لا شكّ أن أزمة الاقتصاد الجزائري تتمحور في الأساس حول عدم قدرة البلاد على التنوع الاقتصادي والاعتماد فقط على النفط بشكل شبه كامل لتغطية مصروفات البلاد، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من عجزٍ متفاقم في الميزان التجاري، بينما تفشل في تعزيز صادراتها، وفي الوقت الذي تعتمد فيه الحكومة على سد العجز من خلال الاقتراض الداخلي والسحب من الاحتياطات النقدية، نجد أن محصول التمر الوفير في البلاد ربما يكون حلًا لجزء ليس بالقليل من هذه المشاكل، فهل تستغل الجزائر هذه الفرصة؟
بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الحالي للجزائر، نجد أن الحكومة تعتمد بنسبة تقترب من 90% من إيراداتها المالية، على مبيعات النفط الخام للأسواق العالمية، ولكن بعد أن شهد النفط تراجعًا في أسعاره، من 120 دولارًا للبرميل منتصف 2014، إلى قرب 60 دولارًا في الوقت الحالي، ما يشير إلى تراجع حاد في الإيرادات، بات تنويع مصادر الدخل أمرًا لا مفرّ منه، ولكن حتى الآن فشلت كل محاولات الحكومة للتنوع الحقيقي بعيدًا عن فرض الضرائب والاقتراض.
وبالرغم من صعوبة الموقف يمكن القول إنّ محصول التمر الوفير في البلاد الذي يسجل في السنة الحالية إنتاجًا قياسيًا يمكن أن يكون بديلاً جيدًا، إذ قال كمال غبريني، رئيس اتحاد منتجي التمور في الجزائر، إن «الاتحاد يتوقع جني 1.1 مليون طن من التمور هذا العام من المحافظات الـ17 المعنية بإنتاج التمور»، لكن مع زيادة الإنتاج يعاني المزارعون من عجزٍ في تسويقها منذ بداية موسم جني التمور الذي بدأ في أغسطس (آب) وينقضي بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
انتعاشة قوية بإنتاج التمور
تعد التمور أحد أهم المنتجات الزراعية في الجزائر، إذ من المتوقع أن يتجاوز محصول الموسم الحالي ما تم إنتاجه في العام الماضي والبالغ 900 ألف طن، وكذلك عام 2015 الذي سجل 800 ألف طن. يؤكد غبريني أن المحصول هذا العام موزع على 360 نوعًا بإضافة 60 نوعًا عن العام الماضي، منها ثلاثة أنواع واسعة الاستهلاك.
وبحسب ما قالت المديرة العامة للغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، وهيبة بهلول، فقد شهد إنتاج التمور في الجزائر ارتفاعًا بحيث انتقل من 600 طن سنة 2012، إلى حوالي مليون و100 ألف طن سنة 2017 منها 3% موجَّهة للتصدير، موضحة أن بلادها مصنفة ضمن أهم البلدان المنتجة للتمور – المرتبة الرابعة عالميًّا بنسبة 14% من الإنتاج العالمي -، ولكن قيمة الصادرات بلغت 37 مليون دولار خلال سنة 2016، وهذه القيمة لا تعكس القدرات المتوفرة.
وتحصي الجزائر قرابة 18.6 مليون نخلة مغروسة على مساحة 167 ألف هكتار (الهكتار يعادل 10 كم)، حسب الأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة نهاية 2016، بينما تشير إحصاءات غير رسمية إلى أن هناك أكثر من 21 مليون نخلة في البلاد، فيما تعد محافظة بسكرة في الجنوب الشرقي الأولى على مستوى الدولة من حيث الإنتاج، حيث توفر وحدها قرابة 42% من إجمالي الإنتاج، تليها محافظة الوادي الحدودية مع ليبيا بحدود 25% من الإنتاج.
لماذا لا تستفيد الجزائر من التمور؟
ووسط هذه المعطيات الإيجابية يخسر المزارعون الجزائريون مع زيادة إنتاج التمر، حتى باتت هذه الزيادة تمثل نقمة أكثر من كونها ميزة، وذلك في ظل فشل سوء التسويق العالمي للتمور الجزائرية رغم جودتها العالية، وتدني نسب صادرات التمور، كما أن الحكومة لا تساعدهم على المشاركة في معارض تجارية دولية.
وأشار خبراء ألمان وفرنسيون، إلى أن أسباب رفض الدول الأوروبية والموردين الأجانب التمور الجزائرية، تكمن في أن التمور تخضع لعملية تبريد وتجميد خاطئة ويتعرض المنتج الفلاحي بعد بلوغه الضفة الأخرى من المتوسط لتغيير في اللون وتحوله إلى اللون الأسود، وهو نقيض ما يحصل للتمور والخضر القادمة من دولتي تونس وليبيا المجاورتين للجزائر، جاء ذلك خلال اللقاء الذي نظمته غرفة التجارة والصناعة، بحضور المتعاملين الاقتصاديين والمصدرين والفلاحين والتجار المحليين، إذ كشف الخبراء عن أن لجوء الكثير من أصحاب غرف التبريد إلى عملية تجميد التمور قبل تصديرها، يشكل خطرًا كبيرًا، ويهدد الثروة الفلاحية بصفة عامة في المنطقة والجزائر.
وفي ظل فشل الجزائرين في بيع منتجاتهم من التمور لجأ البعض لبيع التمور علفًا للحيوانات للتخلص من الكميات التي تكدست لديهم بعد عجزهم عن تسويقها، وسط غياب شبكات نقل محترفة ومتخصصة في نقل التمور فيما اضطر البعض الآخر إلى بيعها لوسطاء بأسعار منخفضة، وذلك بالموسم الماضي، فيما يتوقع كثيرون أن يتكرَّر هذا الأمر، بينما يرى آخرون أن فشل التصدير يرجع إلى تدني مقاييس التعليب والتغليف الموسومة بعلامات ضمان الجودة والصحة مثل «أيزو» وغيرها من شهادات الضمان، وهي أول ما يبحث عنه المستهلك الأجنبي.
كيف يمكن أن يساعد التمر الجزائر في الخروج من الأزمة الاقتصادية؟
ربما لا يكون الحل في تصدير التمور مادة خامًا، ولكن الحل في التصنيع الذي سيضاعف قيمة التمور عدة أضعاف، ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ يقول مدير غرفة التجارة والصناعة في محافظة بسكرة، عبد المجيد خبزي، إن «التمر الجزائري يباع بما يتراوح بين اثنين وثلاثة يوروهات للكيلوجرام الواحد إلى فرنسا، والتي تعيد مصانعها بيعه في صورة مربى وسكر تمر بنحو تسعة يوروهات للعلبة الواحدة».
وتعتبر فرنسا السوق الأجنبية الأولى للتمور الجزائرية، إذ تصدر الجزائر ما يقارب 10 آلاف طن سنويًا لها، ونحو 3 آلاف طن لروسيا الفيدرالية و1600 طن للإمارات و1100 طن للهند، وحوالي ألف طن للولايات المتحدة، بمعدَّل سعر يبلغ 500 دولار للطن الواحد في المتوسط من نوع «تمر النور» الذي تشتهر به الجزائر.
وهنا يجب السؤال عن سبب غياب مصانع التحويل الغذائي في الجزائر، بالرغم من أنها صناعة توفر الملايين من الدولارات سنويًا، فإن وجودها الآن أصبح غاية في الأهمية، إذ ستكون هذه المصانع حلًا من ثلاثة جوانب، الأول: هو معالجة الأزمة الخاصة بالتمور، الثاني: علاج الخلل في الميزان التجاري، إذ سيكون إنتاج هذه المصانع عملًا مهمًا في خفض واردات البلاد، والثالث: ستكون خطوة نحو التنوع الاقتصادي والابتعاد عن النفط.
ويشار إلى أن فاتورة استيراد المواد الغذائية بالجزائر بلغت 5.17 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية مقارنة بـ4.69 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2016، بارتفاع نسبته 10.13%، وذلك بحسب أرقام المركز الوطني للإعلام الآلي والإحصائيات التابع للجمارك، فيما ارتفعت واردات السكر والمواد السكرية بنسبة 36.93% إلى 698.51 مليون دولار مقابل 510.12 مليون دولار خلال نفس الفترة من سنة 2016.
وبالنظر إلى فكرة إنشاء مصانع التحويل الغذائي للتمور، فإن هذه الصناعة يمكن أن تغطي احتياجات الجزائر من السكر، بل وسيكون هناك فائض للتصدير، بالإضافة إلى أن التمور تدخل في صناعة كل من: (العصائر المخففة والمركزة والنسيجية – المربات – المثلجات – الحلويات – المشروبات الغازية – صناعة الخل – صناعة الكحول الطبي – الصناعات المعتمدة على التخمرات الصناعية – إنتاج خميرة الخبز – إنتاج خميرة العلف – إنتاج حامض الليمون – إنتاج أحماض عضوية – إنتاج الفيتامينات – إنتاج الإنزيمات).
كما يمكن أيضًا تصنيع مخلفات النخلة والتمر ومنها: (طحن نوى التمور لأغراض تغذية الحيوان – طحن سعف النخيل لتحسين التربة – يمكن استخدام تفل التمور مرشحًا جيدًا للعصائر – يمكن استخدام تفل التمور الناعم بوصفه مادة مالئة مشابهة لـCMC كاربوكسي مثيل سليلوز المثخنة للكثير من الصناعات الغذائية والكيماوية)، وكل هذه المنتجات ستكون مساهمًا أساسيًا في دعم الميزان التجاري، ناهيك عن النشاط الذي سيحدث بالاقتصاد ككل جراء هذه الصناعة.
بريق أمل
وفي خطوة غير مسبوقة، يفتتح، في ديسمبر (كانون الأول) المقبل ببسكرة، أول مصنع في الجزائر لإنتاج السكر من التمر، هذا المشروع الخاص بتمويل جزائري وتكنولوجيا إيرانية وتجهيزات إيطالية، سيسمح بإنتاج 360 طنًا من سكر التمر السائل والمسحوق سنويًا، ما يمثل 10% من حاجيات السوق الجزائرية، فيما يعطي هذا المصنع أملًا للكثير من منتجي التمور في المنطقة، الذين تخلوا عن نخيلهم بسبب الطلب الكبير على «دقلة نور» على حساب باقي أنواع التمور.
بينما يكون هذا المصنع فرصة للفلاحين لتسويق بواقي التمور والثمار التي تتعرض للضرر لأسباب مناخية، والتي يمكن بيعها للمصنع بغرض تحويلها، ويقول رئيس غرفة التجارة والصناعة «الزيبان»، عبد الحميد خبزي، إنه «بإمكان الجزائر الاستغناء كليًا عن استيراد السكر بإنشاء 10 مصانع من هذا النوع، بالإضافة إلى السكر، سينتج هذا المصنع الجديد مربى وعلفًا للأنعام، وكذا زيوتًا مستخدمة في المواد التجميلية من بواقي التمور»، مشيرًا إلى أنه «يجري التفاوض مع بلد آسيوي لتحويل جريد النخل والنخل الميت إلى خشب لصناعة الأثاث، إذ إن 3 ملايين طن من الجريد تحرق سنويًا».
على الجانب الآخر، بدأت الحكومة الجزائرية تطبيق خطة كسر احتكار إنتاج السكر في البلاد على أرض الواقع، وذلك لإنهاء قرابة 20 سنة من بقاء سوق إنتاج هذه السلعة الاستراتيجية بين يدي شركة خاصة، شركة «سفيتال» التي تحوز على 80% من السوق المقدرة بـ300 مليون دولار سنويًا.
وكانت الحكومة منحت العام الماضي ثلاثة تراخيص لفتح مصانع لتكرير وإنتاج مادة السكر، تحصّل عليها رجال أعمال في منتدى رؤساء المؤسسات (تكتل لرجال الأعمال)، وهم كل من مجمع معزوز، مؤسسة بن جيلاني، ومجمع كو جي سي، يغطون حوالي 30% من الطلب المحلي في المرحلة الأولى، فيما تدعم البلاد سعر هذه المادة من خلال دفع 10% منه، بالإضافة إلى إخضاع عمليات استيراده إلى إعفاءات جمركية وضريبية.