من أغرب الأخبار التي يمكنك قراءتها الآن هو نبأ عن قرار من بشار الأسد بزيادة رواتب العاملين بسوريا، هل الأمور تجري على ما يرام لهذه الدرجة؟

في الواقع، فالنظام الاقتصادي السوري انهار تماما: فلا كهرباء، ولا طعام، ولا مدارس، أو رعاية صحية، وأجزاء كاملة من المجتمع السوري “اختفت”، وكان يجب أن ينفد النفط المكرر من دبابات النظام، وتتوقف رواتب الجيش! لكن هذا لم يحدث، ولم يزل الأسد بجيشه وحاشيته يتجنبون الانشقاقات، ولديهم الكثير من الذخيرة والوقود والأمان ماديا ولوجيستيا، ما يجعل النظام أقوى مما كان عليه قبل سنة واحدة.

الطائرات الحربية الروسية والقروض، قادة إيران والنفط، ومقاتلو حزب الله والأسلحة الصغيرة قد سحقت بنجاح أعنف الفصائل أمامها منذ 2011 واقتصاد غير رسمي قائم على استغلال المساعدات الإنسانية، وكل ممثل يحمل أجندته الخاصة؛ للحفاظ على كل شيء يهمه في حرب أي صفقة فيها مبررة، بداية من الاتجار بالبشر ومشاعرهم، وحتى الصفقات الدولية، نذكر منهم هنا “البعض”، والمعلن عنه بأرقام رسمية.

النظام يتاجر بالغذاء بعد تجويع السوريين شهورا لرفع صافي الربح


لم يكن سبب اختفاء القمح لثمانية شهور عن سوريا معلوما، حتى ظهرت شركات واجهة لشخصيات بارزة في النظام، وتستخدم خطوط شحن؛ لنقل إمدادات الغذاء إلى سوريا من أوروبا والشرق الأوسط، وخاصة لبنان.

التجارة السرية التي باتت تحقق أرباحا ضخمة لشبكة سرية للتجارة والنقل، بدأت تظهر حاليا من خلال خطوط ملاحية، وشركات واجهة لا تهدف فقط لشراء السلع الغذائية، وإنما لجني أرباح كبيرة لأعضاء الدائرة المقربة من الأسد، من بينهم: رامي مخلوف، ابن خال الأسد، وأكبر حلفائه الماليين، وعبد القادر صبرا، أحد أكبر أقطاب الشحن في البلاد، وأيمن جابر، وهو شخصية بارزة أخرى تخضع لعقوبات دولية من بين المشاركين في تلك التجارة من خلال وسطاء بدؤوا شحن القمح والسكر والأرز بكميات أكبر بعد إنهاء تجميد حسابات مصرفية كانت تخضع للعقوبات في السابق، من بين الدول التي فكت تجميد الأموال كانت فرنسا، في خرق للقانون الدولي لتجارة الغذاء في وقت الحرب.

“قبل بداية الأزمة، كان الاقتصاد الخفي يشكّل حوالي 45% من حجم الاقتصاد السوري، وبات اليوم يشكل أكثر من 60% ”


  
من بين الشركات التي تعمل بالنيابة عن الدولة السورية “مجموعة أمان”، والتي تديرها عائلة فوز، من مدينة اللاذقية الساحلية، والتي تعمل كوسيط في صفقات المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب (حبوب)، وقد أظهرت بيانات على موقع الشركة الالكتروني أنها استوردت شحنات من القمح هذا العام، ومن شركات النقل البحري كانت ياس مارين”، وهي مسجلة في طرابلس بلبنان، وفي سوريا أيضا، وشركة ويندوارد”، وأظهرت بيانات ملاحية أن أسطول سفن “ياس مارين” سلم شحنات في أول 2015 في سوريا قادمة من موانئ في أوكرانيا وتركيا وروسيا ولبنان.



 
هذه سياسة حجب الغذاء والدواء في سوريا يستخدمها الأسد تحت هدف “التجويع حتى الخضوع” ضد المعارضة، فالغذاء يصل للمناطق الموالية للأسد فقط، وقد قال مصدر تجاري، مقيم في الشرق الوسط، في تحقيق لوكالة رويترز: إن شحنة تزن 100 ألف طن من القمح تتضمن علاوة سعرية لا تقل عن ثلاثة أو أربعة ملايين دولار، بينما تشمل شحنات السكر علاوة: تتراوح بين خمسة  وسبعة في المائة، وهو ما يعني أيضا: هوامش أرباح بملايين الدولارات،
تعود لحلفاء الأسد ورجاله.

النظام يتربح من الاختفاء القسري مقابل معلومات مغلوطة عن الضحايا


اتهم تقرير حقوقي دولي النظام السوري بـ”التربح” من انتشار عمليات الاختفاء القسري، فطوال سنوات الثورة السورية تختطف أجهزة النظام المواطنين، وتجبر عائلاتهم على دفع الرشاوي؛ لكشف مصيرهم.

وفي تقرير نشرته منظمة العفو الدولية ، تحت عنوان: “ما بين السجن والقبر: حالات الاختفاء القسري في سوريا”، إن بسوريا “سوق سوداء من الخداع والحيلة على هامش هذه الممارسات؛ تستغل رغبة أقارب الضحايا، وتوقهم المفرط لمعرفة مصير أحبتهم المختفين، مقابل حفنة من المال”.

التجارة المستخدمة على نطاق واسع ضد السكان المدنيين، كجزء من سياسة نشر الرعب بين الناس، وسحق أدنى رغبة في معارضة النظام في مختلف أنحاء البلاد، فعن بيانات لجهات حقوقية سورية اختفى قسريا قرابة 65 ألف شخص منذ عام 2011 بسوريا، ظهرت معهم سوق سوداء يتقاضى الوسطاء أو السماسرة فيها رشاوى عالية، تتراوح قيمتها ما بين المئات وعشرات الآلاف من الدولارات، يدفعها أقارب الضحايا لمعرفة أماكن تواجد ذويهم، أو لمجرد معرفة ما إذا كانوا أحياء أم لا، حتى أصبحت تلك الرشاوي “البقرة الحلوب للنظام، وأحد مصادر التمويل التي يعتمد عليها”: وفق تقرير عن منظمة العفو الدولية.

صفقة بين “داعش” المالك للنفط و”الأسد” الواجهة الرسمية

“هي لم تتحول حتى الآن لحرب شاملة، فالأطراف التي تتقاتل مع بعضها البعض مازالت تتبادل الخدمات والمساومات”


رفعت حكومة بشار الأسد أسعار المازوت والغاز المنزلي والبنزين ثلاث مرات، منذ اندلاع الثورة، رغم عدم قدرته على تأمينه، وانقطاع الكهرباء المتكرر لنحو عشرين ساعة يومياً، ولم يستفد السوريون من تراجع أسعار النفط بأكثر من 40% عالميا.

في تقرير سابق بعنوان “الدولة الإسلامية: النفط يمول أنشطة التنظيم والنظام السوري أبرز العملاء “، أشرت لتلك الصفقة بين نظام الأسد وتنظيم داعش لتقاسم النفط الواقع تحت سيطرة الأخير، وفي تصريح لوزير الطاقة والثروة المعدنية في الحكومة السورية المعارضة: بيَّن أن نظام الأسد لم يخفض أسعار المشتقات؛ لأنه يحتاج إلى تدبير نفقات الحرب، وبالتالي لا مجال لديه لتقليص إيراداته من المحروقات، ولو على حساب المواطنين، غير أنه يستفيد من جانب آخر بضربات التحالف الدولي لمواقع آبار النفط في سوريا؛ لاستعادتها من التنظيم.

ليست “داعش” وحدها، بل أيضا “القاعدة”، فعن أجهزة استخبارات غربية ورجال معارضة ومنشقين عن “القاعدة نقلت صحيفة تليجراف البريطانية أن “جبهة النصرة”
و”داعش” مولتا عملياتهما عن طريق بيع النفط والغاز من الحقول التي تقع تحت سيطرتهما للنظام السوري، وعن طريقه؛ للتصدير كواجهة رسمية لهما، في تعاون بدأ 2013 عندما سيطرت جبهة النصرة على حقول النفط في دير الزور شرقي البلاد، وبدأت بتمويل عملياتها عن طريق بيع النفط الخام بملايين الدولارات، في الوقت الذي يطلق فيه سراح المتطرفين منهم ليقوي صفوف الجهاديين على حساب الثوار المعتدلين؛ بهدف إقناع الغرب بأن “القاعدة” هي من تدعم الثورة؛ كوسيلة لإيقاف أي دعم غربي لهم، في متاجرة بخطابه حول مكافحة الإرهاب.

أسرة الأسد وحلفاؤه المقربين يحكمون على ثروتهم جيدا

بشار وماهر الأسد

حتى الآن لم تزل بنوك في بريطانيا وسويسرا تتجه لتجميد أرصدة بشار الأسد وحلفائه، لكن نسبة ما تم تحصيله ضئيلة جدا، مقارنة بأرصدته في بنوك روسيا وهونج كونج ودبي ولبنان والمغرب، وما تبلغ قيمته 2 مليار دولار، هذا الرقم لا يأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن دائرة الأسد الداخلية تسيطر على حوالي 60 – 70 ٪ من الأصول داخل سوريا، ومن الأراضي، والمصانع، ومحطات الطاقة، وتراخيص لبيع السلع الأجنبية، والتي نظرا لوضع الحرب يستحيل تصفيتها، ولن يجد الأسد صعوبة في تسييلها في حالة انهيار نظامه.

وفقا لمركز المعلومات التجارية بلندن “Alaco” فإن عددا لا يحصى من الشركات تخفي أصولها، التي تنتمي في النهاية إلى أعضاء بالنظام السوري، وقال إيان ويليس، رئيس قسم الأبحاث في Alaco””: إن الملايين من الدولارات المجمدة في حسابات مصرفية ببريطانيا لا تشكل سوى جزء صغير من ثروة النظام حول العالم، والتي سيكون شأنها مثل أرصدة مبارك في مصر وماركوس في الفلبين.

رامي مخلوف “أقوى رجال الأسد”

يمكن القول بأنه الرجل الثاني في سوريا، والشخصية الاقتصادية الأقوى، وهو ابن خال بشار الأسد، كثرت حوله الاتهامات بالفساد والمحسوبية، ويقول محللون إنه لا يمكن لشركات أجنبية القيام بأعمال تجارية في سوريا من دون موافقته.

يعمل مخلوف بأكبر القطاعات، مثل: الكهرباء، والنفط، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتستخدمه الحكومة للضغط على رجال الأعمال وعقد صفقات مربحة واستغلال نقاط الضعف في الاقتصاد السوري مع زيادة العبء على الطبقات الدنيا في سوريا.

يملك مخلوف ترخيص شركتي الاتصالات بسوريا، ويسيطر على بنكين، ومناطق التجارة الحرة، وشركات البناء، والطيران، والقنوات التليفزيونية، وترخيص واردات السيارات الفارهة، والتبغ، كما يمتلك أسهم ومنصب نائب رئيس مجلس الإدارة في شركة شام القابضة، والعديد من شركات النفط والغاز، وغير ذلك، ما كان سببا لأن تندلع المظاهرات منددة بفساد مخلوف وأخيه قبل بطش بشار.

مافيات الرعب وتجارة السلاح بإذن من النظام


يدير أقرباء الرئيس السوري، وبعض العائلات الأخرى عصابات تحظى بحماية آل الأسد، كآل شاليش، القريبة من عائلة النظام السوري، يعمل بعضهم كمرافقين أمنيين لبشار، ويرجع عملهم لسنوات حكم حافظ الأسد.

تمويل هذه الجماعة يتم من خلال تهريب السجائر الأجنبية، والكحول، والسلاح، والمخدرات، والسيارات المسروقة من لبنان إلى الأراضي السورية، من خلال معابر الساحل، وأهمها معبر الحميدية من طرطوس الساحلية، ومنذ اندلاع الثورة وهم يبتاعون السلاح من “ضباط من الجيش النظامي نفسه”.

تزدهر تجارة السلاح في منطقة الساحل منذ أيام الأسد الأب، وكل سوري يريد شحنة سلاح ما عليه سوى التوجه إلى “القرداحة”، مسقط رأس الاسد، أو مدينة “جبلة” التي تضم أكثر نسبة ضباط علويين في الجيش السوري، الأمر اختلف مع بشار كثيرا؛ فقد أصبحت تجارة السلاح جزء من منظومة “المقاومة” التي أمنت غطاء أمنيا غير مسبوق لمافيات السلاح، التي هي في الأصل مافيات كحول ومخدرات، ومنذ اندلاع الثورة السورية، ازداد الغطاء الممنوح لأقارب الأسد في اللاذقية: فصاروا جزء رسميا من تركيبة النظام ينقلون السلاح علنا.

يلتف النظام السوري نفسه على العقوبات الدولية، ويؤمن لنفسه السلاح والذخيرة، ووراءه تلك المافيات هي الأخرى، لكن بحماية رسمية، كتجارة العملة، وتجارة ونقل الدقيق، والسيطرة على سوق الرغيف، وتجارة وتوزيع المنتجات الغذائية، تدخل في عقوبات الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وتجارة وتوزيع الأسمنت، والعقارات، وشراء منازل النازحين بأقل الأسعار وتحطيم السعر العقاري بإشعال العنف في بعض الشوارع.

في أرض معاركه ينتهج النظام سياسة: كلما ازداد عدد القتلى، تزدهر سوق السلاح، ومن ثم تكبر المافيات التي تعمل بغطاء ما يعرف (بالجيش الوطني) أو قوات الدفاع الوطني، لتتشكل بسوريا دول خارج دول، لا تخضع تماما للقانون ويجري فيها مبدأ: “الدفع مقابل الأمن”.

ايران تنفق ثلث ميزانيتها لبقاء الأسد


قال مسئول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية: إن الدعم المقدم للأسد من قبل إيران سمح له بتجنب نهاية تفاوضية للنزاع، ووصف دور إيران بأنه “مدمر”.

وصرحت المتحدثة باسم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا بأن إيران تنفق 20 مليار دولار سنويا على حكومة الأسد، وبجانب هذا، تبيع إيران للأسد النفط بخصومات كبيرة يدفع الأسد ثمنه من نفس خط الائتمان المفتوح الذي منحته إياه، الى جانب الأسلحة والذخائر، ودعم بمقاتلين من حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات شيعية عراقية تدعمهم إيران بالمال؛ للوقوف في الحرب بجانب الأسد، والذين بدخولهم تحولت لحرب أهلية وأعاد الأسد سيطرته على الشمال، وكلفوا إيران في عام واحد 4 مليار دولار، وكان مركز أبحاث في واشنطن ذكر إن ميزانية إيران العسكرية 35 مليار تنفق ثلثها لدعم الأسد في سوريا.

الدعم الروسي العسكري

تبلغ ميزانية روسيا العسكرية في 2015 مبلغ 50 مليار دولار تخوض بها الحرب، كذلك أكدت بيانات اقتصادية أن العمليات العسكرية الروسية في سوريا تكلف يوميا أكثر من 2.5 مليون دولار، ونقلت وكالة “RBK” الروسية تقارير تتحدث عن تكلفة الطلعات العسكرية الجوية الروسية في سماء سوريا، والتي بلغت ما بين 65 ألفًا و110 آلاف دولار للساعة الواحدة، وفي الـ 25 يوما الأولى من العملية العسكرية الروسية على سوريا تم تنفيذ أكثر من 900 هجوم جوي من قاعدة الحميم بتكلفة تخطت 60 مليون دولار بخلاف الدور الأرضي لأكثر من 1600 فرد بين جنود وضباط روس.


المصادر

تحميل المزيد