في الذكرى الشهرية الثانية لهجوم لندن، وقع أمس هجوم بمدينة مانشتسر البريطانية، تبناه «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش)، أسفر عن مقتل 22 شخص، وإصابة 59 آخرين؛ مما أثار ردود أفعال تضامنية بريطانية وعالمية، للهجوم الأكثر دموية منذ نحو 12 عامًا.

ما الذي حدث؟

في الساعات الأخيرة من مساء أمس، ومع انتهاء حفل غنائي للمغنية الأمريكية أريانا جراند، حضره نحو 21 ألف في مسرح مانشستر ببريطانيا، وأثناء مغادرة الجمهور للحفل الغنائي، وقع تفجير في بهو المسرح أسفر عن مقتل 22 شخص، بينهم أطفال بحسب الشرطة البريطانية، وإصابة 59 آخرين، بينهم 12 طفلًا، دون سن 16 عامًا.

وعُرفت أول ضحية للحادث باسم جورجينا كالندر، الطالبة تبلغ من العمر 18 عامًا، فيما كانت أصغر ضحية للحادث في المدرسة الابتدائي، وتحمل اسم صافي روز، وتبلغ من العمر ثمانية أعوام، وتحدث شهود عيان عن رؤيتهم لصواميل معدنية منتشرة على الأرض، ووجود رائحة متفجرات، لافتين إلى حالة الفوضى والرعب والانتشار التي شعر بها الحضور عقب وقوع الانفجار.

«كنا في طريقنا إلى الباب عندما وقع انفجار هائل وبدأ الجميع يصرخون ويركضون في كل الاتجاهات»، هكذا تقول كيندي هيل أحد شهود العيان، واصفةً المشهد بـ«الفوضوي» وقالت «ضيعنا أحذيتنا وهواتفنا (…) وقررت الاختباء تحت أحد الجسور خوفًا من وجود مسلح بين الناس».

[c5ab_facebook_post c5_helper_title=”” c5_title=”” id=”” url=”https://www.facebook.com/TELEGRAPH.CO.UK/videos/10155715263599749″ width=”446″ ]

وبعد الحادثة، حصلت السلطات البريطانية على 240 نداء استغاثة، لتحضر إلى مكان الحادث 60 سيارة إسعاف، بالإضافة إلى أكثر من 400 من رجال الشرطة البريطانية، ونفذت الشرطة تفجيرًا محكمًا في منزل بمنطقة فالوفيلد جنوب مانشتسر في إطار التحقيقات، وداهمت شققًا أيضًا جنوب المدينة، كما أغلقت السلطات الطرق المحيطة بالمسرح ومحطة فيكتوريا القريبة من المسرح، كما نشر المئات من سكان مانشستر رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي، عرضوا فيها إيواء من تقطعت به السبل في المدينة.

من هو منفذ الهجوم؟

قالت الشرطة البريطانية: إن الهجوم نفذه انتحاري بعبوة ناسفة، وقُتل أثناء الانفجار، وقالت ماي: إن الشرطة تعرفت على هوية المنفذ، لكنها غير جاهزة للإفصاح عنه، وأفادت الشرطة بأنها بدأت التحقيق فيما إذا كان المنفذ تصرف منفردًا أم ارتبط بآخرين، وقالت إنها ستتعامل مع الحادث على أنه هجوم إرهابي حتى تحصل على معلومات أخرى، وألقت القبض اليوم على مشتبه في علاقته بالحادث، يبلغ عمره 23 عامًا.

ويبدو أن توقعات الشرطة وتحقيقاتها لم تذهب بعيدًا عن الواقع، إذ أعلن «تنظيم الدولة» مسؤوليته عن الحادث، ولفت التنظيم في بيانه أن المنفذ فجر عبوة ناسفة، متوعدًا بشن هجمات أخرى على من أسماهم «عباد الصليب».

وتأتي تلك الهجمات «ذائعة الصيت» لتضيف نوعًا من «الانتصارات الإعلامية والدعائية» على الأقل من وجهة نظر التنظيم، مع اشتداد الضربات التي يتلقَّاها التنظيم، في معاقله الأساسية في سوريا والعراق، وتقلص نفوذ التنظيم في تلك الأماكن، وتأكيد التحالف الدولي قبل أسبوع منها اقتراب هزيمة «تنظيم الدولة» التامة في الموصل، آخر معاقل التنظيم في العراق.

كيف تفاعلت بريطانيا والعالم مع الهجوم؟

على الصعيد الرسمي، أدانت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي الهجوم واصفةً إياه بـ«الهجوم الإرهابي المروع»، معربةً عن تعاطفها وتضامنهما مع الضحايا وأسرهم، ونكس العلم البريطاني المرفوع فوق مقر الحكومة البريطانية في لندن، وترأست ماي اجتماعًا صباح اليوم الثلاثاء، للجنة الطوارئ «كوبرا»، وقالت ماي اليوم إن مانشستر تعرضت لهجوم قاسي، نفذه شخص يمتلك «عقل مشوه».

وقالت الملكة البريطانية إليزابيث اليوم، أن الأمة كلها «مصدومة» من الهجوم، معربةً عن تعاطفها البالغ مع كل من تأثروا بهذه «الواقعة المروعة، وخاصة أسر القتلى والجرحى وأصدقائهم» مشيدةً بـ«الإنسانية والرحمة» التي أبداها سكان مانشستر، بعد هذا العمل «الوحشي»، كما أدان جيرمي كوربيون، زعيم حزب العمال المعارض واصفًا إياه بـ«أبشع أعمال العنف».

وشددت الإجراءات الأمنية في مانشستر ولندن ومنشآت النقل العام في عموم بريطانيا، وقال صادق خان العمدة المسلم للعاصمة البريطانية لندن، إن الشرطة ستتواجد بشكل أكبر في الشارع اليوم، مدينًا الحادث، ومتضامنًا مع ضحاياه، وأكد خان أن مانشستر وبقية لندن لن تُخوف بالإرهاب «هؤلاء الذين يريدون أن يدمروا طريقتنا في الحياة، وتقسيمنا لن ينجحوا أبدًا» وعلّقت الحملات الانتخابية للانتخابات البرلمانية المزمع إقامتها الشهر المقبل، فاعلياتها حتى إشعار آخر.

[c5ab_facebook_post c5_helper_title=”” c5_title=”” id=”” url=”https://www.facebook.com/MayorofLondon/posts/468209223525240″ width=”446″ ]

وعالميًا، أدانت عدد من الدول الهجوم، معربةً عن تضامنها مع بريطانيا والضحايا وأسرهم، وقال جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية «لقد أدمى قلبي أن أرى مجددًا الإرهاب يسعى لزرع الخوف في مكان يجب أن يكون فيه فرح، وأن ينشر الانقسام في المكان الذين يجتمع فيه الشباب والأسر للاحتفال»، فيما امتدت مشاعر الإدانة للهجوم والتضامن مع ضحاياه إلى أيرلندا وأستراليا وباكستان والهند.

وعلى الصعيد الشعبي غير الرسمي، شغل الهجوم اهتمام الكثيرين على مستوى العالم، ليحتل صباح اليوم هاشتاج #Manchester صدارة الوسوم عالميًا، على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، ليليه وسم #StandTogether (نقف معًا) الذي حل ثانيًا كأكثر الوسوم انتشارً عالميًا.

وأعرب المستخدمون عن انتقادهم للهجوم وتضامنهم مع الضحايا وأسرهم، وخلال تدوينات لهما على تويتر، أعرب اللاعب المصري، والمحترف السابق بالدوري الانجليزي، أحمد حسام ميدو، عن تضامنه وتعاطفه مع المتأثرين بالحادث،بكلمات مشابهة لتلك التي استخدمها ريو فيردناند أسطورة الدفاع السابقة في نادي مانشستر يوناتيد، كما وقف فريق النادي دقيقة حدادًا على أرواح ضحايا الهجوم.

كيف سيؤثر الهجوم على مسلمي بريطانيا؟

يعد هجوم مانشستر هو ثاني هجوم يتبناه «تنظيم الدولة» في بريطانيا بعد البريكسيت، ويقع خلال شهرين، فقط بعد هجوم لندن الذي وقع يوم 22 مارس (آذار) الماضي، وأدى لمقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 40 آخرين، وتبناه تنظيم الدولة أيضًا.

لذلك فإن الهجوم الأخير قد يؤثر سلبًا على مسلمي بريطانيا، الذين تبلغ نسبتهم 5% من عدد السكان الإجمالي، بحسب إحصائية للمجلس الإسلامي البريطاني، نشرتها شبكة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في 2015 وذكرت أن عدد المسلمين بلغ 2.71 مليون 47% منهم ولدوا في بريطانيا، في الوقت الذي أفادت فيه صحيفة «ديلي ميل» البريطانية في 2016، بأن العدد تخطى الثلاثة ملايين مسلم.

ومن الممكن أن تتسبب جرائم كتلك في تأجيج الخطاب الشعبوي تجاه المسلمين، وارتفاع جرائم الكراهية والعنصرية ضدهم، تلك الجرائم التي انتعشت بعد ساعات قليلة من «البريكسيت» وتصويت أغلبية البريطانيين لصالح خروج بريطانيا من أوروبا.

«الأمر – التصويت بالخروج – ليس له علاقة بالتجارة أو أوروبا أو أي شيءٍ آخر، الأمر يتعلق بالهجرة، ولمنع المسلمين من القدوم إلى هذا البلد»، هكذا قال أحد البريطانين الداعمين للبريكسيت، عندما سأله سيران جينكيز مراسل القناة الرابعة عن دوافعه للتصويت بالخروج، من الاتحاد الأوروبي.

لم تتوقَّف موجة العنصرية التي انتشرت في بريطانيا عقب الاستفتاء عند هذا الحد، إذ وثَّق مجلس مسلمي بريطانيا أكثر من ألف حادثة عنصرية خلال أيام قليلة أعقبت نتيجة الاستفتاء، منددًا بما وصفه بـ«تصاعد الانتهاكات العنصرية عقب الاستفتاء»، وطالب المجلس القادة السياسيين والمدنيين بمعالجة الانقسامات التي أعقبت الاستفتاء.

اقرأ أيضًا: «عودوا لبلادكم».. العنصرية تغزو بريطانيا إثر خروجها من الاتحاد الأوروبي

كيف ضرب «الإرهاب» بريطانيا والغرب خلال العقود الماضية؟

خلال الشهرين الماضيين فقط، قتل حوالي 25 شخصًا، وأُصيب نحو 100 آخرين، نتيجة هجومي مانشستر ولندن الذي تبناهما التنظيم في بريطانيا، ولكن هجوم مانشستر الأخير هو أعنف هجوم تشهده الملكة المتحدة خلال العقد الماضي، فلم يسبقه في الدموية سوى الهجوم الانتحاري الذي وقع في وسائل النقل المشتركة بلندن، في السابع من يوليو (تموز) من عام 2005، وأسفر عن مقتل 56 شخصًا، وتبناه مؤيدون لتنظيم «القاعدة».

ويأتي هجوم مانشستر الأحدث، ليستكمل مسلسلًا من الهجمات التي ضربت أوروبا والغرب خلال السنوات والعقود الماضية، ففي 22 مارس (آذار) 2016، وقعت هجمات بروكسيل التي أسفرت عن مقتل 34 شخصًا، وتبناها تنظيم الدولة.

وفي 12يونيو (حزيران) الماضي، وقع أسوأ هجوم مسلَّح في تاريخ أمريكا بأورلاندو، وأسفر عن مقتل 49 شخصًا، و إصابة 53 آخرين، وتبناه «تنظيم الدولة» كما تبنى التنظيم في 16 يوليو (تموز) الماضي، هجوم الدهس في مدينة نيس الفرنسية، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 84 شخصًا، وإصابة 202 آخرين.

وبعد أقل من أسبوع من ذلك الهجوم،وفي 23 يوليو (تموز) الماضي، وقع هجوم ميونيخ، الذي تسبب في مقتل تسعة أشخاص، وإصابة 27 آخرين، قبل أن ينتحر منفذه الذي يبدو أنه كان مريضًا نفسيًا بحسب السلطات الألمانية، وفي 21 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى التنظيم هجوم الدهس في العاصمة الألمانية برلين، والذي أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 48 آخرين، وهذا إنفوجرافيك يلخص أبرز الهجمات الدموية التي ضربت أوروبا وأمريكا خلال العقود الماضية.

المصادر

تحميل المزيد