“معظم النمو الوظيفي (وفرة الوظائف) في أمريكا ما بين عامي ١٩٨٠-٢٠١٠ كان مصدره الشركات الناشئة الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات”. مركز الإحصاء الأمريكي
عام ٢٠١٠ وفي ظل أزمة اقتصادية طاحنة، ضربت البلاد طولًا وعرضًا، خرج باراك أوباما الرئيس الأمريكي، ليتحدث عن تركيز الحكومة الأمريكية ودعمها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لدعم الاقتصاد الأمريكي والقضاء على البطالة.
وبينما لاتزال الحكومات المصرية المتعاقبة تتحدث عن سلة من المشروعات القومية العملاقة، التي ستغير وجه مصر وستدر على الوطن مليارات الجنيهات، وحيث أننا ما زلنا عالقين في فخ توشكى الذي استنزف مليارات الجنيهات من قوت المصريين، خرج لنا النظام الحالي بمشروع تفريعة قناة السويس الجديدة، بينما الاقتصاد المصري على حافة الانهيار، مستنزفًا موارد بشرية ومالية هائلة كان من الأولى بهم وضعها في أشياء أخرى، تساعد الاقتصاد والناس على مواجهة الوضع الصعب الذي خلفته سنوات طوال من سوء التخطيط وفساد الإدارة.
هناك على بعد خطوات، قام الصهاينة الذين اغتصبوا أرض فلسطين، بمواكبة العصر، وأخذوا بالأسباب التي تحفظ لكيانهم فرصته في البقاء والريادة، وتوفر لأبنائه فرص العمل وتؤمن لهم المستقبل، سيرًا على خطى ماما أمريكا، قامت إسرائيل باستنساخ تجربة وادي السيليكون الأمريكي، تلك التجربة الأبرز في حاضنات المشاريع التقنية، ومسرعات النمو للشركات الصغيرة، حيث عملت إسرائيل على نظام حكومي وسياسي وإعلامي يوفر الدعم ويحفز على إنشاء الشركات الصغيرة في كل المجالات خصوصًا المهتمة بالتقنية الفائقة.
أمة الشركات الناشئة
بعد مرور أكثر من عقد على بدء التجربة الإسرائيلية في وادي السيليكون – الجزء الثاني كما يحلو للبعض أن يطلق عليها – أصبحت إسرائيل ثاني أكبر حاوية للشركات الناشئة، وصاحبة أعلى معدل في العالم بالتناسب مع عدد السكان، ففي عام ٢٠١٣ وحده أنشئت ١٠٠٠ شركة جديدة ليصل المجموع إلى ما يقارب الـ ٥٠٠٠ شركة ناشئة تعمل في مجالات التقنية الحديثة، وتطبيقات الويب، والكيمياء الحيوية، وأخرى طبية تعمل على أبحاث استغلال الخلايا الجذعية في علاج الأمراض المستعصية.
استطاعت هذه الشركات اجتذاب استثمارات ١٢ مليار دولار أمريكي في عام ٢٠١٣، وأصبح هناك ما يقرب من ١٠٠ شركة إسرائيلية مدرجة في البورصات الأمريكية تصل قيمتها مجتمعة إلى ٤٠ مليار دولار، أكثر من كل الشركات الأوربية في بورصات أمريكا، وعليه أصبحت إسرائيل تشتهر في أوساط الشركات والمواقع التقنية والإخبارية بلقب (أمة الشركات الناشئة).
“إسرائيل لديها مواهب هندسية رائعة بالفعل، ترجع في جزء منها إلى المؤسسات الأكاديمية القوية، وروح المبادرة والإبداع التي تتدفق هنا”. الرئيس التنفيذي لجوجل إسرائيل
الشهر الماضي، وفي اجتماع لمديري أكبر خمس شركات عالمية فاعلة في إسرائيل، وهي جوجل وكوالكم وجنرال موتورز وأي بي إم والاتصالات الألمانية، لبحث مستقبل الشركات متعددة الجنسيات في إسرائيل، ومدى الاستفادة العائدة على الشركات والاقتصاد الإسرائيلي، وتأثر الشركات الإسرائيلية من المنافسة مع هذه الشركات العملاقة إيجابًا وسلبًا.
وعلى حسب موقع إسرائيلي مهتم بنشر أخبار الرياديين الإسرائيليين كانت المناقشات غنية جدًا ومفيدة.
حيث أنه لم تكتفِ التجربة الإسرائيلية بالشركات المحلية، بل قامت مئات الشركات العالمية بافتتاح مراكز بحث وتطوير خاصة بها في إسرائيل، للاستفادة من التجربة والعمالة الهندسية الماهرة، شركات كبيرة مثل جوجل وإنتل تعتمد على فروعها الإسرائيلية اعتمادًا أساسيًا في أعمالها وتطوير تقنياتها الحديثة.
بجوار الإضافة الهائلة التي يجنيها الاقتصاد الإسرائيلي من تواجد مثل هذه الشركات العالمية، تقوم هذه الشركات بمنح المهندسين الإسرائيليين حديثي التخرج، الفرصة لصقل مهاراتهم، وتنمية قدراتهم المعرفية من خلال الاقتراب من البيزنس العالمي، مما يفيدوهم بقوة إذا ما قرروا إنشاء شركاتهم الخاصة.
وجعل هذا أيضًا الشركات الناشئة الإسرائيلية تحت منظار الشركات العالمية، التي تتحين الفرصة لاقتناص أية فكرة جديدة أو تقنية مستحدثة، ففي هذا العام استحوذت جوجل على الخدمة الإسرائيلية (ويز) المتخصصة في الملاحة وحالة المرور على الطرق بمقابل ١,٣ مليار دولار، وقامت أيضًا أبل بالاستحواذ على شركة (برايمسينس) والتي طورت المستشعر ثلاثي الأبعاد في جهاز الألعاب الذي تطلقه ميكروسوفت ( الإكس بوكس)، بمقابل ٣٨٠ مليون دولار.
مما يخلق بالتأكيد حالة من التنافس الشديد والرغبة في جذب الانتباه والعمل على تجويد المنتج أكثر وأكثر للحصول على فرصة مماثلة مع هذه الشركات العملاقة.
بالتأكيد لم أكتب كل هذا من أجل التمجيد والتهليل للتجربة الصهيونية، التي وإن كانت حقًا مميزة فهناك تجارب أخرى تتألق في بقاع كثيرة من الكوكب، لكن إسرائيل هي العدو القابع على الحدود منتظرًا نصف فرصة سانحة ليقوم بما يحلم به وهو القضاء علينا، والتقدم الذي أصبح طريقه والفشل الذي نغوص فيه كل يوم يجعلنا نحن من نحقق له أحلامه.
في منتصف القرن الماضي ومع بدايات التنافس بين القوتين العالميتين في ذاك الوقت، فاجأ السوفيت العالم كله بصعود أول رائد بشري إلى الفضاء، وهنا تساءلت القوة الأخرى أمريكا، لماذا فعلها السوفيت ولم نفعلها نحن؟ وكان نتيجة هذا السؤال تغير كامل في مناهج الرياضيات لكل المراحل الدراسية، وبرنامج طموح لإرسال أول أمريكي إلى القمر، وهو ما تحقق في غضون سنوات!
وأيضًا عندما أعلنت الهند عن تجربتها النووية الأولى، لم تهدأ جارتها وعدوتها اللدود باكستان حتى حصلت على القنبلة النووية وأعلنت هي الأخرى الانضمام إلى النادي النووي مما حقق بعضًا من توازن القوى في شبه الجزيرة الهندية.
تلك هي عادات الحكومات الوطنية صاحبة الكفاءة، والتي تجيد التخطيط والتي تتابع أعداءها وتعمل على جعل ميزان القوة دائمًا في صالحها، وتدرس كل تقدم يحققه الخصوم وترى كيف لها أن تعادله وكيف تعلو عليه.
بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ والتي حقق فيها الجيش المصري نصرًا كبيرًا كسر أسطورة التفوق الإسرائيلي، وأظهر أننا نستطيع بالتخطيط والإدارة الجيدة أن نحقق أهدافنا، وعلى ما حدث كان يجب البناء بنفس الروح في كل المؤسسات والمجالات لتعود مصر إلي ما يجب أن تكون عليه، لكن انظروا أين نحن الآن ونحن المنتصرون وأين أصحاب الهزيمة.
التعليم
قوة النظام التعليمي الإسرائيلي هي في ظهور ٣ جامعات إسرائيلية في قائمة أفضل ١٠٠ جامعة في العالم وهي الجامعة العبرية بالقدس ومعهد التكنولوجيا (التخنيون) ومعهد وايزمان، ويصل المجموع إلى ٦ جامعات في قائمة الـ ٥٠٠ جامعة الأفضل في العالم.
بينما نحن نكتفي بجامعة القاهرة العريقة ويأتي ترتيبها في المراكز الأخيرة من قائمة الـ ٥٠٠ الأفضل.
الزراعة
تعاني إسرائيل مثل كل دول المنطقة من ندرة المياه وقلة الأراضي الصالحة ولكنها استطاعت باستخدام تقنيات تحلية المياه، والري بالطرق الحديثة الذي يمنع الهدر، والأبحاث في تحسين السلالات الزراعية أن تتحول إلى دولة زراعية حديثة تحقق الاكتفاء الذاتي وتصدر منتجاتها للخارج ويستعان بخبرائها الزراعيين في الدول الأخرى للاستفادة من خبراتهم.
ونحن اكتفينا بالبناء على الأرض الخصبة ومحاولة استصلاح الأرض التي يجب أن نبني عليها، ومازال الري في مصر يتسم بالتخلف والفجور في الهدر، ويبدو أن الله أرسل أثيوبيا لتكون عقابًا لنا على ما نقترفه من جرائم.
الصناعات العسكرية
سأكتفي بأن أقول لكم إن إسرائيل الأن هي صاحبة المركز الرابع بين الدول المصدرة للسلاح قبل بريطانيا العظمي، وتتنوع صناعاتها بين الأسلحة الثقيلة وأنظمة التوجيه والتدريع والطائرات بدون طيار والأسلحة الخفيفة وأصبحت تسيطر على ١٠٪ من سوق السلاح العالمي.
المحصلة النهائية أننا نسير في هذا العالم بلا قيادة ولا استراتيجية وبدون تخطيط سليم، محملون بكل مساوئ الإدارة المتلازمة مع هدر مفزع للطاقات والموارد، مما يهدد بقاءنا ذاته.