مؤخرًا انطلقت الحملة الانتخابية لخمسة مترشّحين للانتخابات الرئاسيّة الجزائرية، التي تصرّ المؤسسة العسكريّة على إجرائها في 12 ديسمبر (كانون الأول) القادم، بالرغم من الرفض الشعبي الكبير لهذه الانتخابات، والذي عبّر عنه الجزائريّون في المسيرات الحاشدة التي شهدتها الجمعة رقم 39 من الحراك الشعبي. انطلقت الحملة الانتخابية لهؤلاء المترشّحين وسط احتجاجات شعبيّة تلاحقهم أينما تنقّلوا لتنشيط تجمّعاتهم الانتخابية، إذ تعرّضت صُور بعضهم للتقطيع والقذف بالبيض، بينما حاصر محتجّون القاعات التي ينشط فيها المترشّحون، وهو ما يشير إلى حجم الرفض الشعبي الواسع لهذه الانتخابات، بينما يصرّ المرشّحون على المضي في هذا المسار.

عربي

منذ 3 سنوات
كل ما تريد معرفته عن المدرسة الوطنية للإدارة.. معقل صنّاع القرار في الجزائر

وتشهد هذه الانتخابات منافسة خمسة مرشّحين، أربعة منهم وزراء سابقون في عهد الرئيس بوتفليقة، علاوة على عضو سابق في الحزب الحاكم، وهم: رئيس الوزراء السابق علي بن فليس، ورئيس حزب «طلائع الحريات»، و​وزير الثقافة السابق، عز الدين ميهوبي، الأمين العام بالنيابة، لـ«حزب التجمع الديمقراطي»، وعبد القادر بن قرينة، رئيس حزب «حركة البناء»، وعبد العزيز بلعيد، رئيس حزب «جبهة المستقبل»، علاوة على عبد المجيد تبون، وهو مرشح مستقل كان رئيس الحكومة لفترة وجيزة في فترة عبد العزيز بوتفليقة، وتقلد منصب وزير السكن لمدة سبع سنوات.

وهو ما شكّل خيبة أمل كبيرة في صفوف الحراك، كون جميع المترشّحين كانوا في وقت مضى جُزءًا من منظومة الحكم، خصوصًا مع رفض الشخصيات المعارضة من خارج منظومة الحكم، المشاركة في هذه الانتخابات. وبالتالي فإن المعارضين للانتخابات يرون أنّه لا وجود لمرشّح من بين الخمسة يستطيع تحقيق التغيير المنشود الذي يطالب به الجزائريون منذ خروجهم للشارع في 22 فبراير (شباط) الماضي.

عز الدين ميهوبي في زاوية سيدي الحبيب بولاية أدرار:

وقد بدأ بعض المترشّحين حملتهم الانتخابيّة من ولاية أدرار الصحراوية، من خلال زيارة لزوايتها القديمة، إذ زار وزير الثقافة السابق والمترشّح للرئاسيات عن حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي يقبع رئيسه السابق أحمد أويحيى السجن، عز الدين ميهوبي، زاوية سيدي الحبيب الواقعة في أدرار في أوّل يوم من أيام الحملة الانتخابيّة. وانتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعيّ للسيد ميهوبي وهو «يبكي» تأثّرًا بالموعظة التي ألقاها شيخ الزاوية. بينما زار المترشّح الحر والوزير الأوّل السابق عبد المجيد تبّون، هو الآخر زاوية سيدي بلكبير الواقعة في المحافظة نفسها.

احتجاجات ورشق بالبيض.. رفض شعبي واسع للانتخابات

ويمكن القول بأن زيارة الزوايا الصوفيّة مطلع كلّ حملة انتخابية أمر ليس بالغريب على ذاكرة الجزائريّين، إذ اعتاد الرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة في المحطّات الانتخابية السابقة القيام بهذه الخطوة، وهو ما جعل الكثيرين يربطون بين سلوكيّات هؤلاء المترشّحين، الذين كان أغلبهم وزراء في حكومات بوتفليقة، وبين سلوكيّات المنظومة التي كانوا جزءًا منها لسنوات طويلة.

وغالبًا ما يميل المترشّحون للانتخابات بدء الحملة الانتخابيّة من المناطق الصحراويّة، بوصفها مناطق «مُسالمة»، وبالتالي لن يواجهوا فيها حركات احتجاجيّة كما يحدث في المناطق الشماليّة، لكن هذا التصوّر المغلوط سرعان ما انكشف زيفه، فقد تجنّد النشطاء والمناضلون المنخرطون في الحراك الشعبيّ من أجل الاحتجاج على هذه الزيارات، ونظّموا تجمّعات احتجاجيّة ضد زيارة المترشّحين، رافضين الانتخابات المزمع عقدها في 12 ديسمبر القادم.

وتجدر الإشارة إلى أن المناطق الصحراوية منذ اندلاع الحراك الشعبي في فبراير الماضي، تشهد مشاركة واسعة في المسيرات الاحتجاجيّة رغم ظروف الطقس والبيئة الصعبة.

المترشّح عبد القادر بن قرينة، وزير السياحة السابق، ورئيس حزب «حركة البناء الوطني» المحسوب على الإسلاميين، بدأ حملته الانتخابيّة أمام ساحة البريد المركزي، وسط إجراءات أمنيّة مشدّدة لحمايته، لكن سرعان ما انسحب بعد دقائق قليلة. وقد تعرّضت صوره المعلّقة في العاصمة إلى الرشق بالبيض من طرف المحتجّين الغاضبين الرافضين للانتخابات. 

وفي تلمسان نشّط رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة، ورئيس حزب «طلائع الحريّات» علي بن فليس حملته الانتخابيّة من خلال تجمّع شعبي، لكنه تعرّض هو الآخر لاحتجاجات رافضة الانتخابات، لتتدخّل قوّات الأمن وتعتقل 18 فردًا من المشاركين في هذا الاحتجاج ويودعوا السجن، لتحكم عليهم المحكمة فيما بعد بالسجن لمدّة 18 شهرًا بتهمة «عرقلة الحملة الانتخابية للمترشّحين»؛ في حين لم يعلّق المترشّح بن فليس على هذه الأحكام.

جدير بالذكر أن العديد من المناطق، قد شهدت تخريبًا للأماكن المخصّصة لإلصاق الصور الدعائيّة للمترشّحين وعُلقّت في مكانها صور معتقلي الحراك، وكُتبت شعارات رافضة للانتخابات.

وبرغم الرفض الشعبي الواسع لإجراء الانتخابات في ظروفها الحاليّة التي يرى المحتجّون أنها تفتقر لشروط النزاهة والشفافيّة؛ فإن المؤسسة العسكرية قد جدّدت تمسّكها بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، إذ أصدرت وزارة الدفاع الوطني بيانًا تتعهّد فيه بحماية الانتخابات ودعمها، وتوفير الشروط الملائمة للسير الحسن للعملية الانتخابيّة.

وجاء في البيان: «بالفعل فإن القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي التي باركت الهبة الشعبية، وأعلنت مرافقتها للمطالب المشروعة للمواطنين في تحقيق التغيير المنشود، وإنجاز الهدف الرئيسي للمطالب، المتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية في إطار الشرعية الدستورية، واحترام مؤسسات الدولة، واسترجاع الأمل في نفوس الجزائريين في غد أفضل، كما أراده الشهداء الأبرار».

السلطة الجزائرية تغض العين عن الاحتجاجات وتمضي في طريق الانتخابات قدمًا

الرفض الشعبي الواسع للانتخابات الذي عبّرت عنه المسيرات الحاشدة في الجمعة التاسعة والثلاثين من الحراك الشعبي المتواصل منذ 22 فبراير الماضي، يُقابله تجاهل تامّ من السلطة، وإصرار على التسويق الإعلامي لهذه الانتخابات بوصفها مطلبًا شعبيًّا مُلحًّا؛ إذ يبث التلفزيون الجزائري بشكل يوميّ صورًا لما يسميّها مظاهرات مؤيّدة للانتخابات وللمؤسسة العسكرية، والتي لا تتجاوز أعدادها العشرات.

بينما يتجاهل تمامًا تغطية المظاهرات الحاشدة للحراك الشعبي المستمر كل جمعة، والذي يردّد المشاركون فيه شعارات رافضة بشكل قاطع، إجراء الانتخابات في هذه الظروف. بالإضافة إلى ذلك، يبث التلفزيون الرسمي صورًا لشخصيّات دينية ورجال قبائل تُعلن دعمها لمسار المؤسسة العسكرية؛ قصد اصطناع تأييد شعبيّ لمسعى الانتخابات، يكذّبه الشارع المُتظاهر.

ويرفض الحراك الشعبي الانتخابات الرئاسيّة الحاليّة بسبب غياب ضمانات حقيقيّة لنزاهتها، كون «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» المخوّلة بتنظيمها ومراقبتها، يترأسها أحد وزراء بوتفليقة السابقين، بالإضافة إلى تشكيلة أعضائها الذين في أغلبيتهم كانوا جزءًا من النظام. وطالب المحتجّون باستقالة حكومة بدوي والرئيس المؤقت بن صالح، بالإضافة إلى إطلاق سراح معتقلي الحراك قبل إجراء هذه الانتخابات، فيما تصرّ السلطة على إجرائها في الموعد الذي حدّده قائد الأركان في خطابه في سبتمبر (أيلول) الماضي.

عربي

منذ 3 سنوات
هل حرر الحراك الجزائري القضاء حقًّا مثلما تروّج السلطة؟

المصادر

تحميل المزيد