يدور جدل واسع حاليًا في أروقة السياسة الدولية فيما يتعلق بقرار إحدى المحاكم الجنوب أفريقية بمنع الرئيس السوداني عمر البشير من مغادرة البلاد بشكل مؤقت إلى حين البت في قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال البشير.

فما هي الحكاية بالضبط؟

البداية

في يوم 4 مارس 2009م أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها أصدرت قرارًا بإلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر البشير وذلك بتهمة ارتكاب “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”.

المحكمة اعتبرت البشير مسؤولا جنائيًا، باعتباره مرتكبًا غير مباشر أو شريكًا غير مباشر، عن تعمد توجيه هجمات ضد عدد كبير من السكان المدنيين في إقليم دارفور.

المحكمة اعتبرت البشير مسؤولًا عن عمليات القتل والإبادة والاغتصاب والتعذيب والتهجير القسري للمدنيين ونهب ممتلكاتهم.

جدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها المحكمة الدولية بإصدار أمر بالقضاء على رئيس دولة لا يزال في الحكم.

ما التهم التي تم توجيهها للبشير بالضبط؟

وطبقًا لقرار اعتقال البشير فإنه يواجه 7 تهم، وذلك استنادًا إلى مسؤوليته الفردية الجنائية طبقًا للمادة رقم 25 من نظام روما الأساسي.

هناك خمس تهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية هي:

1- القتل

2- الإبادة

3- النقل القسري

4- التعذيب

5- الاغتصاب

وهناك تهمتان تتعلقان بجرائم الحرب هما:

1- توجيه هجمات ضد سكان مدنيين أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال الحربية.

2- النهب

جدير بالذكر أن غالبية القضاة أجمعوا على أنه لا توجد أسباب كافية للاعتقاد بأن البشير تصرف بقصد إجرامي خاص لإهلاك جماعات وقبائل معينة في دارفور، وبالتالي فلا يتضمن أمر الاعتقال تهمة الإبادة الجماعية.

ما صلة جنوب أفريقيا بتنفيذ أمر المحكمة؟

قرار المحكمة يلزم الدول الأعضاء وغير الأعضاء في نظام روما الأساسي بتسليم عمر البشير. يالطبع فإن الدول غير الأعضاء ومن بينها السودان لن تهتم بقرار المحكمة حتى وإن تضمن القرار إلزام هذه الدول بالأخذ به.

لكن الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي، وهو النظام الذي وجدت بواسطته محكمة الجنايات الدولية ومقرها لاهاي والمنظم لعمل هذه المحكمة، ستكون ملزمة بالامتثال لقرار المحكمة.

جنوب أفريقيا هي واحدة من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي الخاص بمحكمة الجنايات الدولية، وبالتالي فهي ملزمة بتطبيق قرارات المحكمة.

ماذا عن الدول العربية؟

هناك 123 دولة موقعة حاليًا على نظام روما الأساسي.

من بين هذه الدول لا توجد سوى 4 دول عربية فقط قامت بالتوقيع هي تونس وجزر القمر وجيبوتي وفلسطين.

جدير بالذكر أن كلًا من الولايات المتحدة وإسرائيل لم تقوما بالتوقيع على الاتفاقية.

هذا الأمر لعله يشرح لنا لماذا رفضت ليبيا تسليم سيف الإسلام القذافي إلى محكمة الجنايات الدولية وقامت بمحاكمته أمام القضاء الليبي، وذلك لأن ليبيا لم توقع على الاتفاقية وبالتالي فهي غير ملزمة بالتعامل مع محكمة الجنايات الدولية.

الدول باللون الأخضر هي الموقعة على نظام روما الأساسي

ماذا كان رد الحكومة السودانية على الحكم الجنوب أفريقي؟

وزير الدولة بالخارجية السودانية أكد على سلامة موقف البشير وعدم وجود أية خطورة عليه. هذا الأمر يأتي لأن قرار المحكمة لن يتم تنفيذه من قبل الحكومة الجنوب أفريقية لأنها ملتزمة بقرارات الاتحاد الأفريقي الخاصة بعدم التعاون مع محكمة الجنايات الدولية.

ويبدو من المنطقي أن البشير لم يكن ليسافر إلى جنوب أفريقيا لحضور القمة الإفريقية لولًا وجود تأكيدات وضمانات كافية له بعدم توقيفه هناك.

هذا الأمر تأكد من تصريحات وزير الدولة بوزارة الخارجية كمال إسماعيل بأن جنوب أفريقيا قد أبلغت السودان مسبقًا بأنها ستوفر كافة الإجراءات اللوجستية والأمنية للبشير وذلك ضمن التزامها بقرارات الاتحاد الأفريقي.

وزير الدولة أشار إلى أن مجموعة صغيرة في جنوب أفريقيا قامت بتقديم طلب لمحكمة نائية لإيقاف البشير من مغادرة الأراضي الجنوب أفريقية وأن قرار المحكمة لا قيمة له.

من ناحية أخرى فإن حزب المؤتمر الحاكم في جنوب أفريقيا قام بالتصريح يوم 14 يونيو بأن المحكمة الجنائية الدولية لم تعد تصلح للغرض الذي أقيمت من أجله، ودعا المحكمة لإعادة مراجعة قوانينها ليتم تطبيقها على جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لضمان وجود محاكمة عادلة ومستقلة من أجل تحقيق العدالة الشاملة والمنصفة على حد تعبيره.

ما الذي حدث في دارفور؟

في بداية فبراير عام 2003م نشب في منطقة دارفور الواقعة غرب السودان صراع على خلفيات عرقية وقبلية على الرغم من أن الفروق العرقية والقبلية بين القبائل التي تقطن الإقليم غير واضحة المعالم. أضف إلى هذا فإن جميع قبائل الإقليم تدين بالدين الإسلامي فإن نشوء هذا الصراع يعد أمرًا غريبًا غير مفهوم.

هذا الصراع له خلفيات منذ عام 1989م عندما نشبت خلافات بين قبيلة الفور والقبائل العربية لكن تم عمل مصالحة بين الأطراف المتصارعة.

نشب صراع ثانٍ بين العرب وقبيلة المساليت بين عامي 1998 – 2001م لكن الخلاف تم احتواؤه عبر اتفاقية سلام بين الجانبين.

الصراع الذي نشب في دارفور عام 2003م كان بين طرفين، الطرف الأول تكون من القوات الحكومية السودانية وقوات الجنجاويد، وهي ميليشيات مسلحة تتألف من بطون القبائل العربية مثل البقارة والرزيقات. هاتان القبيلتان هما بدو رحل يشتغلون في رعي الإبل وتدعمهم الحكومة السودانية.

الطرف الثاني يتألف من خليط من جماعات متمردة أبرزها حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. هذه الجماعات تنحدر أصولهم من القبائل غير العربية الموجودة في دارفور مثل الفور والزغاوة والمساليت.

دول ومنظمات عديدة تقول أن الحكومة تدعم قوات الجنجاويد بالمال والسلاح وأنها تشارك معها في الهجوم على القبائل المتمردة، لكن الحكومة السودانية تنفي هذه الادعاءات تمامًا.

عام 2009م قالت الأمم المتحدة أن القتال الدائر بين الحكومة والمتمردين في جنوب دارفور خلال شهر فبراير 2009م تسبب في تشريد حوالي 30 ألف شخص. في نفس هذا العام قام الرئيس السوداني عمر البشير بطرد قرابة العشرة منظمات التي تقدم العون والإغاثة للاجئين من بينها منظمة أوكسفام البريطانية التي تقدم خدمات المياه والصرف الصحي لحوالي 400 ألف من سكان دارفور، ومنظمة “سيف تشيلدرن” البريطانية التي تقدم الدعم لحوالي 500 ألف طفل في دارفور.

قرار البشير جاء كرد على مذكرة الاعتقال الدولية التي أصدرتها محكمة الجنايات الدولية وبحجة أن هذه المنظمات تتعامل مع المحكمة. وقامت الحكومة السودانية بطرد 6500 موظف بهذه المنظمات وصادرت السيارات وأجهزة الحاسوب الخاصة بها.

مأساة دارفور

نتيجة الحرب الدائرة في دارفور قالت الأمم المتحدة إن هناك 300 ألف قتيل من سكان المنطقة بينما تقول الحكومة السودانية إن إجمالي عدد القتلى بلغ 10 آلاف فقط.

تسببت الحرب أيضًا في نزوح حوالي 2,85 مليون شخص بينما تقول الحكومة السوداني إن إجمالي عدد النازحين بلغ 450 ألفا فقط.

عرض التعليقات
تحميل المزيد