لاتحتاج جبهة النصرة إلي تعريف، فالتنظيم الجهادي مُمثل تنظيم القاعدة في سوريا، شكل التحول الأساسي في الأزمة السورية من خلال عملية إعادة هيكلة للمشهد السياسي والاسلامي أيضًا، بسياسات تمايزت بين الداخل والخارج، في محاولة حثيثة منه لخلافة نظام بشار الأسد في الحكم.
تمايزيت عقيد جبهة النصرة بين مرحلة وأخري، بين اتهامات المغالاة والتشدد الديني، وبين مزاعم الاعتدال الديني وتقديم نفسه أنه الفاعل الوحيد داخل سوريا المُلم بثقافات الشعب السوري، وهو ما يمنحه ميزة استئنائية في قيادة الحكم.
خلال السطور التالية، تحاول “ساسة بوست” التعرف علي سياسات “جبهة النصرة” داخل سوريا، وكيف صعنت هذا التنظيم الجهادي هذه الجاذبية لأيدولوجية سواء لأنصارها وقواعدها في الداخل، او لبعض الدول التي سعت لتسويقها في المحافل الدولية كحل للأزمة السورية بعد رحيل نظام بشار الأسد.
مجزرة الكيماوي و انقلاب السيسي.. «جبهة النُصرة» من الثورة للإمارة
الخطاب الذي تولت “جبهة النصرة” تسويقه لنفسها كونها الأكثر اعتدالًا بين التنظيمات الجهادية المستوطنة في الأراضي السورية، واللاعب الوحيد الذي يدافع عن الشعب السوري لم تسطع الجبهة استخدامه كثيرًا أمام أعضائها خصوصًا مع توالي اعلانات الانشقاق عنها وتأكل شرعيتها، إذ في نهاية شهر أغسطس للعام 2013 أعدمت شيخ علوي يُدعى بدر غزال كانت قد اختطفته قبلها بخمسة أيام، تين أنه موظف في وزارة الأوقاف في قرية بارودا (ريف اللاذقية) وليس مفتيًا للطائفة العلوية في اللاذقية خلافًا لرواية ’النصرة‘ في بيان مقتله، وقد تلا ذلك اغتيال محافظ حماه أنس الناعم في سبتمبر لعام 2013 ، كما تمّ اقتحام وتفجير عدة قرى لعلويين وذلك كرد فعل علي قصف الغوطة الشرقية (ريف دمشق) بالسلاح الكيماوي والذي خلف مئات القتلى.
تحت عنوان «قصف بنسف»، أصدرت جبهة النصرة بيانًا اعلاميًا لمجموع الغزوات التي أسمتها “العين بالعين” نشرتها ’المنارة البيضاء‘ (وهي مؤسسة الإعلام العسكري لـ”النصرة “) والتي أعلن فيه عن هدف الجبهة في تكوين إمارة تحكم فيها “ألنصرة” بمنهجها.
إعلان الجولاني للإمارة تغيير معلن في سياستها، فالرجل الذي كثيرًا ما ذكر سابقًا أن ’النصرة‘ لا تريد أن تحكم، وإنما تريد أن تحكّم الشرع وتريد التعاون مع بقية الفصائل، اختار مفردًا إعلان إمارة تحكم فيها ’النصرة‘ بمنهجها، بل اقترب من تنظيمه الأم بكلامه عن الآخرين كغُلاة ومنبطحين.
ثم كانت تداعيات عزل الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين “محمد مرسي” بواسطة المؤسسة العسكرية، فكان إصدار العدناني الجديد بعنوان «السلمية دين من؟» ليذكر فيها “أن الأنظمة كلها كافرة لأنها تحكم بالقوانين الوضعية، مهاجمًا ومكفّرًا – في الكلمة نفسها ولاحقًا – محمد مرسي الذي سقطت رئاسته بالانقلاب: «لا فرق بين مبارك ومعمّر وبن علي، وبين مرسي وعبد الجليل والغنّوشي؛ فكلهم طواغيت يحكمون بنفس القوانين، غير أن الأخيرين أشدّ فتنةً على المسلمين»؛ ثم هاجم السلمية ومعناها وأنها لا تؤدي لحقّ، وأنها خلاف نهج الرسول الذي حارب المشركين، «فهل السلميون أرحم من رسول الله؟».
الجاذبية الأيدولوجية.. آلية الجبهة في الحرب
خلال رحي الحرب السورية الدائرة بين الدولة والتنظيمات الجهادية، برزت “جبهة النصرة” كتنظيم إسلامي يجيد عملية التسويق له ولأفكاره داخل سوريا. يظهر ذلك في تتبع الرسائل الإعلامية التي أظهرت من آليات تسويقية كان أبرزها تسويق أن أعضاء الجبهة مُعظمهم سوريون، وأنهم هم الأكثر وعيًا بالاختلافات المحلية في الثقافة والعادات، مما يؤهلها لخلافة نظام بشار الأسد.
وكذلك قدرتها على تسويق انتصارتها الميدانية في المعارك مع النظام السوري كونها اللاعب الوحيد، لخلق إحساس نفسي لدي الشعب السوري أنه الطرف الموثوق الذي يقاتل النظام والقادر على تحقيق نتائج.
هذه القدرات التسويقية للجبهة من ذراعها الإعلامية، وبعض دول الخليج من خلال مراكز أبحاثها، ومنابرها التليفزيونية جعلت منها أحد البدائل لخلافة بشار الأسد، والترويج لأيدولوجيا الجبهة كونها تُشكل ثمنًا قليلًا في مقابل مردود أعلى بحجية دفاع الجبهة عن السلميين.
خلافًا لسياسة جبهة ثوار سورية، وبعض التنظيمات الجهادية التي عمدت إلى فرض ضرائب غير منطقية على السكان، وإقامة نقاط تفتيش عمد أفرادها بانتظام إلى مصادرة ممتلكات المواطنين والتحكُّم بالإمدادات الغذائية. حاولت الجبهة العمل خلافًا لهذه السياسات، باستخدام سياسة مُكافحة الفساد لتوفير غطاء شعبي لهجماتها على الألوية غير المتعاونة في الجيش السوري الحر، وتسويق هذا الهجوم باعتباره محاولة لحماية الشعب السوري، القضاء على سياسة تجميع الأموال منهم، وهو ما أتاح ذلك لجبهة النصرة زيادة المناطق الخاضعة لسيطرتها.
قضاء عسكري ومدني.. هيئات شرعية لجبهة النصرة
في سياق تعزيز حضور الجبهة في سوريا، سعت الهيئات الشرعية للجبهة إلى تأسيس العديد من الخدمات الغذائية والطبية والأمنية، بجانب منظومة للقضاء العسكري والمدني ومؤسسة كهرباء ومؤسسة مياه، وأن هذا يتم تقديمه بالحد الأدنى لا بحد الكمال.
ينفي الجولاني كون هذا الأمر مُخطط من الجبهة لحُكم سوريا في حواره مع الجزيرة قائلًا: “(النصرة) لن تنفرد بقيادة البلد حتى وإن امتلكت القدرة، فإن تحرّرت معظم مناطق البلد اجتمع العلماء وأهل الحل والعقد والمفكرون في مجلس ينظّم أمور الحكم، ضمن الشريعة الإسلامية بالطبع”.
كذلك أطلقت الجبهة حزمة من القوانين الاقتصادية التي تتعامل بها في مناطق نفوذها، جاءت في إصدار إعلامي لها تحت عنوان ” تنبيه وتنويه” حددت “جبهة النصرة” للمخابز والتجار، سعر كيس مادة الخبز، بـ60 ليرة سورية، وهددت المخالفين من البائعين بالمحاسبة الشرعية، ومنعت أي فصيل عسكري، أو شخص مدني، من الاقتراب من الدوائر الخدمية.
تمويل الجبهة.. الغنائم و حماية المصانع
تعتمد الجبهة بشكل رئيسي في التمويل على “الغنائم”، فخلال مهاجمة الثكنات العسكرية كافة في الشمال السوريِّ، مثل: قاعدة الشيخ سليمان والفوج 46 وخان طومان وغيرها، تحصلت على غنائم وأسلحة وذخيرة.
كما تعتمد على مصدر تمويل آخر متمثل في تولي حماية المصانع والمعامل التي تقع ضمن سيطرتها.
وتشير بعض المصادر إلى قيام الجبهة، شأن الكثير من فصائل المعارضة السورية، بتأمين بعض التمويل الذاتي من خلال المضاربة في السوق السوداء للعملات سواء في سوريا أو تركيا. كذلك تعمل الجبهة على المساومة مع الشركات التجارية لإعادة أعمالها وأنشطتها على الأراضي التي تقع تحت سيطرتها، وظهر ذلك بعد سماحها بعودة تغطية شبكة “سيرياتيل”، إلى بلدة “سلقين” الخاضعة لسيطرتها في ريف إدلب، وذلك بعد وساطة ومقابل مبلغ مليوني ليرة، وفق ما أوردته صحيفة القدس العربي، وهو ما تؤكده أو تنفيه الجبهة بشكل صريح.