هذا السؤال وجّهَهه قيادي في حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” الجزائري إلى الناطق الإعلامي للحملة الانتخابية الرئاسية للمرشح علي بن فليس، الذي ينافس إلى جانب أربعة مرشحين آخرين من بينهم امرأة مرشحَ السلطة، عبد العزيز بوتفليقة، على رئاسيات 17 أبريل المقبل، وهو السؤال الذي بقي عالقًا دون جواب أثناء البرنامج التلفزيوني الذي كانت تقدمه قناة فرانس 24، نهاية الأسبوع الماضي.

ويبدو أن هذا السؤال هو نفسه الذي يراود الكثير من المتتبعين للمشهد السياسي بالجزائر، هذه الأيام، قُبيل أيام فقط مِن الإعلان عن الرئيس الذي سيحكم بلاد المليون شهيد، بداية من 18 أبريل المقبل، وسط اتهامات من المعارضة – ولا سيما الذين اختاروا مقاطعة الانتخابات الرئاسية – للسلطة بعزمها “تزوير” هذا الاستحقاق الرئاسي لصالح مرشحها بالرغم من أنه لا يستطيع “إدارة” حتى نفسه، كما يرى ذلك معارضوه، وهو القاعد على كرسيه الطبي ويعاني من مصاعب مرضية مزمنة منذ سنوات، فبالأحرى لا يستطيع “إدارة” دفة حُكم بلد شبيه بقارة اسمه الجزائر، ويعتبرُ قبلةً تتهافت عليه القوى الدولية لتوفره على ثروات نفطية وغازية مهمة.

صراع بين مؤيد ومعارض

المعركة بين المقاطعين لتلك الانتخابات والمؤيدين لها ولا سيما المؤيدين لترشيح الرئيس “المريض” بوتفليقة لولاية رابعة، تشتد فيما بين الفريقين، ومعها يستمر تبادل الاتهامات ما بين اتهام بخدمة الأجندات الأجنبية، الموجه إلى المقاطعين للانتخابات الرئيسية التي يرون فيها مضيعة للوقت ليس إلا واستغلالاً من السلطة لحالة التذمر والعزوف التي تسود معظم فئات الشعب الجزائري، وهو ما يجعلهم يطالبون بـ”إسقاط” النظام وإن بـ”طريقة” جزائرية خاصة، وبين رغبة في التغيير من داخل هذه السلطة كما يدّعي متنافسو بوتفليقة، و”الاستقرار والاستمرارية” التي يقول بها مؤيدو الأخير في تولي ولاية جديدة هي الرابعة له.

والثابت هو أن هذه الانتخابات الجزائرية الرئاسية لن تكون كغيرها من الانتخابات السابقة وسيسجل التاريخ السياسي الحديث فرادتها واستثناءها؛ أوّلاً لأنها ربما هي المرة الأولى – ليس فقط على مستوى البلاد الجزائرية فقط، ولكن حتى على مستوى العالم- التي يقدّم فيها رئيس دولة قضى ثلاث ولايات رئاسية في الحكم ويخوض غمار ولاية رابعة بالرغم من أنه مريض، بل الأمَر والمُثير في ذلك أنه يخوض الانتخابات بـ”النيابة”؛ حيث يكلف أشخاصًا آخرين لإدارة والإشراف على حملته الانتخابية بالنيابة ما جعل معارضيه يصفون ترشحه بالترشح بـ”المراسلة”.

وثانيًا لأنها لقيت معارضة واسعة من شرائح سياسية واجتماعية ومدنية وشعبية كثيرة اتفقت على ضرورة مقاطعة هذه الانتخابات التي قاطعها مراقبو الاتحاد الأوروبي لعدم وجود ضمانات لشفافيتها، بل إن بعض فئات المجتمع الجزائري أعلنت صراحة معارضتها لاستمرار ها النظام ودعت إلى “إسقاطه”، وهو ما تطالب به بالخصوص حركة “باراكات” (أي كفاية)، التي لا تنظر إلى الانتخابات 17 أبريل المقبل إلا فرصة أخرى لـ”تزوير” صناديق الاقتراع حتى يستمر إمساك جنرالات المؤسسة العسكرية بزمام السلطة.

التخويف والاستمرارية

يبدو أن خطاب “التخويف” الذي تبنته السلطات الحالية، سواء من خلال اتهام بعض دول الجيران (المغرب مثلاً) بتصدير عناصر لإثارة الشغب وضرب استقرار البلاد، أو من خلال الترويج لطرح “الاستقرار” في ظل النظام الحالي مقابل “الفوضى” في غيابه وما يستدعيه من تدخل أجنبي، وهو ما لا يتردد بعض المحسوبين على السلطة في قوله، هذا الخطاب يبدو أن الشعب الجزائري – أو لنقل فئات عريضة منه – قد فطنت إليه وباتت تدرك المغزى من تبني النظام الحالي له كخطاب؛ ولعل ذلك ما جعل جموعًا غفيرة من أبناء الوطن تكسر جدار الصمت وتخرج إلى الشوارع لتعبر عن موقفها الرافض لمخطط هذا النظام بالرغم من آلة القمع البوليسية والعسكرية الحديدية التي جعلت “الربيع الجزائري” لا يزهر حتى الآن.

وفي مواجهتها لموجات الغضب الشعبية المتزايدة والرافضة لمخططات النظام الجزائري الحالي، كان لا بد لساسة قصر المرادية بالجزائر أن يبحثوا عن دعم مفترض لمخططاتهم تلك، وهو ما جعلهم يعملون على استغلال بعض الزيارات الرسمية لوفود أجنبية للبلاد، من أجل تسويق ذلك بأنه “تأييد” لاستمرار النظام الحالي وتحديدًا استمرار الرئيس المعتل عبد العزيز بوتفليقة؛ وإذا كانت أوروبا وخاصة فرنسا – البلد الذي استعمر الجزائر سابقًا والذي له علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية مهمة معها – رفضت إيفاد مسئولين لها إلى الجزائر في هذه الفترة الانتخابية الحساسة، حتى لا يساء تأويل فهم ذلك، فإن واشنطن التي أوفدت وزير خارجيتها، جون كيري، إلى الجزائر ضمن جولة مغاربية، اضطرت إلى إصدار “توضيح” بعدما ذهبت وكالة الأنباء الجزائرية إلى “تأويل” تصريحات المسئول الأمريكي وتقويله ما لم يقله.

إعلام السلطة

الولايات المتحدة الأمريكية “احتجت” على “تحريف” كلمة ألقاها وزير الخارجية الأميريكي، جون كيري، في افتتاح أشغال “الحوار الإستراتيجي بين الجزائر وواشنطن”، خلال زيارته إلى الجزائر الأربعاء والخميس الماضيين، وقال بيان للخارجية الأمريكية – أُرسل إلى الصحف في الجزائر عبر السفارة الأمريكية -: “إن هناك تقارير خاطئة حول كلمة وزير الخارجية جون كيري تم تداولها”، وقامت وزارة الخارجية الأميركية بترجمة كلمة كيري من الإنجليزية إلى اللغة العربية، وركزت على “المقطع الذي تمت ترجمته بشكل غير صحيح”.

وكانت واشنطن تقصد برقية لوكالة الأنباء الرسمية قالت فيها على لسان كيري إن “الولايات المتحدة تعرب عن ارتياحها لشفافية المسار الانتخابي”، وهو ما اعتبرته الخارجية الأميركية ترجمة غير دقيقة، يعطي الانطباع بأن واشنطن تعطي حكمًا مسبقًا وتزكية سياسية لشفافية الانتخابات الرئاسية في الجزائر. ولفتت الخارجية الأميركية إلى أن الترجمة الدقيقة لكلمة كيري هي: “أخيرًا، ستكون لديكم انتخابات هنا في الجزائر بعد أسبوعين من الآن، ونحن نتطلع إلى إجراء انتخابات تكون شفافة ومتوافقة مع الأعراف الدولية”.

الإعلام الجزائر الرسمي وبعد أسبوعين من الدعاية للانتخابات الرئاسية المقبلة توجه إليه عديد من التهم بمحاباة “مرشح السلطة” وتمكينه من كل آليات ووسائل الدعم الإعلامية، وليست برقية الوكالة الرسمية التي تعرضت لوابل من النقد من طرف وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا نموذجًا لهذا الدعم غير المشروط للمرشح “العليل” الذي تقدمه السلطة كمرشح مفضل لاستمرارها طبعًا.. فلماذا يتم ترشيح هذا الرجل المريض والطاعن في السن (77 عامًا) الذي قيل – وفق تقارير – أنه أبدى زُهده في السلطة لكنه رُشّح رغمًا عن أنفه؟

تحميل المزيد