في الوقت الذي أمر فيه الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، حكومته بعدم اللجوء إلى الدين الخارجي، والاعتماد على ما أسماه بالتمويل الداخلي «غير تقليدي»، توقع وزير المالية، عبد الرحمن راوية، مؤخرًا تراجع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي إلى 85.2 مليار دولار بحلول نهاية 2018، وهو تراجع كبير في احتياطات البلاد، وهو الأمر الذي يجعلنا نسأل: هل السحب من الاحتياطي هو بديل الاقتراض من الخارج؟ وأيهما أصلح للاقتصاد؟ وكم تبقى من الوقت حتى تنفذ احتياطات الجزائر؟

وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة، نستطيع القول إن السحب من الاحتياطات ليس هو التمويل الداخلي غير التقليدي، الذي أمر به بوتفليقة، لكن ربما تكون لهذا السحب أضرار لا تقل عن أضرار الاقتراض الخارجي، فعندما أوقف الرئيس الجزائري الاقتراض من الخارج في عام 2005، وقرر الدفع المسبق للديون الخارجية، وتسبب ذلك في تراجع ديون الجزائر إلى نحو أربعة مليارات دولار أمريكي في عام 2016، بعدما كانت في حدود 30 مليار دولار في 1999.

في نفس الوقت قفزت احتياطات النقد الأجنبي الجزائرية، لأعلى مستوياتها في 2013، مسجلة نحو 194 مليار دولار، ولكن الآن مع إيقاف الاقتراض لن يكون لدى الجزائر احتياطي نقدي ربما خلال بضع سنوات، فهل على بوتفليقة أن يتراجع عن قراره؟

كم يتبقى من الوقت حتى تنفذ احتياطيات الجزائر؟

لا شك أن قرار عدم الاقتراض من الخارج أمر جيد في نظر العديد من الخبراء الاقتصاديين، ولكن في حالة قدرة البلاد على إيجاد بديل تمويلي داخلي حقيقي، لا يستنزف احتياطي البلاد، ويجعل تصنفيها الائتماني على المحك، ومع توقع الوزير الجزائري، تراجع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي إلى 85.2 مليار دولار بحلول نهاية 2018، ثم إلى 79.7 مليار دولار في 2019، وقرابة 76.2 مليار دولار أواخر 2020، من مستوى يقدر بـ 105 مليارات دولار حاليًا، يبدو أن حلول الحكومة تعتمد بشكل كامل على الاحتياطي، وهو ما يجعله المورد الرئيسي لتمويل العجز في الموازنة، بعدما فقدت البلاد أكثر من نصف مداخيل النقد الأجنبي، من 60 مليار دولار في 2014، إلى 27.5 مليار دولار نهاية 2016.

الأشهر الستة الأولى من العام الجاري تؤكد تلك النظرة، فبحسب ما أعلن محافظ بنك الجزائر (البنك المركزي) محمد لوكال، فإن احتياطات البلاد من النقد الأجنبي انخفضت بواقع ستة مليارات دولار، منذ بداية 2017 وحتى نهاية النصف الأول من العام، ما يعني أن معدل السحب كان بنحو مليار دولار شهريًّا، ولكن عندما ننظر إلى الأمر بنظرة أوسع، نجد أنه في نهاية سبتمبر (أيلول) 2016 كانت الاحتياطات نحو 121.9 مليار دولار، وبالمقارنة بالرقم الحالي للاحتياطات نجد أنها فقدت نحو 16.9 مليار دولار في 13 شهرًا، وهو ما يعني أن معدل السحب أعلى كثيرًا من المليار دولار.

اقرأ أيضًا:

وبنظرة أكثر شمولًا يمكن أن نرى معدل أعلى للسحب، ففي 2013 كانت الاحتياطات نحو 194 مليار دولار، وبحسب وزير المالية ستكون نحو 85 مليار في 2018، أي أن احتياطات النقد الأجنبي في الجزائر ستكون فقدت خلال 60 شهرًا نحو 109 مليارات دولار، وهو ما يشير إلى التآكل السريع في احتياطات البلاد وسط نضوب كبير في الموارد، وتفاقم مستمر في العجز، إذ إن مشروع قانون الموازنة العامة للبلاد لعام 2018، يتوقع عجزًا بواقع 20 مليار دولار، بإيرادات عامة تقدر بنحو 65 مليار دولار، ونفقات إجمالية بنحو 86 مليار دولار، وهو ما يعني تضاعف العجز مقارنة بقانون الموازنة العامة لعام 2017، الذي سجل عجزًا قرابة الـ11 مليار دولار.

هل وقف الاقتراض من الخارج خطأ؟

تعتمد الحكومة الجزائرية بنسبة تقترب من الـ 90% من إيراداتها المالية، على مبيعات النفط الخام للأسواق العالمية، وبعد أن شهد النفط تراجعًا في أسعاره، من 120 دولارًا للبرميل منتصف 2014، إلى قرب الـ 50 دولارًا في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي يشير إلى تراجع حاد في الإيرادات، ومع وقف علاج هذا التراجع من خلال الاقتراض الخارجي، يرى ناصر حمدادوش، رئيس الكتلة البرلمانية لتحالف حركة مجتمع السلم، أن هذا القرار سيدفع ثمنه المواطن، إذ سيتم فرض ضرائب ورسوم جديدة، وإجراءات تقشفية قاسية على المواطن لتعويض المديونية.

مشيرًا إلى أن «الحديث عن المديونية الخارجية، في كلتا الحالتين ستكون أزمة خطيرة على الجزائر، فإذا ذهبت الحكومة إلى المديونية الخارجية فلن تكون إلا بشروط قاسية ومؤلمة جدًّا للدولة الجزائرية والشعب الجزائري، لأن هؤلاء الدائنين لن يقدموا ديونًا دون فوائد، في ظل تآكل احتياطي النقد الأجنبي الذي تقول التقديرات إنه في 2019، سيتم نفاذ هذا الاحتياطي».

وعلى الجانب الآخر، إذا لم يتم الاقتراض من الخارج، يقول حمدادوش: «إنه لا يتم تعويض هذه المديونية إلا بالذهاب إلى إجراءات التقشف والحلول السهلة، والمتمثلة في الزيادة في الرسوم والضرائب والأسعار والمواد الاستهلاكية والجباية»، وبالطبع السحب من الاحتياطي أحد هذه الحلول السهلة، بينما يرى الوزير الأسبق للصناعة وترقية الاستثمار، عبد الحميد تمار، أن الحلول التي يجب اللجوء إليها هي تحقيق استقرار داخلي عبر حلول مؤسساتية واستثمارات محلية وفق ظروف النمو الداخلي، كما يجب تغيير بيئة العمل داخليًّا مع الأخذ بعين الاعتبار الاستقرار الاجتماعي والسياسي المهمين لهذا الغرض.

على الجانب الآخر، وبحسب الدراسة التي أصدرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، فإن زيادة التضخم ستكون أحد آثار الاعتماد على الطرق السهلة للتمويل، إذ حذرت الدراسة، من أن تساهم السياسات الاقتصادية الحالية بالجزائر في زيادة الضغوط التضخمية وضعف قيمة العملة، خصوصًا مع لجوء البنك المركزي إلى التوسع في طباعة النقود لسد الفجوة التمويلية، معتبرة أن «الآليات التي تبنتها الحكومة في معالجة التشوهات الاقتصادية الراهنة لا تقدم إلا حلولًا قصيرة الأجل، ومن المتوقع أيضًا، وفقًا لاتجاهات كثيرة، أن تفرض تداعيات سلبية على الاستقرار الاقتصادي والنقدي في البلاد خلال الفترة المقبلة».

وفي بداية الشهر الجاري، توقع وزير المالية الجزائري، أن تصل نسبة التضخم في الجزائر في العام المقبل 2018 إلى 5.5%، مشيرًا إلى أن لجوء الحكومة إلى التمويل الداخلي عبر الاقتراض من البنك المركزي بدل الاستدانة الخارجية بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تشهدها البلاد؛ يجعل اهتمام الحكومة بمستويات التضخم دائمًا وذلك بهدف «اجتناب كل العوامل المولدة لهذه الظاهرة».

إلى أين تذهب المليارات التي تسحبها الحكومة من الاحتياطات؟

على كلٍّ، يبقى المقياس في الأساس سواء بالنسبة للاقتراض، أو السحب من الاحتياطي هو: إلى أين تذهب هذه الأموال؟ بالطبع في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها أغلب الاقتصادات في العالم بات الاقتراض أمرًا لا غنى عنه، لكن يجب أن يكون هذا الاقتراض لهدف إنتاجي لا استهلاكي، بمعنى أنه عندما تقترض الدولة أو تسحب من الاحتياطي النقدي من أجل علاج عجز الموازنة، أو الإنفاق على الواردات، فإن هذا التوجه في هذه الحالة يعد كارثيًّا، أما في حال كان الهدف الإنفاق على مشاريع تنموية إنتاجية فإن الاقتراض في هذه الحالة يصبح بضرر أقل كثيرًا، بل ربما يكون مفيدًا ومطلوبًا لإنعاش الاقتصاد، وزيادة فرص العمل بالبلاد.

وعندما نضع الحالة الجزائرية على هذا المقياس، نجد أن هذه الأموال تذهب لعلاج عجز الموازنة، وعلاج الخلل في الميزان التجاري، إذ بلغت قيمة واردات المواد الغذائية في الجزائر 17.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من 2017، مسجلة زيادة قدرها 10.13% مقارنة بذات الفترة العام الماضي، وكانت من أبرز المواد التي سجلت ارتفاعًا في قيمة وارداتها، الحليب ومشتقاته، والسكر، والزيوت، والحبوب، والقهوة والشاي، وهو ما يشير إلى أن مليارات الجزائر لا تذهب للمشاريع؛ بل تذهب للاستهلاك.

اقرأ أيضًا:

ورغم أن المديرية العامة للجمارك الجزائرية (حكومية تتبع وزارة المالية)، أعلنت أنّ العجز التجاري للجزائر تراجع خلال الأشهر السبعة الأولى من 2017 إلى 6.17 مليار دولار، منخفضًا بنحو 4.44 مليار دولار، مقارنة بنفس الفترة من 2016، لا تزال قيمة الواردات التي بلغت 87.26 مليار دولار خلال هذه الفترة كبيرة جدًا، وهو ما يجعل البلاد في مأزق، وتحدٍ كبير بعد أن وضعت الحكومة رقم 30 مليار دولار سقفًا لقيمة الواردات في العام المقبل بالكامل، لكن كما يرى المحللون حتى لو نجحت الحكومة في الوصول لهذا الرقم ستظل مشكلة الموارد قائمة.

هل تستطيع الحكومة الخروج من المأزق؟

بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب، إلا أن رئاسة الجمهورية الجزائرية قالت مؤخرًا إن الجزائر تخطط لزيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 25% في عام 2018، إذ سيساعد ذلك على إطلاق مشروعات مؤجلة في قطاعات التعليم، والصحة، وموارد المياه، وتغطية دعم الإسكان، والسلع الغذائية الأساسية التي تشمل الحبوب وزيت الطهي والسكر، كما سيستخدم الإنفاق الإضافي في تسوية مدفوعات متأخرة للشركات الأجنبية والمحلية، وبصفة رئيسية في قطاع البناء، لكن هل ستتمكن الحكومة من فعل ذلك؟

وفي 18 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أعلن رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، عشرة تدابير بغية الخروج باقتصاد بلاده من الأزمة، إذ ذكر أن الحكومة ستتخذ في الأسابيع القادمة جملة قرارات ذات أهمية اقتصادية، تتمثل أولًا في إنعاش الاستثمار العمومي (الحكومي) في 2018، من خلال رصد مبلغ يزيد على 40 مليار دولار. وثانيًا، دعم مالي مكثف لقطاع الفلاحة، بالإضافة إلى تخفيف عبء الديون الـمستحقة على الدولة للـمؤسسات الاقتصادية الحكومية.

اقرأ أيضًا:

بينما تمثلت باقي القرارات في إعادة تفعيل الصندوق الوطني للاستثمار، وإنجاز 50 منطقة صناعية، وذلك مع إقرار لا مركزية كل العمليات والإجراءات الـمتعلقة بالاستثمارات، ومنح الأولوية للإنتاج المحلي اللازم لمختلف المشاريع الحكومية، واللجوء إلى المناقصات الوطنية فقط لإنجاز المشاريع العمومية (الحكومية)، وأخيرًا جاء قرار تقليص حجم الواردات، والـمحافظة على الاحتياطات الأجنبية، لكن لا يعلم أحد كيف ستقوم الحكومة بتنفيذ هذه القرارات في ظل الوضع الحالي المتأزم.

المصادر

تحميل المزيد