أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، مرسومًا بتعديل بنود الخدمة الإلزامية في جيش النظام؛ إذ سمح الأسد عقب مطالبات بالسماح للمقيمين داخل البلاد بدفع بدل نقدي للتخلص من خدمة العلم الإلزامية بعد أن كان مقتصرًا على المغتربين في الخارج، فالقرار سمح لمن تقرر وضعه بخدمة ثابتة والطيارين المدنيين بدفع البدل النقدي ومقداره 3 آلاف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالليرة السورية.

وتعد الخدمة العسكرية الإلزامية عمادة جيش النظام؛ فقد نصت الدساتير السورية في عهد نظام البعث (دستور 1973 ودستور 2012) على الخدمة العسكرية إلزامية للذكور البالغين، وحازت مجالًا مهمًّا في خطابات بشار الأسد، والتي كان أبرزها «الوطن ليس لمن يعيش فيه أو يحمل جنسيته، بل لمن يدافع عنه ويحميه»، وساندته في تدعيم الخطاب التعبوي للجيش زوجته، أسماء الأسد، عندما التقت بمجموعة من المجندات المتطوعات في عيد الأم في مارس (آذار) 2018 وأشادت بهن مقارنة بالرجال الذين يتهربون من التجنيد، بحسبها.

في هذا التقرير نتعرف أكثر إلى دوافع انتقال الأسد من «الانتماء الوطني» عبر الخدمة العسكرية إلى العفو مقابل المال.

«أعطوني بسعر السوق السوداء»

قوبل القرار من الشريحة الشعبية بشكل إيجابي على أن المقتدر يستطيع دفع البدل من خلال تصريف الليرة السورية للدولار، لكن المفاجئ، أن البنك المركزي التابع للنظام اعتمد سعر «السوق السوداء» لدفع بدل الخدمة الإلزامية بقرار حدده المصرف بـ2550 ليرة سورية سعرًا للدولار الأمريكي الواحد، وهو يقارب سعر السوق غير المعترف به رسميًّا، علمًا بأن سعر الدولار في نشرات المصرف اليومية مثبت منذ شهور عند 1256 ليرة.

وعلق وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، لصحيفة «المدن» حول القرار، بأن «نشرة البدلات الصادرة عن المركزي حددت سعرًا رسميًّا آخر للدولار، وهو يعد اعترافًا رسميًّا بأسعار الصرف في السوق السوداء التي يمنع التعامل بها، وهذه الخطوة تضاف إلى مجموعة السياسات العبثية التي يطبقها النظام لرفد خزينته بالقطع الأجنبية وسرقة مدخرات السوريين في الداخل والخارج».

نظام بشار الأسد، وفي ظل الضائقة المالية التي بات يعيشها، اضطر إلى اعتماد استراتيجيات جديدة للحصول على المزيد من الموارد المادية، بتعديل قانون الخدمة العسكرية منفذًا آخر لتحصيل الأموال وجبايتها من الناس تحت مسمى الإعفاء من التجنيد الإلزامي، فضلًا عن دعم العملة المنهارة من بوابة البدلات النقدية العسكرية.

«فحسب السعر الرسمي سيكون على المكلف أن يدفع بالليرة السورية ما يعادل 3 آلاف دولار، أي نحو 3 ملايين و768 ألف ليرة، بينما الآن، وحسب نشرة البنك المركزي، سيكون على الراغب في دفع البدل حيازة 7 ملايين و650 ألف ليرة سورية، ويوجد في الوقت الحالي ما يقارب 3 آلاف متخلف عن الخدمة ولا يريدون أداءها، وجاء القرار بمثابة طاقة فرج لهم، وكذلك للنظام السوري الذي سيمد خزينته بـ9 ملايين دولار مبدئيًّا»، بحسب وليد العمري، الذي التحق في جيش النظام بعد سيطرة الأخير على درعا في أغسطس (آب) 2018، لـ«ساسة بوست».

أما فيما يخص الطيار العامل لدى مؤسسة الخطوط الجوية السورية الذي جرى تأجيله لمدة خمس سنوات متواصلة، أو الذي أتم خمس سنوات خدمة فعلية لدى المؤسسة، عليه أن يدفع بدلًا نقديًّا مقداره 10 آلاف دولار أمريكي، أو ما يعادلها بالليرة (25 مليونًا و500 ألف ليرة) وفق سعر الصرف المحدد في نشرة البدلات، وكان عضو مجلس الشعب مجيب الرحمن الدندن، أشار في مقابلة على إذاعة «المدينة» التي تبث داخل مناطق النظام السوري، إلى أن دراسة أُجريت للقانون في عام 2015، وبيَّنت إمكانية رفد الخزينة العامة سنويًّا بمبلغ يصل إلى 1.2 مليار دولار فقط إذا سدد 10 إلى 15% من المطلوبين البدل النقدي، وأن هذا المبلغ قد يصل بعد خمس سنوات إلى مليارين أو 3 مليارات دولار سنويًّا.

خيانة العناصر سبب آخر

قبل بداية الثورة السورية، كانت فترة الخدمة العسكرية الإلزامية تتناقص مع مرور الوقت ففي عام 2005، خفضت الفترة من سنتين ونصف إلى سنتين، وفي عام 2008 إلى 21 شهرًا وفي عام 2011 إلى سنة ونصف، ومنذ اندلاع الثورة في سوريا، طبقت حكومة النظام نظام الاحتفاظ على من هم في الخدمة الإلزامية – إبقاء المجند في الخدمة بعد مرور المدة المحددة- واستدعاء الأفراد الذين أتموا التجنيد الإلزامي قبل الحرب لأداء الخدمة الاحتياطية، ما أدى إلى انشقاقات واسعة في كيان جيش النظام، بحسب العقيد موسى سالم.

وأثرت مشاركة جيش النظام في العمليات القمعية للمظاهرات الشعبية التي اندلعت في مارس (آذار) سنة 2011؛ إذ أقدمت بعض عناصر جيش النظام برتب مختلفة على الانشقاق والانضمام إلى «الجيش السوري الحر»، فضلًا عن ذهاب بعضهم إلى الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والعراق والأردن تجنبًا للمشاركة في حملات الجيش، ووفق تصريحات رئيس أركان الجيش الحر (السابق) رياض موسى الأسعد، فإن إجمالي عدد المنشقين بلغ 15 ألف جندي حتى شهر سبتمبر (أيلول) من السنة الأولى للثورة.

ويشير العقيد المنشق على جيش النظام، موسى سالم، في حديثه لـ«ساسة بوست» إلى «إن انخفاض عدد المجندين في جيش النظام بأكثر من النصف من رقم ما قبل اندلاع الثورة السورية الذي بلغ 325 ألفًا إلى 150 ألف جندي في الجيش في ديسمبر (كانون الأول) 2014، بسبب الخسائر في الأرواح والهرب من الخدمة والتجنيد، من أحد الأسباب التي جعلت النظام يخطو نحو هذا القرار غير المسبوق».

وأما الظاهرة الأخرى التي تتضح ملامحها في عزوف الشباب عن الالتحاق بجيش النظام، فبعد سيطرة النظام السوري على محافظات الجنوب السوري وخصوصًا مهد الثورة كما يسميها معارضو النظام في الإشارة لمحافظة درعا التي انطلقت منها الثورة السورية، والتي انتهت بسيطرة النظام عليها بتوقيع اتفاق مع فصائل المعارضة في أغسطس (آب) 2018 كان أحد بنوده انضمام الأخيرة في جسم واحد تحت مسمى (الفيلق الخامس)، وعُين أحمد العودة قائدًا له؛ شكل قبلة للمنشقين عن الجيش أو المطلوبين للخدمة الإلزامية.

ماذا سيحل بجبهات النظام مع المعارضة والأكراد؟

بحسب موقع «حلوبال فاير باور»، الذي يصنف الجيوش بحسب حجمها العسكري واللوجستية وفقًا لخمسين مؤشرًا، ليس من ضمنهم التطور التقني والفاعلية التقنية للجيش، فإن جيش النظام السوري جاء في المرتبة الخامسة عربيًّا، وفي المرتبة 55 عالميًّا من أصل 138 في تصنيف سنة 2020، وهنا يتساءل «سالم»، هل ضمت الدراسة أعداد المليشيات التي استقدمها النظام لاحتساب قوته وعتاده ووصوله لهذه المرتبة؟

أعداد المليشيات الإيرانية والمدعومة من إيران في سوريا تصل إلى 50 تشكيلًا، ووصلت أعداد عناصرها خلال عام 2017 نحو 70 ألفًا، بينما اعترف قائد «الحرس الثوري الإيراني» محمد علي جعفري، بحسب وكالة «فارس» الإيرانية بأن أعدادهم تقدر بأكثر من 100 ألف مسلح.

ويعتقد «سالم» أن جبهات النظام لن يطرأ عليها تغييرات جذرية، وذلك لاعتماده على المليشيات الأجنبية الموزعة على كافة الجبهات، التي حلت مكان أبناء البلد الذين فضلوا الانشقاق، وخاصة بعد ما آلت إليه الحرب خلال التسع سنوات الماضية، وأيضًا استبعد العقيد أن قرار النظام السوري بالاستغناء عن مجنديه الفعليين أو المستقبليين هو تخطيط لرفد منظومته العسكرية بتشكيلات جديدة من «الجيش الوطني السوري» الذي تدعمه تركيا أو التشكيلات التي تحظى بدعم روسي كالفيلق الخامس في وسط وجنوب سوريا.

وأما بخصوص ربط القرار بالتزامن مع اجتماع عقدته مصر والسعودية والإمارات والأردن مؤخرًا بهدف تنشيط الحل السياسي في سوريا؛ إذ رأى الباحث في الشأن السوري، أحمد السعيد، في حديثه لموقع «عربي21»، أن هذه الدول تفضل بقاء الأسد، شريطة تقديم بعض التنازلات فيما يخص علاقته بإيران حتى لو كانت شكلية، فعضو لجنة المفاوضات في درعا، المحامي مصعب الشقران، استبعد ذلك ورأى أن القرار جاء وسيلة «إنقاذ عقيمة» من الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه النظام السوري فقط ليس إلا، ولا علاقة له بتنازلات سياسية، حسب منظوره لـ«ساسة بوست».

 هل ضحى النظام بمؤيديه؟

وفي رصد لتفاعلات بعض السوريين المنتقدين للقرار على مواقع التواصل الاجتماعي من بين المؤيدين التقليديين للنظام، ففي حين رأى علاء شاهين من مدينة اللاذقية أن «سوريا بموقف صعب» وحث الشباب على الدفع لمساعدة الدولة في النهوض المالي حسب تعبيره،  أشارت جوليا، والتي تقطن في دمشق، إلى أن «الغني هيك هيك معو مصاري وعم يضبط عسكرته وعم يدفع للضابط وعم ينتشر الفساد، والحقيقة بالناقص من هيك عسكرية، الأحسن الدولة تأخذ المصاري ويندفع البدل لخزينة الدولة، أما بالنسبة للفقير، فالفقير هيك هيك عم يعمل عسكرته، شو دخل الذل بالموضوع هلأ صار خدمة العلم ذل».

أما بالنسبة للمنتمين إلى كيان جيش النظام السوري لكن لديهم مشكلة مع القرار مثل خضر منصور، والذي يعمل في «كلية الشهيد الرائد الركن باسل الأسد للعلوم الشرطية» رأى أن اتخاذ القرار يزيد من الفساد في البلد، «لنفترض الكل أو مو الكل 80% من الشباب عندهم قدرة لدفع البدل، وقتا مين بدو يدافع عن البلد النسوان، بلد معشعش فيه الفساد»، في الوقت ذاته اعتبر جعفر محفوظ، الذي ينتمي للطائفة العلوية والتي ساندت رئيس النظام في حكمه، أن القرار أظهر زيف النظام والقائمين عليه في استغلال الشعب، «يعني طبقوا مقولة الخدمة للفقير ما للغني، ويلي صرلو 8 و9 سنين بالجيش شو تقللوا لا تأخذنا قتلنا شبابك كرمال نضل بكراسينا وما سرحناك، فكرو لتسريحنا قبل ما تطرحوا هيك مواضيع لأن هل القبر اللي مثلي صار لهم 8 سنين، حاجتون بقى».

عربي

منذ سنتين
بالأرقام.. 10 أشباح تطارد المواطن يوميًّا في سوريا

بالطبع ما سبق لا يعبر عن أن القرار لا يحظى بتأييد بين قطاعات أخرى من الموالين للنظام، لكن التعليقات السابقة هي تعليقات المعترضين من داخل قطاع مؤيدي النظام.

على جانب آخر يقول الشاب عبد الرزاق ماضي، والذي يعيش في مناطق سيطرة المعارضة السورية بمحافظة إدلب، لـ«ساسة بوست»: «إن القرار استهدف مؤيدي النظام في مناطقه، فلا أعتقد أن شخص نزح بفعل جرائم النظام، أو هاجر نحو الخارج سيقوم بدفع البدل، فضلًا عن أن القرار هو محاولة التفاف أخيرة من القائمين على النظام السوري لسلب المواطنين؛ لأن حججهم نفدت في استجلاب الدعم المالي لمحاربة الإرهاب كما يدعون، ونسيانهم الانهيار الاقتصادي في البلد الذي جلب بفضل انتهاكاتهم».

ولكن يبقى التساؤل الأهم هل سيحقق النظام هدفه من هذا القرار، ولا سيما أن الأمم المتحدة سبق وأن حذرت من زيادة عدد الجياع في العالم خلال العام المقبل، بسبب تأثيرات فيروس كورونا في دول على رأسها سوريا، خلال تقريرها لشهر ديسمبر (كانون الأول)، حيث يعيش تحت خط الفقر في سوريا 90%، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا، فيما تتصدر سوريا أيضًا قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع «World By Map» العالمي.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد