لم يزل موعد الانتخابات التشريعية والمحلية المبكرة التي وعد بإجرائها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حبيسة الأوضاع السياسية التي تشهدها البلاد. فمرض الرئيس الجزائري وسفره إلى ألمانيا لتلقي العلاج في العاشر من يناير (كانون الثاني) 2021، والدعوات المتصاعدة لعودة الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) الجاري، غطت على المشهد العام في البلاد. 

لكن خطوة الرئاسة بالإفراج عن مسودة قانون الانتخاب الجديد يوم 28 يناير 2021، أعادت الجدل حول الانتخابات المقبلة وفرصها لإنقاذ نظام تبون المهدد بعودة الحراك.

في هذا التقرير نستعرض أبرز ما جاء في مشروع قانون الانتخابات الجديد، وآراء الأحزاب السياسية والحراك حوله.

هل يحمي القانون الجديد انتخابات الجزائر من تهمة التزوير؟

حين سُئل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون – في لقاءٍ تلفزيوني مع قناة الحياة ضم عددًا من الصحافيين الجزائريين – بعد شهر واحد من تنصيبه، عن الانتخابات التشريعية والمحلية المبكرة التي وعد بإجرائها خلال حملته الانتخابية؛ أجاب بأن «كلّ الجزائريين يشتكون من الانتخابات، وكل الجزائريين يشتكون من طريقة إجراء الانتخابات، ولكن الانتخابات عندنا أخذت طابع التزوير، لذلك سيكون هناك قانون انتخابات صارم يجرّم الوسائل غير القانونية التي لا تسمح بأن يكون الجزائريين سواسية أمام صندوق الاقتراع».

وكان الرئيس الجزائري قد كلف الخبير الدستوري أحمد لعرابة ليتولى مسؤولية إخراج مشروع قانون الانتخابات الجديد وأمره بإعداد قانون يؤدي إلى إحداث قطيعة نهائية مع ممارسات الماضي السلبية من توزيع للمقاعد وشراء للذمم، مشدّدًا على ضرورة الفصل بين المال والسياسة في البلاد.

Embed from Getty Images

وقبيل ساعاتٍ من مغادرته الجزائر نحو ألمانيا في العاشر من يناير 2021، من أجل استكمال رحلته العلاجية؛ إستقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الخبير الدستوري أحمد لعرابة رفقة فريق عمله إضافةً إلى أحمد شرفي رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وعرض لعرابة على الرئيس الجزائري مسودّة القانون؛ أمر الرئيس الجزائري بتوزيع مسودة مشروع القانون – فور الانتهاء منها – على الأحزاب السياسية للمشاركة في إثرائها قبل صياغتها النهائية.

وبالفعل، ووفقًا للخطة التي وضعها الرئيس الجزائري – قبل سفره لألمانيا – جرى تسليم الأحزاب السياسية هذه المسودّة من أجل إثرائها بالنقاش المجتمعي، وإبداء الرأي والمقترحات فيها، في نهاية يناير الماضي.

وعند الغوص في تفاصيل مسودة قانون الانتخابات التي وصلت نسخة منها إلى «ساسة بوست» نجد أنّ هناك 188 مادة من بين 313 مادة تحملها المسودة؛ إمّا خضعت للتعديل أو استحدثت من قبل لجنة أحمد لعرابة؛ و أنّ المسودة تحتوي على 73 مادة جديدة مقترحة من اللجنة، وأنّ أكثر التعديلات مسّت المواد المتعلّقة بآليات تسيير الحملات الانتخابية، بواقع 27 مادة.

كما أعطت المسودة صلاحيات واسعة للسلطة الوطنية للانتخابات، بحيث تشرف على العملية الانتخابية من بدايتها منذ استدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية يوم التصويت والإعلان عن النتائج.

واعتمدت مسودة قانون الانتخابات ولأول مرة في الجزائر على نظام «القائمة المفتوحة» وذلك في الانتخابات التشريعية والمحلية؛ وجاء ضمن بندها: « يُنتخب أعضاء المجلس الشعبي البلدي (مجلس البلديات) وأعضاء المجلس الولائي (مجلس المحافظة)، وأعضاء المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) لعهدة مدتها خمس سنوات بطريقة الاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة».

والقائمة المفتوحة تعني أن يصوّت الناخب على قائمته المفضلة التي تقدمها الأحزاب والمستقلين، وتكون لديه الحرية الكاملة في ترتيب المرشحين داخلها؛ ويحدّد الفائز بأعلى الأصوات، وهي الخطوة التي اعتبرها المراقبون مهمة في سياق محاربة المال الفاسد المستشري في الانتخابات، إذ إنّ معظم المترشحين في الانتخابات السابقة كانوا يعتمدون على المال لشراء المراتب الأولى في القائمة الانتخابية.

Embed from Getty Images

وبالنسبة إلى شروط الترشّح للانتخابات وبحسب المسودة التي حصل «ساسة بوست» على نسخة منها؛ فإنه يتعيّن على كل قائمة متقدّمة للانتخابات أن تراعي مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وأن تخصّص على الأقل ثلث الترشيحات للمترشحين الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة، ويلاحظ أنّ المسودة قد أسقطت شرط الحصول على الشهادة الجامعية للترشح لانتخابات، إذ اكتفت بشرط أن يكون أعضاء ثلث القائمة الانتخابية ذوي مستوى جامعي. 

الأحزاب الموالية تشيد.. والمعارضة والحراك يرفضون القانون والانتخابات!

فور توزيع الرئاسة الجزائرية لمسودة قانون الانتخابات على الأحزاب السياسية لإثرائها وإبداء ملاحظاتٍ عليها؛ شرعت الأحزاب في عقد جلساتٍ مغلقة قصد الإسراع في إعطاء ملاحظاتها للمسودة، بينما شرعت أحزابٌ أخرى في التحضير من الآن إلى الموعد الانتخابي من خلال استنفار أعضائها للشروع في التحضير لتلك الإستحقاقات. 

وفي ردّها على مسودة قانون الانتخابات أفردت حركة مجتمع السلم – كبرى الأحزاب الإسلامية بالجزائر – وثيقة تحت تسمية «مذكرة الرد على رئاسة الجمهورية فيما يتعلّق بمشروع القانون العضوي للانتخابات» ضمنها مقترحاتها للقانون.

وتذكر الوثيقة التي وصلت نسخة منها إلى «ساسة بوست» عن طريق عضو مكتبها التنفيذي ناصر حمدادوش؛ بأنّ الحزب عمل علي الاستشارة المحلية والمركزية والمتخصصة الواسعة لتحضير وثيقة متكاملة للمساهمة في تعديل القانون العضوي المتعلق بالانتخابات؛ بما يجعله طريقًا الى التداول السلمي على السلطة وتجسيد الإرادة الشعبية.

وبينما أرسلت أحزاب وصفت بـ«القريبة من النظام» مشاركاتها في إثراء مشروع مسوّدة قانون الانتخابات، في إعترافٍ ضمنيٍ منها بالمشاركة في الإستحقاقات القادمة؛ أعلنت عدة أحزاب سياسية أخرى رفضها التعامل مع لجنة صياغة القانون أو المشاركة في إثراء القانون، كـ«الأرسيدي»، و«الأفافاس»، و«حزب العمال»، و«الحركة الديمقراطية الاجتماعية»، وغيرها من الأحزاب السياسية التي تعتبر أن تعديل القانون الانتخابي أمر سابق لأوانه.

وسبق لحزب «الأفافاس» – أقدم أحزاب المعارضة الجزائرية – أن نشر بيانًا على موقعه الإلكتروني قال فيه إنّه غير معني بالانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة ولا بقانون الانتخابات، ما لم يسبق إجراء تلك الانتخابات حوار وطني والإفراج عن معتقلي الحراك، معتبرا خطوة النظام في عزمه للمرور إلى انتخابات مسبقة بأنّه سيزيد من انعدام الثقة الشعبية وسيعمّق الفجوة بين الشعب وحكامه ومؤسساته، على حد وصفهم.

أمّا «الحراك الشعبي» فلم يزل ثابتًا في موقفه الرافض لأي انتخابات تجريها السلطة؛ فبعد أن رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية الماضية، وكذلك المشاركة في التعديلات الدستورية التي شهدت نسبة مشاركة هي الأضعف في تاريخ البلاد؛ يبدو أنّه سيكون على موعدٍ جديد مع مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، رغم الضمانات التي وضعتها السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات المعنية بكل عمليات الانتخاب بالجزائر.

وعن موقف الحراك من الانتخابات التشريعية المقبلة؛ يؤكّد الناشط في الحراك الشعبي إبراهيم حدّاد في حديثه مع «ساسة بوست» عن رفض الحراك المطلق للانتخابات.

ويضيف المتحدث، أن الحراك منذ انطلاقته «شهد انقسامًا بين المؤيدين للانتخابات ومعارضيها، خصوصًا بعد أن اشتدت عملية الاستقطاب التي استهدفت الحراك بسبب ممارسات النظام وشخصيات وأيقونات الحراك»، وكان الشباب بحكم أنّه يشكّل الأغلبية في وسط الحراك أكثر الفئة المتضررة من هذا الانقسام حسب المتحدث. 

Embed from Getty Images

 ومن هذا المنطلق يرى الناشط والباحث في العلوم السياسية إبراهيم حداد، أنّ من تبقى في الحراك هم من بقوا ثابتين على موقفهم بضرورة استئصال النظام من جذوره، ومقاطعة كل ممارساته، ومما ضاعف من شعور القطيعة الذي تبناه قسمٌ من الحراك، بعض الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية والتي جعلت حتى القسم الذي اختار مساندة السلطة في خياراتها يراجع نفسه!

ويدعم محدثنا رأيه بالتغيير الذي شهد خطاب حزب البناء الوطني – أحد فواعل الحراك التي دعمت النظام في الانتخابات الرئاسية الماضية – بحيث يذكر حدّاد أن خطاب قيادات الحزب قد تغيّر بدرجة كبيرة بعد أن «صدموا بممارسات النظام الذي دعموه» على حد قوله. 

وختم الناشط في الحراك حديثه بالقول إنّ «عدم تحقيق تبون لوعوده بإحداث قطيعة مع النظام السابق، سيجعل مطالبة مشاركة شباب الحراك في الانتخابات المقبلة إستهزاءً بهم»؛ مضيفًا في الأخير أنّ « الجو العام المكهرب الذي تشهده الجزائر قد يؤدي إلى تفاقم الحركات الاحتجاجية والعودة إلى الحراك»، على حد تعبيره.

وشهد الحراك الشعبي بعض الانقسامات خلال الفترة الماضية؛ من خلال ظهور بعض الحركات الفتيّة التي ترى في العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات الوسيلة الأنجع لمقارعة السلطة؛ وأبرز تلك الحركات «حركة عزم» و«حركة المسار» و«حركة بداية» إضافة إلى «المسار الجديد» الذي يعدّ أبرز التيارات الوليدة من الحراك التي تنفتح على السلطة؛ وحاول «ساسة بوست» أن يستقصي أراء هذه الحركات الناشئة، لكنّها رفضت التعليق.

تجدر الإشارة إلى أنّ البعض يرى في الانتخابات التشريعية مخرجًا للنظام من أزماته السياسية، فقد سبق وأن اعتبرت وكالة «بي بي سي» البريطانية في إحدى تقاريرها الخاصة بالجزائر، انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 2019، إنقاذًا للنظام من أزمته السياسية، فهل تنقد الانتخابات المقبلة نظام تبون مرةً أخرى؟

عربي

منذ سنتين
«رشاد».. الحركة الجزائرية التي تدعو لعودة الحراك الشعبي ويهاجمها النظام بشراسة

 

المصادر

تحميل المزيد