نشر موقع «جاده إيران» تقريًرا تابعًا لسلسلة شخصيات إيرانية، بعنوان: «شخصيات إيرانية: عباس هويدا.. حكم طويل وإعدام يثير الجدل»، وفي ما يلي نص المادة:

ما زال إعدام عباس هويدا حاضرًا في ذاكرة الكثير. كان الصندوق الأسود لنظام الشاه رضا بهلوي. عارض كثيرون إعدامه بعد انتصار الثورة الإيرانيّة، خصوصًا أنّه تم قبل إنهاء محاكمته. ولذلك، عدّ البعض إعدامه انتقاميًّا ليس إلّا، بحق رئيس وزراء شغل هذا المنصب 13 عامًا. إعدامه يبقى مثيرًا للجدل، خصوصًا حول صاحب القرار في ذلك، والأسباب التي دفعت إليه. لغزُ بقي طيّ الكتمان ودفن عام 2003 مع أوّل مدّعٍ عام بعد الثورة صادق خلخالي.

في كنف عائلةٍ ثريّة ومثقّفة دبلوماسيًّا وأدبيًّا، وُلد أمير عباس ممدوح عام 1906 في طهران. والدته أفسر الملوك، ابنة الشاعر والسياسي الإيراني حسين بن حسن سميعي الملقّب بأديب السلطنة، والده هو حبيب الله عين الملك الذي عمل سنتين (1928) في دمشق، كما عمل سفيرًا لإيران في لبنان، فضلًا عن تأسيسه سفارة إيران في السعودية عام 1932.

درس هويدا صفوفه الابتدائية في دمشق، ثم أكمل دراسته في إحدى المدارس الفرنسيّة في بيروت مع تنقّل مركز عمل والده، وأنهى آخر المراحل الأكاديميّة في أوروبا، متنقلًا بين بريطانيا وبلجيكا وفرنسا.

العمل والمناصب

تمكّن هويدا من تجاوز مراحل السلّم الوظيفيّ بسرعةٍ، من خلال معرفته بعبد الله انتظام وزير الخارجيّة الإيراني في حكومتي حسين علاء وفضل الله زاهدي، بالإضافة لصداقته مع حسن علي منصور رئيس وزراء إيران عام 1964، إذ عيّن وزيرًا للاقتصاد في حكومته، ثم عيّنه الشاه رئيسًا للوزراء خلفًا لمنصور، ليبقى في هذا المركز 13 عامًا حتى بداية الثورة عام 1977.

الاقتصاد خلال حكم هويدا

كانت شخصية هويدا توصف بالشجاعة تجاه القرارات الاقتصادية، إذ كانت إيران تتمتع بمكانة جيدة في هذا المجال خلال تلك الفترة. مثلًا، تم صنع سيارة بيكان خلال فترة توليه منصب رئاسة الوزراء عام 1963، وقد استخدم شخصيًّا هذا النوع من السيارات.

كذلك منع هويدا السلع ذات الأسعار الغالية، وساق تجّارها إلى المحاكم، وتمكّن من زيادة الإنتاج المحلي الإجمالي على نحو لافت. فقد شهد عام 1976 مؤشرًا تصاعديًّا، إذ زاد الإنتاج من 44 مليار ريال إلى 242 مليار ريال، كما تقدّم نصيب الفرد الإيرانيّ من الإنتاج المحلّي في العام نفسه ليصل إلى 7 ملايين ريال، بعد أن كان يقتصر على مليونين فقط. حصل هذا التحسن في ظلّ ارتفاع أسعار النفط؛ إذ بلغت ذورتها على أعتاب مرحلة الستينيات، لدرجةٍ كانت الحكومة الإيرانية خلال تلك الفترة تمنح قروضًا لدول أخرى.

تأثير النفط

شهدت خزينة الدولة في عهد هويدا من خلال بيع النفط مكاسب مالية كبيرة، الأمر الذي قاد الشاه إلى الإنفاق بطرق غير مدروسة ومن خارج جدول أعمال الحكومة، منها تنظيم ذكرى مرور 2500 عام على الإمبراطورية الفارسية، إذ تكّبدت الخزينة نحو 800 مليون دولار.

وعلى الرغم من هذا الانتعاش، نخر الفساد الاقتصاد، ووجّه لحركة الازدهار ضربة قاتلة، إضافة لعيوبٍ أخرى كانت من أسباب سقوط الشاه، ومنها ربط الاقتصاد بالنفط، وتدمير القطاع الزراعيّ، والهجرة الداخليّة من القرى للمدن، وغياب العدالة في توزيع الدخل الوطني وغيره، كما يُذكر في هذا الإطار أيضًا أن نسبة الصادرات غير النفطية تراجعت من 23% إلى 2% فقط من مجمل المواد المصدَّرة.

التحديات التي عاشها هويدا

واجه هويدا مشاكل عديدة خلال رئاسته للحكومة، طالت الميزانيّة، ومشاكل المراكز الصحيّة التي كانت أقلّ بكثير من عدد المدن والقرى، بالإضافة إلى مشاكل في السكن، إلا أنه تمكّن من جعل أسعار عدد كبير من السلع ثابتة طيلة فترة حكمه، لكنّ خبراء في هذا المجال يعتبرون أن هذا الأمر لم يكن صعبًا.

يحكى أنّ أحد القضاة اتهم هويدا بالإضرار باقتصاد البلاد، فردّ الأخير مشددًا على أنّه يكفيه نجاحه بتثبيت كافة الأسعار في السوق، وتوجّه للقاضي بالقول: «إن من إنجازات عهدي هو أنّني عندما تولّيت هذا المنصب استطعت أن أبقي على سعر هذا القلم الذي تحمله حتى آخر يوم في عهد رئاستي للحكومة».

تمكّن هويدا من إرضاء طبقة معيّنة من المجتمع مع مرور الوقت، إلا أنّه أثار سخط طبقات أخرى، أبرزها أهل القرى. فعندما قرّر الشاه ومجلسه شراء معدّات عسكرية من خلال بيع النفط، كانت فئة كبيرة من المجتمع تعيش ظروفًا مزرية، لدرجة وصلت ببعض الفئات إلى حافة سوء التغذية، كما وصل معدل التضخم حسب إحصائيات البنك الدولي إلى 27%، كما تضخّم متوسط الأسعار مقارنةً مع بداية عهد هويدا إلى أكثر من 7%.

عزل هويدا من منصبه

عُزل هويدا من منصبه في 7 أغسطس (آب) 1976، وعُيّن وزيرًا في حكومة جمشيد أموزغار، ليعود إلى تقديم استقالته في 8 سبتمبر (أيلول) 1977. يقال إنّه في تلك الفترة لم يعد يؤمن ببقاء الحكم البهلوي، ما دفعه للاستقالة، لكنّ فئة أخرى تتبنّى رأيًا آخر، أساسه أنّ الأعمال الوحشيّة التي كان يمارسها النظام البهلوي هي ما دفعته للاستقالة.

وبعد شهرين من استقالته، طالب مستشارو الشاه في أحد اجتماعات وزارة الديوان الملكي باعتقال هويدا، ووُضع الطلب للتصويت عليه، وحصل على موافقة أكثرية الحاضرين، ثم صدر أمر اعتقاله ونفّذه رئيس السافاك نعمت الله نصيري.

قال عباس ميلاني وهو من الكتّاب الإيرانيين المعروفين في كتاب له عن هويدا بعنوان «لغز أبو الهول الإيراني»، إنّ «الاجتماع الذي عُقد من أجل البتّ في شأن هويدا، تحوّل إلى مشهدٍ مثير للضجّة، ولكن الشاه كان قد اتّخذ قراره في هذا الخصوص حتى قبل الاجتماع».

إعدام هويدا

في السابع من أبريل (نيسان) عام 1979، أُعدم عباس هويدا، تاركًا خلفه الكثير من الجدل والإشارات إلى أسرارٍ كان يعرفها هو فقط عن مرحلة الحكم البهلويّ.

في كتاب مذكرّاته، وصف خلخالي محاكمة هويدا بأنّها من أكثر المحاكمات إثارةً للقلق والجدل، مشيرًا إلى الخلاف مع حكومة مهدي بازرغان، لأّنّ معظم أعضاء الحكومة كانوا معارضين لهذا الإعدام.

حذّر يد الله سحابي من أنّ إعدام هويدا سيجعل من إعدام رؤساء الوزراء شيئًا عاديًا في إيران، مضيفاً «من الممكن بعد الثورة أن يتم إعدامنا نحن أيضًا».

كان بازرغان من أشدّ المعارضين لتنفيذ الإعدام، لأنّه كان ينظر إلى هويدا كرجل حكمٍ لمدّة طويلة، وعلى صلةٍ مع المنظّمات وشخصيّات أجنبيّة لا يجب التضحية به بسهولة واستهتار.

إبراهيم يزدي وزير خارجية الحكومة المؤقتة قال «أنا وبعض الأشخاص كنّا نعتقد أنّ هويدا الصندوق الأسود للنظام السابق، ويجب أن يبقى حيّاً، ويتحدّث حول كلّ الحقائق المجهولة، وقد تمكّنت من إقناع روح الله الخميني في ذلك واقتنع في عدم تنفيذ الإعدام».

لغز دفن هويدا

بنظر خلخالي، لم يكن يستحق هويدا وغيره من معارضي حكم رئيس الوزراء دفنه في مقبرة «بهشت زهرا»، أكثر المقابر شهرةً في البلاد، نظرًا إلى مواقفه السياسيّة. وبحسب مذكرات خلخالي إنّ الأشخاص الذين يتمّ إعدامهم يُدفنون في مكان يدعى «بشت كهريزك».

يضيف خلخالي أنّه بعد مدّة انتشرت أخبار تفيد بإخراج الجثة من منطقة كهريزك، وأشار إلى أنّه قرّر دفنها في أحد الأودية المجاورة، لكنّه يستدرك بالقول «إنّ الجثة بقيت لثلاثة أشهر تحت إشراف الأطبّاء الشرعيين»، ثمّ أرسلت من خلال الخطوط الجوية الفرنسية إلى فرنسا ومن هناك إلى فلسطين، ليدفن في مدينة الخليل إلى جوار والده.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد