ربما لم يخطر في بال أبي محمد الجولاني، قائد «هيئة تحرير الشام»، أن يظهر أي فصيل عسكري معارض يحاول إزاحته من عرشه في إدلب، على الأقل ليس ممن كانوا رفاقه في الدرب والحرب، وهم الذين حاربوا سويًّا أكثر من 30 فصيلًا عسكريًّا من فصائل الجيش الحر وأخرى إسلامية؛ حتى يتمكن من بسط سلطته على المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.

ما زالت هيئة تحرير الشام الفصيل المسيطر لغاية اللحظة على ما تبقى من مناطق المعارضة السورية في محافظة إدلب وما حولها، ولكن هذه السيطرة ربما تترنح مع تشكيل غرفة عمليات جديدة بشكل فاجأ الجميع، وأصبحت التهديد الأكبر للهيئة منذ تأسيسها، والذي ربما سيغير مجرى العديد من الأمور ويقلب الطاولة وما عليها من أوراق ومخططات واتفاقيات، خاصة تلك الموقَّعة بين تركيا وروسيا.

«فاثبتوا» تزيد التوتر في إدلب

في تطور مفاجئ، ولكنه متوقع الحدوث، أعلنت عدة مكونات عسكرية تشكيل غرفة عمليات أطلق عليها اسم «فاثبتوا»، وقوام هذه الغرفة شخصيات قيادية ومجموعات منشقة عن هيئة تحرير الشام، جميعهم ينتمون للجماعات الإسلامية المتشددة، ويحملون أفكارًا جهادية مستمدة من تنظيم القاعدة ومشايخها بشكل أساسي.

أعلن عدد من الفصائل الإسلامية المتشددة في بيان رسمي نشر في 12 يونيو (حزيران) 2020، عن إطلاق الغرفة الجديدة والتي تتكون من «تنسيقية الجهاد» التي يقودها أبو العبد أشداء، و«لواء المقاتلين الأنصار» الذي يقوده أبو مالك التلّي أو الشامي، بالإضافة لغرفة عمليات «وحرض المؤمنين» والتي كانت تضم تنظيم «حراس الدين» المبايع لتنظيم القاعدة، و«جبهة أنصار الدين» بقيادة أبي عبد الله الشامي، و«أنصار التوحيد»، و«أنصار الإسلام»، وتنتشر هذه الفصائل في جبلي التركمان والأكراد بريف اللاذقية، وفي ريف إدلب الغربي والجنوبي، وأيضًا ريف حماة الغربي.

بيان حركة «فاثثبتوا» التأسيسي

البيان التأسيسي لحركة «فاثبتوا».

تضم غرفة عمليات «فاثبتوا» عددًا آخر من القيادات والعناصر المنشقة عن هيئة تحرير الشام، والتي ترفض التوجهات الجديدة للهيئة التي تحاول – في نظرهم – خلع عباءة التشدد التي لازمتها على مدى سِني الثورة السورية، وهذا الأمر لم يرق لهم لرغبتهم في إقامة دولة تحكم بالشريعة الإسلامية في سوريا، كما أن تعامل الهيئة مع الاتفاقيات الدولية، وآخرها اتفاق موسكو، الذي سمح بمرور الدوريات الروسية والتركية المشتركة على الطريق الدولي «إم 4»، أدى لمزيد من التشققات والانهيارات في الهيئة، وأيضًا محاولة الهيئة فتح معبر تجاري مع نظام الأسد.

دخول غرفة العمليات الجديدة ذات التوجه الإسلامي المتشدد على خط الصراع في إدلب، رفع التوتر عاليًا بينها وبين هيئة تحرير الشام التي سارعت على الفور إلى اعتقال قيادات أساسية في الغرفة، وهم أبو مالك التلي، وسراج الدين مختاروف، المعروف بـ«أبي صلاح الأوزبكي»، والمطلوب للإنتربول الدولي بتهمة تنفيذ تفجيرات في روسيا، بالإضافة لأبي حسام البريطاني.

اعتبرت الغرفة هذه الاعتقالات بمثابة اعتداءات ستتحمل الهيئة تبعاتها، ولكن ما الذي يمكن أن تفعله في مواجهة قوة هيئة تحرير الشام العسكرية؟

صراع الإخوة الأعداء

ربما تصبح «فاثبتوا» هي الرقم الصعب الذي سيضع سيطرة وسلطة هيئة تحرير الشام على المحك، ولن يكون بمقدور الهيئة إنهاؤها بتلك السهولة التي استطاعت بها إنهاء 30 فصيلًا، لسببين رئيسيين، هما:

1. كانت فصائل «فاثبتوا» يومًا أحد أعمدة الهيئة وأبرز المنافحين والمدافعين عنها، وكانوا يعدون القوة الضاربة لها في قتالهم ضد مخالفيها، وذلك من خلال الفتاوى التي كان يصدرها مشايخ الهيئة (الذين هم الآن في الغرفة الجديدة)، ومن أهمهم الشرعي أبو يقظان المصري، الذي أفتى بقتل عناصر «أحرار الشام» إبان الاقتتال بينهم في يوليو (تموز) 2017.

2. تُعد فصائل «فاثبتوا» الآن الواجهة الأساسية للتشدد في سوريا، ويملكون قوة عسكرية ليست بالهينة ولا السهلة، وعناصرها أشداء ومدربون بقوة، ويملكون عقيدة صلبة تتمثل في قتال المخالف لهم، حتى وإن شهد شهادة الإسلام، وهذا ما يدرَّس لهم بشكل منهجي وفكري، ومنهم من يحمل جنسيات أوروبية وعربية وآسيوية.

اقتصاد الناس

منذ 3 سنوات
«ميدل إيست آي»: الليرة التركية تغزو شمال سوريا.. ماذا يحدث للعملة السورية؟

لكن ذلك لا يعني أبدًا أن كفة القوة تميل إليهم؛ إذ ما تزال الهيئة القوة العسكرية المسيطرة على إدلب، ولكنها بالتأكيد ستتأثر سلبًا إذا ما نشبت الحرب بينهم.

في الحقيقة، كانت هيئة تحرير الشام تعتمد في كل حروبها ضد مخالفيها من فصائل الجيش الحر والإسلامية على ورقتها الرابحة، التي طالما استخدمتها، وهم من يعرفون بـ«الأمنيين»، أي المسؤولين عن الجانب الأمني في الهيئة، والذي يعتقد أنهم قد تمكنوا بالفعل من اختراق التشكيل الجديد ومعرفة تحركاته وخططه كاملة، وحتى إن تمكنت «فاثبتوا» من السيطرة على الأمنيين في صفوفها، سيكون عليها مجابهة القوة العسكرية الضخمة للهيئة والتي تمتلك العتاد الأقوى والأكثر.

يقول الناشط والصحافي أحمد نور، إن خلفية الصراع بين هيئة تحرير الشام وغرفة عمليات «فاثبتوا» قديم، مع بدء تيارات من الهيئة الانشقاق عنها والالتحاق بتنظيم حراس الدين.

ولفت نور إلى أن «صراعًا خفيًّا يدور بين الحراس والهيئة، كانت بدايته عندما أُعلن مقتل أبي بكر البغدادي قائد تنظيم داعش في مناطق سيطرة الهيئة بريف إدلب، حيث كان البغدادي يختبئ بحماية عناصر تابعين لـ«حراس الدين»، ولكن مع تطورات الأحداث والهجمة التي شنتها روسيا والنظام على إدلب في أواخر 2019، تأجَّل الصراع».

هل ستشتعل الحرب في إدلب؟

بحسب تأكيد نشطاء محليين في إدلب، شرعت هيئة تحرير الشام قبل قرابة الشهرين في وضع خطط لتجييش عناصرها وقياداتها العسكرية وتحريضهم ضد فصيل حراس الدين المبايع لتنظيم القاعدة، وأكدوا أن اجتماعًا ضم قيادات الهيئة وضعوا فيه الخطوات التي سيجري من خلالها إنهاء «الحراس» بشكل كامل.

وفي الفترة التي تلت هذا الاجتماع، لوحظ فعليًّا ارتفاع التحريض الإعلامي ضد «الحراس» وإبراز أخطائهم وأي تجاوز مهما صغر، خاصة مع العمليات التي شنها التنظيم على مواقع قوات النظام السوري، والتي أعطت الحجة للطيران الروسي بشن غارات جوية أدت لمقتل وجرح عدد من المدنيين.

أقامت الهيئة أيضًا، خلال هذه الفترة، العديد من الدورات التدريبية العسكرية لعناصرها والمستجدين، من بينها تخريج أكبر دفعة من مقاتلي «العصائب الحمراء»، الذين تلقوا أقسى التدريبات، ويعدون من القوات الخاصة التابعة للهيئة، ويرى نشطاء أن مهمة هؤلاء المنوطين بها حاليًا ستكون القضاء على الخصوم.

ويبدو أن فصائل «فاثبتوا» سارعت لقطع الطريق أمام الهيئة بالاتحاد وتشكيل غرفة عمليات لتحميهم من أي محاولة للانقضاض عليهم، فهل يتمكنون من النجاة فعلًا؟

يرى الناشط أحمد نور أن «الصراع بين الهيئة و«فاثبتوا» سيحصل عاجلًا أم آجلًا؛ لأن المنطقة لا يمكن أن تتسع لهذه التيارات المتصارعة، وأن سلسلة اعتقالات متبادلة شهدتها الفترة الأخيرة، ساعدت في تأجيج الصراع ليصل لمرحلة الصدام المسلح، والذي إن حصل سيكون الأعنف بين كل الصراعات الداخلية».

أما الكاتب السوري والخبير بالجماعات الإسلامية، أحمد أبازيد، فيرى أن «غرفة عمليات «فاثبتوا» تمثل تحديًا خطيرًا للهيئة، لذلك هي تحتاج إلى تفكيكها أو إخضاعها لسلطتها منعًا لوجود قوة وازنة للتيار الجهادي المنشق عنها».

«يوكلون قرارهم لقيادة متهورة، وليست أهلًا لتحمل المسؤولية، أو أن تلك التصرفات عن سابق قرار وتقصد، مما يثير الشكوك حول نواياهم».
*تقي الدين عمر، مدير التواصل في مكتب العلاقات الإعلامية لدى هيئة تحرير الشام

ويضيف أبازيد في حديثه لـ«ساسة بوست»: «ولكنها (الهيئة) في الوقت نفسه تحتاج إلى هؤلاء الجهاديين ورقة قوة، لتظهرها أمام الدول على أنها قوة معتدلة تضبط المتطرفين، وتحتاج الهيئة أن تظهر أمام تركيا قدرتها على حماية الدوريات التركية الروسية، ومنع أي تشويش على الهدنة».

وفي تصريح لوسائل الإعلام أكد تقي الدين عمر، مدير التواصل في مكتب العلاقات الإعلامية لدى هيئة تحرير الشام، أن «فاثبتوا» اتخذت قرارًا بكسر ما أسماها حالة الانسجام وتوحيد القرار العسكري لدى الفصائل العاملة في إدلب وما حولها، ولفت إلى أن ما تفعله «فاثبتوا» لا علاقة له بملف أبي مالك التلي أو أبي صلاح الأوزبكي المعتقلين لدى الهيئة.

وشكك تقي الدين بما تفعله «فاثبتوا» بقوله: «يوكلون قرارهم لقيادة متهورة، وليست أهلًا لتحمل المسؤولية، أو أن تلك التصرفات عن سابق قرار وتقصد، مما يثير الشكوك حول نواياهم».

أصدرت هيئة تحرير الشام قرارًا بمنع الانشقاق عنها وتشكيل فصائل خارجها، ومنع أعضاء الهيئة كافة من قادة وجند، الانشقاق عنها قبل المراجعة لإبراء ذمته.

تواصل «ساسة بوست» مع تقي الدين لفهم الأسباب الحقيقية وراء الخلاف الحالي، وقال: «الخلاف ليس مع غرفة عمليات «فاثبتوا»، وإنما الخلاف بخصوص تصرفات «حراس الدين» و«أنصار الدين» بوضع الحواجز وقطع الطرقات، وقد سبق ذلك خروج تلك المجموعات عن إجماع الفصائل العاملة في المناطق المحررة صاحبة الثقل على الأرض (مثل غرفة الفتح المبين) وعدم الالتزام بقراراتهم ورؤيتهم في الأعمال العسكرية، مع ممارسة المزاودات الشرعية والفكرية ضدهم، مما يؤدي إلى تشتيت الجهود والإمكانات الموجودة، وتضارب الأهداف والقرارات يسبب خلط الأوراق، الذي يعود بالنتائج السلبية على المحرر من المناطق ككل، كما حدث مؤخرًا في هجومهم على قرية طنجرة بريف حماة، وأسفر ذلك عن الإضرار بأعمال التحصين في جبل الزاوية بريف إدلب».

أصدرت هيئة تحرير الشام قرارًا بمنع الانشقاق عنها وتشكيل فصائل خارجها، ومنع أعضاء الهيئة كافة من قادة وجند الانشقاق عنها قبل المراجعة لإبراء ذمته، وحظرت على التارك لها تشكيل أي تجمع أو فصيل مهما كانت الأسباب، كما حظرت عليه الانتماء لأي تشكيل أو فصيل موجود على الساحة قبل مراجعتها وأخذ الموافقة منها.

توعدت الهيئة كل من يخالف هذا القرار بتعريض نفسه للمساءلة والمحاسبة، ويعتقد أن هذا القرار موجه بالأصل إلى القياديين السابقين في الهيئة وهم: أبو العبد أشداء، وأبو مالك التلي، واللذان انشقا عن الهيئة وشكلا فصيلًا عسكريًّا واندمجا مع فصائل أخرى ضمن غرفة عمليات «فاثبتوا».

وبحسب الأسباب التي يسوقها مناصرو «فاثبتوا»، لتبرير استنفارهم وحشد قواتهم كاملة، فإنهم يريدون إطلاق سراح القياديين، التلي والأوزبكي، ومن ثم الجلوس للتحاكم إلى قضاء مستقل يحكم في الادعاءات التي ساقتها الهيئة ضدهما، إذ اتُّهما بقضايا خطف وسرقة، ومحاولة شق صف هيئة تحرير الشام عبر سحب الجنود معهما إلى التشكيل الجديد، وهو ما ينفيه المناصرون تمامًا بقولهم إن الهيئة تلفق التهم ضدهما.

تجدر الإشارة إلى أن «ساسة بوست» حاول التواصل مع الناطق الرسمي باسم غرفة عمليات «فاثبتوا»، ورفض الإدلاء بأي تصريح.

بين احتمالي التهدئة والاشتباكات.. ماذا ستفعل هيئة تحرير الشام؟

في حديث «ساسة بوست» مع نشطاء من إدلب، عن الأحداث الدائرة في إدلب حاليًا، وما يمكن أن تتجه إليه الأمور، أشاروا إلى إن سياسة الهيئة الآن تتمثل في تحييد فصائل غرفة عمليات «فاثبتوا» كلًّا على حدة، والاستفراد بهم قدر المستطاع، معتبرين أن غرفة العمليات الجديدة لا تملك رأسًا أو قيادة واحدة توجهها توجيهًا جيدًا على عكس الهيئة.

أيضًا، تتفق توجهات فصائل الغرفة وأفكارها المنهجية كثيرًا، ولكنها تختلف بعض الشيء في موضوع التعامل مع هيئة تحرير الشام، وهل يجوز قتالها، وكان هذا واضحًا من تعامل «جبهة أنصار الدين» يوم الأربعاء، حين قامت قوة عسكرية تابعة للهيئة بمحاصرة مقرهم في بلدة سرمدا بريف إدلب، وسلموه بدون قتال وانسحبوا منه بعد تعهد الهيئة بعدم اعتقالهم.

أكد النشطاء أن هناك مجموعات داخل الهيئة ترفض هذا الاقتتال بينهم وبين من يسمونهم «رفقاء الدرب»، ولكن في الوقت ذاته، تتجه الأمور نحو التصعيد، وهذا واضح من الاشتباكات الدائرة في محيط منطقة عرب سعيد الواقعة غربي إدلب، والخاضعة لسيطرة «حراس الدين»، التي يبدو أنها لن تتساهل مع الهيئة، إذ تمكنت لغاية اللحظة من حماية منطقتها وتوسيع مناطق سيطرتها أيضًا لتشمل سجن إدلب المركزي ومعمل الكونسروة، الذي تمكنت من السيطرة عليه بعد طرد عناصر الهيئة منه.

دعوة عدد من المشايخ لوقف الاقتتال بين هيئة تحرير الشام وغرفة عمليات «فاثبتوا».

لكن، وفي حال هدأت الأمور ولم تحدث أي اشتباكات واسعة بينهم، وجرى الاتفاق على نوع من التهدئة، خاصة مع محاولات عدد من المشايخ لطرح مبادرة للصلح بين الطرفين، ودخول تنظيم القاعدة (القيادة العامة) على الخط، بإصدار بيان طالب فيه بتحكيم العقل والشرع، وتعمد توجيه الاتهام للهيئة بالبدء بشن الهجوم والتصعيد العسكري.

يرى النشطاء أن المرحلة القادمة ستكون مفصلية للهيئة، وربما سيكون السيناريو هو الاغتيالات والعبوات الناسفة المتبادلة بين الطرفين، ولكن، ومع قوة الجهاز الأمني للهيئة، فإن الأمور بالتأكيد ستتجه لصالحها، وستقتنص أقرب فرصة لتنقض على فصائل «فاثبتوا» وتنهيها إنهاء كاملًا.

ويعتقد أحمد أبازيد أن: «خارطة السيطرة في إدلب لن تتغير، وربما الأرجح هو محاولة الهيئة عزل مكونات غرفة «فاثبتوا» بعضها عن بعض، والوصول إلى اتفاقيات معينة، لكن كلا الطرفين يدركان أن الهيئة ستستمر بإخضاع وتفكيك أي قوة منافسة».

ما موقف تركيا؟

لم يُصدر الأتراك أي تصريح رسمي فيما يخص الأحداث الجارية في إدلب، رغم تأثيرها الواضح في سير الدوريات الروسية التركية على الطريق الدولي «إم 4»، إذ مرت آخر دورية على الطريق قبل قرابة الأسبوع، وكان الأتراك وحدهم فيها دون الروس، في وقت كان المعتاد أن تكون الدورية كل يومين أو ثلاثة أيام، فيما يبدو أنه نتيجة الأحداث الحالية، التي منعت وأجلت مرورها على الطريق.

حركة الدوريات المشتركة على الطريق الدولي لم تكن سهلة ولا آمنة بشكل كامل؛ إذ تعرضت لاستهدافات متكررة، كان آخرها انفجار عبوة ناسفة بعربة روسية أدت لأضرار مادية بها دون وقوع أي إصابات، سبقها مقتل جندي تركي بعد انفجار استهدف دوريتهم على الطريق ذاته، ومع ارتفاع التوتر في إدلب بين الهيئة و«فاثبتوا»، فإن تخوف الأتراك سيكون منطقيًّا على حياة جنودهم.

تَعُد تركيا «هيئة تحرير الشام» جماعة إرهابية، ولكنها في الوقت ذاته تتعامل معها بشكل غير رسمي في كثير من المجالات؛ كونها تمثل سلطة الأمر الواقع، إذ تعاونت الهيئة مع اتفاق موسكو الذي يسمح بمرور الدوريات، وقامت بحمايتها ونشر عناصرها على طول الطريق، وهذا الأمر جعل منها خيارًا مناسبًا لتركيا التي ترغب في تنفيذ هذا الاتفاق وقطع الطريق على روسيا والنظام للسيطرة على إدلب.

عربي

منذ 3 سنوات
من الحاكم الفعلي لإدلب الآن.. «هيئة تحرير الشام» أم تركيا؟

أيضًا، تفضل تركيا هيئة تحرير الشام على غيرها من الجماعات الإسلامية في إدلب، لأن الهيئة تتعامل معها بصفتها حليفًا وليس عدوًّا، على الرغم من أن بعض الأفراد داخل الهيئة يرفضون هذا الأمر ويرون الأتراك كفارًا وأعداء لهم.

إن أي تغيير في خريطة السيطرة في إدلب، أو خسارة الهيئة لموقعها وقوتها لصالح جماعات أكثر تشددًا مثل فصائل «فاثبتوا» سيعني فعليًّا انتهاء جميع الاتفاقيات بين روسيا وتركيا، وربما يضطر الأتراك للانسحاب من مواقعهم أو على أقل تقدير تحجيم قواتهم لحماية الجنود من هجمات قد تشنها هذه الجماعات على نقاط وجود تركيا، خاصة أنها شنت مثلها في وقت سابق، وقد نشهد حينها عملية روسية شاملة للسيطرة على إدلب، بحجة فشل تركيا في تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بينهما.

فهل تسمح تركيا بأن تخسر الهيئة موقعها الحالي؟ ربما تسمح فعلًا، وربما تسعى لإضعافها، ولكن بالتأكيد ليس لصالح جماعات أكثر تشددًا قد تزيد الأمور تعقيدًا. في النهاية، فإنه من المستبعد أن تتدخل تركيا في أي صراع داخلي بشكل مباشر، وقد تعطي الضوء الأخضر للفصائل التابعة لها بالتدخل في أي وقت، وربما أيضًا ستحاول الاستفادة من هذا الصراع لتمكين نفوذها أكثر وإضعاف الجماعات الإسلامية المتشددة، وبطبيعة الحال، ستحدد الأيام القادمة ماذا تريد تركيا حقًّا، وما مستقبل إدلب بشكل عام.

المصادر

تحميل المزيد