في العالم العربي نعرف الكثير عن زوجات الرؤساء وأبنائهن؛ خاصةً من تورطن منهن في قضايا فساد وتربح؛ إلا أن القارة السمراء قد كانت دائمًا بعيدة عن أعيننا، وفي الوقت الذي انتشرت فيه أخبار التسريبات عن ابنة زعيم أنغولا، إيزابيل دوس سانتوس، نفتح ملف السيدات الأُوَل للدولِ الأفريقية، لنتعرف أكثر إلى الجانب المظلم في القصور الرئاسية.
1. إيزابيل دوس سانتوس.. ابنة الزعيم المتهمة بغسيل الأموال
700 ألف وثيقة مسربة وصلت إلى وكالة «بي بي سي» الإخبارية، يوم الأحد 19 يناير (كانون الثاني) 2020، تتناول الإمبراطورية التجارية للمليارديرة الأفريقية، إيزابيل دوس سانتوس. وبين غسيل الأموال والاختلاس، وجهت تهم الفساد إلى ابنة الزعيم الأنغولي السابق خوسيه إدواردو دوس سانتوس، والتي تعد واحدة من أغنى نساء أفريقيا، وقد تعلقت المزاعم بالوقتِ الذي كانت فيه رئيسة لشركة النفط الحكومية «سونانجول».
التهم الموجهة إليها تستند إلى وثائق مسربة، تزعم استغلالها ثروات البلاد الخاصة لتحقيق أرباح شخصية، وكذلك قضايا فساد متعلقة بشركة النفط الحكومية في دولة أنغولا الغنية بالثروات الطبيعية. وذلك في الوقت الذي كان والدها فيه رئيسًا للبلاد قبل تنحيه عام 2017، بعد حكم دام 38 عامًا.
تعيش إيزابيل دوس سانتوس حاليًا في المملكة المتحدة البريطانية، وقد أخبرت شبكة «بي بي سي» الإخبارية، أنها تتطلع للرئاسة، ونفت عن نفسها كل المزاعم المتعلقة بالفساد، مشيرة إلى أن الحكومة الأنغولية تسعى للنيل منها لدوافعٍ سياسية. إلا أن الوثائق قد أظهرت كيف حصلت دوس سانتوس على صفقات النفط، والأراضي، والألماس، وعقود العقارات، والاتصالات الهاتفية – عندما كان والدها رئيسًا – حتى تضخمت ثروتها ووصلت إلى 2.1 مليار دولار. وكيف استعانت بعد ذلك بشركاتٍ أجنبية لإخراج ثروتها من أنغولا.
كانت الوثائق المسربة قد وصلت قبل عدة أيام إلى الوكالات الإخبارية المختلفة؛ بما في ذلك «الجارديان» البريطانية و«نيويورك تايمز» الأمريكية، والتي حققت في الأمر إلى جانب منظمة «Corruption Watch» المتخصصة في رصد الفساد. وقد أشارت إلى أن دوس سانتوس قد استغلت مناصبها في جمع الأموال على حساب المواطنين الأنغوليين وفقر الشعب، مقابل ذلك تقيم حفلاتها الباذخة في فرنسا وتظهر على أغلفة المجلات.
(إيزابيل دوس سانتوس)
لم تكتف إيزابيل دوس سانتوس بعقدِ الصفقات المربحة داخل البلاد؛ إذ توسعت إمبراطوريتها المالية لتشمل عقارات وأسهم بنكية في العديد من الدول، كان منها بنك «EuroBic» الصغير في لشبونة، والذي امتلكت فيه دوس سانتوس حصة بلغت 42.5%. وقد أعلن البنك قطع علاقته التجارية بالمليارديرة الأنغولية والكيانات المرتبطة بها. وأعلنت إيزابيل عن بيع حصتها في «EuroBic»، والتي قدرت بحوالي 200 مليون دولار.
أطلق الاتحاد الدولي لصحافيي التحقيقات على الوثائق المسربة اسم «تسريبات لواندا»، ووفقًا لصحيفة «الجارديان»، تناولت إحدى الوثائق عملية تحويل 57 مليون دولار في يومٍ واحد من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وذلك من حساب شركة «سونانجول» للنفطِ إلى شركة أخرى في دبي تملكها صديقة لدوس سانتوس تدعى باولا أوليفيرا.
بعد تنحي والد المليارديرة الأفريقية عن منصبه الرئاسي بشهرين؛ فقدت ابنته أيضًا منصبها في شركة النفط الحكومية، وفي اليوم الذي أقيلت فيه إيزابيل؛ أرسلت الشركة الاستشارية في دبي حوالي 50 فاتورة بمبالغٍ مهولة، صدقت عليها دوس سانتوس كلها قبل أن تغادر مكتبها. يوم واحد كانت فيه الفواتير بملايين الدولارات لخدماتٍ استشارية لم يعلن عنها ولم تحدد تفاصيلها.
إلى جانب هذا الفساد المتعلق بسوء الإدارة، امتلكت إيزابيل حصصًا في شركة الطاقة البرتغالية «Galp»؛ إذ اشترت تلك الحصص من شركة «سونانجول» عام 2006 بمبلغٍ بخس لا يتعدى 15% من قيمتها الحقيقية، وقد حصلت على قرض قليل الفائدة لسداد باقي الأموال بتسهيلات تصل إلى 11 عامًا.
تشير التسريبات إلى أن إيزابيل قد استخدمت الأساليب الملتوية ذاتها فيما يتعلق بحصص الألماس الأنغولي الخام، التي حصل عليها زوجها بموجب تصريح من والدها، وعقود أخرى تتعلق بشركات الاتصالات، وحصص في الأراضي والعقارات؛ وهي الطريقة التي امتصت بها دوس سانتوس دماء شعبها من أجل تكوين ثروتها.
2. جريس موجابي.. السيدة الأولى التي أطاحت حكم زوجها
في سبتمبر (أيلول) 2019، ودعت زيمبابوي بطل التحرير روبرت موجابي، الذي لقي حتفه بعد عامين من انقلاب عسكري أطاح حكمه الذي استمر قرابة 30 عامًا. وفي العزاء، جلست جريس موجابي أرملة حزينة متشحة بالسواد، تخفي وجهها خلف حجاب داكن. غامضة كعادتها، وثرية إلى حدٍ يجعلك تتساءل عن مصدر ثروتها.
كانت جريس موجابي السكرتيرة التي تزوجت الرئيس، وتسلقت بعدها المناصب في الحزب الحاكم، واكتسحت السياسة واشتهرت بالمزاج العصبي، والبذخ، وهوس التسوق. وقد كانت تدخلاتها في الحكم إلى جانب تعطشها للسلطة وطموحها الواضح، هو ما دفع الجيش إلى الانقلاب على الحكم عام 2017، لإحباط مخططات فصيلها في الحزب الحاكم. في النهاية انتهى الحال بها طريدة خارج البلاد بعدما أقيلت من الحزب، ولم تعد إلى الوطن سوى لحضور مراسم دفن زوجها.
(تقرير عن معاناة شعب زيمبابوي بسبب جريس موجابي)
تمتعت جريس طوال سنوات حكم زوجها بسمعةٍ سيئة، لم يكن ذلك بسبب الاتهامات الخاصة بالطمع في السلطة فقط؛ بل لما أبلغ عنه الأهالي في زيمبابوي من أن السيدة الأولى تسعى للاستيلاء على أراضيهم، هم الفقراء الذين لا يملكون سواها من أجل لقمة العيش.
تزوجت جريس روبرت موغابي عام 1996 في حفلٍ فخم، وقد كان يكبرها بـ41 عامًا. حينها كان شعب زيمبابوي يشعر بمشاعرٍ مختلطة ناحية موجابي؛ إذ تحول من بطلِ التحرير إلى حاكم مستبد يستخدم القمع والقوة المفرطة في التعامل مع المعارضة، وقد حكم هو وأسرته البلاد بوصفها إقطاعية خاصة. فأخذت جريس تجوب العواصم الأوروبية بحثًا عن آخر صيحات الموضة؛ مما جعلها تحمل لقب «جوتشي جريس»، نسبةً إلى العلامة التجارية الفخمة الخاصة بالأثرياء؛ وذلك في الوقت الذي عانت فيه البلاد من بداية السقوط الاقتصادي.
عام 2014، بدأت طموحات جريس السياسية في الظهور، أرادت أن تكون خلفًا لزوجها في رئاسة البلاد. وقد دعمها الزوج. إذ حصلت السيدة الأولى حينذاك على شهادة الدكتوراه من جامعة زيمبابوي، وهي شهادة مشكوك في صحتها، بحسب شبكة «سي إن إن» الإخبارية، إذ كان معروف عن جريس عدم مهارتها الأكاديمية. بعدها ترأست الجناح النسائي القوي لحزب «زانو بي إف»، وهو المنصب الذي منحها مقعدًا في قلب دائرة صنع القرار في الحزب والمكتب السياسي.
شنت جريس حينها حملة شرسة على منافسيها السياسيين، وتمكنت بالفعل من إطاحة بعضهم؛ إلا أن خطأها الأكبر كان الوقوف في وجه إيمرسون منانغاجوا، نائب الرئيس حينذاك، وأحد قدامى المحاربين الذين كافحوا من أجل التحرير. كان لمنانغاجوا تأييد قوي داخل جيش زيمبابوي، وهو الأمر الذي أشعل حربًا ضد السيدة الأولى ونفوذها بعدما سعت لعزل نائب الرئيس.
في السنوات الأخيرة من حكم زوجها، لم تر جريس في المحيطين به سوى حفنة من الطامعين في منصب زوجها، كانت تزعم أن هناك مؤامرات تحاك ضدهم في كل مكان، حتى انقلب الجيش وأطاح حكم موجابي، ووضعه هو وزوجته تحت الإقامة الجبرية.
3. كيف استولت كونستانسيا أوبيانغ وابنها على ثروات شعب غينيا الاستوائية؟
عام 2017، عقدت محاكمة نائب رئيس غينيا الاستوائية تيودورين أوبيانغ في فرنسا؛ وذلك من أجل التحقيق معه في قضايا فساد متعلقة بما ورد في وثائق التسريبات التي عرفت باسم «ويكيليكس». جرى اتهام ابن الرئيس باستغلال سلطته لإثراء عائلته وشراء السيارات الفخمة واليخوت والعقارات. وذلك عن طريق نهب الأموال العامة، واختلاس ما يزيد على 112 مليون دولار. وذلك بعد الطفرة البترولية التي شهدتها دولة غينيا الاستوائية، والتي تعد ثالث منتج للنفط في أفريقيا.
في أواخر القرن العشرين، ومنذ اكتشاف النفط في دولة غينيا، وعلى الرغم من معدلات النمو الاقتصادي التي تخطت عشرة أضعاف، فإن نصف الشعب الغيني يعيش تحت خط الفقر، بلا إمدادات مياه صالحة للشرب.
(خبر مصور عن محاكمة تيودورين أوبيانغ)
وُصِف رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ بأنه اتبع طريقة النهبِ ذاتها التي اتبعها نظيره الأنغولي؛ إذ استغل أوبيانغ سلطته من أجل إثراء عائلته وتحديدًا ابنه تيودورين نغويما أوبيانغ، الذي كان وزيرًا للغابات ومصايد الأسماك، حتى أعلنه الوالد خلفًا له في الحكم عام 2012. وقد امتلكت العائلة سلسلة من العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تقدر بمليارات الدولارات، وأسطولًا من السيارات واليخوت، في الوقتِ الذي عانت فيه الدولة الأفريقية الصغيرة من الفقر، وهي غنية بالودائع النفطية.
عام 2014، وفي تقرير حقوق الإنسان الصادر عن دولة غينيا الاستوائية، أشار رجل الأعمال الإيطالي روبرتو بيراردي إلى أنه قد حصل على ترتيبات قانونية بمساعدة السيدة الأولى كونستانسيا أوبيانغ وابنها تيودورين، من أجل تأمين الوصول إلى العقود العامة. كان تيودورين قد أسس شركة للإنشاءات العقارية تدعى «إيلوبا» بالتعاون مع رجل الأعمال الإيطالي عام 2008، وقد حصل ابن الرئيس على أسهم بنسبة 60% من حصص الشركة الناشئة، دون أن يدفع قرشًا واحدًا، وذلك في مقابل أن يؤمن الحصول على العقود العامة بمساعدة والدته، ومن ثم يحققان الربح أيضًا.
اتهم تيودورين رجل الأعمال الإيطالي بالاختلاس عام 2013، وحكم عليه بالسجن لأكثر من عامين. يشير بيراردي إلى أن تلك الاتهامات كانت انتقامًا منه، بعدما واجه الأخير بمزاعمِ شكوى غسيل الأموال التي أصدرتها وزارة العدل الأمريكية. خرج الإيطالي بيراردي من السجن عام 2015، وقد صرح بأنه قد عذب وقضى الكثير من الوقت في حبسٍ انفرادي، ومنعت عنه الرعاية الطبية.
حكم القضاء الفرنسي على نجل الرئيس تيودورين أوبيانغ بالسجن ثلاث سنوات مع وقفِ التنفيذ، وغرامة قيمتها 30 مليون يورو، وذلك في إطار قضية تتعلق بحيازة ممتلكات بطريقة غير مشروعة، إضافة إلى استغلال الخدمات الاجتماعية في عمليات غسيل الأموال.