في الصورة التي تُظهر هوية رقم المحمول لرجل الأعمال المصري «أحمد أبوهشيمة»، على برنامج الاتصال الحديث «واتساب»، كان يُخفي الرجل الأربعيني، صورته المتداولة على المواقع الإخبارية، مُستبدلًا بها صورة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو يقف وسط فدادين قمح، يتوسطها عبارة مكتوبة بلون ذهبي: «زَرَعَ.. حَصَد.. تحيا مصر»، في إشارة منه لدعمه المُطلق للنظام الحالي.
أبوهشيمة، المولود عام 1975، يثير الجدل بسبب خوضه سياسة الاحتكار في كل من مجال الحديد والإعلام والسينما، وبالرغم من دعمه السابق لنظام الإخوان المسلمين، إلا أنه تربطه علاقات قوية بالنظام الحالي وبالأجهزة الأمنية التي تسهل له صفقاته في نظر بعض المراقبين.
لا تخبر أحدًا قصتك الحقيقة
حين سُئل رجل الأعمال المصري، عن سبب نجاحه، بالرغم أنّ قصة كفاحك تتشابه مع كثيرين، تلعثم قليلًا وبدا عليه التوتر ثم أجاب باختصار «نجحتُ لأنني أعرفُ كيف أستغل صراعات التجار الكبار لصالحي»، أبو هشيمة الذي تخرج في كلية التجارة عام 1995 يرفض دائمًا أن يكشف عن حجم ثروته، أو يُوضح كيف أصبح ثريًا فجأة عام 2002، وهو العام الذي بدأ فيه الشاب العشريني وقتها شراء حصة في أحد مصانع الحديد والصلب كأحد التجار الكبار.

(صورة شخصية لأحمد أبو هشيمة وضعها على حساب الواتس آب خاصته)
بداية الملياردير المصري – التي لا تعرفها مجلة فوربس – مقتضبة للغاية، ففي أحد اللقاءات التليفزيونية، يقول أبو هشيمة: «كنتُ محترفًا في صفوف النادي المصري ونادي الترسانة وانضممتُ لفريق الناشئين، لكنّ إصابة قطع الرباط الصليبي أبعدتني عن الملاعب»، ثم يضيف: «بعد تخرجي نصحني أحد الأصدقاء بالتجارة في صناعة الحديد ثم أصبحت أحمد أبو هشيمة»، لكنّ الحديث يبدو وكأنه مقطوعًا من سياقه، حيث يبدو خاليًا من أية معلومات هامة، وفي كل مرة يُكرر إمبراطور الإعلام قصته، لا يستوقفه أحدٌ من الإعلاميين للتوضيح والربط، حتى في تلك القنوات التي لا يمتلكها.
الوجه الآخر من القصة يقول إنّ أبو هشيمة استغل علاقاته الشخصية واعتمد عليها دائمًا كأحد أساسيات نجاحه؛ فقد كانت تجمعه صداقة بابن «عبد الوهاب قوطة»، رئيس نادي المصري، وصاحب مصنع قوطة للحديد والصلب، وهو من أكبر تجار الحديد المنافسين لأحمد عز في ذلك الوقت، وبحسب مصادر لم يتسن لـ«ساسة بوست» التأكد من صحتها، فإن زوجة أبو هشيمة الأولى، هي ابنه رجل الأعمال البورسعيدي، التي انفصلت عنه عام 2006، وهي نفس الفترة التي بدأت فيها خلافات أبو هشيمة مع عائلة التاجر الكبير حتى وصلت إلى المحاكم، لكنّ المفارقة الغريبة، هي أن أبو هشيمة،وهو ابن لواء شرطة سابق اشترى مصنع قوطة عام 2016، بقيمة بلغت 200 مليون جنيه، ليصبح مالكًا للصرح الذي دخله صغيرًا قبل عشرين عامًا.
يحكى الرجل الذي يعمل 19 ساعة يوميًا – حسبما يقول – كيف اقتحم السوق عندما بدأ في العمل لصالحه: «كنت أبيع بثمن أقل بهدف الانتشار وليس المنافسة»، لكنّ تلك الخُطة حتى وإن بدت ناجحة فإنها لن تجعل من الشاب العشريني في نظر البعض مليونيرًا، أو على الأقل لن تجعله أحد مُصنعي الحديد؛ المثير أيضًا أنه في عام 2002 اشتري حصة 10% في مصنع، وفي 2007 اشتري 30% من حصة مصنع آخر، وكان هدفه من الحصص المجتزئة هو ضمان الحصول على إنتاجية المصنع كاملة، وكأنه يصنع لنفسه سوقًا صغيرًا بعيدًا عن سوق الاحتكار الذي يمثله أحمد عز.
في عام 2009 تعرّف أبو هشيمة على الشيخ القطري محمد بن سحيم آل ثاني المقرب من الأسرة الحاكمة، والذي أتى إلى مصر، وأنشأ شركته «آ أي سي» للاستثمار في صناعة الحديد، وبعد مرور عام واحد، أُنشئت شركة «حديد المصريين» التي يتولى حاليًا أبو هشيمة رئيس مجلس إداراتها، وتبلغ حصة رجل الأعمال القطري فيها نحو 360 مليون جنيه، وبعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، أصبح أبو هشيمة رسميًا هو امبراطور الحديد في مصر بعد أن سقط مُحتكر الحديد أحمد عز، إضافة لغرق شركة «قوطة» في الديون، وهروب صاحبها.
ويُصادف أن عهد ما بعد الثورة كان من نصيب الإخوان، ويستغل أبو هشيمة علاقته مع قطر في التقرب من النظام، إذ كان أحد أبرز الوجوه التي سافرت مع الرئيس المعزول محمد مرسي في جولاته الخارجية، وهنا يبدأ عهد جديد لشركة «حديد المصريين».
اقرأ أيضًا: أحمد أبوهشيمة.. رهان السيسي في «البيزنس» والإعلام
الإخوان المُسلمون.. أو كيف تروج لنظامٍ دون أن تُحسب عليه؟
يدافع أبو هشيمة عن نفسه بأنه رفض الانضمام إلى الحزب الوطني في عهد مبارك عندما عُرض عليه، من مبدأ عدم الدخول في السياسة لأنها في مصر تبدو تجربة سيئة لا يفضل الكثيرون خوضها، لكنّ الرجل الذي كان يسيطر وقتها على 7% من سوق الحديد في مصر، وجد فرصة ذهبية ليستحوذ على 22%، والحقيقة أن الطريقة الوحيدة لذلك كانت الاقتراب من السلطة.

(مصدر الصورة اليوم السابع)
بصفته نائب رئيس مجلس الأعمال القطري، تقدم أحمد أبو هشيمة إلى ولي العهد القطري وقتها «تميم بن حمد»، بمشروع تنمية قناة السويس، عُرف باسم «المشروع الحلم»، ويقضي بإنشاء مدينة صناعية مصرية-قطرية متكاملة على الأراضى المصرية، تضم مجموعة من الصناعات الثقيلة، بعدما هاجم الإعلام المصري المشروع الذي اتهم قطر بأنها تريد شراء القناة، دافع عن الدوحة قائلًا: «من مصلحة مصر أن يأتي المال من قطر»، ثم أعلن أنه توجه إلى قصر الرئاسة وقام بتسليم المتحدث الرسمي ملفًا كاملًا عن الصناعة، مبررًا أنه لا يتدخل في السياسة لكنه يعتقد أن « الفوضى هي بديل التخلي عن الوقوف بجانب الرئيس».
جذب أبو هشيمة الأنظار مرة أخرى، عقب أزمة الطاقة التي واجهت الحكومة، إذ تقدّم بمشروع إلى الدوحة يقضي بنقل الغاز الطبيعي من قطر لتوفير الطاقة اللازمة للمشروعات كثيفة الاستخدام للطاقة ومنها الحديد والأسمدة، ليس هذا فقط؛ فأثناء مرافقته للرئيس مرسي إلى الصين، اعتبر أن الزيارة ناجحة، مشيرًا إلى أنه سيبذل أقصى جهده لجذب الاستثمارات الأجنبية،كما نشط رجل الأعمال في العمل الخيري والاجتماعي في الداخل.
حين سُئل أبو هشيمة عن رجل الأعمال المصري «حسن مالك»، الذي لقبه البعض باسم وزير مالية الإخوان، أجاب: «رجل رائع لم يخلط أبدًا بين السياسة والاقتصاد.. حسن مالك هو همزة الوصل بينى وبين القيادة السياسية فى جماعة الإخوان المسلمين»، وتجدر الإشارة إلى أنّ «مالك» أسس في عهد مرسي جمعية رجال الأعمال المُسماه «ابدأ»، وكان أبو هشيمة أحد أعضائها.
المكافأة التي حصل عليها أبو هشيمة نتيجة دعمه المُطلق للنظام الإخوان، بالرغم من نفيه الدائم كانت قرار وزير الصناعة والتجارة بفرض رسوم زيادة بلغت 6.8% على واردات الحديد المستورد، وصبّ هذا القرار في مصلحة الرجل الذي يتحكم في ربع الإنتاج المحلي من الحديد، ويأتي هذا القرار بعدما كان قد خاطب الحكومة بأن شركته تتعرض لخسائر بسبب الحديد التركي الذي أغرق الأسواق، المثير أن أسعار الحديد الوطني ارتفعت بعد يوم واحد من قرار الحكومة، ليحصل أبو هشيمة على أرباح إضافية.
وقبل أسابيع من حركة الجيش في الثالث من يوليو (تموز) 2013، صرّح أبو هشيمة بأنه لا داعى للخوف من رؤوس الأموال الأجنبية، ومشاركتها فى مشروعات على أرض الوطن، لافتا إلى أن المال القطرى أو السياحة الإيرانية هي مجرد أشكال لمنظومة حركة الأعمال والأموال ولا داعي للخوف منها؛ لكنّ فجأة يسقط نظام الإخوان، وتبدأ مصر للمرة الثانية حربًا على كل رجال النظام القديم، ويختفي رجل الأعمال فجأة عن الأنظار، عقب تجميد المجلس الأعمال القطري، ويصبح الرجل مهددًا بتجميد أمواله.
السيسي.. كيف تغسل سُمعتك دون أن تفقد شركاءك؟
في عام 2015، سُئل أبو هشيمة عن رأيه في الرئيس المعزول محمد مرسي، فأجاب واثقًا «لم أكن لأختاره لو ترشح للجمهورية»، ربما لم يكن أحد ليصدقه قبل عام من ذلك التاريخ، إذ كان يسعى حينها لمحاولة التقرب من نظام السيسي، لأنها هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على استثماراته، وفي خطوة «جريئة» تكفّل «أبو هشيمة» بتسويق السيسي في واشنطن؛ إذ قام بشراء صفحتين بجريدة «التايمز» البريطانية، وكان الهدف المُعلن هو توضيح الموقف في مصر، وأن ما حدث ثورة وليس انقلابًا عسكريًا،ويبدو أن الهدف الحقيقي إثبات أنه أراد التقرب من السلطة الجديدة، وإثبات أنه ليس له علاقة بالإخوان بعد سقوطهم.
وأثناء زيارة السيسي الأولى لأمريكا، قررت جماعة الإخوان الاحتشاد أمام البيت الأبيض لرفض الزيارة، فقام أبو هشيمة بشراء «بانر» وضعه في ميدان التايم بواشنطن، وحمل الإعلان كلمات: «الرخاء في مصر الجديدة»، الأمر نفسه تكرر في جريدة «وول ستريت جورنال» التي نشرت في صفحتين كاملتين حوارًا مع السيسي، استعرض أهم فُرَص الاستثمار في مصر، ودور الرئيس في التنمية الاقتصادية، وأهم المشروعات العملاقة التي تحققت، وعلى رأسها مشروع قناة السويس الجديدة، ويبدو أنه بعد هذه المبالغ الطائلة نجح أخيرًا في نيل ثقة الرئيس.
المفارقة المثيرة للانتباه، هي أن الرجل الذي يمتلك صحيفة «اليوم السابع» التي تشن حملة على الأسرة الحاكمة في قطر، لم يقطع علاقاته بالدوحة، لا بعد 30 يونيو (حزيران)، ولاحتى بعد حصار قطر الأخير، ويبرر أبو هشيمة استمرار شراكته بأن السياسة يجب أن تكون بعيدة عن الاقتصاد، وأنه رجل يحب الابتعاد بنفسه عن الصراعات.
المفارقة الثانية، هي أن الرجل الذي يتحكم في جزء هام في الصناعة والإعلام، سرعان ما يتوتر في لقاءاته التليفزيونية، إضافة إلى أخطائه الإعلامية الكبرى، ففي أحد الحوارات الصُحافية، حين سُئل عن الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، أجاب: «أنا لا أعرف ماهو الحزب المصري اللي أنت بتتكلم عنه، ولم أسمع عنه من قبل»، وتجدر الإشارة إلى أن الحزب الذي لم يعرفه أبو هشيمة، نشأ في عام 2011، ومن أبرز قياداته، حازم الببلاوي، رئيس الوزراء الأسبق، وميرفت التلاوي، الوكيل السابق للأمين العام للأمم المتحدة، ومحمد أبو الغار، بالإضافة للاقتصادي البارز زياد بهاء الدين.
اقرأ أيضًا: البعد الغائب عن القطيعة المصرية القطرية.. الاستثمارات لا تعرف الحصار
يعتبر البعض أبو هشيمة بأنه ذراع الأجهزة الأمنية في مصر للاستحواذ على الإعلام؛ والبعض الآخر يصفه بأنه مجرد «واجهة» للتغطية على استثمارات المخابرات والجيش في صناعة الإعلام؛ والمفارقة أن الرجل الذي أعلن سابقًا أنه لن يتدخل في السياسة قام بتمويل حزب «مستقبل وطن» المحسوب على النظام، كما بدأ حملة احتكار لتأميم الإعلام مثلما حدث في عهد عبد الناصر، الذي طالما تحدث السيسي عن رغبته في صناعة إعلام على شاكلة عصره.
ويستحوذ إمبراطور الأعلام على أغلبية أسهم جريدة «اليوم السابع»، وقناة «النهار» الفضائية، وصحيفة «صوت الأمة» إضافة إلى قناة «أون تي في» التي اشتراها من رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، كما قام بشراء شركة «دي ميديا» صاحبة راديو«9090» وموقع «مبتدأ.نت»، كما كشفت بعض التسريبات الصحافية امتلاك أبو هشيمة 51% من أسهم قنوات «دي إم سي» الجديدة، دون أي يُعلن عن ذلك رسميًّا.
وبالرغم من توقيع اليوم السابع اتفاقية فصل الإدارة عن التحرير، إلا أنّ أبو هشيمة لا يتحرج من الإعلان أن السياسة التحريرية لطاقم الجريدة هي دعم الدولة لما تواجهه من مخاطر، ويُشتهر رجل الأعمال في الوسط بأنه يقوم بفصل الصُحافيين عندما يرتكبون أفعلا تتعارض مع سياسة الحكومة، وكان آخرها فصل أربعة صحافيين لتأييدهم مصرية تيران وصنافير.
اقرأ أيضًا: السيسي وحلم العودة بالإعلام إلى عصر الستينيات
وبعدما احتكر أبو هشيمة كل من الحديد والإعلام ، إضافة لاقتحامه عالم السينما عن طريق حصوله على نسبة 50% من شركة كامل أبو علي، ينشط مؤخرًا في العمل الخيري والاجتماعي، وعقب فوز المنتخب المصري أول أمس، وتأهله لكأس العالم، أعلن أبو هشيمة عن تحضيره لمفاجأة كبرى للمصريين، ليستمر الجدل الذي يثيره الرجل بسبب نشاطه الاجتماعي الملحوظ، فيما يردد في كل مرة أنه لا يريد ممارسة السياسة.
علامات
أحمد أبو هشيمة, الإخوان, الإعلام, السيسي, اليوم السابع, حديد المصريين, حسن مالك, قطر, محمد بن سحيم, مصر