لم يفوّت قائد الأركان ونائب وزير الدفاع الجزائري الفريق أحمد قايد صالح فرصة زيارته للناحية العسكرية الرابعة بورقلة دون أن يفجّر الوضع السياسي في الجزائر، بعد دعوته لتطبيق «المادة 102» من الدستور الجزائري التي تحدد حالة عجز الرئيس عن ممارسة مهامه، في تطورٍ جديد في البلاد التي تشهد احتجاجات منذ أسابيع.
وخلال خطاب بثه التلفزيون الجزائري الرسمي، قال الفريق قايد صالح: «يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، حل يضمن الخروج من الأزمة ويضمن احترام الدستور وتوافق الرؤى وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102»، وبعد دقائق من خطاب القايد صالح أعلنت القنوات الفضائية الجزائرية الخاصة أنباء عن تولي رئيس مجلس الأمة لمهام الرئاسة في الفترة القادمة بناءً على المادة 102 من الدستور الجزائري، وفي هذا التقرير نسلط الضوء حول شخصية عبد القادر بن صالح الرئيس الجديد المحتمل للجزائر.
من هو عبد القادر بن صالح؟
كما هو حال غالبية العائلات الجزائرية المتاخمة للحدود المغربية، ترددت عائلة بن صالح على الأراضي المغربية لعدّة فترات، قبل أن تستقر في قرية بني مسهل (بلدية المهراز) بولاية تلمسان غربي الجزائر، حيث رزقت بابنها عبد القادر، الذي صار اليوم أقرب شخصية لخلافة بوتفليقة، بعد دعوة الجيش الجزائري لتطبيق «المادة 102» من الدستور بحكم توليه منصب رئيس مجلس الأمة، غير أنّ فترة طفولته وشبابه قد تكون مانعًا دستوريًا في تحقيق بن صالح حلمه بحكم الجزائر، إذ تثور الشائعات حول كون أوّل جنسيةٍ اكتسبها عبد القادر بن صالح هي الجنسية المغربية، وأنّ الجنسية الجزائرية اكتسبها فقط سنة 1964.
وهذا ما أكّده البرلماني لخضر بن خلاف الذي صرّح قائلًا: «يمكن لرئيس مجلس الأمة أن يضمن استمرارية المؤسسات، لكن لديه مشكلة في جنسيته الأصلية». وأضاف بن خلّاف أن «شرط أن يتولى شخص ما منصب رئيس الجمهورية هو امتلاك الجنسية الجزائرية الأصلية، لكن بالنسبة لـعبد القادر بن صالح ، كان يحمل جنسية أخرى (مغربية) حتى عام 1964 ، وهو العام الذي حصل خلاله على الجنسية الجزائرية».
وحسب السيرة الذاتية التي يوردها «مجلس الأمة» (البرلمان الجزائري) لرئيسه؛ فقد ولد عبد القادر بن صالح في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 1941، بمدينة ندرومة وهي نفس المنطقة التي ينتمي لها الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة، تلقى بن صالح تعليمه الابتدائي في قرية عين يوسف التابعة لدائرة الرمشي بتلمسان، ومع اندلاع الثورة الجزائرية، تخلى بن صالح عن دراسته الإعدادية ليلتحق سنة 1959 بصفوف «جيش التحرير الوطني» انطلاقًا من الأراضي المغربية، إذ تلقى تدريبات على زرع ونزع الألغام بمدينة العرائش المغربية، قبل الالتحاق بقاعدة جيش التحرير الوطني في زغنغن قرب مدينة الناظور المغربية، وهي القاعدة المكلفة بشنّ الهجمات ضد جنود الاحتلال الفرنسي على الحدود الجزائرية المغربية.
لم يكن بن صالح يهوى العمل العسكري كثيرًا خصوصًا بعد إيمانه العميق بالحلّ السياسي كحلّ للقضية الجزائرية، مما دفع قيادة الثورة لتسريحه من الجيش وتعيينه محافظًا سياسيًا بالمنطقة الثامنة التابعة للولاية الخامسة حتى استقلال الجزائر في 5 يوليو (تموز) 1962.

عبد القادر بن صالح
بعد الاستقلال، اختار بن صالح استكمال دراسته حاصلًا على منحةٍ من «جبهة التحرير الوطني» لدراسة الحقوق في كلية دمشق السورية، ليتخرّج منها بشهادة البكالوريوس في الحقوق سنة 1965، ثم يعمل في السفارة الجزائرية بالقاهرة كدبلوماسي.
وبعودته للجزائر انطلقت حياة بن صالح المهنية، باقتحامه مجال الصحافة كمراسلٍ صحفيٍ في جريدة «الشعب» الحكومية عام 1967، وبعد تجربةٍ لستة سنوات، تمّ تعيين بن صالح مديرًا عامًا للصحيفة التي عُدت إحدى كبريات الصحف الرسمية في وقت الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، ليستمر رئيسًا للجريدة حتى 1977، العام الذي دخل فيه بن صالح إلى السياسة كعضوٍ في البرلمان عن ولاية تلمسان.
استمرت علاقة بن صالح بالبرلمان الجزائري طيلة ثلاث عهدات متتالية، وبينما كانت الجزائر مقبلةً على تغييرٍ تاريخي مثمثل في فتح التعددية والسقوط فيما بعد في دائرة الفوضى والانقلاب، عُين بن صالح عام 1989 سفيرًا للجزائر في السعودية وممثلًا دائما لدى «منظمة التعاون الإسلامي» بجدة، ومع التجاذبات الدولية التي خلّفها قرار الجيش الجزائري إيقاف المسار الانتخابي وتعطيل العمل بالدستور اختير عبد القادر بن صالح ناطقًا باسم الخارجية الجزائرية عام 1993، وهناك بدأ نجم بن صالح في اللمعان وسط النظام في العشرية السوداء، التي شهدت مجازر عنيفة طالت المدنيين.
وأمام الثقة المفقودة من الجزائريين تجاه السلطة، ومعارضة «حزب جبهة التحرير» لتوقيف المسار الانتخابي سنة 1992، كانت السلطة حينها بحاجة لغطاء سياسي تضمن به وجودها في الساحة السياسية، لتعمد في الأخير إلى تأسيس حزب سياسي بديل للحزب التاريخي جبهة التحرير الوطني ضمن خطة لتجديد الواجهة السياسية للبلاد ودعمها بالعناصر الشابة، فاُعلِن في 26 فبراير (شباط) 1997 ميلاد حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» الذي كان بن صالح أحد مؤسسيه.
على قمة هرم التشريع في الجزائر
مع تأسيس «حزب التجمع الوطني الديمقراطي» في فبراير (شباط) 1997، قرر النظام تنظيم انتخاباتٍ برلمانية بعد أربعة أشهر فقط من تأسيس الحزب الجديد إذ جرت في يونيو (حزيران) 1997 وفاز فيها حزب بن صالح الجديد بـ156 مقعدًا من أصل 380 مقعدًا، الأمر الذي أثار اتهامات شملت الحزب والنظام بتزوير العملية الانتخابية، وأطلقت على التجمع تسميات تهكمية منها «حزب الإدارة» و«الحزب الذي ولد بشلاغمه».
دخول «التجمع الوطني» بتلك القوة إلى قبّة البرلمان الجزائري، أكسبت بن صالح مزيدًا من الأوراق في مساره السياسي، ليترأس «المجلس الشعبي الوطني» في العدة النيابية 1997- 2002، ومع قدوم بوتفليقة للحكم، أعاد الأخير سنة 2002 هيكلة المؤسسات الدستورية والتنفيذية بتأسيس غرفةٍ برلمانية جديدة عرفت بـ«مجلس الأمة» في محاكاةٍ لما يعرف بمجلس الشيوخ، لينتخب في السنة ذاتها عبد القادر بن صالح رئيسًا لمجلس الأمة، ويستمرّ في منصبه منذ تلك الفترة حتى اليوم بعد أن قضى سبع عهداتٍ رئيسًا لمجلس الأمة.

عبد القادر بن صالح
ومع اندلاع موجة الربيع العربي بدايةً من سنة 2011، حدثت ما عرفت بـ«انتفاضة الزيت والسكر» بالجزائر في يناير (كانون الثاني) 2011، الأمر الذي دفع بوتفليقة إلى إجراء سلسلة من الإصلاحات وتنظيم مشاورات واسعة مع أحزاب ومنظمات وشخصيات وطنية للاستماع إلى مقترحاتها لإطلاق حزمة إصلاحات أهمها تعديل الدستور، ولم يجد بوتفليقة سوى صديقه بن صالح لترأس الهيئة التي شكلتها السلطة لإدارة الحوار وتجنيب الجزائر مآلات الربيع العربي.
ومع إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية سنة 2013، أجبرته على لزوم كرسيِ متحرك، تصاعدت مطالب المعارضة الجزائرية لتطبيق المادة 88 وهي المطالبات التي رفضها بن صالح واصفًا إياها بـ«الأصوات الناعقة» التي اتهمها بـ«التهويل من خطورة مرض الرئيس». ودعا من سماهم «دعاة نشر اليأس»، إلى «ترك الرجل يرتاح ليواصل رسالة البناء والتشييد».
وطيلة الفترة السابقة حرص بن صالح على تجنب اتخاذ أية مواقف قد تغضب أحد أقطاب النظام. في وقتٍ ذهبت فيه بعض قيادات حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» إلى أنّ بن صالح «يحسب لكل صغيرة وكبيرة لدرجة الجبن»، وغالبًا ما اتهم مقربين منه بأنهم «يريدون دفعه للخطأ».
وطيلة فترة مرض بوتفليقة؛ تكلف بن صالح بمهام تمثيل الجزائر في المحافل الدولية نيابة عن بوتفليقة، وكان عبد القادر بن صالح قد أشرف أيضًا على رئاسة «حزب التجمع الوطني الديمقراطي» بدايةً من سنة 2013، خلفًا لأحمد أويحيى غير أنّ وضعه الصحي دفعه للاستقالة من رئاسة الحزب بعد سنتين فقط من تنصيبه، وأشارت وسائل الإعلام إلى مكوث بن صالح عدّة أسابيع في المستشفيات الفرنسية سنة 2015.
«المادة 102».. طريق بن صالح إلى قصر الحكم
بعد ستة سنواتٍ من المطالبة بتطبيق «المادة 102» من الدستور الجزائري، يجتمع مساء اليوم «المجلس الدستوري الجزائري» في جلسة مغلقةٍ للتباحث في سبل إثبات شغور منصب الرئاسة، يأتي ذلك بعد ساعاتٍ قصيرةٍ عن تصريح قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الذي اقترح من خلاله تطبيق المادة 102 كحلٍ دستوريٍ للأزمة في الجزائر، وقال القايد صالح -خلال كلمة بثها التلفزيون الحكومي- إنه «يتعين بل يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري.. وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102».
وتنصّ المادة 102 من الدستور المعدل عام 2016 إنه «إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرضٍ خطيرٍ ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري على إثره وجوبًا، ليثبت المانع؛ وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع».
كما تشير المادة في بقية فقراتها إلى أن «رئيس مجلس الأمة هو المخوّل برئاسة الدولة بالنيابة لمدة لا تزيد على 45 يومًا بعد إعلان البرلمان ثبوت المانع»، وتضيف المادة أنه «في حالة استمرار مرض رئيس الدولة بعد ذلك، فذلك يعني استقالته ثم شغور منصبه الذي يتولاه رئيس مجلس الأمة من جديد لمدة لا تزيد على 90 يومًا، تنظم خلالها انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جديد».
وكان تلفزيون «النهار» المقرب من دائرة السلطة في الجزائر قد أعلن مساء اليوم أن رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح سيتولى منصب القائم بأعمال الرئيس لمدة 45 يومًا وذلك بعد مطالبة رئيس أركان الجيش بتفعيل «المادة 102» من الدستور.