عادت الأنظار نهاية الأسبوع الماضي إلى مبنى البرلمان الجزائري -بعد الأزمة التي عصفت به نتيجة رحيل رئيسه السابق سعيد بوحجة في أجواء صاخبة وتعيين معاذ بوشارب مكانه-؛ بمناسبة مناقشة والمصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2019، وهو القانون الذي ينتظره الجزائريون بترقبٍ نظرًا لما سيحمله للوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلد. وفي جلسة الخميس الماضي اجتاز القانون بنجاح عقبة المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان) بعد أن صادق أغلبية النواب على مشروع القانون في انتظار نزوله للتصديق على مجلس الأمة ثمّ توقيعه من طرف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في هذا التقرير نسلط الضوء أكثر على مشروع موازنة 2019.

نفقات بـ73 مليار دولار وعجزٌ بـ17 مليار دولار

صادق الخميس الماضي نواب البرلمان الجزائري بالأغلبية على مشروع موازنة 2019، بعد أسبوعٍ من المناقشات على عدة موادٍ حملها المشروع بين طياته، وقد صوّتت أحزاب الموالاة لصالح مشروع قانون الموازنة بينما عارضت أحزاب حركة مجتمع السلم وتحالف العدالة والنهضة والبناء والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إضافةً إلى حزب العمال القانون، فيما غابت جبهة القوى الاشتراكية عن التصويت.

Embed from Getty Images

المعارضة رفضت مشروع الموازنة 2019

وتضمّنت الموازنة عجزًا بأكثر من 17 مليار دولار، مع توقّع انخفاض صادرات المحروقات، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة بالجزائر، وأُقرّت الموازنة الجديدة استنادًا إلى سعر مرجعي لبرميل النفط قدّر بـ50 دولارًا للبرميل وسعر صرف العملة بـ118 دينارًا مقابل دولار واحد، ومعدل نمو متوقع بـ6.2% ومعدل تضخم بـ5.4%. وفي مُجمل عرضِه لنص مشروع الموازنة أمام نواب البرلمان، أكّد وزير المالية الجزائري عبد الرحمن راوية أنّ موازنة 2019 تتوقّع إيراداتٍ بـ6.508 مليار د.ج. (أكثر من 55.15 مليار دولار) بارتفاعٍ طفيف مقارنة بموازنة سنة 2018 منها 2.714 مليار د.ج. (23 مليار دولار) جباية بترولية، أما نفقات الميزانية المتوقعة، فتُقدّر بـ8.557 مليار د.ج. (72.51 مليار دولار). وقُدرت ميزانية التسيير في نصّ الموازنة لسنة 2019 بـ 4.954 مليار د.ج. (41.9 مليار دولار) بارتفاعٍ بسيطٍ عن موازنة العام الماضي، كما خصّص ما يعادل 21% (حوالي 15 مليار دولار) من مجموع موازنة 2019 لتمويل الإعانات الاجتماعية ودعم السلع الواسعة الاستهلاك، أهمها الوقود والحبوب والسكر والزيت والحليب. وبحسب نص قانون الموازنة لسنة 2019، من المتوقع أن تنخفض حجم صادرات الجزائر من المحروقات بنسبة 1%، بينما تتراجع الواردات من السلع والخدمات إلى 44 مليار دولار سنة 2019، بسبب قرار الحكومة منع الاستيراد الذي شمل مئات السلع، وهو الذي من شأنه أن يحدّ مستوى الصادرات عند مستوى 43 مليار دولار سنة 2020. ودقّ وزير الماليّة الجزائري راوية مرّة أخرى ناقوس الخطر بحديثه عن توقعاته بنفاذ احتياطي الصرف خلال السنوات الثلاث المقبلة، إذ سيتراجع خلال السنة المقبلة إلى 62 مليار دولار، في حين سيسجل انخفاضًا يصل إلى 33.8 مليار دولار خلال سنة 2021، جديرٌ بالذكر أنّه في سنة 2014 كان احتياطي الجزائر من العملة الصعبة يبلغ 195 مليار دولار قبل أن يبدأ في تناقصٍ سريعٍ.

ميزانية الدفاع تلتهم رُبع الموازنة

وضعت الحكومة الجزائرية مبلغ 4.954 مليار د.ج. ميزانيةً للتسيير في إطار مشروع قانون موازنة سنة 2019، كان لوزارة الدفاع حصة الأكبر منها بنسبة 25% بحدود 1230 مليار د.ج. (أي ما يعادل 10.36 مليار دولار)، لتواصل ميزانية الدفاع في الارتفاع بعد أن كانت تقدّر في موازنة سنة 2018 بـ9.43 مليار دولار. في المقابل شهِدت ميزانية وزارة التربية الوطنية والتعليم تراجعًا طفيفًا، حيث قدرت ميزانيتها في موازنة العام القادم بـ709.558 مليار دينار (5.98 مليار دولار) مقابل 5.97 مليار دولار العام الجاري، وجاءت ميزانية وزارة الداخلية والجماعات المحلية في المرتبة الثالثة مشكلةً انخفاضًا هي الأخرى بعد أن تقرر تخصيص مبلغ 416.297 مليار د.ج. ميزانية لها العام القادم. وشهدت ميزانيات قطاعات الصحة والتعليم العالي ارتفاعًا في موازنة سنة 2019، إذ خُصّص لقطاع الصحة مبلغ 398.970 مليار د.ج.، بعد أن كانت 395.323 مليار د.ج. في قانون المالية 2018، وخصّصت لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي مبلغ 317.336 مليار د.ج.، مقابل 313.336 مليار دينار برسم موازنة 2018. https://www.youtube.com/watch?v=064sQ-K9MGo كما حملت موازنة سنة 2019 فرجًا في أزمة سكنات «عدل» التي استمرت لأكثر من 17 سنة، وذلك باحتوائها على إجراءٍ يخوّل للخزينة التكفّل بمعدّل الفائدة بنسبة 100% للقروض الممنوحة من طرف البنوك العمومية في إطار إنجاز الشطر الخامس من 90 ألف سكن من برنامج «عدل»، كما سيستفيد برنامج السكن الإيجاري الترقوي بموجب مشروع موازنة 2019 من دعم الدولة، فيما يتعلّق بمنح الأراضي والإعانات في إطار القروض التي تمنحها البنوك للمقاولين العقاريين المكلفين بتنفيذ برامج السكن. ومن جهةٍ أخرى، يحمل مشروع موازنة 2019 قانونًا ينصّ على إعفاء مؤسسات النقل الجوي للمسافرين والبضائع من الرسوم والضرائب مستحقة الدفع عند شراء وإصلاح، -خارج الوطن- المحركات والمعدات وقطع الغيار والمعدات الأرضية اللازمة لهذه الطائرات أثناء التشغيل، ويأتي هذا القانون لتكييف النظام الجمركي الجزائري مع النظام المعتمد بكلٍ من تونس والمغرب؛ كما حملت الموازنة أيضًا تسريحًا للصندوق الوطني للاستثمار لمنح قروض طويلة الأجل.

لا ضرائب جديدة في سنة الانتخابات الرئاسية

2019 ستكون سنةً استثنائيةً للجزائريين، بحُكم أنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة ستجرى الربيع القادم، ولضمان الاستقرار والهدوء في سنة الرئاسيات، تعمل دوائر السلطة بالجزائر على توفير الظروف الجيدة لمرور الحدث الأبرز في الجزائر سنة 2019، لذا جاءت موازنة سنة 2019 فرصة للعمل على تهدئة الشارع، خصوصًا أن موازنة السنتين الماضيتين شهدت احتجاجات كبيرةٍ من طرف الجزائريين نظرًا للضرائب الجديدة وسياسة التقشّف الذي حملته قوانينها.

Embed from Getty Images

2018 سنة مليئة بالاحتجاجات

وقبيل خروج مسودة القانون الجديد، أكّد وزير المالية الجزائري عبد الرحمن راوية أنّ موازنة العام المقبل لن تشهد أية زيادات في الرسوم والضرائب وأسعار الإنترنت، وأن سياسة الدعم ستبقى مستمرة خلال 2019، وفي تفاصيل ما حملته نصوص الموازنة من ضرائب جديدة، صادق نواب البرلمان على تعديل للمادة 50 مكرر جديدة اقترحته اللجنة المالية بالبرلمان ويتعلق بتخصيص 1% من حاصل الرسوم على الأُطُر المطّاطية المستعملة في الجزائر لصالح وزارة البيئة، قصد تشجيع عمليات رسكلة (إعادة تدوير) هذا النوع من النفايات. وفي إطار محاربة التهريب الجبائي للمؤسسات، استحدثت الحكومة الجزائرية من بوابة موازنة سنة 2019، جهازًا جديدًا يسمى «جبايتك»، يعمل على تبسيط الواجب الضريبي لرجالات الأعمال ويردع المتهرّبين ضريبيًا، على أن يبدأ العمل به مطلع العام المقبل. وقد أعلنت وزيرة البريد وتكنولوجيات الاتصال هدى فرعون عن تخفيضات كبيرة في أسعار الإنترنت سنة 2019 تصل إلى 40% ورفع لسرعاتها؛ إذ إنّ خدمة 2 ميجا سيصبح سعرها 1600 د.ج. العام المقبل، مُقابل 2600 د.ج. حاليًّا. ويُرجّح أنّ تكون الأسعار الجديدة تأتي في إطار ضمان هدوء الشارع في سنة انتخابيّة حاسمة. واستمرّت الحكومة في تطبيق سياسة الدعم، بعد أن خرجت تصريحات في وقتٍ سابقٍ تشير إلى عزم الحكومة رفع الدعم عن المواد الأساسية، وعمدت إلى رفعها في موازنة السنة المقبلة لتصل إلى حدود 1.763 مليار د.ج.، وعن تأثير الانتخابات على موازنة 2019 ، أكّد الدكتور عبد الرحمن عيّة أستاذ الاقتصاد النقدي بجامعة تيارت أنّ بصمة حسابات الانتخابات الرئاسية «ظهرت في قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، حيث راجعت الحكومة حساباتها، خاصة من خلال تأجيل قرار مراجعة سياسة الدعم، بعدما كان من المقرر العمل بها خلال أشهر قليلة» مضيفًا أنّ «هذا الإجراء يراد به تمهيد الطريق أمام الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، في حال أراد الذهاب نحو عهدة رئاسية خامسة، أو تمهيد الطريق لخليفته الذي سيكون مرشح السلطة والجيش بطبيعة الحال». https://www.youtube.com/watch?v=7gyJpuOuTGE ومن جهته اعتبر النائب عن حزب «جبهة العدالة والتنمية» (الإسلامي)، حسن عريبي، إن «تأجيل السلطة الحاكمة رفع الدعم بالموازنة لسنة 2019، ليس حُبًا في الشعب الجزائري بل لأغراض سياسية، حتى تعبّد الطريق لمرشحها المقبل سواء كان الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة أو أي اسم آخر». تجدر الإشارة أنّ مشروع موازنة سنة 2019 سينزل مع نهاية هذا الشهر رفقة الحكومة على مبنى مجلس الأمة لمناقشته وطرح الأسئلة النواب على الوزراء قبل أن يصادق الشهر القادم من طرف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

سياسة

منذ 4 سنوات
أحمد أويحيى.. أكثر 6تصريحات مثيرة للجدل في تاريخ الوزير الأوّل الجزائري

المصادر

تحميل المزيد