في منتصف ثمانينات القرن العشرين قرر بيل برايسون الكاتب الأمريكي اعتزال العمل بالصحافة والتفرغ للكتابة الاحترافية، إذ كان يعمل صحافيًا في لندن التي سافر إليها منذ سبعينات القرن الماضي، وبعد تفرغه ألفّ كتبًا تعدّ الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة الأمريكية: «القارة المفقودة»، و«لا هنا ولا هناك»، اللذين حققا ناجحًا كبيرًا، وأخيرًا كتاب «موجز تاريخ كل شيء تقريبًا» الذي نُشر عام 2003 ويعد من أشهر أعماله؛ إذ حاول بيل برايسون فيه تقديم الشرح العلمي للظواهر المعقدة للطبيعة بطريقةٍ بسيطة تتناسب مع الجمهور.

في «موجز تاريخ كل شيء» يروي بيل برايسون، قصة الكون والوجود البشري منذ أن كنا ذرات بسيطة، كل واحدة على حدة بلا عقل، ولا يمكن أن تكوّن في حد ذاتها حياة من وجهة نظره، لكن بتجمع تريليونات الذرات بطريقةٍ معينة ومندفعة يمكن الوصول إلى كيانٍ معقد وحي مثل الإنسان. 

حاول برايسون الإجابة في كتابه ليس فقط عن المعلومات العامة الرئيسة، ولكن أيضًا عن الأسئلة التي عادةً ما تدور في ذهن القارئ العادي عن الكون وكيف يعمل، دون أن يجد إجابةً لها، من قبيل: كيف بدأ الكون؟ وكيف يعرف العلماء ما يعرفونه عن وزن الأرض، وعُمر الصخور، ومع ذلك يعجزون عن توقّع حدوث الزلازل؟ وفي السطور التالية نلقي الضوء على أهم الزوايا التي تحدث عنها برايسون في كتابه المثير للجدل، مقسمًا إياه في ستة فصول تشرح تقريبًا تاريخ كل شيء كما قال في عنوانه.

موجز تاريخ كل شيء؟.. 4 بلايين عام من الغموض

عندما وصف عالم الفلك جيوفري مارسي النظام الشمسي في بداية الفصل الأول من «موجز تاريخ كل شيء»، قال: «إنها جميعها في الطائرة نفسها، وكلها تدور في الاتجاه نفسه. هذا تام كما تعرفون. هذا فائق الجمال، تقريبًا خارق للطبيعة»، فهكذا وصف جوفري حالة التناغم التي تدور بها الكواكب حول الشمس، وقد وضع بيل برايسون هذا الاقتباس في بداية الفصل الأول من «موجز تاريخ كل شيء»، متسائلًا في أعقابه عن بداية نشوء هذا الكون.

بعد ذلك شرح «موجز تاريخ كل شيء» نظريات نشوء الكون، بدايةً من «نظرية الانفجار العظيم»، والتي ترى أن نشوء الكون كان نتاج انفجار كتلة من ذرات الهيدروجين، وتؤكد أن الكون لم يزل يتمدد منذ هذه اللحظة بفعل هذه القوة، لكنه في النهاية سوف يصل إلى حدٍ أقصى يتقلص معه ثانيةً؛ حتى يغدو كتلة صغيرة من ذرات الهيدروجين على وشك أن تنفجر مرةً ثانيةً؛ لأن هذه الكتلة الواحدة سوف تعاود الانفجار دواليك.

أما ما اكتشفه العلماء من شذوذ فريد في الكون فهناك بعض الآراء تقول إنه نتاج انفجار كوني سابق؛ وذلك لأن كوننا هذا مجرد واحد من دورة أبدية لأكوانٍ تتوسع وتنهار؛ على غرار كيس هواء آلة الأكسجين، بحسب برايسون؛ الذي تعمّق في دراسة هذا الجزء، ذاكرًا آراء العلماء الآخرين عن أسباب الانفجار الكوني.

وعلى سبيل المثال يلقي «موجز تاريخ كل شيء» الضوء على نظرية «طاقة الفراغ»، والتي تشير إلى وجود طاقة للفراغ، وقد عملت تلك الطاقة على إدخال نوع من عدم الاستقرار إلى العدم، لكن برايسون يجادل في ذلك قائلًا بأنك لا تستطيع الحصول على شيء ما من لا شيء؛ فإذا كان هناك عدم سابق لما انبثق منه هذا الكون، لكن احتمالية أن كوننا جزءًا من أكوان كثيرة كانت بالنسبة إلى بيل برايسون أكثر منطقية.

«الانفجارات الكونية تحدث طوال الوقت؛ ومن المحتمل أن الزمان والمكان كان لهما أشكال أخرى قبل الانفجار الكوني»، هكذا يشرح «موجز تاريخ كل شيء» المسألة، مضيفًا أن الانفجار الكوني يمثل نقطة تحوّل ما، ينتقل خلالها الكون من شكلٍ إلى آخر، خَلفٌ وفناء في إطارٍ أشبه بالقصص الدينية.

Embed from Getty Images

الانفجار العظيم

بدأ الكون صغيرًا، وفقًا لـ«موجز تاريخ كل شيء»، حتى أنك قد تحتاج إلى المجهر للعثورِ عليه؛ لكنه في برهة واحدة بدأ يتوسع ويتمدد بشكلٍ درامي، مضاعفًا حجمه مرات ومرات في أجزاء صغيرة جدًا تكاد لا تلحظ من الثانية؛ حتى يصل إلى هذا التضخم في الحجم من شيء يمكن حمله في يدك إلى شيء أكبر ملايين المرات؛ وذلك وفقًا لـ«نظرية التضخم» التي نشرت عام 1979 لعالم الفيزياء في جامعة ستانفورد، آلان جوث.

أنشأ الانفجار الكوني حوالي 98% من المادة التي وجدت، تلك المادة التي تآلفت حصريًا من غازات خفيفة مثل الهليوم، والهيدروجين، والليثيوم، سلة صغيرة من المواد الكيميائية، ومع الحرارة والطاقة الناجمين عن الانفجار الكوني صارت حية، وبعد 4 بلايين سنة من تلك اللحظة، بدأ البشر يتساءلون – بحسب بيل برايسون – كيف حدث كل هذا.

السكان المحتملون للكواكب الأخرى يراقبون الآن الثورة الفرنسية!

بعدما عرض بيل برايسون موجز تاريخ بدء الكون واحتمالية نهايته في انفجار كوني آخر بإمكانه خلق كون جديد، يأخذنا داخل كتابه في رحلةٍ داخل النظام الشمسي، شارحًا طبيعة المسافات الشاسعة المحتملة بين الكواكب، والتي تقاس فقط بالوحدات الفلكية، التي تمثل المسافة بين الشمس والأرض، والتي تخلق بعدًا نسبيًا في الزمن. 

فالكون شاسع جدًا، وهو ما يجعل افتراضات العلماء تتجه نحو وجود بلايين الكواكب الأخرى، لكننا قادرون على رصد الأقرب لدينا فقط، وبالتالي من المحتمل وفقًا لهذه الافتراضات تواجد بلايين الحيوات الأخرى، وقد يصل عدد الحضارات المتقدمة في الطريق اللبنية – مجرة درب التبانة – إلى الملايين.

يفترض «موجز تاريخ كل شيء» أنه في حالة وجود حياة متقدمة على كوكبٍ آخر قد تكون المسافة بيننا وبينهم شاسعة جدًا؛ إذ إن معدل المسافة بين اثنين من هذه الحضارات قد يبعد حوالي 200 سنة ضوئية، أي في حال أنهم يشاهدوننا الآن من تلسكوباتهم، فإنهم يشاهدون أحداث 200 سنة فائتة، بمعنى أنهم مازالوا يراقبون الثورة الفرنسية.

ينتقل بيل برايسون بعد ذلك من الفضاء الفسيح إلى الأرض، وكيف تؤثر الجاذبية ليس فقط على طريقة حركة الأجرام السماوية حول الشمس، إذ إن الكواكب تنجذب للشمس وتدور في مدارها، بل إنها تربطنا باعتبارنا أفرادًا أيضًا بالأرض، حتى لا نسقط عنه ونطير في الفضاء أثناء حركة دورانها.

نحن نختبر في كل مرة يقع منا شيء لأسفل ونهم بالتقاطه، وعلى الرغم من أن تلك النظرة عن مفهوم «الجاذبية» كما أوردها إسحاق نيوتن، تجعلها تبدو وكأنها قوة جبارة؛ إلا أنها بحسب الكاتب؛ قوة بسيطة جدًا في رهافتها؛ لدرجة أننا بمجهود بسيط – يكاد يكون لا يذكر – نستطيع مقاومة الجاذبية في فعلٍ بسيط، مثل التقاط كتاب عن طاولة أو شيء سقط عن الأرض.

يستطرد برايسون في شرح طبيعة الكوكب الذي نسكنه؛ وكيف غيّر علم الجيولوجيا مفهومنا عن كوكب الأرض؛ موضحًا أنه مكوّن من مجموعة من المواد، لكن كان هناك سؤالًا يؤرقه بخصوص هذا الأمر، وهو: ما الذي شكَّل الأرض لتصبح كما هي عليه اليوم.

Embed from Getty Images

كوكب الأرض

كان هذا السؤال محور جدل بين علماء الجيولوجيا؛ الذين انقسموا إلى فريقين: أحدهما اعتقد أن الأرض شكلتها مجموعة من الحوادث المفاجئة مثل الزلازل، والبراكين، والفيضانات، أما الفريق الآخر فقد اعتقد أن التغيرات التي تطرأ على الأرض تدريجية وتحدث ببطء في مددٍ شاسعة من الزمن، ولم تزل تحدث حتى الآن. وقد رأى أتباع هذا الرأي أن تبدلات الأرض منتظمة وثابتة.

وفي هذا الإطار تفسر نظرية «الألواح التكتونية للأرض» الكثير؛ إذ قسمّت الغلاف الصخري للأرض لمجموعة من الصفائح التكتونية يتغير حجمها ومكانها مع الزمن؛ ونتيجة لحركة تلك الصفائح وسلسلة من التفاعلات تستمر آلاف السنين تحدث الزلازل والبراكين، وتتكون بعض الأشكال الجيوغرافية للأرض مثل الجبال والصخور.

«الزمكان».. الكون كما تشرحه نسبية آينشتاين

بحلول نهاية القرن التاسع عشر استطاع العلماء فك ألغاز أغلب العالم المادي؛ الغازات، والكهرباء، والمغناطيس، وعلم الحركة، والميكانيكا؛ وهو ما جعل البعض يعتقد أن حلقة العلم قد شارفت على الاكتمال، ولا يمكن إضافة أي شيء جديد سوى بعض الزخارف الفنية، إلا أن الحقيقة كانت تتمثل في أن العالم كان على وشك الانتقال من علم فيزياء الأشياء الكبيرة التي يمكن أن تمسك، وتُرى، وتقاس، إلى الفيزياء متناهية الصغر، وهو عصر «فيزياء الكم».

وقد أسس «نظرية الكم» عالم فيزياء نظرية بجامعة برلين عام 1900 وهو ماكس بلانك، والذي اكتشف أن الطاقة ليست شيئًا متواصلًا مثل الماء المتدفق، وإنما تأتي في دفقات فردية، سماها «الكمّات»، وهي النظرية التي وضعت حجر الأساس لكل الفيزياء الحديثة، وفقًا ل​ـ«موجز تاريخ كل شيء».

في عام 1905 أتى الحدث العلمي الذي فجّر عصرًا جديدًا في الفيزياء، عندما قام باحث يدعى ألبرت آينشتاين، بتقديم خمسة أبحاث إلى مجلة فيزياء ألمانية؛ في وقتٍ كان فيه شابًا أرستقراطيًا سويسريًا لا صلة له بالجامعة.

تناول آينشتاين في تلك الأبحاث التأثير الكهروضوئي باستخدام نظرية الكم الحديثة التي أسسها بلانك، وقد حصل بموجبه على جائزة نوبل بعد 16 سنة عام 1921، وذلك لشرحِ طبيعة الضوء، وهو الاكتشاف الذي ساعد في اختراع التلفاز فيما بعد.

أما البحث الأهم فيما بين الأبحاث الخمسة فقد كان يتمثل في «النظرية النسبية» التي توصل إليها آينشتاين بينما كان يعمل في مكتب الاختراعات السويسري لمدة سبع سنوات، وهي النظرية التي أثبتت أن سرعة الضوء لا شيء يستطيع أن يسبقها، فهي مستمرة ومتفوقة.

وتشير «النظرية النسبية» إلى معادلة بسيطة مفادها أن الكتلة والطاقة متكافئتان؛ إنهما شكلان للشيء نفسه، فالمادة عبارة عن طاقة مُقيّدة تنتظر ما يحفزها لفك أسرها، ومن ثمّ تصبح طاقة حرة، هكذا استطاعت نظرية آينشتاين ببساطة أن تشرح كثيرًا من الأمور الخاصة بطريقة عمل الكون؛ مثل كيف تحترق النجوم لبلايين الأعوام دون أن ينتهي وقودها؛ إنه أمر يرتبط بسرعة الضوء والكتلة.

وطوّر آينشتاين نظريته النسبية، وأضاف إليها في السنوات التالية نظريات أخرى وضعت تحت عنوان «النظرية النسبية الخاصة»، و«النظرية النسبية العامة»، وفيهما ناقش مسألة الزمان والمكان؛ وكيف أنهما ليسا مُطلقين، وإنما نسبيين لكل من الراصد والشيء الذي يُرصد. 

كل شيء يتعلق بموقعك بالنسبة إلى الشيء المُتحرك، تخيل أنك تقف على منصة وتراقب قطارًا يتحرك بنسبة 60% من سرعة الضوء؛ سيظهر القطار المتحرك بالنسبة إليك أقصر، وسيبدو مضغوطًا، وتصلك أصوات المسافرين على القطار مشوشة وضعيفة، على الجهة المقابلة لن يشعر ركاب القطار المتحركين بأيٍ من هذه التأثيرات، وكل شيء في القطار سيبدو طبيعيًا تمامًا.

كان الشيء الوحيد الذي ينقُص «النظرية النسبية» لشرحِ أعقد ألغاز الكون يكمن في الجاذبية؛ وهو ما تمكن آينشتاين من تحقيقه في فكرة أن الزمن جزء من المكان؛ فيما أطلق عليه «الزمكان» الذي اعتبره مثل مادة تتمدد، وتنحني، وتتشكل، وبالتالي كتلة مثل الشمس تخلق في مجالها قليلًا من الانخفاض في نسيج الكون، فهي بكتلتها تخلق انعطافًا في الزمكان، المادة الطيعة القادرة على الانحناء والتشكل. 

Embed from Getty Images

الجاذبية

هذا الانعطاف هو الذي يجعل الكتل الأصغر حجمًا، مثل الكواكب مشدودة إلى الشيء الأضخم وهو الشمس، وأطلق آينشتاين على هذا التأثير «فعل الجاذبية»، مفسرًا إياها بـ«انعطاف في الزمكان»، والذي يعني أنه لا توجد جاذبية. فما نفهمه على أنه جاذبية هو في الحقيقة تشوه في الزمان والمكان، وهو التشوه الذي يحرك الكواكب والنجوم ويربطها معًا.

«العصر الذري».. قنابل قادرة على إفناء العالم

يقول عالم الفيزياء العظيم ريتشارد فينمان، وهو عالم أمريكي مشهور بأبحاثه عن ميكانيكا الكم: إن كل شيء في الكون يمكن أن تفسره الذرّة، فكل ما حولنا عبارة عن ذرّات؛ حتى الإنسان ذاته مكون من مجموعة من الذرّات التي تآلفت سويًا بطريقةٍ معقدة لتصنعه: أضف ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين وستحصل على ماء.

الذرّات التي خلقت الكون موجودة حولنا في كل مكان، وهي تمتاز بحياة طويلة، مرت خلالها عبر العديد من النجوم، واختبرت مئات الأشكال، منها الشكل البشري. فنحن بحسب «موجز تاريخ كل شيء» يعاد تدويرنا ذريًا عند الموت، ولأن الأمر يستغرق عقودًا بالنسبة إلى الذرات كي توزع بشكلٍ كامل فإننا جميعًا تجسدات جديدة للذرّات، وحين نموت تتفرق ذراتنا على استخدامات أخرى مثل ورقة، أو قطرة ندى، أو كائن بشري آخر.

إن عدد الذرّات الكبير الذي صُنعنا منه حوالي بليون ذرة، يرجح أن جزءًا منها ربما كان لشخصياتٍ أخرى، بعضها يمكن أن تكون شخصيات تاريخية نعرفها، مثل شكسبير، أو جنكيز خان، أو بيتهوفن، والذرات بحسب برايسون شديدة الصغر، متواجدة بوفرة، وتمتاز بالاستمرارية المفرطة، وغير قابلة للتدمير عمليًا، وأخيرًا صُنع منها كل شيء.

كان عالم الفيزياء البريطاني إرنست رزرفورد هو أول من أسس لما عرف فيما بعد باسم «العصر الذرّي» أوائل القرن العشرين؛ إذ كان أول من رأى أنه إذا تمت السيطرة على القوة الكامنة في الذرّة فإنها ستصنع قنابل قوية بما يكفي لأن يتلاشى العالم القديم في الدخان. 

Embed from Getty Images

الذرة في الفيزياء الكمية

استطاع رزرفورد في ذلك الوقت أن يحدد بنية الذرة وطبيعتها؛ والتي تشبه فضاءً فارغًا تقريبًا مع نواة كثيفة جدًا في مركزها؛ كما أدرك أن الذرة يمكن تقسيمها ثلاثة أنواع من الجزيئات الأولية: بروتونات تحتوي على شحنة كهربية موجبة، وإلكترونات تحتوي على شحن كهربية سالبة، ونيترونات لا تمتلك أي شحنة.

 تتركز كلٌ من البروتونات والنيوترونات في النواة بينما تدور حولهم الإلكترونات من الخارج، أما ما يمنح الذرة هويتها الكيميائية فهو عدد البروتونات بحسبه؛ فذرّة ببروتون واحد هي ذرة هيدروجين، والتي باثنتين ذرة هليوم، والتي بثلاث ليثيوم، وهكذا دواليك في كل مرة تضيف بروتونًا تحصل على عنصر جديد.

كان هذا الاكتشاف مذهلًا، خاصةً أنه يشرح طريقة عمل أصغر أجزاء الكون، وكيف أن نواة الذرة جزء صغير جدًا لا يشكل إلا جزءًا من مليون من بليون من الحجم الكلي للذرة، لكنها على الرغم من ذلك كثيفة على نحو يفوق التصور، وتحتوي على أغلب كتلة الذرة.

تخيل معي أن الذرة إذا قمنا بافتراض أنها بحجم كاتدرائية؛ فإن النواة – وفقًا لـ«موجز تاريخ كل شيء» – ستكون بحجم ذبابة طائرة، لكنها ذبابة أثقل من الكاتدرائية، وكانت هذه الأبحاث التي تتناول الذرّة ومكوناتها سببًا في تطوير القنبلة الذرّية فيما بعد، عن طريق التحكم في النيترونات الخالية من الشحنات الكهربية، عن طريق ما عُرف بعملية الانشطار عن طريق عزل النيترون من الذرة.

أن تصبح أحفورية.. رحلة ما بعد الموت

يشير بيل برايسون في كتابه «موجز تاريخ كل شيء» إلى أن مصير كل شيء حي في الكون – حوالي 99.9% من الموجودات – هو العدم من وجهة نظره؛ لكن من أجل أن تتحول إلى أحفورية – مثل أحفوريات العظام في الصخور التي يعثر عليها العلماء كل يوم، وعن طريقها استطاعوا أن يرصدوا تاريخ الحياة على الأرض – فتلك قصة أخرى.

لكي تصبح أحفورية عليك أن تموت أولًا في المكان المناسب بحسب برايسون؛ إذ إن 15% فقط من الصخور هي التي تستطيع أن تحتفظ بالأحافير. وبالتالي ليس كل ما يموت على الأرض بإمكانه البقاء في شكل أحافير، دون أن يدفن في رسابة مثل ورقة في الطين بحيث تترك أثرًا، أو تتحلل دون التعرض للأكسجين، سامحًا بأن يحل محل عظامك معادن منحلة، بحيث تصبح نسخة متحجرة عن الأصل.

Embed from Getty Images
التنقيب عن الحفريات

إن الرسابة التي تحتفظ بالأحافير تحدُث مدفوعة بفعل عمليات الأرض، ويمكنها أن تحافظ على الأحافير بما يحدد شكلها بعد مئات الملايين من السنين، ويُعتقد – وفقًا لـ«موجز تاريخ كل شيء» – أن عظامًا واحدة فقط من بين بلايين يمكن أن تصبح أحفورية.

لهذا نجد أن الأحافير نادرة وتكاد تكون متلاشية؛ لأن أغلب ما عاش على الأرض لم يترك خلفه سجلًا على الإطلاق، بمعنى أن كل ما اكتشفه الإنسان الحديث من سجل أحفوري هو نسبة متناهية في الصغر من الحياة التي احتضنتها الأرض؛ وهذا يجعل عدد الأنواع التي عاشت على الأرض، وتآكلت حين نفقت، ولم ندرِ عن وجودها شيئًا قد يكون بالبلايين.

يرصد بيل برايسون بعدما انتهى من شرح الكون، وطبقات الأرض، والغلاف الجوي، وطبيعة الكواكب السيارة، رحلة ما بعد الموت؛ إذ يتلاشى كل شيء في العدم، ولا يبقى في السجل الأحفوري، إلا الفتات لما اختبرته الأرض من حياة.

كما يلقي الضوء على أمرٍ ثانٍ: وهو أن أغلب التراث الأحفوري المتاح منحاز إلى مخلوقات البحر؛ فنحو 95% من مجموع الأحافير التي تمكن من جمعها العلماء تعود لمخلوقات عاشت مرة تحت الماء وفي بحار قليلة العمق.

كان من ضمن هذه الأحافير الديناصورات التي اكتشفت بقاياها في القرن التاسع عشر، وكشفت النقاب عن نوعٍ جديد من الحيوانات، آكلة للعشب، وزواحف لم تكن معروفة من قبل، وهو يؤرخ جزءًا من الحياة على الأرض، إلا أنه واحد من ملايين الأنواع التي من المفترض أنها ماتت وانقرضت بلا أثر، وفقًا للعلماء.

حتى الآن يعد بقاء البشر على الأرض لا يتجاوز 1% من مدة بقاء هذه الأنواع؛ وما الوجود البشري سوى نتيجة حتمية لحياة وفناء بلايين من الكائنات الدقيقة والحية، والأنواع المختلفة من الكائنات البحرية والحيوانات، فالحياة في بداية الكون كانت تتهادى طوال 4 ملايين عام – كانت زمنًا لابتكار وتجريب لا مثيل له في تصميمات الأجساد – في اتجاه التعقيد، وفي مدة خمسة أو 10 ملايين عام ابتكرت التصميمات الجسدية الملائمة، والتي ما زالت قيد الاستخدام حتى الآن.

أطلق على عصر التجريب هذا «العصر الكمبري» وهو أحد عصور الكون الأولى، التي شهدت تنوعًا في تصميمات أجساد الكائنات – كما تشير الحفريات – حتى أنك تستطيع أن تشاهد حفريات لأشكالٍ عجيبة من الكائنات بخمسة أفواهٍ، أو عدد لا حصر له من الأٌقدام، وكل المخلوقات الحية في يومنا هذا من الدودة الشريطية وحتى الإنسان يستخدم الهندسة المعمارية التي ابتكرت في هذا العصر.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد