قد تتفق أو تختلف مع السياسات التحريرية الخاصة بقناة «الجزيرة» القطرية، لكن هذا لا يمنع أنها دائمًا ما كانت تثير الجدل عبر بعض الانفرادات الصحفية والأفلام التسجيلية، التي تكشف عبرها بعض الأسرار، وتزيح الستار عن بعض مما كان لا يقال.
ولعل تحقيق الجزيرة الأخير كان بمثابة الزلزال، الذي أحدث توابع قوية داخل الأوساط السياسية في اثنتين من الدول المؤثرة عالميًا وإقليميًا: إسرائيل، وبريطانيا. نحن لن نركز فقط على هذا التحقيق، لكننا سنعود بالزمن للوراء؛ لنبرز أهم ما عرضته القناة من استقصاءات وتحقيقات.
اللوبي الإسرائيلي
تسبب تحقيق صحفي مميز لقناة الجزيرة حول «اللوبي الإسرائيلي في لندن» في حدوث ضجة سياسية كبيرة أقرب للزلزال؛ ما أدى لتقديم «ماريا ستريزولو»، مساعدة وزير التعليم البريطاني، استقالتها من منصبها؛ بعدما كشف التحقيق «تآمرها لصالح جهات أجنبية».
وظهرت ستريزولو في تسجيل مصور خلال تناولها العشاء مع المسؤول السياسي بالسفارة البريطانية، «شاي ماسوت»، عندما تحدثوا عن المسؤولين البريطانيين الذي يوجهون انتقادات لإسرائيل. وخلال حديثهما، تعهد ماسوت بالإطاحة بوزير الدولة البريطاني لشؤون أوروبا والأمريكتين، السير «آلان دنكن».
يأتي هذا التعهد لكون دنكن من المنتقدين بشكل علني للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الفيلم التسجيلي الذي أذيع باسم «اللوبي»، ظهر فيه ماسوت واصفًا وزير الخارجية البريطاني، «بوريس جونسون»، بالأحمق، قائلًا: إنه «أصبح وزيرًا بلا أي نوع من المسؤولية». كما أظهر الفيلم تغلغل المخابرات الإسرائيلية في بريطانيا، وسعي موظفين بالسفارة الإسرائيلية إلى تشويه سمعة نواب في البرلمان البريطاني تعتبرهم تل أبيب معادين لها.
وتسبب الفيلم في نشر السفير الإسرائيلي في لندن اعتذارًا علنيًا ذكره المسؤول في السفارة الإسرائيلية، وسط مطالبات من نواب بالبرلمان البريطاني لفتح تحقيق.
العساكر
في يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، أذاعت قناة الجزيرة الإخبارية فيلمًا تسجيليًا بعنوان «العساكر.. حكايات عن التجنيد الإجباري في مصر»، والذي سلط الضوء على تلك الحكايات المتواترة التي يتناولها الشباب المصري ممن خاض تجربة التجنيد الإلزامي في مصر.
بمجرد الإعلان عن الفيلم، وقبل إذاعته بعدة أيام، «قامت الدنيا ولم تقعد» في وسائل الإعلام الرسمية المصرية، ووسائل الإعلام الخاصة المقربة من النظام المصري الحالي، متهمة الجزيرة وقطر ومخرج الفيلم بتشويه سمعة الجيش المصري، وتناول الأكاذيب عن أحد أقوى جيوش المنطقة.
وبالرغم من أن الفيلم لم يأت بجديد، بل تناول حكايات مألوفة يعرفها غالبية المصريين منذ سنوات، إلا أن عرض هذه الحكايات لأول مرة في صورة فيلم تسجيلي، أثار موجة كبيرة من الجدال بين مؤيد ومعارض، خصوصًا أن الفيلم أكد على عدة معلومات كان المصريون يعرفونها، ولكنهم لا يصرحون بها كثيرًا، والمتعلقة بمدى كفاءة الجنود المصريين، واستعداداتهم القتالية.
وأظهر الفيلم أن غالبية المجندين لا يتدربون على فنون القتال واستخدام السلاح كما هو مفترض، بقدر ما هم يعملون في المزارع والمصانع التابعة للقوات المسلحة، والتي تحصل على امتيازات عديدة تتعلق بعدم دفع الضرائب، واستخدام العمالة الرخيصة (العساكر)، وعدم تضمين أرباح هذه المنشآت ضمن موازنة الدولة.
فساد السلطة في المالديف
في شهر سبتمبر (أيلول) 2016، تمكنت وحدة التحقيقات التابعة لشبكة الجزيرة من كشف النقاب عن وجود فساد ضخم في أعلى هرم السلطة في جزر المالديف، يتمثل في عمليات سرقة ورشوة وغسيل أموال.
وكشف التحقيق الذي جاء في صورة وثائقي بعنوان «الجنة المسروقة»، أن رئيس المالديف، «عبد الله يمين عبد القيوم»، متهم بتلقيه دفعات من أموال، تصل قيمة كل دفعة منها إلى مليون دولار أمريكي. وأوضح الفيلم أن إجمالي عدد الدفعات وصل حدًا بات من الصعب عندها حمل الأموال، حسب ما ذكره أحد الرجال الذي كان مسؤولًا عن حمل هذه الأموال.
ويسرد الوثائقي، الذي يكشف كيفية ممارسة الفساد على المستوى الدولي، الحكاية من خلال بيانات جرى الحصول عليها من ثلاثة هواتف ذكية تخص نائب الرئيس السابق، «أحمد أديب»، بالإضافة إلى عشرات الوثائق السرية، وتسجيلات سرية لثلاثة رجال اختلسوا الملايين، وقاموا بتسليم الأموال المسروقة بأوامر مباشرة من الرئيس ونائبه.
وأثبت الفيلم أن وزراء ومساعدي الرئيس خططوا لعملية غسيل أموال لمبلغ يقدر بحوالي 1.5 مليار دولار أمريكي من خلال البنك المركزي للمالديف، بمساعدة رجال أعمال من سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا.
طاقة مصر المفقودة
في شهر يونيو (حزيران) 2014، كشف فيلم وثائقي من إنتاج الجزيرة بعنوان «طاقة مصر المفقودة» النقاب عن القصة الخفية وراء صناعة النفط والغاز في مصر، وكيف تمكن عدد من رجال الأعمال تكوين ثروات كبيرة في الوقت الذي خسر فيه الشعب كله.
واقتفى الفيلم آثار الملياردير المصري الهارب، «حسين سالم»، حتى وصل صحفي التحقيقات «كليتون سويشر» إليه في العاصمة الإسبانية مدريد، كما وصل إلى شريكه التجاري والضابط السابق في الموساد، «يوسي مالمان».
وأظهر الفيلم كيف أن مصر أبرمت عدة صفقات فاسدة؛ مما تسبب في تدمير قطاع الطاقة المصري؛ بسبب بيع مصر الغاز لإسرائيل بأسعار أقل كثيرًا من أسعار السوق العالمية، وهو ما يعني انتقال احتياطي الغاز المصري إلى إسرائيل، التي أبدت لاحقًا نيتها في إعادة بيعه لمصر.
وتشرح مصادر في تل أبيب كيف أنه – في أعقاب الإطاحة بالرئيس المصري السابق «محمد مرسي»، اتصلت مصر سرًا بإسرائيل؛ من أجل ضمان استمرار تدفق الغاز لمصر.
وفاة عرفات
بثت قناة الجزيرة شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 فيلمًا وثائقيًا بعنوان «مقتل عرفات.. الجزيرة تكشف سر موته»، يتقصى فيه عددًا من الحقائق التي أفضت مجتمعة لمقتل الرئيس الفلسطيني السابق، «ياسر عرفات»، وهو ما يعني أن وفاته لم تكن طبيعية أبدًا.
وتبدأ القصة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، عندما بدأت أعراض المرض تظهر على الرئيس الفلسطيني؛ ليقضي حتفه بعدها بشهرين فقط، دون معرفة الأسباب، وسط قناعات لقطاع واسع من الفلسطينيين بأن زعيمهم اغتيل، ولم يمت بشكل طبيعي، لكن دفن الجثة دفن معها الكثير من التساؤلات.
المثير في الأمر، هو أن الخبراء السويسريين أصدروا تقريرًا، تمكنت الجزيرة من الحصول عليه، يؤكد أن عرفات مات مقتولًا عبر سم «البولونيوم». وأظهر الفيلم حديث كبير المفاوضين الفلسطينيين، «صائب عريقات»، عن اتصال هاتفي بينه وبين «ناصر القدوة»، وزير الخارجية الفلسطيني في ذلك الوقت، وابن شقيقة عرفات، قائلًا له «صائب! اتصل من فضلك بالأمريكيين؛ وقل لهم أن يطلبوا من الإسرائيليين إعطاءنا الترياق»، وأنه قد قام بذلك بالفعل.
تحت المنصة
عرضت قناة الجزيرة عام 2013 فيلمًا تسجيليًا بعنوان «تحت المنصة»، يكشف فيه بالأدلة حقيقة الجثث التي قالت قوات الأمن المصرية إنها عثرت عليها بعدما قامت بفض اعتصام «رابعة العدوية»، أسفل منصة الاعتصام، وقالت آنذاك إنها جثث لمناهضين لحكم جماعة «الإخوان المسلمين»، قاموا بتعذيبهم وقتلهم ودفنهم أسفل المنصة.
عرض الفيلم جاء بمناسبة مرور مائة يوم على فض الاعتصام، ويكشف حقيقة أن هذه الجثث العشرين هي في الحقيقة جثث تابعة لأنصار الرئيس المصري السابق محمد مرسي، قامت قوات الأمن بقتلهم خلال فض الاعتصام، واستدل الفيلم على هذه الحقيقة عبر الأسماء المكتوبة على الأكفان.
وكانت وسائل إعلام مناهضة لجماعة الإخوان المسلمين تحدثت قبل فض الاعتصام عن وجود جثث أسفل المنصة لمناهضين لحكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، بعدما قام المعتصمون بتعذيبهم وقتلهم في ميدان رابعة العدوية، وفي نفس يوم فض الاعتصام جاءت رواية الأمن الرسمية لتؤكد وجود هذه الجثث، لكن منظر الجثث والدماء الطازجة على الأكفان، بالإضافة إلى طرف الخيط الذي سار الفيلم وراءه، أثبت أن هذه الجثث مقتولة حديثًا، وأنها في الحقيقة لأناس تواجدوا في الاعتصام قبل فضه بساعات.
وثائق بنغازي
عرفت وزارة الخارجية الأمريكية منذ عشرات السنين أن عدم كفاية الأمن في السفارات والقنصليات في جميع أنحاء العالم يمكن أن يؤدي إلى مأساة، ولكن كبار المسؤولين تجاهلوا هذه التحذيرات، وتركوا بعضًا من المناصب الدبلوماسية الأمريكية الأخطر عرضة للهجوم، وذلك وفقًا لتقرير حكومي داخلي حصلت عليه وحدة التحقيق في الجزيرة بشكل حصري.
ويصف التقرير الذي أعدته لجنة مستقلة من خمسة خبراء للأمن والمخابرات، كيف أن الهجوم على البعثة الخاصة الأمريكية في مدينة بنغازي الليبية يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2012، الذي تسبب في مقتل السفير «كريستوفر ستيفنز» وثلاثة أمريكيين آخرين بالرصاص، استغل فشلًا في وزارة الخارجية لمعالجة المخاوف الأمنية الخطيرة في المنشآت الدبلوماسية في المناطق المعرضة للخطر.
ومن بين أكثر التقييمات الدامغة، خلص الفريق إلى أن أخطاء ارتكبتها وزارة الخارجية متعلقة بمدى خطورة تدهور الأوضاع في ليبيا والإعفاءات من الأنظمة الأمنية في مقر البعثة الأمريكية الخاصة ساهمت في مأساة بنغازي. ووافق وكيل الوزارة للشؤون الإدارية، «باتريك كينيدي»، على استخدام بنغازي بصفتها مدينة مؤقتة لبعثة دبلوماسية أمريكية، على الرغم من نقاط الضعف الكبيرة، وفقًا لوثيقة وزارة الخارجية الداخلية المتضمنة في التقرير.
وثائق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية
وهي مجموعة من الوثائق السرية الخاصة بعمليات التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيلي، والتي حصلت الجزيرة على نسخة منها عام 2011. وتضمنت هذه التسريبات 275 ملخص اجتماعات، و690 بريد إليكتروني داخلي، و153 دراسة وتقرير، و64 مسودة لاتفاق، و54 جدول وخريطة ورسم بياني، تتضمن كلها معلومات عن مفاوضات عملية السلام لأكثر من عقد من الزمان.
وأثارت عملية الكشف عن هذه الوثائق الكثير من ردود الفعل المتباينة: فقال كبير المفاوضين الإسرائيليين، صائب عريقات، «إن ما نشر ليس سوى أنصاف الحقائق وأكاذيب»، واتهم «ياسر عبد ربه» أمير دولة قطر آنذاك، «حمد بن خليفة آل ثاني»، بإعطائه الضوء الأخضر للجزيرة لشن حملة سياسية في المقام الأول على السلطة الفلسطينية.
وشكلت السلطة الفلسطينية لجنة لتقصي الحقائق، والتي توصلت لنتيجة تقول إن «التسريب جاء من مكتب دعم المفاوضات الذي يرأسه صائب عريقات؛ وهو ما أدى إلى استقالته من منصبه».
علامات
editorial, إعلام, إعلام حر, الجزيرة, المالديف, تحقيقات, جزر المالديف, سياسة, قناة الجزيرة, مصر, منبر الجزيرة