قُتل، مساء أمس، الجمعة 23 يوليو (تموز) 2016، تسعة أشخاص، وأُصيب 27 آخرون، في هجوم نفذه مسلح ألماني من أصول إيرانية، على مركز تسوق «أولمبيا» في مدينة ميونيخ البافارية الألمانية، ثم انتحر.
الهجوم الذي لم يكن الأول في ألمانيا، أثار ردود أفعال محلية وعربية وعالمية واسعة، وأعاد التركيز مرة أُخرى على قوانين حمل السلاح هُناك.
علاقة منفذ الهجوم بـ«تنظيم الدولة»
في بداية الأمر اعتقدت الشرطة الألمانية، أن ثلاثة مُسلحين نفذوا الهجوم، لكن بمرور الوقت أعلنت الشرطة أن مُنفذه شخص واحد فقط. وهو شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحمل الجنسيتين الألمانية والإيرانية أطلق النار بشكل عشوائي على المارة، في مركز تسوق أولمبيا، الكائن في مدينة ميونيخ بولاية بافاريا الألمانية. قبل أن ينتحر بإطلاق النار على نفسه، بعد مطاردة الشرطة الألمانية له. وأفادت وسائل إعلام ألمانية بما فيها صحيفة «بيلد» الألمانية أن مُنفذ الهجوم يُسمى «علي سونبولي».
وأفادت السلطات الألمانية، أن الهجوم أسفر عن مقتل تسعة أشخاص: سبعة منهم تحت سن العشرين، وثلاثة منهم من دولة كسوفو، وثلاثة أتراك، وآخر يوناني، وضمت قائمة القتلى ثلاث سيدات، ذلك بالإضافة إلى إصابة 27 آخرين، بينهم ثلاثة في حالة خطرة. وفي مؤتمر صحافي عقده رئيس شرطة ولاية بافاريا ظهر اليوم السبت، نفت الشرطة الألمانية وجود أي دوافع سياسية للهجوم، أو علاقة بين منفذ الهجوم بـ«تنظيم الدولة» أو اللاجئين.
واعتبرت- بحسب المعلومات التي وفرتها جهات التحقيق- أن الهجوم فردي عشوائي نفذه مُسلح – له علاقة بجرائم قتل عشوائي سابقة – مُختل عقليًا
ويعاني من شكل من أشكال الاكتئاب، كان يُعالج منه نفسيًا. وبتفتيش شقة المُنفذ عثرت الشرطة على كتب تتعلق بعمليات إطلاق النار العشوائي. أحدهما جاء تحت عنوان «كيف يتوجه التلامذة إلى تنفيذ عمليات إطلاق النار عشوائيًا».
وأعلن «هوربرتوس أندريا» – رئيس الشرطة الألمانية- إن «هناك علاقة واضحة» بين هجوم ميونيخ، وهجوم أوسلو الذي نفذه النرويجي اليميني المتطرف «اندريس بيرينج بريفيك»، في 22 يوليو (تموز) 2011، وأسفر عن مقتل 77شخص. واعتبر أندريا أن مُنفذ هجوم ميونيخ استلهم جريمته من منفذ هجوم أوسلو ، بتنفيذها في الذكرى الخامسة لهجوم أوسلو، ولم يذكر أندريا المزيد من التفاصيل في هذا الصدد. ولفت أندريا إلى أن جهات التحقيق لم تستجوب والدي المنفذ؛ لشعورهما بـ«الصدمة» من الحادث، ويقول مُقربون منه إنه كان «إنسانًا هادئًا».
«تعالوا على الساعة الرابعة ظهرًا إلى مطعم ماكدونالدز بمركز أولمبيا التجاري. سأدفع الحساب شريطة ألا يكون السعر مرتفعًا»، هذه دعوة أطلقها حساب على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، يحمل اسم «سيلينا أكين». وتشير تقارير صحافية ألمانية إلى أن منفذ الهجوم استخدم هذا الحساب لاستقطاب الجماهير على مركز أولمبيا التجاري، بغية استهداف أكبر عدد من المدنيين . وأشار أندريا إلى إمكانية حدوث ذلك، دون تأكيد نهائي «نظرًا لأن التحقيقات لا تزال جارية» في هذا الخصوص على حد تعبيره.
ألمانيا مصدومة من الحادث.. وإشادة بدور الشرطة
تلقى عدد من المسؤولين الأماني الحادث بـ«الصدمة»، مُشيدين بدور الشرطة في مواجهته، مع استمرار عمليات التحقيق والبحث لكشف المزيد من ملابساته، و ناشدت الشرطة الألمانية المواطنين تقديم أية مواد فيلمية أو صور فوتوغرافية أو تسجيلات صوتية للهجوم المسلح.
وعقب الحادث، دعت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الفيدرالي، يضم الوزراء المعنيين من حكومتها لبحث الأزمة، أعقبه مؤتمر صحافي، قالت فيه ميركل إن السلطات الألمانية بذلت قصارى جهدها في مواجهة هجوم ميونيخ، مُعربة عن حزنها على الضحايا وتضامنها مع أهاليهم . وعبر نائب المستشارة الألمانية «زيجمار جابريل» عن صدمته من الحادث وتضامنه مع ضحاياه، واصفًا في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أداء الشرطة بـ«الرائع».
وفي سياق متصل، عبّر الرئيس الألماني «يواخيم جاوك» عن «صدمته الكبيرة» بعد اعتداء ميونيح الذي وصفه بـ« الإجرامي» مؤكدًا تضامنه مع الضحايا وعائلاتهم، وقال «جاوك» في بيانه«إن الاعتداء الإجرامي في ميونيخ أشعرني بالصدمة إلى أقصى حد».بدوره، أمر رئيس حكومة ولاية بافاريا الألمانية «هورست زيهوفر» بتنكيس الأعلام، في كافة المباني الحكومية والإدارات والمحليات والأحياء في الولاية، كما وقفت حكومة الولاية دقيقة حداد على أرواح القتلى.
إدانات عربية وعالمية لهجوم ميونيخ
عبرت عدد من دول العالم، والدول العربية ودول منطقة الشرق الأوسط عن إدانتهم لهجوم ميونيخ، كما أبدت دول غربية استعداده لمساعدة ألمانيا في هذا الظرف. وبالنسبة للدول التي ارتبطت جنسياتها بالحادث سواء بمنفذه أو ضحاياه، أدانت الخارجية الإيرانية «قتل الأبرياء العزل» مُعربة عن تضامنها مع ألمانيًا شعبًا وحكومة. وأدانت الخارجية التركية الهجوم، مؤكدة ضرورة التعاون في مكافحة الإرهاب، مبدية استعداد تركيا في تقديم «الدعم الكامل لحليفتها ألمانيا».
وعلى الصعيد الغربي، قال الرئيس الأمريكي، باراك أوباما «سأمنح دعمي الكامل للحكومة الألمانية في تعاملها مع هذه الظروف»، كما عبر الرئيس الفرنسي، «فرانسوا هولاند»، عن «تضامنه ودعمه للشعب الألماني في هذه الساعة الصعبة» وأعرب وزير الخارجية البريطاني، «بوريس جونسون»، عن صدمته وفزعه من الهجوم، مُبديًا استعداد الحكومة البريطانية لـ«مساعدة أصدقائنا الألمان».
وعربيًا، أدانت الخارجية المصرية الهجوم ودعت في بيان لها إلى تكاتف الجهود من أجل« مكافحة ظاهرة الإرهاب واجتثاثها من جذورها». كما أدان عدد من الدول العربية هجوم ميونيخ، كالكويت والعراق وفلسطين والبحرين، ولفتت في معظمها إلى أن الإرهاب لا دين له. وحظي الهجوم باهتمام عالمي؛ إذ احتل هاشتاج #Munich صدارة الوسوم عالميًا ليلة الهجوم.
المراهقون يتلاعبون بأمن ألمانيا
لم يكن هجوم ميونيخ المسلح هو الهجوم الأول في ألمانيا؛ إذ شهدت ألمانيا العديد من الحوادث الدموية المشابهة خلال العقدين الماضيين، وكان من اللافت أن معظم من نفذ هذه الحوادث هم مراهقون تتراوح أعمارهم من 17 لـ 20 سنة.
ويعد هجوم ميونيخ، هو الهجوم الثاني الذي تشهده ألماني وولاية بافاريا نفسها في أسبوع واحد، ففي يوم الاثنين الماضي، هاجم لاجئ من أفغانستان (17 عام) ركاب قطار في ولاية بافاريا مستخدمًا سكينًا وفأسًا، في هجوم أسفر عن إصابة أربعة، قبل أن تقتل الشرطة منفذ الهجوم. وتبنى «تنظيم الدولة» الهجوم الأول له في ألمانيا.
وفي 12يونيو (حزيران) الماضي، أطلق مسلح النار على مخيم للاجئين في ألمانيا؛ مما أدى لإصابة طفل(خمس سنوات)، وشاب (18 سنة). وأحصت السلطات الألمانية وقوع 177 حادث عنف استهدف منازل للاجئين في ألمانيا خلال عام 2015؛ لتتراجع تلك الحوادث إلى 26 منذ بدء العام الجاري.
وفي 10 مايو (أيار) الماضي، قتل رجل شخصًا وأصاب ثلاثة آخرين في عملية طعن في محطة قطار قريبة من «ميونيخ، ونفى وزير الداخلية بولاية بافاريا أن يكون هناك دافع «إسلامي» لهذه العملية. ورجّح بعد إلقاء القبض على منذ العملية أن يكون مريضًا نفسيًا ومدمنًا للمخدرات.
وفي 11 مارس (آذار) من عام2009، شهدت ألمانيا واحدة من أسوأ حوادث إطلاق النار في تاريخها، بالقرب من مدينة «شتوتجارت»؛ عندما أقدم مراهق لم يتعد عمره 17 عامًا، كان يرتدي ملابس قتالية سوداء، على إطلاق النارَ في مدرسته، التي كان تلميذًا فيها، مما أدى إلى مقتل 15 شخصًا (تسعة طلاب، وثلاثة معلمين، وثلاثة من المارة)، قبل أن تقتله الشرطة بعد تبادل إطلاق نار معه. وقد شهد هذا العام وقوع 179 جريمة إطلاق نار في ألمانيا. ومقتل مصرية تُدعى «مروة الشربيني» بعد طعنها 16 مرة في ثلاث دقائق وهي حامل، لأسباب «عنصرية».
وفي عام 2006، ذهب شاب يبلغ من العمر 18 سنة إلى مدرسته القديمة وأطلق النار بداخلها، مما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص، ودفعت تلك الواقعة السلطات الألمانية إلى فرض قيود على بيع ألعاب الفيديو العنيفة إلى «الأحداث».
وشهد عام 2002، حادث إطلاق نار هو الأسوأ من نوعه في التاريخ الألماني، عندما أقدم شاب يبلغ من العمر 19 سنة طُرد من مدرسته الثانوية في «إيرفورت»على إطلاق النار بداخلها؛ مما أدى لمقتل 16 شخصًا قبل أن ينتحر.
قوانين حمل السلاح في ألمانيا
تعيد تلك الحوادث – التي كان معظمها إطلاق نار – الحديثَ عن وضع السلاح في ألمانيا وقوانين حمله. وتعد ألمانيا واحدة من أكثر دول العالم، التي يحمل مواطنيها أسلحة نارية مُرخصة، وتأتي في المركز الرابع عالميًا عقب الولايات المتحدة، وسويسرا وفنلندا. فهناك مليونا مواطن في ألمانيا يحملون حوالي 5.5 مليون قطعة سلاح مُرخصة، وتفيد تقارير شرطية ألمانية أن هناك أكثر من 20 مليون مواطن يحملون أسلحة غير مرخصة في ألمانيا.
وبالرغم من تلك الأرقام، فإن ألمانيا تُعد واحدة من أقل الدول التي يقع فيها حوادث قتل بالأسلحة النارية في العالم، بوقوع 0.05 حادثة في المتوسط لكل 100 ألف شخص، ويرتفع ذلك المعدل في دولة مثل الولايات المتحدة ليصل إلى 3.34، تلك الدولة التي يحمي دستورها حق المدنيين في حمل السلاح، وشهدت مؤخرًا أسوأ حادث إطلاق نار أسفر عن مقتل 49 شخصًا وإصابة 53 آخرين.
ويمكن إرجاع تقلص ذلك المعدل في ألمانيا، إلى «صرامة» القوانين الألمانية لحمل السلاح؛ إذ تمتلك ألمانيا عددًا من القوانين الأشد صرامة أوروبيًا وعالميًا في هذا الصدد؛ فإذا أراد المواطن الألماني شراء سلاح عليه في البداية أن يحصل على رخصة حمل السلاح، وربما يحتاج لرخصة أخرى بحسب نوع السلاح، ويجب ألا يقل عمره عن 18 عام ويتعرض لما يُسمى بـ«اختبار الموثوقية»، الذي يشمل التحقق من وجود سوابق جنائية للمتقدم، وإدمانه للمخدرات، والكحوليات، والتأكد من صحته العقلية. وفي كل الأحوال، فإن الأسلحة الآلية محظورة على الجميع في ألمانيا، وتُسمح الأسلحة نصف الآلية؛ لأغراض الصيد، ومسابقات إطلاق النار فقط.
وبعد حادثة 2002، أقر البرلمان الألماني تعديلات على قوانين حمل السلاح؛ ليُلزم المتقدمين للحصول على الرخص، دون سن 35 عامًا لاجتياز ما يُسمى بـ«اختبار المعرفة المتخصصة» والذي يتضمن التقييم «النفسي» للمتقدم واختبارات «الغضب» و«الشخصية» من خلال مستشار متخصص. وتُعد ألمانيا هي الدولة الوحيدة في العالم الذي تُجري هذه الاختبارات للمتقدمين دون 25 سنة.
وعقب هجوم 2009، أقرت السلطات الألمانية تعديلات جديدة تمنح السلطات حق مراقبة مالكي الأسلحة بما يتضمن تفتيش ممتلكاتهم؛ للتأكد من حفظ الأسلحة بطريقة صحيحة. وقد أدت تعديلات 2009 إلى تقليص حوادث إطلاق النار في ألمانيا بشكل كبير، ولم تقع حوادث كبيرة ـ بعد ذلك ـ يتعدى ضحاياها مقتل ثلاثة أشخاص.