انتهى حكم حركة طالبان في أفغانستان منذ عام 2001، ولم تنتهِ معه دوافع الأفغان للجوء إلى إيران، فيستمر لجوؤهم غير الشرعي إليها، وتستمر الحكومة الإيرانية أيضًا في استغلالهم، بخاصة كوقود بشري لمعاركها العسكرية الخارجية، إما بالذل والإهانة، أو بالإغراء ووعود الامتيازات.
ويعاني اللاجئون الأفغان -الذين يتقاسمون مع الإيرانيين كثيرًا من العادات والتقاليد، وكذا المذهب الديني- الأمرّيْن في بلاد المهجر الإيراني، ما بين قوانين تحرمهم، ووعود بالتمكين مما حُرموا منه حال قبولهم خوض غمار حرب ليست حربهم، في سوريا، أو غيرها.
إهانة اللاجئين الأفغان في إيران
أثارت صور عرضت بتاريخ السادس من سبتمبر(أيلول) الجاري، لمجموعة من اللاجئين الأفغان، وُضعوا في أقفاص حديدية ضجةً كبيرة، بعد أن اعتبر الكثيرون، أنها مُعاملة «غير إنسانية».
وكان هؤلاء اللاجئون قد دخلوا إلى إيران بصورة غير شرعية، قبل أن تقبض عليهم الشرطة الإيرانية، وتودعهم القفص مكبلين ومعصوبي الأعين، ثُمّ عرضتهم في معرضٍ لمضبوطات مخافر مدينة «شيراز» بجوار بضائع مهربة، ومخدرات، وأفلام إباحية تم ضبطها.

اللاجئون الأفغان في أقفاص (المصدر: الخليج الجديد)
لم تكن هذه الحادثة الأولى لإهانة اللاجئين الأفغان من قبل الحكومة الإيرانية، ففي مايو (أيار) الماضي قتل 5 مهاجرين أفغان، وأصيب 13 آخرين، عندما طاردت الشرطة الإيرانية شاحنة تنقل هؤلاء في ولاية كرمان، أطلقت الشرطة النار على شاحنةٍ، وهي تدرك أنها محملة باللاجئين الأفغان، بحجة أنهم لم يطيعوا أمر الشرطة بالتوقف.
أيضًا وصل حد الاستهانة بحياة الأفغان في إيران، إلى أن تفقد الطفلة الأفغانية لطيفة رحماني (12عامًا) حياتها؛ لأن القانون الإيراني حظر عملية زرع أعضاء الجسم للرعايا الأجانب، حدث ذلك في أغسطس (آب) الماضي، رغم أن والدها هو الذي كان سيتبرع لها بجزء من كبده لإنقاذها، إذ رفض مستشفى «نمازي» الذي كانت تعالج فيه زرع كبد أبيها، بسبب قانون حظر زرع أعضاء الجسم إلى غير الإيرانيين.
يمكنا القول أيضًا إن إيران سهلت إدمان العمال الأفغان على أراضيها، فأرباب العمل الإيرانيون يعطون المخدرات لعمالهم من الأفغان لأن تناولها يحسن إنتاجهم ويرفع أجرهم، كما لا تتوانى إيران عن إعدام عدد كبير من الأفغان بتهمة تجارة المخدرات، وهي عقوبة يمكن أن تطال حتى القاصرين الذين يبلغ عمرهم 15 سنة، فما فوق.
يقول مدير مركز «ميسان للدراسات العربية والإيرانية» محمد المذحجي: «الحالة القانونية للاجئين الأفغان في إيران معقدة بشكل كبير، على سبيل المثال وليس الحصر، لا توفر الحكومة الإيرانية الخدمات الصحية والعلاج للاجئين غير الشرعيين، فضلًا عن أن الأطفال الذين يولدون من أم إيرانية وأب أفغاني لا يحصلون على الجنسية الإيرانية كما غيرهم، ولا أي نوع من الأوراق الثبوتية، حيث هؤلاء لا يتمكنون من الذهاب إلى المدرسة، ولا يحصلون على أي نوع من أنواع الخدمات الصحية والدعم الاجتماعي والاقتصادي التي توفرها إيران للفقراء».
وبينما ترسم وسائل الإعلام الإيرانية صورة ذهنية خاطئة عن اللاجئين الأفغان بأنهم مجرمون ومهربو مخدرات، وتؤكد إحصائيات القضاء الإيراني أنهم لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة جدًّا من المجرمين في إيران، تمارس الحكومة الإيرانية أساليب أخرى قائمة على تقديم الحوافز والامتيازات لهؤلاء الأفغان –سيتطرق التقرير لهذه النقطة لاحقًا- ويقول المذحجي خلال حديثه لـ«ساسة بوست» عن سبب إهانة اللاجئين من قبل إيران في مواقف، وإغرائهم بالامتيازات وتكريمهم في مواقف أخرى: «إن هذا أسلوب إيراني يهدف إلى احتقار الآخر حتى يأخذوا منه تنازلات أكثر، فهم يضعون الشخص في مكانة الضعيف والمجرم والمتهم حتى يعطيهم تنازلات أكثر».
القتال في سوريا
يعكف النظام الإيراني منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013، على إرسال اللاجئين الأفغان للقتال في سوريا، يتم تجنيد هؤلاء بالترغيب، فيتلقون عروضًا بالحصول على حوافز مالية وإقامة قانونية، أو بالقسر بتهديدهم بالترحيل إلى أفغانستان، أو دخول السجن.
وترى القيادة الإيرانية أنه يجب الاستفادة من الشيعة الأفغان المقيمين على أراضيها كـ«جنود مشاة للسياسة الخارجية»، لذلك يقوم الحرس الثوري الإيراني الذي خسر الكثير من قواته بتجنيد الأفغان، مقابل راتب يتراوح ما بين 350- 500 دولار شهريًّا، ويعدهم بالحصول على الإقامة الدائمة في إيران، وامتيازات عديدة. ولا يقتصر تجنيد إيران للاجئين الأفغان من داخل إيران فقط، بل تحرض الأفغان على تجنيدهم من داخل أفغانستان، حتى أن الاستخبارات الأفغانية اعتقلت في أغسطس (آب) الماضي المسئول الإيراني «قربان غلام بور» من أمام منزله بولاية هرات بأفغانستان؛ لأنه يقوم بتجنيد الأفغان من داخل بلادهم للقتال في سوريا.
ويظهر تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» الذي جمع في نهاية عام 2015، شهادات من عشرين أفغانيًّا كانوا يعيشون في إيران أنهم «أرغموا على القتال في سوريا، وهربوا منها إلى
اليونان أو تم ترحيلهم إلى أفغانستان بسبب رفضهم، وآخرون قالوا إنهم تطوعوا للقتال في سوريا سواء لأسباب دينية، أو للحصول على إقامة قانونية في إيران».
وجندت إيران هؤلاء تحت شعارات دينية، وبإغراءات اقتصادية وخدماتية، وتؤكد صحيفة «ميل إيست آي» أن: «النظام الإيراني استخدم طالبي اللجوء من الأفغان على اعتبار أنهم فائض غير مرغوب به، ليزج بهم وفق إرادتهم في خضم الحرب السورية». وتشير الصحيفة إلى أن إيران: «مارست إجراءات طويلة الأمد من أجل السيطرة على حركة اللاجئين الأفغان، بعد التهميش الممنهج، يشعرون بأنهم مستبعدون سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، فاشتراكهم مع الشعب الإيراني باللغة، والعرق «الهزارة»، والدين «مسلمون شيعة»، والتاريخ، لم يسعفهم في تجاوز صعوبات الاندماج ضمن المجتمع الإيراني السائد».
ويعد لواء «الفاطميين» أهم الميليشيات التي تتشكل غالبيتها من الأفغان، وصل إلى حوالي 14000 مقاتل، وهم منظّمون بين ثلاث كتائب في دمشق، وحماة، وحلب. ويدرب هؤلاء الأفغان من قبل أفراد من قوات «الحرس الثوري» الإيراني.
كيف غيرت إيران أساليبها وقوانينها لإغراء الأفغان بالذهاب إلى سوريا؟
يصطدم اللاجئون الأفغان بالأوضاع المأساوية التي تُفرض عليهم في إيران حال عدم انصياعهم للذهاب للقتال في سوريا، لذلك يعجل عدد كبير منهم بالهجرة إلى أوروبا، أو العودة إلى أفغانستان. فقد رجع ما لا يقل عن 19 ألفًا منهم إلى أفغانستان خلال العام الحالي، وهرب بعضهم من سوريا نفسها وعادوا إلى أفغانستان.

خامنئي يستقبل ذوي الأفغان القتلى (مصدر الصورة العربية نت)
ومن أجل حث الأفغان على القتال في سوريا، خاصةً بعد اتساع رقعة صراع إيران مع تنظيم الدولة، أظهرت إيران تغييرًا في سياستها تجاه اللاجئين الأفغان الذي تثق بهم أكثر من غيرهم لتشابه الثقافة، واللغة، والمذهب الديني، فقد قدم النواب الإيرانيون مشروع قانون يقضي بمنح الجنسية لغير الإيرانيين ممن قاتلوا في الحروب نيابة عن الجمهورية الإيرانية، وفعلًا صادق مجلس الشورى الإيراني في مايو (أيار) الماضي، على مشروع قرار منح الجنسية لذوي قتلى الميليشيات الشيعية، وأغلبهم من اللاجئين الأفغان.
وأمر مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بأن تتكفل المدارس بأطفال الأفغان المتواجدين بشكل غير قانوني، كما أكدت أنها لن تقوم بترحيل اللاجئين الأفغان من البلاد بالقوة، ووعدت بأن تمهد الحكومة الطريق لتسجيل اللاجئين والحصول على الإقامة القانونية. كما استقبل في أيام عيد النوروز الماضي، مارس (آذار) 2016، خامنئي عائلات المقاتلين الأفغان الذين لقوا حتفهم أثناء القتال بسوريا، كما أعلنت مؤسسة «الشهداء» الإيرانية أنها: «ستقدم الرعاية والخدمات الاجتماعية لعائلات الأجانب الذين قُتلوا أو أصيبوا بجروح في سوريا، وهم يقاتلون بالنيابة عن الجمهورية الإسلامية».
أسباب لجوء الأفغان إلى إيران
بدأت إيران خلال حربها مع العراق بالاستفادة من الأفغان اللاجئين إليها بطريقة غير شرعية في أعمال شاقة بأجور زهيدة، كان حينها دافع آلاف الأفغان للجوء إلى إيران هو الهرب من النزاعات المتواصلة في بلادهم منذ عقود.
ولأن أفغانستان بعد القضاء على حركة طالبان التي كانت تحكمها في عام 2001 لم تنعم باستقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية، استمر لجوء الأفغان إلى إيران مع تدهور أوضاعهم في بلادهم نحو المزيد من البطالة المتفشية، كما تعد تجارة المخدرات والزواج بنوعيه الدائم والمتعة أسبابًا مهمة للهجرة غير الشرعية نحو إيران.
تقول المحامية الإيرانية شيرين عبادي: «بعد أن قام الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان في عام 1979، فتحت الحكومة الإيرانية ذراعيها للأفغان بحجة أن الدين الإسلامي لا يعترف بأي حدود»، وتضيف عبادي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام: «في ذلك الوقت جاء إلى إيران ما يقارب أربعة ملايين أفغاني. ولكن 10 بالمائة منهم فقط تمكن من الحصول على إذن بالإقامة فيها، أما ما تبقى منهم فظل مهاجرًا غير شرعي، وبالتالي لا يحصل على أية حقوق أساسية يتمتع بها المواطنون الإيرانيون».
وتذكر وزارة الداخلية الإيرانية أن عدد اللاجئين الأفغانيين على أراضيها حوالي 3 ملايين، يحصل 950 ألف مهاجر منهم على أورق اللجوء القانونية، يتم تقييد حقهم في العمل عدا العمل اليدوي الشاق، ويمنعون من امتلاك العقارات وممارسة التجارة، وتؤكد منظمات حقوق الإنسان أن: «اللاجئين الفاقدين لوثائق الإقامة يعانون مشاكل كثيرة للمعيشة والتعلم في إيران، وحسب القوانين الداخلية الإيرانية فإن فرص العمل للكسب محدودة جدًّا للأفغانيين، حيث تكون هذه الفرص في الأعمال الشاقة ذات الدخل القليل، ولا يُلتفت إلى تخصصاتهم ومهاراتهم».