السينما إحدى الطرق القليلة التي تُتيح لنا الاطلاع على قضايا ومُعاناة يعيشها آخرون، ولولاها رُبما ما كُنا سنتمكن من إلقاء نظرة أكثر قُربًا وصدقًا وإنسانية على وقائع صعبة لا نضمن ألا يُزيفها الساسة أو تُجمّلها الصحافة أو يُخطئ قراءتها المؤرخون.

ومع أن السينما الفلسطينية واجهت تحديات عديدة سواء بسبب افتقار الموارد أو المشاكل السياسية، إلا أن صُنَّعاها اجتهدوا لرصد الواقع وإبراز الهوية الفلسطينية عبر أعمال تنوعت بمواضيعها فلم تقتصر على حكايات عن الحرب فقط، بل امتدت لتشمل قصصًا درامية ورومانسية، بل رُبما فانتازية. في هذا التقرير سنستعرض معًا مجموعة من أجمل الأفلام الفلسطينية أو تلك التي تمحورت حول قضايا مَعنية بالمُجتمع الفلسطيني. 

1- «Paradise Now».. حين تصبح النظرة الإنسانية اتهامًا لصاحبها

«السياسيون يرغبون في رؤية القضية كأبيض وأسود، خير وشر، أما الفن فيراها بشكل إنساني»  *المخرج هاني أبو أسعد

«الجنة الآن» فيلم درامي إنتاج 2005، أخرجه واشترك بكتابته المخرج هاني أبو أسعد، وهو أول فيلم بتاريخ السينما الفلسطينية يُرشَّح لـ«الأوسكار» وإن كان لم يفز بالجائزة، لكنه نجح باقتناص جائزة «جولدن جلوب» بالإضافة لجوائز عالمية أخرى.

أحداث الفيلم تدور حول شابين فلسطينين ضاقت بهما سُبل الحياة، ومع الوقت جُنِّدا وصارا على وشك القيام بعملية فدائية. ليستعرض العمل آخر 48 ساعة بحياة الصديقين في إطار درامي يغلب عليه الإنسانية؛ وهو ما ترتَّب عليه اتهام المٌخرج بخيانة القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ومن جهة أخرى اتُّهِم بصبغ العمليات الفدائية بطابع إنساني يُمَجِّدها ويمنحها مُبررات لا داعي لها.  

2- «Salt of This Sea».. عن الذاكرة الفلسطينية وحلم العودة 

«ملح هذا البحر» فيلم درامي إخراج المخرجة الأمريكية من أصل فلسطيني آن ماري جاسر، أُنتج العمل عام 2008 فلفت انتباه النقاد والجمهور، فيما عُرض بعدة مهرجانات بجانب ترشُّحه للكثير من الجوائز بسبب رؤيته الخاصة جدًا.

قصة الفيلم تدور حول شابة فلسطينية ولدت في أمريكا وعاشت هناك طوال حياتها إلى أن جاء اليوم الذي قررت فيه العودة إلى بلدها للاستقرار والحصول على ميراث كان جدها قد تركه قبل نكبة 1948. إلا أنها بمجرد عودتها تكتشف الواقع الموحش والوضع المُتأزم الفلسطيني، بل تُفاجأ برفض البنك منحها المال. بالصدفة تلتقي البطلة بشاب فلسطيني يحلم بالهجرة إلى كندا فتُقنعه بأن يقوما بسرقة البنك معًا؛ بعدها يتجهان إلى يافا التي تُمثل حلم العودة لكليهما لأسباب مُختلفة وهناك يجدان أنفسهما في مواجهة مع ذاكرة كادت تُمحى؛ ومن ثمّ يُعيدان اكتشاف أنفسهما واكتشاف ما يُمثله الوطن لكليهما.  

3- «Laila’s Birthday».. دراما اجتماعية تفضح الواقع الفلسطيني

«عيد ميلاد ليلى» فيلم درامي صدر عام 2009، اعتمد صانعه المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي قصة بسيطة للغاية، لكنها بمنتهى الحرفية اختزلت قضية وطن بأكمله؛ وهو ما مَيَّز العمل وجعله أشبه بمقطع أُفقي في حياة المواطن الفلسطيني بكل تفاصيلها وتحدياتها.

إذ تدور أحداث الفيلم حول أبو ليلى الذي عمل قاضي لسنوات في إحدى الدول العربية، وحين يعود أخيرًا لوطنه لشَغل المنصب ذاته يُقابَل ببيروقراطية ومُماطلات تَحول بينه وبين حقه بالوظيفة؛ الأمر الذي يضطره للعمل سائق سيارة أجرة لحين الانتهاء من الإجراءات.

وفي يوم عيد ميلاد ابنته يصبح عليه العودة إلى منزله مُبكرًا مُحمَّلاً بكعكة عيد الميلاد والهدية لابنته، وهو ما يُحاول البطل تحقيقه بالفعل. غَير أن فوضى الشارع الفلسطيني وما يفرضه الاحتلال من عراقيل، بالإضافة لصعوبة الحياة اليومية وتداعياتها كل ذلك يتضافر ويجعل عودة الأب إلى منزله أمرًا شاقًا ومشكوكًا في حدوثه.  

4- «Amreeka».. الحلم الأمريكي بين الحقيقة والسراب

«أمريكا» فيلم درامي من تأليف وإخراج الأمريكية ذات الأصل الفلسطيني شيرين دعيبس. صدر العمل في 2009 وعُرض بمهرجان «صندانس» السينمائي ومهرجان «كان» ليحظى وقتها باستحسان النقاد، رغم كونه التجربة الطويلة الأولى لصاحبته.

أحداث الفيلم دارت بين رام الله وأمريكا، فبطلة العمل امرأة مُطلَّقة تُحب بلدها، لكنها لا تجدها مكانًا يصلح للتخطيط لمستقبل ابنها؛ وهو ما يجعلها تسعى للحصول على «الجرين كارد». الغريب أنها ما إن تحصل عليها بالفعل حتى تشعر بالحزن لاضطرارها لترك وطنها خلفها، ذلك العالم الذي تَمَنَّت لو أنه كان أكثر حنوًا على أبنائه. تنتقل البطلة بابنها إلى أمريكا لمُطاردة فُرص الحياة العديدة، لكن ما لم تحسب حسابه أن أمريكا نفسها لا تفتح ذراعيها للجميع كما يُشاع عنها، وخاصةً المُهاجرين الشرق أوسطيين، وأن الأحلام كي تتحقق تتطلب تقديم الكثير من التنازلات وقدرة هائلة على الإستغناء.

5- «Five Broken Camera».. مُصادفة أفضت إلى عين ترصد الانتهاكات

«خمس كاميرات مُحطَّمة» فيلم وثائقي صدر عام 2011، أخرجه الفلسطيني عماد برناط والإسرائيلي ناشط السلام جاي دافيدي. بُنيت أحداثه على خمس كاميرات استخدمها عماد لتوثيق المقاومة الشعبية السلمية لقرية بلعين الفسطينية. ولاقى الفيلم استحسان النقاد والجمهور حتى أنه ترشَّح لـ«الأوسكار» وفاز بعدة جوائز، على رأسها جائزة السينما العالمية للإخراج بمهرجان «صندانس» السينمائي.

بدأ الأمر عام 2005 حين اشترى عماد كاميرا لتسجيل ولادة آخر أبنائه، وهو الوقت نفسه الذي شرعت فيه إسرائيل ببناء جدار فاصل في قرية بلعين بالضفة الغربية. ذلك الجدار الذي فصل بين أهل القرية وأراضيهم الزراعية، زاد على ذلك مُصادرة ما يقرُب من نصف تلك الأراضي. وهو ما ترتَّب عليه مقاومة شعبية وضع بذرتها الأولى أهل القرية، قبل أن ينضم إليهم العديد من نُشطاء السلام والدوليين.

من هنا بدأ عماد رحلته لتوثيق الانتهاكات والاعتداءات العدو المُحتَل ونشرها على «اليوتيوب»؛ وقد لاقت صوره وفيديوهاته اهتمامًا من قِبَل وسائل الإعلام ووكالات الأنباء حتى أنهم اُستخدموا أدلة في المحاكم الإسرائيلية. مع الوقت عمل عماد مصور مستقل لـ«رويترز» واُستخدمت لقطاته بالكثير من الأفلام الوثائقية، قبل أن يقترح عليه جاي دافيدي في 2009 العمل معًا على فيلم يستعرض قصة نضال أهل قريته ودمجها بخط إنساني يوضح تأثير ذلك على أسرة عماد نفسه وحياته الشخصية.

6-«When Pigs Have Wings».. شر البلية ما يُضحِك

فيلم كوميدي إنتاج 2011، فاز بجائزة أفضل فيلم بمهرجان «سيزار»، وهو يتمحور حول صياد فلسطيني فقير يعيش في غزة، يُعاني من الديون  ويحلم باليوم الذي يستطيع فيه تحسين حياته وحياة زوجته.

يُتيح له القدر هذه الفرصة حين يجد يومًا في شباكه خنزيرًا، وأمام ما يُمثله الخنزير في الدين الإسلامي يقف البطل حائرًا! هل يُحاول بيع الخنزير لكسب المال وسَد حاجته وحاجة أُسرته، أم يتخلَّص منه ويعود من جديد لا يملك شيئًا؟

هكذا تبدأ رحلة الصياد في محاولة منه لبيعه بالفعل عبر سلسلة من المُغامرات التي تجمع بين الطرافة والبؤس، قبل أن يلتقي بمستوطنة روسية إسرائيلية بحاجة لخنزير على وجه الخصوص، وهو ما ينتُج عنه مُباشرته لأعمالها بالخفاء وتتوالى الأحداث.  

7- «When I Saw You».. الحياة ما بعد النكسة

«لمَّا شُفتك» فيلم درامي فلسطيني-أردني صدر عام 2012، شارك الفيلم بالعديد من المهرجانات، بل فاز بعدة جوائز منها: جائزة أفضل فيلم عربي بـ«مهرجان أبوظبي» السينمائي، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة بـ«مهرجان الفيلم العربي للسينما» في وهران.

 أما عن قصته فتمحورت حول اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا بعد النكسة إلى الأردن عام 1967، وذلك عبر تسليط الضوء على قصة صبي بالحادية عشر من عمره يضطر للابتعاد عن والده وترك وطنه خلفه والرحيل مع والدته إلى معسكر اللاجئين في مدينة جرش، حيث نشهد حياة اللاجئين على اختلاف مواقفهم، بين من يرفضون الاستسلام لليأس ويأملون بالعودة يومًا للوطن، وبين آخرين قرروا قطع خيوط الحلم والاكتفاء بما تمنحه الحياة لهم.

إلا أن الأم ترفض ترك ابنها ليصبح أحد هؤلاء اليائسين؛ فتُقرر شَحذ قواه ومَنحه الدافع للحياة؛ مما يجعله يتشجَّع للانضمام لمعسكر الفدائيين، خطوة أولى في طريق العودة للعالم الذي ينتمي إليه.  

8- «Omar».. أن تختار بين الوطن والحبيبة!

«عندما لا تشعر بالأمان؛ تبدأ بالتفكير في أمور لا يمكن تصديقها، وعندما تعاني من شعور بالاضطهاد؛ لا يمكنك اتخاذ قرارات عقلانية»  *المخرج هاني أبو أسعد

«عمر» فيلم درامي رومانسي يحمل بعض الإثارة، من إنتاج 2013، كتبه وأخرجه هاني أبو أسعد، وهو ثاني عمل له يُرشَّح لـ«الأوسكار» بعد فيلمه «الجنة الآن». كذلك فاز بعدة جوائز، أشهرها جائزة «لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان كان». يُذكر أن العمل صُوِّر بالكامل في فلسطين وهو الأول بتاريخ السينما الفلسطينية الذي يأتي من إنتاج وتمويل فلسطيني فقط.

أحداث الفيلم تحكي عن عمر، الشاب الذي يواجه الموت يوميًا في سبيل لقاءه بحبيبته التي يفصله عنها الجدار العازل، ورغم قسوة الحياة التي يعيشها، إلا أن القدر يُخبِّئ له ما هو أكثر قسوة؛ إذ يُوضع في مواجهة عنيفة مع جنود الاحتلال، يترتب عليها القبض عليه.

قبل أن يُخيِّره الجانب الإسرائيلي بين أن يعمل جاسوس لحسابهم فيمنحونه حُريته وبين أن يرفض فيظل سجينًا للأبد؛ مما يضعه بمأزق أخلاقي لا يُحسَد عليه، فمع أن حُريته تَعني الانتصار لقلبه وقصة حُبه، إلا أنها بالوقت نفسه تَعني انتقاص رجولته وخيانته للوطن، فهل ينتصر عمر للحُب أم المبدأ؟

المصادر

تحميل المزيد