أدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة إلى الدوحة يومي 19 و20 فبراير (شباط) 2022، وحسب بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية تأتي هذه الزيارة في «إطار تعزيز العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، ودفع أطر التعاون الثنائي… كما شارك تبون في القمة السادسة، لرؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز، التي انعقدت في الدوحة من 20 إلى 22 فبراير الماضي.
تعتبر هذه الزيارة الخامسة من نوعها التي يؤديها الرئيس الجزائري إلى عواصم الدول العربية منذ وصوله للحكم، حيث زار قبلها الرياض، وتونس، والقاهرة، والكويت، وتزامنت هذه الزيارات مع عدد من المبادرات التي أطلقتها الجزائر إقليميًا، وأفريقيًا.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 كانت وزارة الخارجية الجزائرية قد استدعت جميع سفرائها والقناصل ومندوبيها لدى الهيئات الإقليمية والدولية إلى اجتماع عام مع رئيس الجمهورية بهدف «وضع تصورات جديدة لعمل الدبلوماسية الجزائرية، وتحرك الجهاز الدبلوماسي بشكل أكثر فاعلية للدفاع عن مصالح ومواقف الجزائر».
يقول رئيس تحرير موقع أفريقيا 2050، المتخصص في الشؤون الأفريقية علي اللافي لـ«ساسة بوست»: «أحدث تبون نقلة في مستوى الحركية الدبلوماسية منذ انتخابه، بعد أن عرفت الجزائر انكماشًا وركود في هذا المستوى، خاصة خلال سنوات مرض الراحل عبد العزيز بوتفليقة».
ويضيف «يبدو أن الجزائر تطمح بهذا التوجه الجديد نحو المبادرة إلى لعب أدوار متقدمة عربيًا وإقليميًا»، واستدرك اللافي قائلًا «تتوفر في الجزائر ثروات هائلة تعينها على تحقيق هذا الطموح في المقابل تمثل الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعرفها، بالإضافة إلى محيطها الإقليمي المتوتر عوائق أمام هذه الطموحات».
الجزائر قوة نائمة
تعتبر الجزائر الأولى عربيًا وأفريقيًا من حيث المساحة التي تبلغ 2.382.000 كم² وبها أكثر من 40 مليون ساكن، وتصنف أيضًا ضمن الأربع دول الأقوى اقتصاديًا في أفريقيا، حيث تزخر بثروات نفطية، ومنجمية، وزراعية كبيرة.
وتحتل الجزائر المرتبة السابعة عالميًا في تصدير الغاز الطبيعي بما قدره 43 مليار متر مكعب سنة 2021، كما تصنف الرابعة أفريقيا في إنتاج النفط بمعدل 959 ألف برميل من النفط الخام يوميًا، وتنتج الجزائر 12 مليون طن من الحديد سنويًا كما يوجد فيها منجم غار جبيلات أكبر منجم حديد في العالم.
وتحتل المرتبة الرابعة من حيث احتياطي الفوسفات، والذي يبلغ حجم 3% من نسبة احتياطات العالم كما تحظى بالمرتبة الثالثة عربيًا من حيث حجم احتياطي الذهب الذي بلغ 173.6 طن سنة 2021، وتزخر الجزائر أيضا بثروة زراعية مهمة؛ إذ تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة 8.5 مليون هكتار.
طموح جمهورية جديدة
يقول النائب السابق في المجلس الشعبي الوطني الجزائري أحمد شريفي لـ«ساسة بوست» «عرفت الجزائر مرحلة انكفاء على الذات خلال الفترة الممتدة بين 2013 و2019، وانسحاب فاعل في الساحة الدولية، رغم الرصيد التاريخي، والدبلوماسي، والسياسي، والاقتصادي، لكن ومنذ الانتخابات الرئاسية في 2019 شرعت السلطات في العمل على استرجاع مكانتها من خلال الحضور في المحافل الدولية، وأبرزها مجموعة أوبك، بالإضافة إلى دورها في تهدئة الأوضاع في ليبيا والساحل والصحراء، وأيضًا جهدها في الاعتراض على عضوية إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى الوساطة بين السودان، ومصر، وإثيوبيا».
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أعلن منذ الخطاب الأول إبان انتخابه سنة 2019 عن التزامه بتحقيق حلم الجزائريين في «بناء جمهورية جديدة قوية مهيبة الجانب مستقرة ومزدهرة»، ومن بين النقاط الأربع والخمسين التي التزم بها أن «يواصل الجيش الوطني الشعبي في إطار مهامه الدستورية الدفاع عن السيادة الوطنية، والسلامة الإقليمية»، ومن بين التعديلات التي أحدثت على الدستور إضافة مادة جاء فيها «يقرر إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان».
وفي هذا الصدد يقول الإعلامي المختص في الشؤون الأفريقية علي اللافي لـ«ساسة بوست» «الواضح هناك تغير في رؤية الجزائر لدورها الإقليمي وموقعها في السياسة الدولية العربية والأفريقية ورؤيتها لدور جيشها ويهدف هذا التغيير إلى تعزيز مكانتها وحماية مصالحها وأمنها».
وتسعى الجزائر بعد سنوات الانكماش إلى لعب أدوار متقدمة عربيًا وأفريقيًا، فقد استهل تبون دورته النيابية بمبادرة لحل الأزمة في ليبيا من خلال عقد لقاءات في يناير (كانون الثاني) 2020 مع حكومتي طبرق والسراج حينها إلى جانب وزراء خارجية تركيا، ومصر، وإيطاليا، وفرنسا، ورئيس الوزراء الإيطالي، وسعت الجزائر أيضًا في وساطة لحل الأزمة الخليجية، وتأتي زيارة عبد المجيد تبون إلى السعودية في فبراير 2020 ولقائه بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في هذا الاتجاه.
من المبادرات الأخرى التي أطلقتها الدبلوماسية الجزائرية بعد انتخاب تبون، مبادرة الوساطة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى في علاقة بأزمة سد النهضة، ويبرز حرص الجزائر على العودة كقوة مؤثرة إقليميا أيضًا من خلال المجهودات الدبلوماسية الكبيرة التي تقوم عليها من أجل إنجاح القمة العربية المزمع عقدها في عاصمتها خلال ربيع 2022، وخاصة من خلال الملفات التي تصر الجزائر على أن تكون ضمن جدول أعمال القمة، رغم معارضة عديد الدول الأعضاء لها على غرار إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية إذ صرح تبون قائلًا «سوريا تستحق العودة إلى جامعة الدول العربية».
وقد جاءت مبادرة المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وقيادة معركة تجميد عضوية دولة الاحتلال في الاتحاد الأفريقي في هذا السياق النشيط أيضًا، ويقول الإعلامي المختص في الشؤون المغاربية علي اللافي لـ«ساسة بوست» في هذا الصدد «مبادرة المصالحة ولقاءات الفصائل الفلسطينية في الجزائر من أجل معالجة خلافاتهم أعاد بنا الذاكرة إلى فترة تألق الدبلوماسية الجزائرية حينما احتضنت المجلس الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية سنة 1987».
ويضيف اللافي«لقد أثبتت الجزائر عودتها القوية إلى عمقها الإقليمي من خلال نجاحها في قيادة معركة تجميد عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي»، وتعتبر المبادرة التي أطلقها تبون، في بداية شهر يناير (كانون الثاني) المنقضي، للوساطة بين السلطات في جمهورية مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» تأكيدًا على حرص الجزائر على تحسين موقعها الإقليمي.
ظروف اجتماعية ومحيط إقليمي معيق
كشف بيان صحفي صادر عن صندوق النقد الدولي في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أن نسبة البطالة في الجزائر تقدر ب 11.4% كما قدرت نسبة التضخم 6.5 % سنة 2021، ويتوقع أن تبلغ 7.7 % سنة 2022.
كما يتوقع الصندوق تراجع نسبة نمو إجمالي الناتج المحلي بين سنتي 2021 و2022 من 3.2% إلى 2.4% حسب نفس البيان، وتبلغ نسبة الفقر في الجزائر 38% كما يعرف الدينار الجزائري تراجعًا أمام الدولار ليبلغ 143.05.
وقد شهدت البلاد بداية السنة الحالية إحتجاجات بسبب غلاء الأسعار، مما استوجب تدخل تبون لإلغاء الضرائب المصادق عليها من قبل الأطراف الداعمة للحكومة، في قانون المالية لسنة 2022. بالإضافة إلى هذه المعطيات الاجتماعية يعرف المحيط الإقليمي للجزائر توترات متواصلة، إذ شهدت الأزمة الجزائرية – المغربية ذروتها بعد إعلان الجزائر في أغسطس (آب) 2021 قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وغلق المجال الجوي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية.
وجنوبًا يتصاعد التوتر الأمني في مالي منذ الانقلاب الذي حصل على الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020، وأكد تبون في أكثر من مناسبة أن الجزائر معنية باستقرار الوضع في مالي حتى أنه صرح «أن الجزائر يمكنها التدخل في مالي عسكريًا».
الوضع الأمني في ليبيا أيضًا من التحديات المقلقة والمكلفة للجزائر وهو ما أكده الرئيس الجزائري قائلًا «نحن نحرس حدودنا مع ليبيا الممتدة على ألف كيلومتر، وهناك تعبئة تكلفنا مصاريف إضافية كنا نود استعمالها في التنمية، فكلما دخلت أسلحة إلى ليبيا نجد أنفسنا مضطرين لشراء أسلحة مضادة لها».
الحدود الشرقية مع تونس بدورها غير مستقرة بفعل نشاط الخلايا الجهادية على الحدود التونسية الجزائرية وكذلك في ظل الأزمة السياسية التي تعرفها تونس بعد انقلاب قيس سعيد في 25 يوليو (تموز) 2021
وفي هذا الصدد تأتي زيارة تبون لتونس وكذلك الزيارات العديدة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي صرح بأنه «ما يؤثر على أمن واستقرار تونس يؤثر علينا كذلك».
هل تنجح الجزائر في تحقيق طموحاتها؟
تحاول الجزائر برئاسة عبد المجيد تبون الموازنة بين تحدياتها الاجتماعية والأمنية وطموحها في لعب أدوار متقدمة عربيًا وأفريقيًا، وفي هذا الصدد يقول أحمد الحيدوسي أستاذ الاقتصاد في جامعة البليدة الجزائرية لـ«ساسة بوست» إن «الجزائر بما تمتلكه من رصيد سياسي في القارة الأفريقية وعلاقات متينة في المنطقة العربية وفي ظل الإرادة السياسية الحالية يمكن أن تحدث نقلة نوعية في مستوى فاعلية سياستها الخارجية».
وفي المقابل يعتبر النائب السابق أحمد الشريفي «أن التحديات الحقيقية المفروضة على الجزائر اليوم هي مواجهة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تمر به، أما لعب أدوار إقليمية وعربية متقدمة يبقى مرتبط بموازين القوى في المنطقة وبمدى قدرة السلطة على المضي في إصلاحات اقتصادية ومالية من شأنها أحداث نقلة نوعية وحسن تنفيذها، خاصة عبر تطوير الإدارة العامة وتحسين نوعية التسيير»، ويضيف الشريفي «بناء جبهة داخلية قوية والمواصلة في سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان من الشروط المهمة لنجاح مساعي الجزائر وتحقيق طموحاتها».