كان من المفترض أن يكون شرف تسليم كأس أفريقيا إلى المنتخب المستضيف خلال افتتاح دورة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم اليوم التاسع من يناير (كانون الثاني) 2022، والتي تقام في الكاميرون، من نصيب نجم منتخب الجزائر خلال الثمانينات لخضر بلومي، الذي تلقى دعوةً من الاتحاد القاري لكرة القدم، لحضور حفل الافتتاح وتسليم الكأس، لكنّ الأسطورة الجزائرية اعتذر عن الحضور، مبررًا ذلك بخوفه من تأثيرات حادث وقع خلال مسيرته الكروية سنة 1989 في مصر، قد يتسبب في اعتقاله بالقاهرة وهو في الطريق إلى كاميرون.
قد لا يعرف الكثير من الأجيال المتابعة حاليًا لكرة القدم الأفريقية: لخضر بلومي، بقدر معرفته بنجوم منتخب الجزائر الحاليين يوسف البلايلي أو رياض محرز؛ غير أنّ الأسطورة الجزائرية الذي أضاف لقاموس كرة القدم تقنية «التمريرة العمياء» – وهي أن يعاكس اللاعب جهة نظره وتمريره – كتب فصولًا عريضة من تاريخ الكرة الجزائرية والأفريقية؛ وجعل كبرى الأندية الأوروبية تتسابق من أجل انضمامه إليها، ولم يهزمه في الكرة سوى حظه!
لخضر بلومي: موهبة كروية خرجت إلى النور سريعًا
في 29 ديسمبر (كانون الأوّل) 1958، وبينما كانت الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي في أوجّ قوتها؛ وُلد لخضر بلومي في مدينة معسكر – إحدى ولايات غرب الجزائر – لعائلة بسيطة كحال معظم العائلات الجزائرية سنوات الاحتلال، فقد كان والده البشير يعمل فلاحًا بمزرعته في أطراف مدينة معسكر قبل أن يبشّر بولادة ابنه الأصغر لخضر.
فُتن الطفل بسحر كرة القدم مبكرًا؛ فانضمّ لنادي أولمبي سامباك – إحدى نوادي الدرجة الثالثة – وهو في سنٍ صغيرة؛ ولم يكد يبلغ من العمر 16 سنة حتى ظهر لأول مرة مع الفريق الأول في مباراة ناديه أمام عامرية وهران، والتي انتهت بفوز رفقاء لخضر بلومي بثلاثية نظيفة.
نجم البرازيل فالكاو يعرقل لخضر بلومي خلال مباراة الجزائر والبرازيل في مونديال المكسيك 1986
ولتخفيف العبء المالي لعائلته، انتقل لخضر بلومي إلى نادي صفاء الخميس وهو نادي من مدينة خميس مليانة – ولاية عين الدفلى في وسط الجزائر – الذي ينشط في دوري الدرجة الثانية الجزائري، وهناك بدأت الأضواء تسلط على الموهبة الجزائرية الصاعدة؛ لينضم إلى المنتخب الجزائري للناشئين لأوّل مرة. في تلك الفترة كانت الكرة القدم الجزائرية تشهد أولى إنجازاتها الدولية بتتويج الجزائر بالميدالية الذهبية لألعاب البحر المتوسط في كرة القدم والتي احتضنتها الجزائر بعد الفوز على فرنسا في النهائي سنة 1974.
إنتقل بلومي في سنة 1976، للعب في الفريق الذي لطالما عشقه وكان يحلم بارتداء قميصه؛ وهو فريق بلدته غالي معسكر (واحد من أقوى الفرق الجزائرية الناشطة في الدوري الجزائري خلال فترة السبعينات والثمانينات)، وبعد سنة واحدة انتقل بلومي للعب في صفوف فريق مولودية وهران وهو ابن 19 عامًا .
شهد عام 1978 استدعاء المدرب الجزائري رشيد مخلوفي اللاعب لخضر بلومي إلى تشكيلة الفريق الجزائري لأول مرة، وكانت أول مباراة له مع منتخب بلده يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) 1978 في بلانتيري بمالاوي في مباراة ودية أمام منتخب مالاوي والذي انتهى بالتعادل (1-1). وخلال موسم 1978- 1979 الكروي، برز لخضر بلومي كأحسن لاعب وهدافٍ للدوري الجزائري بعد أن سجّل مع ناديه مولودية وهران 11 هدفًا.
بسبب القوانين الجزائرية الخاصة بالخدمة العسكرية التي لم يكن يفلت منها أحد، انتقل لخضر بلومي العاصمة الجزائر من أجل أداء الخدمة العسكرية، وهناك وقّع النجم الجزائري مع نادي مولودية الجزائر لموسمين، من 1979 حتى 1981، وبالرغم من أنه لم يبرز كثيرًا مع ناديه الجديد، فإنه كتب فصولًا من النجاح مع المنتخب الجزائري، فقاد منتخب الجزائر عام 1979 في دورة ألعاب البحر المتوسط إلى الفوز بالميدالية البرونزية، وإلى التأهل لربع نهائي أولمبياد موسكو عام 1980، ووصل بالجزائر إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية 1980، لكنه خسر أمام نيجيريا.
ساهم اللاعب لخضر بلّومي بشكل كبير في تأهل المنتخب الجزائري لنهائيات كأس العالم 1982؛ إذ كان وراء تسجيل 10 أهداف كاملة في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم أمام كل من نيجيريا، وسيراليون، والنيجر، ويجري اختياره أفضل لاعب أفريقي في ذلك الموسم، ويحصل على جائزة «الكرة الذهبية الأفريقية» لسنة 1981.
عبث بدفاعات ألمانيا والبرازيل في المونديال.. والملاعب الأفريقية ميدانه المفضّل
سنة 1982 كانت الجزائر على موعدٍ مع المشاركة في كأس العالم بإسبانيا لأوّل مرة في تاريخها، وذلك بعد أن أقصت نيجيريا في التصفيات، وأوقعت القرعة المنتخب الأخضر في المجموعة الثانية رفقة كلٍ من ألمانيا الغربية والنمسا والتشيلي. كانت أول مشاركة مونديالية لمحاربي الصحراء في 16 يونيو (حزيران) 1982 بملعب خيخون أمام العملاق الألماني، بطل العالم مرتين وقتها، والذي وصل إلى نهائي المونديال في السنة نفسها.
استطاع المنتخب الجزائري إنهاء المباراة بالفوز بعد مباراة استعراضية لنجوم الجزائر حينها، بثنائية رابح ماجر ولخضر بلومي مقابل هدف ألماني واحد أحرزه كارل هاينز رومينيجه أفضل لاعب بأوروبا في 1980 و1981، والرئيس التنفيذي الحالي لبايرن ميونيخ. جدير بالذكر أن الجزائر أنهت مشاركتها التاريخية في كأس العام 1982 بخروجها من الدور الأوّل، بعد اتفاق منتخبي ألمانيا الغربية والنمسا على نتيجة مباراتهما الأخيرة.
لحظة تسجيل اللاعب لخضر بلومي لهدف الفوز أمام ألمانيا في مونديال إسبانيا 1982 – مصدر الصورة: تويتر
عادت الجزائر رفقة لخضر بلومي إلى المونديال مرة في مونديال المكسيك سنة 1986؛ وتمكنت من إنهاء التصفيات الأفريقية دون هزيمة؛ لكن المشاركة المونديالية الثانية للخضر لم تكن جيدة، وذلك بعد الخروج من المونديال بنقطة وحيدة من التعادل أمام إيرلندا الشمالية؛ غير أنّ الاستثناء في هذه المشاركة كان الأداء الجيد للجزائر أمام البرازيل رغم الهزيمة، وهي المباراة التي قال فيها النجمان البرازيليان زيكو وسقراط عن لخضر بلومي: «إنه من دهاة القرن في عالم كرة القدم»، بينما أشاد به أسطورة كرة القدم البرازيلية بيليه قائلًا: «لو كان يلعب مع منتخب السامبا لاستطاع الفريق البرازيلي الفوز بكأس العالم 1982 بإسبانيا و1986 بالمكسيك».
على المستوى الأفريقي كانت كأس الأمم الأفريقية البطولة المفضلة لبلومي؛ فقد شارك في خمس بطولات متتالية لكأس أمم أفريقيا، رفقة منتخب بلاده. كانت البداية عام 1980 في نيجيريا وفاز فيها بجائزة أفضل مهاجم في البطولة، ثم دورة سنة 1982 في ليبيا، حيث نجح بلومي مع منتخب الجزائر للوصول إلى نصف النهائي والخسارة أمام غانا في الوقت الإضافي.
في دورة 1984 في ساحل العاج، احتل منتخب الجزائر المركز الثالث واختير لخضر بلومي ثاني أحسن لاعب بعد الكاميروني تيوفيل أبيغا، وثالث أحسن هداف في البطولة، وفي بطولة 1986 التي أجريت بمصر، لم يقدم منتخب الجزائر ونجمه بلومي أداءً مشرّفًا، وخرجوا من الدور الأول، ثم عاد لخضر بلومي في دورة 1988 بالمغرب واحتل المرتبة الثالثة. ولسوء حظّه لم يُستدعى للمشاركة في كأس الأمم الأفريقية التي احتضنتها بلاده سنة 1990؛ وشهدت تتويج الجزائر باللقب القاري.
لخضر بلومي موهبة تهافت عليها الريال وبرشلونة ويوفنتوس ولم يحترف!
يعدّ لخضر بلومي أحد أكثر اللاعبين العرب والأفارقة الذين تلقوا عروضًا من كبريات الأندية الأوروبية؛ أوّل تلك النوادي، برشلونة الإسباني الذي كان يرغب بشدة في خطف موهبة بلومي إلى صفوفه سنة 1980؛ ومن أجل إتمام الصفقة سافر هيلينيو هيريرا، مدرب برشلونة حينها إلى نيجيريا لمعاينة اللاعب الجزائري الذي كان يقود منتخب بلاده إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية؛ لكن قانونًا غريبًا منع صفقة انتقال بلومي إلى برشلونة؛ وهو قانون كان يلزم اللاعبين الجزائريين بالبقاء في دوريهم المحلي حتى سن 27.
لفت بلومي أيضًا أنظار يوفنتوس بعد تألقه في مباراة ودية جمعت المنتخب الجزائري ضد النادي الإيطالي، إلّا أن إصابة خطيرة تعرّض لها بلومي في كأس أبطال أفريقيا في ليبيا ضد الاتحاد الليبي وقفت أمام حلم انتقاله إلى النادي الإيطالي.
أحلام بلومي في الاحتراف انتهت حين تعرض للواقعة الشهيرة عام 1989؛ عندما اندلع شجار بين لاعبي الفريق الجزائري والمصري بعد مباراة تأهيلية لكأس العالم لكرة القدم 1990، وتعرّض خلاله طبيب مصري إلى اعتداء، واتهم بعدها الطبيب أحمد عبد المنعم، بلومي بفقء عينه، لتستمر القضية أمام العدالة لسنوات، وتتحول القضية إلى الإنتربول الدولي، الذي منع بلومي من مغادرة الجزائر 20 عامًا، قبل أن تجري تسويتها عام 2009 بتنازل الطبيب عن حقوقه وعقد جلسة صلح بين الطرفين.
اعتزل لخضر بلومي كرة القدم عام 1999 حين بلغ سن الـ40، واتجه إلى التدريب وقاد كلًا من مولودية وهران، واتحاد بلعباس، ونادي أم صلال القطري، وعمل مدربًا مساعدًا لمنتخب الجزائر. جدير بالذكر أن لخضر بلومي صُنف رابع «أفضل لاعب أفريقي في القرن العشرين» بعد كلٍ من النجم الليبيري جورج وياه، والكاميروني روجيه ميلا، والغاني عبيدي بيليه.
لخضر بلومي: نجح في ميدان الكرة وفشل في السياسة
يردد كل من عاصر وشاهد اللاعب لخضر بلومي في المستطيل الأخضر، بأنه واحد من أفضل ما أنجبته الكرة الجزائرية والأفريقية، فالدولي الجزائري السابق هو الهداف التاريخي الثالث للمنتخب الجزائري برصيد 34 هدفًا بعد اللاعب عبد الحفيظ تاسفاوت (37 هدف) إسلام سليماني (40 هدف حتى الآن) ؛ كما أنّه صاحب أكبر عدد من المشاركات مع منتخب الجزائر برصيد 147 مباراة دولية في الفترة من 1978 إلى 1989، وسجّل في الدوري الجزائري أكثر من 200 هدف.
لخضر بلومي أثار الكثير من الجدل بسبب مواقفه السياسية
هذه الأرقام والإنجازات التي تعبّر عن نجاح كبير في عالم المستديرة؛ لم تشفع للنجم الجزائري لخضر بلومي في ميدان السياسة؛ فخسر انتخابات البرلمان سنة 2012 بعد أن ترشّح عن ولاية معسكر ضمن قائمة حزب المستقبل، كما كانت مواقفه السياسية مثارًا للجدل بحكم دعمه ومساندته للعهدة الرابعة للرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
يوسف البلايلي خليفة لخضر بلومي الذي ورث سحره و«حظّه»!
خلال عقودٍ طويلة ظلّ الجزائريون يعدون الأيّام؛ أملًا في ظهور موهبة كروية تعوض سحر لخضر بلومي؛ فمنذ اعتزال نجوم جيل الثمانينات، غابت عن الملاعب الجزائرية أسماء بارزة تصنع مجد نواديها والمنتخب الجزائري، إلى أن ظهرت أخيرًا موهبة اللاعب يوسف البلايلي، الذي كتب حتى الآن سطورًا من المجد في المستديرة من خلال قيادته منتخب الجزائر إلى الفوز بكأس أفريقيا والعرب سنوات 2019 و2021 على التوالي.
وجه الشبه الكبير بين العوائق والتحديات الصعبة التي واجهت مسيرة الأسطورة لخضر بلومي تكاد تشابه العقبات التي وقفت في طريق يوسف البلايلي، وكادت تنهي مسيرته مبكرًا، ففي الموسم الذي برز فيه اللاعب يوسف البلايلي مع ناديه اتحاد العاصمة في البطولة المحلية ودوري أبطال أفريقيا بمراوغاته الفنية ولمساته الساحرة، أتت الأخبار الصاعقة لتكشف تناول اللاعب مادة «الكوكايين» قبل مباراة ناديه مع مولودية العلمة في منافسة الكأس الأفريقيّة، وهو ما جعل «الكاف» يسلّط عليه عقوبة الإيقاف لمدّة أربع سنوات كاملة، لتأتي بعدها أخبار أقلّ سوءًا، تقول إنّه جرى تقليص العقوبة بعد الطعن فيها من أربع سنوات إلى سنتين فقط.
كانت كل المؤشرات والتحليلات تفيد أن اللاعب يوسف البلايلي قد انتهى، وأنّ موسم 2014 الإعجازي الذي سطره مع ناديه اتحاد العاصمة ما هو سوى مصادفة كروية للاعب الجزائري المحلي الذي اشتهر بين أستوديوهات التحليل المحلي بأنه «لاعب أقل من المستوى المطلوب دائمًا».
يوسف البلايلي؛ وريث لخضر بلومي في سجل الكرة الجزائرية
انتهت عقوبة يوسف البلايلي التي قضاها اللاعب في التدريبات والحفاظ على لياقته البدنيّة، وعاد إلى الملاعب بخوضه تجربة قصيرة في نادي «أنجي» الفرنسي، قبل أن يغادر بسبب عدم إعطائه فرصة المشاركة ويوّقع لصفوف الترجّي التونسي الذي أعاد برفقته عزف السمفونيات الكروية الساحرة والتوغل في الأدغال الأفريقية لحصد الألقاب، ويتوّج بلقبين أفريقيّين متتاليين.
ومثل بلومي احتوى كتاب مجد البلايلي الكروي على سطورٍ طويلة من الإنجازات مع المنتخب الجزائري؛ فقاده إلى الفوز بالتاج الأفريقي بمصر سنة 2019 في بطولة أبلى فيها البلايلي مستوى كبير؛ وفي ديسمبر الماضي 2021 رصّع البلايلي قميص الخضر بأوّل نجمة عربية بقيادته محاربي الصحراء إلى الفوز بكأس العرب التي احتضنتها الدوحة القطرية، وسجّل من خلالها هدفًا رائعًا من منتصف الميدان أمام المنتخب المغربي.
ويطمح يوسف البلايلي إلى كتابة فصلٍ جديدٍ من المجد، من خلال قيادته المنتخب الجزائري للحفاظ على لقب كأس الأمم الأفريقية التي تقام حاليًا بالكاميرون من أجل التأكيد أنّه لا يقل شأنًا عن الأسطورة الجزائرية لخضر بلومي الذي لم يسعفه الحظ لحمل التاج الأفريقي.