في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أعلنت الرئاسة الجزائرية مقتل ثلاثة تجّار جزائريين وهم في طريقهم إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط، وذلك بقصف من طرف المغرب بـ«سلاح متطوّر» حسبما جاء في البيان.
وتأتي هذه الحادثة التي وقعت على الحدود بين موريتانيا وإقليم الصحراء الغربية – المتنازع عليه بين المغرب و«جبهة البوليساريو» – لتزيد من شدّة الاحتقان بين البلدين مؤخرًا، وسط تخوّفات من اندلاع نزاع مسلّح بين البلديْن، وفي هذا التقرير نقدّم لك أربعة أسئلة تشرح خلفيات الأزمة ومنطلقاتها، بالإضافة إلى سيناريوهاتها المستقبلية المحتملة.
1-ما الذي حدث بالضبط؟
يقول موقع «مينا ديفانس» القريب من الدوائر العسكرية الجزائرية: إن عملية استهداف القافلة قد جرت بينما كانت الشاحنات في طريقها للعودة بعد رحلة تجارية اعتيادية من العاصمة الموريتانية نواكشوط وهما بدون حمولة، وذلك بصاروخين من طائرة بدون طيّار (درونز)، مشيرًا إلى أنّ العملية قد نُفذت بطائرات «بيرقطار تي بي 2» تركيّة الصنع في منطقة «بير لحلو» الواقعة في مناطق تسيطر عليها «جبهة البوليساريو».
قوات تابعة لـ«جبهة البوليساريو»
وأكد «مينا ديفانس» أن الشاحنتين اللتيْن استهدفهما القصف قد مرّا من الجمارك الجزائرية والموريتانية دون أية مشكلات، وأن استهدافهما جرى أثناء رحلة العودة إلى الجزائر عند دخولهما الجزء الذي تسيطره عليه جبهة «البوليساريو» من إقليم الصحراء، ويسلك الكثير من التجار هذه الطريق من أجل ربح الوقت، وتجنّب كثبان الرمل، ولأنّ مسارها معبّد بسبب كثرة مرور المركبات عبره.
2-كيف علّق الطّرفان على الحادثة؟
ردّ الفعل الجزائري الرسمي تأخّر يومين بغية صدور بيان رسمي من الرئاسة، والذي جاء فيه: «في الفاتح من نوفمبر 2021 جرى اغتيال ثلاثة رعايا جزائريين بشكل جبان في قصف همجي لشاحناتهم أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة» مضيفًا أن «عدة عناصر تشير إلى ضلوع قوات الاحتلال المغربية بالصحراء الغربية في ارتكاب هذا الاغتيال الجبان بواسطة سلاح متطور؛ إذ يعد ذلك مظهرًا جديدًا لعدوان وحشي» ومؤكدًا أن «اغتيالهم لن يمرّ دون عقاب»، حسب تعبير البيان.
من جهتها التزمت السلطات المغربية الصمت حول الحادث، إلا أن مصدرًا مغربيًا قال: «إذا كانت الجزائر تريد الحرب فإن المغرب لا يريدها، وإن المملكة لم ولن تستهدف أي مواطن جزائري مهما كانت الظروف والاستفزازات».
كما نفى مصدر مغربي رفيع المستوى أن تكون القوات المغربية قد شنّت غارة على أهداف مدنية أو عسكرية؛ في رد على الاتهامات الجزائرية. مؤكدًا أن الجزائر تريد «افتعال أزمة» حول استعمال القوات المسلحة الملكية طائرات مسيّرة، التي قلبت موازين القوى. موضحًا أن سبب الانفجار هو مرور الشاحنات بحقل ألغام، وأن الشاحنتين كانتا «تحملان أسلحة لجبهة البوليساريو»، حسب قوله.
3-كيف وصلنا إلى هنا؟ التسلسل الزمني للأحداث:
تتسم العلاقات بين البلدين بالتوتّر منذ عقود، إذ إن الحدود بينهما مغلقة منذ سنة 1994، لكن الحلقة الأخيرة من التوتّر وصلت إلى مستويات استثنائية قد تؤدي إلى نشوب حرب بين الطرفين، مثلما يحذّر بعض المراقبين.
ويتّهم الطرفان بعضهما بدعم تنظيمات معادية، إذ تدعم الجزائر تاريخيًا «جبهة البوليساريو» التي تطالب باستقلال إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه مع المغرب، وتستضيف على أراضيها مخيّمات للصحراويين الذين فرّوا من الحرب في الإقليم، بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي الذي تقدّمه لـ«البوليساريو»، وفي المقابل تتهم الجزائر المغربَ بدعم حركات معارضة مثل «حركة رشاد» وكذلك حركة «الماك» التي تدعو لاستقلال «منطقة القبائل»، والتي تضعهما على قائمة الجماعات الإرهابية.
وخلال السنتين الأخيرتين شهدت العلاقات بين البلدين تدهورًا شديدًا، واتّسمت بالتصعيد المتبادل الذي يُخشى أن يصل إلى صدام مسلّح بين الطرفيْن، ففي ديسمبر (كانون الأول) 2020 حذّر رئيس الحكومة الجزائري السابق عبد العزيز جراد من «المدّ الصهيوني في المنطقة» حسب قوله، إثر قرار المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في نهاية 2020 مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء.
وفي مارس (آذار) 2021 طردت السلطات الجزائرية مزارعين مغاربة بالقرب من مدينة فجيج الحدودية، كانوا يستصلحون أراضي زراعية تقع داخل حدودها، وذلك بدعوى منع تهريب المخدرات والحفاظ على الأمن في المنطقة.
وفي أبريل (نيسان) 2021 اشتعل فصل جديد من الأزمة بين البلدين إثر علاج رئيس «جبهة البوليساريو» إبراهيم غالي في مستشفيات الجزائر قبل انتقاله إلى إسبانيا للعلاج؛ وهو ما أثار غضب السلطات المغربية حينها.
لكن الحادثة الذي رفعت حدّة الاحتقان بين الدولتيْن إلى مستويات غير مسبوقة تعلقت بتحقيق لمنظمة «فوربيدن ستوريز» في يوليو (تموز) 2021، نشر أسماء العشرات من المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين كانوا ضحايا لعملية تجسس على هواتفهم من طرف المغرب باستخدام برمجية «بيجاسوس» الإسرائيلية، وأمر النائب العام في البلاد بفتح تحقيق حول الحادثة.
وفي الشهر نفسه طالبت الجزائر المغرب بتقديم توضيحات حول المذكّرة التي تقدّم بها السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال، ودعا فيها إلى استقلال «شعب القبائل»، وذلك ردًا على دعم الجزائر لحق تقرير المصير في الصحراء الغربية؛ مما دفع بالعلاقات بين البلدين إلى التدهور أكثر فأكثر، وفي أغسطس (آب) 2021 اتهمت الجزائر المغرب بضلوعه في الحرائق التي شهدتها البلاد الصيف الماضي، والتي أدّت إلى مقتل أكثر من 100 مواطن.
وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته للمغرب أغسطس 2021
وأثناء زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد المغرب في أغسطس 2021 اتهم الجزائر بأنّه يهدد مصالح تل أبيب في المنطقة بسبب تقاربه مع إيران؛ مما دفع الجزائر لاستنكار التصريحات الإسرائيلية، خصوصًا أنّها تأتي من أرض بلد جار. واعتبرت أنّها أوّل مرّة يصرّح الإسرائيليون بتصريحات عدائية من داخل دولة عربية ضد دولة عربية أخرى، وعلى إثر هذه الأزمات المتتابعة قرّرت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب رسميًا في أغسطس 2021. وإن كانت أبقت على بعض أشكال التعاون الاقتصادي.
فقد ظلت اتفاقية أنبوب الغاز الجزائري نحو إسبانيا، والذي يمر عبر الأراضي المغربية، ويستفيد المغرب بجزء من هذا الغاز مقابل السماح بمروره عبر أراضيه، خارج الخلاف بين البلدين، لتقرّر الجزائر في هذا السياق عدم تجديد الاتفاقية مع المغرب التي انتهت في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وبالتالي انتهاء استغلال الغاز الجزائري من طرف المغرب؛ مما يضعه في ضائقة على مستوى احتياجاته من الطاقة.
4-ما سيناريوهات الأزمة؟
يسود تخوّف في البلدين من أن تؤدّي الحادثة الأخيرة إلى نزاع مسلّح بين الطرفين، خصوصًا أن التاريخ القريب للبلديْن به سوابق لصراعات مسلّحة، من بينها حرب الرمال سنة 1963، والاشتباكات المسلّحة سنة 1976 المعروفة باسم «أمغالة 1» و«أمغالة 2».
وحول السيناريوهات المحتملة، فإن هنالك ثلاثة فرضيات لكيفية ردّ الجزائر على هذا الحادث، أوّلها وهو المستبعد: هو القيام بقصف عسكري على أهداف مدنية أو عسكرية مغربية؛ مما قد يسفر عن مواجهة عسكرية مباشرة، والدخول في حرب لا تخدم الطرفين في الظروف الحالية، خصوصًا مع الرفض الشعبي لبدء حرب بين دولتيْن جارتيْن تملكان تاريخًا ومصيرًا مشتركًا. ناهيك عن الانعكاسات الاقتصادية السلبية التي ستشهدها الدولتان اللتان تعانيان أصلًا من أزمات اقتصاديّة، عمّقتها آثار جائحة كورونا.
أما السيناريو الثاني: فهو زيادة الدعم العسكري لجبهة البوليساريو، من أجل تشجيعها على رفع وتيرة هجماتها ضد القوّات المغربية، خصوصًا بعد إلغاء اتفاقية وقف إطلاق النار القائمة بين الطرفين منذ سنة 1991 إثر عملية «الكركرات» التي شنّها الجيش المغربي ضد قوّات البوليساريو في نوفمبر 2020.
قوات تابعة لـ«جبهة البوليساريو»
وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع اشتباكات محدودة بين «البوليساريو» والقوات المغربية القريبة من الجدار الفاصل بين الأراضي التي تسيطر عليها جبهة «البوليساريو» وتمركز القوّات المغربية؛ وهو ما يجعل احتمال المواجهة بين البلديْن قائمًا ولو بصورة أقل.
أما السيناريو الثالث، وهو الذي يبدو أن الجزائر قد بدأت في تطبيقه بالفعل، فهو المسار الدبلوماسي من خلال تدويل قضية مقتل التجار الثلاثة، وإيصالها إلى المنظمات الدولية من أجل الضغط على المغرب أكثر، كما من الممكن استعمالها لدعم «البوليساريو» في ملف الصحراء، وإظهار الحادث باعتباره مثالًا على خرق المغرب للقانون والأعراف الدولية.
فقد راسل وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، أمس الخميس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين.
وأكّد وزير الخارجية في الرسالة التي بعثها لهذه المنظمات أن المغرب «استعمل أسلحة قاتلة متطورة لعرقلة حركة المركبات التجارية، وقام بفعلته في إقليم لا حق له فيه»، وأضاف أن الجزائر «قادرة على حماية مواطنيها وممتلكاتهم في جميع الظروف».