قال الدكتور عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السّلم» (حمس) الجزائريّة، في حوارٍ حصريّ خصّ به «ساسة بوست»، إنّ الحركة في طور دراسة طبيعة الانتخابات الرئاسيّة القادمة سنة 2019، ثم سيتمّ بعدها اتخاذ قرار بشأن المشاركة فيها من عدمها. وقد تناول الحوار عدّة قضايا محليّة وعربيّة: مثل رؤية الحركة للخلافات بين الحكومة الجزائريّة والمغربيّة وسُبُل حلّها، ورأيه في موقع الإسلام السياسيّ في الجزائر، والعالم العربيّ عمومًا بعد ثورات الربيع العربيّ، وتقييمه للأوضاع السياسية والاقتصاديّة التي تعيشها الجزائر، بالإضافة إلى قضايا أخرى مهمّة.

في رأيكم، ما هي أبرز التحديات الاستراتيجية الكبرى التي تهدّد دولة الجزائر؟

شكرًا على الاستضافة، في الحقيقة التحديات الاستراتيجية متعدِّدة، لكن الآن أكبر وأخطر تحدٍ هو: الوضع التنموي؛ لأنّ الجزائر للأسف الشديد تعتمد على مداخيل المحروقات بنسبة 95%، والشعب الجزائري اعتاد على الاتكالية الكبيرة على الدولة، وعلى مساهمات الدولة، والدعم الاجتماعي للدولة، وهو غير معتاد على التراجع الكبير الذي تتَّجه إليه السلطات في التحويلات الاجتماعية.

الآن للأسف الشديد الجزائر دخلت في أزمةٍ اقتصاديةٍ كبيرة جدًّا بسبب أزمة المحروقات، وأزمة المحروقات في الجزائر لا تتعلّق – كما يعتقد البعض – بانهيار أسعار البترول أو تراجعها، لكن المسألة هيكلية وخطيرة، تتعلق أولًا بتراجع الإنتاج بشكلٍ كبير؛ لأنه في الوقت الحالي هناك تراجع في الإنتاج لأسبابٍ عديدة: السبب الأول هو: الاسترجاع، هناك نقصٌ كبير جدًا (14%)، كما أنّ الاكتشافات الجديدة ليست كبيرة، ليست بحجم ما كانت عليه في السابق، مثل حقول حاسي مسعود وحاسي رمل.

Embed from Getty Images

مشكل آخر هو: نسبة الاستهلاك المرتفعة، نحن نستهلك 47% من الغاز الذي ننتجه، هناك إجماع عند الخبراء، سواء التابعون للحكومة، أو المستقلون، بأن الجزائر ستجد صعوباتٍ كبيرة جدًا في تصدير الطاقة؛ إذ لن يكون هناك بترول تصدرِّه في 2025، ولن يكون هناك غاز تصدّره في 2030؛ بسبب الاستهلاك الكبير جدًا. فلنا أن نتصوَّر كيف يكون حال المجتمع مع هذه الأزمة الكبيرة، وعدم وجود تنمية اقتصادية.

الجزائر لا تنتج شيئًا، 70% من أجور العمّال معتمدة على البترول والغاز، فلما تتراجع مداخيل الدولة، يقع إفلاس في الخزينة، مثلما هو واقع حاليًا؛ وهذا سيؤدِّي إلى توتراتٍ اجتماعيةٍ خطيرة؛ لأنَّ الأزمة المالية ستتحوَّل إلى أزمةٍ اقتصادية، والأزمة الاقتصادية ستتحوَّل إلى أزمةٍ اجتماعية. عندما تتعمَّق الأزمة الاجتماعية، فهذا يضرب استقرار البلد. البلد سيكون في وضعٍ خطر جدًا، حالة الاحتقان الاجتماعيّ لشعبٍ غير معتاد على هذه الحالة، هذا سيؤثر على أمن البلد واستقراره، وهذا يجرّني للقول إنَّ هناك مخاطر في المحيط الإقليمي والدولي، فالمنطقة كلها مشتعلة في ليبيا وفي مالي وفي سوريا والعراق. التوترات في مصر، وفي الساحل، كلها تمثّلُ ضغطًا على الجزائر، وانتقال حالة العنف والإرهاب إلى الجزائر ممكنة وواردة.

الآن المؤسستان: العسكرية، والأمنية، تقومان بدورٍ جبّار وكبير جدًا في حماية حدود الجزائر، ولكن إذا ما تعمَّقت الأزمة، وأصبحت أزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة، فهذا سيؤثِّر على قدرتنا في حماية حدودنا، هناك مخاطر استراتيجية مستقبلية كبيرة، وهناك أطماعٌ دولية. فرنسا لها نفوذٌ وحضور كبير في منطقة الساحل، ولها مناجم اليورانيوم في النيجر، واستثمار مع كندا، وهي تعتبر منطقة الساحل قاعدة خلفية لها في اقتصادها، وبالتالي تحرص على حضورها وهيمنتها على المنطقة.

فرنسا تريد من المؤسسة العسكرية الجزائرية أن تؤدي دور الدركيّ لصالحها ولمصالحها، لذلك لديها ضغوطٌ كبيرة على الجزائر، كما لديها أيضًا أطماعٌ كبيرة في الاقتصاد الجزائري، وعلى الريع أو ما بقي منه، لتأخذ حصة أكبر من أي بلد آخر في الجزائر، هناك مخاطر إقليمية ودولية وطاقوية كبيرة جدًا.

اقرأ أيضًا: 6 أسباب اقتصادية تخيف الجزائريين من عام 2018

مصدر الصورة – الصفحة الرسمية للدكتور عبد الرزاق مقري على فيسبوك.

البعض يتحدّث عن «وفاة الإسلام السياسي»، أو تراجعه في الوطن العربي عمُومًا، وفي الجزائر خصوصًا، بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، وحتى على المستوى الإقليمي بعد تراجع الإسلاميين في تونس ومصر ودول الربيع العربي بشكل عام، ما هي نظرتكم إلى هذا الموضوع؟

هذه أحلام المعادين للحرية، أحلام المعادين للمجتمعات العربية والإسلامية، هذه أحلام المعادين للتيار الإسلامي، يريدون ويصرون أن يكون حقيقة، ولكنه غير صحيح، أولًا بالنسبة للجزائر، فهو تراجع غير صحيح، الأرقام الصماء التي لا تقبل التأويل تدلُّ بشكلٍ واضح أنّ الحركة تقدّمت في انتخابات 2012، سواءٌ من حيث عدد الناخبين، أو عدد البلديات التي نجحنا بها، سواء من حيث توسعنا في المجالس البلدية والولائية، نحن في تقدم، ولسنا في تراجع، هذه تقولها الأرقام، وليس نحن من نقولها.

صحيح.. ولكن هناك أحزابًا إسلامية أخرى في الجزائر تراجعت.

إذا تراجعت الأحزاب الإسلامية الأخرى، فنحن لا مسؤولية لنا عليها، لكن نحن حزب كبير، ولم نزل متواجدين، بالرغم من التزوير الكبير، الآن الخاص والعام يقرّ بأن هناك تزويرًا، هناك الآن الوزير الأوّل يتّهم «جبهة التحرير» بأنّها زوّرت على حساب حزبه، هذا شيء خارقٌ للعادة، رئيس اللجنة الرسمية لمراقبة الانتخابات يقرّ بأن هناك تزويرًا، مسألة التزوير في الجزائر لم يعد أحد ينكرها، والتزوير طبعًا من هو المستهدف منه؟ إنها الأحزاب الكبيرة، ومن هو الحزب الكبير في الجزائر؟ حركة مجتمع السلم، وبالرغم من هذا التزوير، فنحن صامدون ومتماسكون. الأحزاب الأخرى الضعيفة غير الإسلامية لم تتماسك، بل انهار العديد منها، لكن الحركة صامدة، والسؤال المفترض أن يُطرح: كيف استطاعت حركة مجتمع السلم أن تبقى حية وموجودة، بالرغم من هذه الهجمة الكبيرة والتزوير؟

المفروض أن الذين يراجعون فترة ما قبل الربيع العربي، سيدركون كم كرر هذا الكلام (وفاة الإسلام السياسي)؛ لأنه قبل الربيع العربي كان يقال إن الحركة الإسلامية ماتت، ولذلك دعمت أمريكا الديمقراطية في مصر، وفي تونس، وفي المغرب، ودول أخرى في المشرق. دعمت الديمقراطية لأنّها اعتقدت أنّ التيار الإسلامي قد مات، فإذا بها تُفاجَأ بعد الربيع العربي بتغيّر موازين القوى، وانتهت الأحداث، وذهب الجميع إلى الانتخابات. نجحت الحركة الإسلامية من جديد. الحركة الإسلامية في عمق المجتمع العربي والإسلامي، عندما يكون هناك هجومٌ كبيرٌ على المجتمع وعلى مكونات المجتمع، يظهر أن هذه المكونات تراجعت، لكن في أول فرصة ديمقراطية، ستصعد التيارات الإسلامية من جديد؛ فهذا شيء مرتبط بالمجتمعات.

في علم الاجتماع هناك نظرية تقول إنّ الفكرة إذا استقرَّت في المجتمع وصنعت صحوة كبيرة جدًا، ستنتقل إلى الدولة حتمًا، مهما كانت هذه الفكرة، سواء كانت هذه الفكرة صحيحة، أو غير صحيحة. إذا استقرت في المجتمع، وصارت موجودة بشكل كبير في المجتمع، فلابد أن تنتقل إلى الدولة. والفكرة الإسلامية استقرت في المجتمع إلى درجة أنّه حتى الأحزاب العلمانية صارت تتمسَّح في الإسلام. أعني أنه حتَّى أعتى الأحزاب العلمانية الآن مرشّحاتها من النساء كلهنّ محجبات، أعني أن الفكرة الإسلامية استقرت في المجتمع. والقاعدة في العلوم الاجتماعية تقول إن الفكرة هذه ستنتقل إلى الدولة آجلًا أم عاجلًا، أعني أن الفكرة الشيوعية لما استقرت في أوروبا، بالرغم من كل الذي حدث؛ انتقلت ووصلت للدولة، ولأن الفكرة لم تكن واقعية، فقد سقطت بعد 70 سنة من جديد.

أيّة فكرة أصيلة في المجتمع، وليست غريبة مرتبطة بالناس داخل المجتمع، فستنتقل إلى الدولة، لذلك فمسألة صعود الإسلاميين إلى الحكم مسألة وقت، وهذا الأمر لا مفرّ منه، وكل محاولة لمحاربة المجتمعات، ومحاربة مكوِّنات المجتمعات؛ حتى لا يصعد الإسلاميون، هي مضيعة للوقت، وهي ضدَّ النهضة، وضد الحضارة، لذلك فنحن مطمئنّون؛ لأن الشعوب مرتبطة بالحركة الإسلامية. إذا تكلَّمنا عن حالتنا، فإن ملايين من الجزائريين مرتبطون بنا، ويدعموننا في كلّ شيء، إلا في الانتخابات. لماذا؟ لأنَّ هؤلاء المرتبطين بنا صاروا لا يرون جدوى في الانتخابات، يقولون نحن معكم ونساندكم ونضع فيكم ثقةً كبيرة، ولكن لماذا نشارك في الانتخابات؟ لأن هذه الانتخابات كل مرة تزوّر، ولكن هؤلاء مرتبطون بنا ارتباطًا قويًا في كل البلديات والولايات.

وماذا يفيد هذا الدعم إذا لم يترجم هذا إلى انتخابات، هناك استقالة جماعية عن السياسة في الجزائر.

هناك جزء صامد معنا، وبه نحن موجودون، وسيبقى.

كيف ستترجمون هذا القرب الفكري أو تبني الفكرة إلى فعل حقيقي؟

هناك مُدخلاتٌ كثيرة، نحن جزءٌ من هذه المدخلات، نحن عُنصر فاعل سياسي واجتماعي، لكن هناك مُدخلات أخرى ستتضافر لتغيير الوضع. النّظام السياسي ليس في راحةٍ من أمره، قال تعالى: «إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ»، وقال أيضًا: «إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ». النّظام السياسي يعيش صعوباتٍ ومِحَنًا، وهو يقابل 40 مليون جزائري، الفقر بدأ ينتشر، اليوم نقرأ في الجرائد أنّ التضخم كاد يصل 6%، وكلّ الخبراء يقولون إن الفقر سيصِل إلى درجتين، وسيتجاوز 10%، كل هذه المُدخلات لا تضغط علينا نحنُ، بل على النظام السياسي؛ لأنَّه هو الذي يحكم، هو المسؤول، النظام السياسيّ عليه ضغوط كبيرة، هذه الضغوط ستتصاعد وتتعاظَم، أيضًا لديه تناقضاتٌ من داخله، كلّ هذه المدخلات ستتضافر ليأتي الوقت لتتوسَّع فيه الحريات.

نحن بوصفنا حركةً سياسية نتصرّف بحيث إن هذه الضغوط تؤدي إلى الانتقال الديمقراطي السلمي؛ حتى لا نذهب إلى الفوضى، نحن لدينا مسؤولية أنَّ هذه التطوُّرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الضاغطة على النظام السياسي لا يجب أن تصل إلى الانفلات، إذا وصلنا إلى الانفلات والعنف، فهذا سيدمِّر البلد ويهدِّد وحدته، وسيمكِّن الديكتاتوريات من أن تعيد تدوير نفسها من جديد، لذلك فنحن في «حركة مجتمع السلم» لدينا مسؤولية بأن نؤطِّر هذه التطوُّرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بما يجعلها تؤثِّر على الانتقال الديمقراطي السلمي، وهو آتٍ آت، لذلك فنحن مهمَّتُنا صعبة، أعني لمَ تعمل بهذه المُدخلات المتناقضة كلها وأنت لا تريد أن يقع البلد في انفلات؟ مهمتك ستكون صعبة، وليست سهلة، ولكن نحن واثقون في المستقبل بشكلٍ كبير.

Embed from Getty Images

لكن النظام السياسي صامد، وليس لديه مشاكل، كما يقول الشعب: «هم لهم أملاكهم وأموالهم الخاصة في الداخل والخارج»، وأنتم والحركات الأخرى التي تسعى إلى التغيير، تدخلون إلى الانتخابات، ثم تقولون إنها مزورة، وتعيدون نفس الكرَّة، والنظام ليس لديه أي قلق أو مشكل، وأنتم تعيدون نفس العملية، وتنتظرون نتائج مغايرة.

هذه سُنن الحياة وهذه هي السُّنن الاجتماعية، أنا كنت أحدِّثك بأنهم ليسوا في راحةٍ من أمرهم، فهم يواجهون مصاعب كبيرة، مصاعب اجتماعية ستتصاعد، ونحن قضيّتنا ليست قضية أشخاص موجودين في الفيلات أو في فرنسا، فهم ليسوا سعداء، فحتى في عوائلهم وأولادهم ليسوا في سعادة، الحياة والسعادة ليست مالًا فقط، هناك أغنياء وتعساء، أولادهم ضائعون ومنحرفون، أولادهم في المخدرات، أوضاعهم الصحية، أسرهم مفتتة، نعرف العديد من المسؤولين لديهم أموال كبيرة، ونهبوا أموالًا كبيرة، لكنّ أوضاعهم وحياتهم الشخصية عذابٌ شديد جدًا. القضية ليست قضية أشخاص، نحن لا نلاحق أشخاصًا؛ لأن لديهم أموالًا، نحن يهمنا بلدنا.

الذي نحن مطمئنّون من أجله هو أن المستقبل سيتغير، لدينا ثقة كبيرة في المستقبل، نحن واثقون تمام الوثوق، ثم هناك تجارب بشرية مثلنا، لما ننظر إلى تركيا، الجميع يعلم بأنّها بلد قويّ، والآن صندوق النقد الدولي يؤكد أنه الرابع عالميًّا في ناتج محليّ خام، لا ننسى أن الحركة الإسلامية تكافح وتناضل لمدة 70 سنة، قرابة قرن وهي تكافح في الشأن السياسي؛ حتى وصلت إلى هذه النتيجة. ولما نتكلم عن ماليزيا، كانت في تخلّف كبير جدًا في بداية الثمانينيات؛ إذ كانت نفس وضعيّتنا، وهناك كفاح ونضال ووصلوا إلى هذا الذي هم عليه اليوم، فنحن متفائلون، بأن في العقد المقبل ستحدث تغيرات كبيرة ستكون في صالح التغيير وفي صالح الجزائر.

لكن ماذا عن المؤشرات الاقتصادية الحمراء، هل يمكن إنقاذ سفينة موشكة على الغرق؟

الذي نريده نحن هو أن النظام السياسي إذا رفض التوافق، أو رفض الديمقراطية، فإنه سيغرق وحده. الذي يهمنا هو أن البلد لا يغرق، ولا يهمنا النظام السياسي؛ لكي لا يغرق البلد، لدينا واجب توعية الجمهور.

إذًا فأنت لا ترى أننا وصلنا إلى مرحلة اللاعودة، أي أنّ البلد يمكن إعادة استرجاعها حسب وجهة نظركم؟

من الممكن – نعم – أننا ضيّعنا وقتًا كبيرًا جدًا، والموضوع سيكون صعبًا جدًا، لكن إذا كانت المجتمعات واعية ومدركة، حتى في حالة الانهيار، فلن يكون هناك انفلات، سيكون هناك انتقال ديمقراطي. الجزائر لديها من القدرات والإمكانات ما لا يخطر على البال؛ هو بلدٌ ضخم، بلد قارّة، وفيه إمكانات كبيرة جدًا، حتى بدون بترول وغاز؛ على مستوى الفلاحة، وعلى مستوى المواد الأوليَّة الأخرى المتنوعة، وعلى مستوى الموارد البشرية والموقع الجيوستراتيجي، والتنوع الجغرافي، والجيولوجي. بلدنا كبير، وحتى بدون بترول وغاز ممكن أن نصعد، الذي ينقص هو الحكم الراشد، ففي اللحظة التي يقع فيها التغيير، ويأتي حكمٌ راشد له رؤية اقتصادية سنصعد، وفي خلال خمس سنوات ستتحسّن أوضاعنا، ونخرج من المأزق، 10 سنوات ستتحقق النهضة، ونحن لدينا برنامج كامل في هذا الموضوع.

رأينا خفوت نجم المعارضة الجزائرية بعد تجربة توحيد الجهود في السنوات الأخيرة، مثل مبادرة «تنسيقية الانتقال الديمقراطي» و«اجتماع مازفران»، ولكن رأينا أنّ تلك المبادرات لم تخرج بمشروعٍ سياسيٍّ موحّد؛ كقائمة برلمانية موحّدة، أو مرشح رئاسيّ توافقي، البعض بالمصطلحات الشعبيّة يقول: «إن هذه الشخصيات المعارضة أتت لتشرب القهوة، ولتلتقط صورًا، ثم يرجعون أدراجهم».

تنسيق المعارضة كان له أرضية مكتوبة، سواد على بياض، ولم يكن فيه على الإطلاق دخول الانتخابات مع بعضهم البعض، ومن الممكن أن تتفقد ذلك في موقعنا الإلكتروني، لا يوجد هذا الأمر.

إذًا لماذا اجتمعت المعارضة؟

اجتمعت من أجل ما يدلُّ عليها اسمها: «الحريات والانتقال الديمقراطي»، الهدف هو الحريات والانتقال الديمقراطي، فالمعارضة اجتمعت لتتعاون فيما بينها للضغط على النظام السياسي بقدر ما تستطيع من أجل الانتقال الديمقراطي.

لم يكن هناك أي حديث عن دخول الانتخابات بشكلٍ موحّد؛ لأن هذه الأحزاب برامجها الانتخابية مختلفة جذريًّا، هناك أحزابٌ علمانية في التنسيقيّة، فكيف تتحالف مع أحزاب إسلامية؟ هؤلاء قالوا لنا منذ البداية: «يستحيل أن ندخل الانتخابات معًا، نحن لدينا برنامج آخر مختلف تمامًا، وهذا غير وارد أو ممكن، ولكن العلمانيين والإسلاميين من الممكن أن يجتمعوا على مساحة الحرية والديمقراطية. وعمومًا، عندما تأتي الانتخابات، فمن الطبيعي أن التنسيق بين الأحزاب يتراجع؛ لأنه موسم منافسة».

لماذا لا يبقى التنسيق على أساس الحريات والانتقال الديمقراطي؟

عندما تأتي الانتخابات، فمن الطبيعي أن الأحزاب ستنشغل بالانتخابات، الموسم الانتخابي دام قرابة السنتين، انتخابات تشريعية، ثم بلدية، شيء طبيعي أن هناك زمنًا سينقص فيه التنسيق.

البعض يسأل: لماذا لا تضعون المنافسة جانبًا إلى غاية تحقيق انتقال ديمقراطي، ثم عندما تترسخ ديمقراطية في الجزائر نستطيع الحديث عن تنافس شريف بين كل الأحزاب؟

فرصة الانتقال الديمقراطي لم تأتِ بعد؛ لأن الانتقال الديمقراطي مرتبط بموازين القوى، ولأن تنسيق المعارضة ليس المدخل الوحيد في تحقيق هذا الانتقال، هناك مدخلات أخرى، من بينها: التطورات الاقتصادية، والاجتماعية، وحتى التطورات داخل النظام السياسي، ووعي الشعب والجمهور. بماذا تضغط على النظام السياسي؟ تضغط عليه بالشعب، والشعب ليس لديه استعداد للخروج للشارع، من قال لك إنّ الخروج للشارع متاح؟ نحن لا نقبل هذا الأمر؛ لأننا نرى ما حصل في تونس، وليبيا، وسوريا، وما حدث في الجزائر في التسعينيات، من هذا الذي يقول أن نخرج بأعداد كبيرة للشارع، ثم يقع صدام دموي مع الأمن ومع المؤسسات الأمنية والعسكرية؟

إذًا فالمرحلة غير مواتية لأن يمارس الشعب ضغطًا على النظام السياسي بالخروج للشارع، كيف تستطيع الضغط على النظام؟ ليس لديك إلا الخروج السلمي للشارع؛ لأن كل هذه الأحزاب ذات طبيعة سلمية، لا تعتمد إلا منهجًا سلميًّا، ضمن المنهج السلمي الخروج إلى الشارع، الخروج للشارع مخيف للناس كلّهم، حتى لو قرّرتَ الخروج للشارع، فإن الشعب نفسه سيعترض على ذلك، لقد قرّر الشعب – بك أو بدونك – أن لا خروج للشارع، ومنه فليس لديك أدوات للضغط على النظام السياسي، حتى لو كان لديك مليون مناضل، ولا تستطيع إخراجهم للشارع، فماذا ستفعل؟

إذًا فالمرحلة الآن ليست مرحلة بداية الانتقال الديمقراطي، بل هي مرحلة توعية المواطنين، فإذا خرجوا للشارع مستقبلًا، وإذا وقع ضغط اجتماعي كبير كما هو متوقع، لم يستعملوا العنف. إن هذا يتطلب عملًا تعليميًا ووقتًا طويلًا للعمل مع المواطنين. الآن بينما نحن نعمل على هذا الجانب الذي لم يصل وقته، وصلت الانتخابات، الانتخابات بالنسبة لنا مدخل من مدخلات التغيير، أنت عندما تكون موجودًا في البرلمان، هناك تكتشف قانون المالية، وتكتشف حدوث السرقات والاختلاسات، وتستطيع كشف العبث والفساد، الانتخابات البلدية أيضًا هي فرصة ليكون لديك منتخَبون يلتقون بالشعب، لأنك تلتقي بالشعب في البلدية، ولأن الشعب يأتي ليبحث عن احتياجاته في البلدية، لذلك فلا تستطيع إلا أن تكون في المجالس البلدية، وهو مجال الاحتكاك بالشعب وبالمواطنين، لذلك لا يمكن تضييع فرصة دخول الانتخابات.

دخول الانتخابات حالة تنافسية، بمثابة «استراحة قصيرة» للتنسيق مع المعارضة حتى تنتهي الانتخابات، كل أحزاب التنسيقية دخلت الانتخابات، لا يوجد أي حزب كبير لم يدخل، نحن كنا آخر حزب أعلن دخوله الانتخابات.

مستقبلًا ترون إمكانية التنسيق بين هذه الأحزاب؟

ما هي مقاربة حركة مجتمع السلم لرئاسيّات 2019، وما هي خطتكم لقطع الطريق على مرشّح السلطة (أيًا يكن) وهل ترونها فرصة للتغيير؟

الذي يهمنا هو تحقيق الإصلاح والتغيير والانتقال الديمقراطي، ليس لدينا خصومة مع أية جهة على الإطلاق، الانتخابات الرئاسية بالنسبة لنا موعد مهم قد يساعد في بداية الإصلاح والتغيير في الجزائر. بالنسبة لنا يجب أن نفحص هذه الانتخابات، هل هي فرصة للتوافق، مثل مشروع مازفران، أو المشروع الذي طرحناه قبل مازفران، مثل مشروع الإصلاح السياسي، أو المشروع الذي طرحه الأفافاس، أو جهة أخرى، هل هو فرصة للتوافق؟ الأحزاب تتفاهم، والمعارضة والسلطة تتفاهم، سنفحص إذا ما كانت فرصة للديمقراطية؛ لأن التغيير يقع بطريقتين: إما التوافق أو الديمقراطية، نحن في هذه المرحلة سندخل في مشاورات مع مختلف الأحزاب، مختلف أفراد الطبقة السياسية، ونرى هل هذه الانتخابات فرصة للتوافق، أو الديمقراطية، وسنرى.

اقرأ أيضًا: كيف يستبعد النظام الجزائريّ مرشّحين الرئاسة المحتملين؟

شهدنا وصولًا للسلطة من قبل إسلاميي المغرب منذ سنة 2011، ولم نرَ تغيرًا حقيقيًا في القضايا العالقة، كالصحراء الغربية، والحدود المغلقة، رغم وجود تقارب بينكم وبينهم، بل سمعنا حتى تصريحات فيها شيء من العدوانية من رئيس وزراء المغرب عبد الإله بن كيران حين قال: «إن الجزائر لا تريد أن تفتح الحدود؛ لأنها تخاف من هجرة جماعية من الجزائريين للمغرب».

حتى هم «غَلبانين» (يضحك)، رغم أنهم قاموا (أي حزب العدالة والتنمية المغربيّ) بمجهوداتٍ كبيرة في قضايا التنمية وحقَّقوا بعض النجاحات على كل حال، لكن وضعهم مثل وضع الجزائر بشكلٍ عام. في الحقيقة نحن حركة ليست في السلطة، وليست لدينا مسؤولية كما تفضّلت، ولكن لدينا تصوراتنا ومواقفنا، أنت ذكرت قضيّتي الصحراء وغلق الحدود، نحن ضدّ غلق الحدود، لأنه لا يعقل أن بلدين شقيقين تُغلق بينهما الحدود البرية إلى هذا الحد، مع العلم أن غلق الحدود البرية ليس فيه أية فائدة أو قيمة، فالذين يتحدثون عن المخدرات يخادعون؛ لأن المخدرات في الحقيقة تتفشى أكثر بغلق الحدود؛ فعندما تكون الحدود مغلقة، هل مهربو المخدرات سيدخلون عبر المعابر البرية الرسمية؟ أبدًا، بكل تأكيد سيدخلون عبر المعابر غير القانونية، فلما تكون كل الحدود مغلقة، المجرم والمواطن العادي سيستخدمان هذه المعابر غير القانونية، إذًا يستطيع المجرم أن يتخفى وسط الناس العاديين، خاصة المواطنين الساكنين في الحدود من جانب الطرفين. لكن عندما تكون الحدود مفتوحة، والناس تمرّ على معابر حدودية رسمية بحراسة أمنية مشددة، سنصعّب من مهمة مهربي المخدرات».

أما ما يتعلق بالصحراء الغربيّة، فهي قضيّة تقرير مصير، لا يمكن لشعب أن يكون تابعًا لدولة بالإكراه، هذا لا يجوز؛ لأن الصحراء الغربية كانت مستعمرة من طرف الإسبان، المفروض شعبها هو من يقرر مصيره بعد الاستعمار، إن أراد أن يكون مغربيًّا، فليس لدينا أي مشكل، وإن أراد أن يؤسس دولته وحده، فهو حرّ في ذلك، إذًا فنحن موقفنا فيما يتعلّق بالصحراء الغربية ليس موقفًا معاديًا تجاه الأشقاء المغاربة، نحن في الحقيقة نبغض ونكره ونحزن بسبب أي سوء علاقة بيننا وبين أشقائنا المغاربة.

اقرأ أيضًا: دراسة لـ«كارنيغي»: كشف حساب لفترة حكم الإسلاميين في المغرب

هل هناك محاولات تقريب وجهات النظر في هذه الملفات من خلال علاقاتكم بحزب العدالة والتنمية المغربي؟

نحن لدينا علاقات وطيدة جدًا مع حزب العدالة والتنمية المغربي، ولدينا بروتوكول تعاون بيننا ونتبادل الزيارات بشكلٍ دائم دون توقّف. بالنسبة لهذه الملفات فهم لديهم مواقفهم مثل دولتهم، هم يعتبرون الصحراء الغربية جزءًا من المغرب مثل دولتهم، نحن نحترم آراءهم، هم لم يقولوا إن جزءًا من الجزائر لنا، لو قالوا هذا الكلام لما التقينا بهم أبدًا، ولكُنّا خصومًا، لكنهم يتحدثون عن الصحراء الغربية وليس الجزائر، هذا رأيهم بينهم وبين الصحراويين، الذي نقوله إن الصحراويين لهم الحق في تقرير المصير، ولكن مع ذلك لا نرى غلق الحدود، هذا لا نقبله، هناك أُناس متحاربون ولا يغلقون الحدود.

اقرأ أيضًا: في ذكرى المسيرة الخضراء.. هل اقترب المغرب من ضمّ الصحراء الغربية نهائيًّا؟

ما هو موقف الحركة من الأزمة الخليجية الحالية وما هي رؤيتكم لسبل الحلّ؟

هذا حصارٌ ظالم، أنا كنت أقول إننا ضدّ غلق الحدود مع المغرب وهو بلدٌ شقيق، كيف نقبل غلق الحدود بين قطر وبين جيرانها؟ غلق الحدود بين الأشقاء والجيران غير منطقي، الناس يختلفون لكن الاختلافات تعالج بالطرق السلمية والحوار، لكن لا يجب أن يؤدي الاختلاف إلى غلق الحدود، لأنَّ هذه البلدان ليست للحكام فقط، فما ذنب الشعوب؟ ما ذنب المواطن الذي لديه عائلته وتجارته ومصالحه فيبقى مُحاصرًا بسبب اختلاف المسؤولين؟ هذا ظلم وتعدٍّ على حقوق الإنسان وحقوق الجوار وأمر غير مقبول على الإطلاق.

اقرأ أيضًا: كيف تأثرت الجزائر بالأزمة الخليجية؟

هذه الأيام يكثر الحديث عن ما يسمى صفقة القرن، خطة إقليمية بين دول المنطقة لتصفية القضية الفلسطينية، ما رؤيتكم في هذا الموضوع؟

صفقة القرن كُشف حالها، وتسريباتها خطيرة جدًا، وهي في الحقيقة بيعُ من لا يملك لمن لا يستحق، تقريبًا مثل وعد بلفور، حكّام خليجيون أرادوا بيع فلسطين التي لا يملكونها إلى من لا يستحقونها – أي الصهاينة – من أجل كرسيّ، الآن في السعودية هناك انتقال المُلك من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد، فهناك صراع كبير للفروع العائلية لآل سعود، والفرع الذي يمسك الملك يريد أن ينقله إلى الأبناء.

هل هناك إمكانية حقيقية لنجاح هذا المشروع؟

هي تنفّذ بالفعل الآن، وهم يستعينون بأمريكا، لذلك أعطوا ترامب ذلك المبلغ المعروف، وكذلك يستعينون بإسرائيل ليستفيدوا من علاقاتها مع المؤسسات الأمريكية. لقد قرّروا أن أمريكا هي التي تحميهم من إيران، وحسب زعمهم من الإرهاب ومن الإسلاميين وغيرهم، الهدف الجوهري هو نقل المُلك إلى وليّ العهد محمد بن سلمان. الضربة التي أخذها ترامب تبيّن أن هذا الأمر ليس ميسورًا، قضية فلسطين مركز العالم، ليست مسألة بسيطة تُباع بكل سهولة، حتى ترامب لم يستطع بيعها، العالم كله قام ضدّه، فالقضية الفلسطينية ليست مسألة بسيطة.

لكنه مجرّد قرار للأمم المتحدة وتصويت لن يكون له أي تأثير في أرض الواقع.

تصور لو أنه لم يقع اعتراض في الأمم المتحدة، تخيل أن أغلبية الدول ساندت ترامب، ألن تكون كارثة؟

ستكون كارثة لكن رأينا حرب العراق مثلًا لم يكن هناك اعتبار لرأي المجتمع الدولي أو الرأي العام العالمي؟

معارك التحرير فيها جانب المقاومة والجانب الدبلوماسي، وكل مساحة تربحها فهي في صالحك. هذه ليست معركة حاسمة، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هو جزء من المعركة، جزء بسيط جدًا من المعركة، والمعركة الحقيقية على الأرض يقودها الفلسطينيون والمقدسيّون، ودورنا أننا نسنُدهم ونقوّيهم ونكون معهم ليقاوموا الاحتلال بكل أنواع المقاومة: المقاومة المسلّحة، والمقاومة الشعبية، والمقاومة الدبلوماسية، كل الأنواع، وهذه ساحة من ساحات المعركة. الصهاينة وحلفاؤهم المسيحيون المتطرفون المتصهينون في أمريكا اكتشفوا أن المسألة ليست سهلة، هؤلاء الأوروبيون مثلًا الذين عارضوا ترامب، عارضوه لأجل مصالحهم لأنهم يعرفون أن هذه القضية ستؤدي إلى توترات كبيرة جدًا، وهم جيراننا الملاصقون لنا، ليس مثل أمريكا المحمية بالجغرافيا، إنهم يدركون أن هذا سيؤزّم الأمور أكثر.

اقرأ أيضًا: 2017: «عام الكوليرا والبيتكوين والقدس».. هكذا وثقناه وهكذا نتنبأ بالعام الجديد

تحميل المزيد