور بول هاريسون، المؤلف الرئيسي للدراسة من قسم الطب النفسي بجامعة أكسفورد: «إن الدراسة تسلط الضوء على الحاجة لأن تكون الأنظمة الصحية مجهزة للتعامل مع أعداد أكبر من الاضطرابات العصبية المحتملة لدى الناجين من الفيروس».

4. انخفاض الرغبة الجنسية وضعف الانتصاب

من ناحية أخرى، يمكن لفيروس كورونا المستجد أن يضر بالصحة الإنجابية والجنسية لكل من الذكور والإناث على حد سواء. وقد يرجع السبب في ذلك لأسباب نفسية، أو مناعية، أو عضوية.

فقد أوضحت إحدى الدراسات أنه نتيجة للعزلة الاجتماعية؛ يعاني بعض الأشخاص من الاكتئاب الذي يعطل المواد الكيميائية في الدماغ، التي لها دور في تعزيز الرغبة الجنسية لدى الإناث والذكور.

كذلك، قد يؤدي الاكتئاب إلى اضطرابات النوم، الأمر الذي حتى مع الراحة، لا يعيد الشخص إلى حالته المزاجية الطبيعية، ويقلل من رغبته في ممارسة النشاط الجنسي. فضلًا عن ذلك، تؤدي بعض أنواع مضادات الاكتئاب إلى انخفاض الرغبة الجنسية.

Embed from Getty Images

وكشفت دراسة أخرى عن إصابة بعض الذكور المتعافين من فيروس كورونا بخلل وظيفي جنسي، مثل ضعف الانتصاب، وقلة الجماع، مع أنهم لم يواجهوا أبدًا مشكلات في الإثارة أو الأداء الجنسي قبل الإصابة بالفيروس.

ومن غير المعروف على وجه الدقة السبب وراء ذلك، لكن توجد بعض التفسيرات المحتملة، مثل تأثير التوتر الشديد الذي تخلقه أجواء الحجر الصحي في الحالة المزاجية، وتأثير الفيروس في أنظمة القلب والأوعية الدموية والرئة، والتي بدورها تعد بالغة الأهمية للوظيفة الجنسية، ومن المرجح أيضًا أن الفيروس قد يؤثر في إنتاج هرمون التستوستيرون.

5. آلام في العضلات والمفاصل

أيضًا من المشكلات الشائعة بعد الإصابة بفيروس كورونا، مشكلات المفاصل والعضلات التي يمكن أن تصيب أي جزء من الجسم، وخاصةً الكتف والظهر. كذلك، يعاني بعض الأشخاص من آلام متفرقة، يمكن أن تظهر وتختفي لبعض الوقت في أثناء التعافي. في حين يعاني بعض الأشخاص من مشاعر غريبة، مثل التنميل، أو شكشكة الدبابيس والإبر، والضعف في الذراعين أو الساقين.

وقد يكون السبب في ذلك أن المفاصل والعضلات تكون أفضل عندما نتحرك بانتظام. ولكن عند الإصابة بالفيروس، يصبح الأشخاص أقل نشاطًا من المعتاد؛ الأمر الذي يمكن أن يسبب آلامًا وتيبسًا وضعفًا في العضلات؛ ما قد يؤدي إلى صعوبات في ممارسة الأنشطة اليومية. لذلك؛ حاول أن تزيد مقدار الحركة والنشاط الذي تقوم به تدريجيًّا عقب تماثلك للشفاء؛ لأن المفاصل والعضلات مصممة للحركة، مع الأخذ في الاعتبار تنظيم أوقات الحركة والراحة عندما تحتاج لذلك.

6. جلطات الدم ومشكلات الأوعية الدموية

وفقًا لموقع «مايو كلينك»، يمكن لفيروس كورونا أن يجعل خلايا الدم أكثر عرضة للتكتل وتشكيل الجلطات. ويُعتقد أن كثيرًا من تلف القلب الناجم عن الإصابة بالفيروس هو نتيجة تكون جلطات صغيرة جدًّا، تسد الأوعية الدموية الدقيقة في عضلة القلب. ويُمكن أيضًا أن تُصيب الجلطات الرئتين، والساقين، والكبد، والكلى.

أجرى فريق من الباحثين بجامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة، دراسة جمعوا فيها وحللوا عينات دم من 30 مريضًا، بعد شهر من تعافيهم من فيروس كورونا. ووجدوا أن جميع المرضى الذين تماثلوا للشفاء ظهرت عليهم علامات تلف الأوعية الدموية.

Embed from Getty Images

ووجدت الدراسة أيضًا أن المرضى المتعافين استمروا في إنتاج مستويات عالية من السيتوكينات، بالإضافة إلى أعداد كبيرة بشكل غير عادي من الخلايا المناعية، المعروفة باسم الخلايا التائية، التي تهاجم وتدمر الفيروسات. ويدل هذا على أن أجهزة المناعة للمرضى المتعافين، ظلت نشطة حتى بعد اختفاء الفيروس.

ويفترض الباحثون أن هذه الاستجابات المناعية النشطة باستمرار، قد تهاجم الأوعية الدموية لمرضى كوفيد-19 المتعافين؛ مما يتسبب في مزيد من الضرر ويزيد من خطر تكوين الجلطة الدموية. ويعد المصابون بأمراض القلب والأوعية الدموية الموجودة مسبقًا، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، الأكثر عرضة للخطر.

7. تلف أعضاء الجسم

عادةً ما يُنظر إلى فيروس كورونا على أنه مرض يصيب الرئتين أساسيًّا، ولكن يمكنه أيضًا أن يُتلف عديدًا من الأعضاء الأخرى. وقد يؤدي تلف أحد الأعضاء إلى زيادة خطر حدوث مشكلات صحية على المدى الطويل. ومن الأعضاء التي قد تتأثر بفيروس كوفيد-19، وفقًا لموقع «مايو كلينك»:

القلب: أظهرت اختبارات التصوير التي أجريت على بعض المصابين بعد أشهر من التعافي حدوث تلف دائم لعضلة القلب، حتى لدى الأشخاص الذين عانوا من أعراض خفيفة فقط؛ الأمر الذي قد يزيد من خطر الإصابة بفشل القلب، أو مضاعفات القلب الأخرى في المستقبل.

الرئتان: يمكن أن يؤدي نوع الالتهاب الرئوي المرتبط غالبًا بالإصابة بكوفيد-19 إلى تلف طويل الأمد للحويصلات الهوائية في الرئتين؛ الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في التنفس على المدى الطويل.

المخ: يمكن أن يتسبب فيروس كوفيد-19 في حدوث سكتات دماغية، ونوبات صرع، ومتلازمة جيلان باريه، وقد يزيد أيضًا من خطر الإصابة بمرض باركنسون، وألزهايمر.

علاوة على ذلك، قد تتأثر وظائف الكلى، والجلد، ويمكن أن تحدث متلازمة الالتهاب متعدد الأجهزة (MIS)، التي قد تتورم فيها أجزاء الجسم المختلفة. فضلًا عن أمراض المناعة الذاتية، التي يهاجم فيها الجهاز المناعي خلايا الجسم السليمة عن طريق الخطأ؛ مما يسبب تورمًا مؤلمًا في الأجزاء المصابة من الجسم، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض الأمريكي.

صحة

منذ سنتين
هل تشعر بالاكتئاب في ظل قيود جائحة كورونا؟ هذه المنتجات الطبيعية قد تساعدك

المصادر

تحميل المزيد