قُتل 84 وأصيب العشرات في عملية دهس شهدتها مدينة نيس الفرنسية مساء الخميس، أثناء الاحتفال بالعيد الوطني لفرنسا. وأعقب العملية إجراءات فرنسية، وإدانات دولية، وتضامن عالمي، مع أهالي ضحايا فرنسا التي أصبحت ساحة للعمليات الدموية خلال الشهور الأخيرة.

ما الذي حدث.. ومن هم الضحايا؟

في مساء يوم الخميس الموافق 14 يوليو ( تموز) الجاري، العيد الوطني لفرنسا الذي اعتاد فيه الفرنسيون الاحتفال في الشوارع لما يُسمى «يوم الباستيل». انطلقت شاحنة نقل وسط حشود المُحتفلين في مدينة نيس جنوبي فرنسا، على سرعة عالية لتدهس المحتفلين على مسافة 2 كيلو متر، قبل أن تقتل الشرطة سائق الشاحنة بعد تبادل إطلاق نار معه. وتعثر على أسلحة وقنابل يدوية داخل الشاحنة.

وأسفرت عملية الدهس عن مقتل 84 شخصًا وإصابة 202 من بينهم 25 شخصًا في حالة «حرجة للغاية» بحسب الحكومة الفرنسية، التي أفادت بأن عدد القتلى مُرشح للارتفاع. وبمرور الوقت ذهب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى ما هو أبعد عندما قال إن 50 شخصًا من ضحايا الهجوم بين الحياة والموت.

فيديو يُظهر مواجهة الشرطة لسائق الشاحنة:

وحول هوية الضحايا، أفاد وزير الداخلية الفرنسي أنهم تنوعوا بين سكان نيس وعدد من السائحين الأجانب دون تحديد عدد معين لضحايا كل جنسية. وأفادت تقارير صحافية بوجود عرب ومسلمين من بين الضحايا، كما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي سيدة يُعتقد بأنها عربية كانت تمشي بين الضحايا وتقول «وين بنتي؟».

«كل ما أستطيع قوله، إنها كانت ترتدي الحجاب، وتمارس الإسلام الحقيقي، بالطريقة الصحيحة، وليس بالطريقة التي يسلكها الإرهابيين» هكذا يقول ابن فاطمة تشاريهي، السيدة العربية التي أفادت الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أنها كانت من بين قتلى الهجوم.

ومن بين القتلى الذين تحددت هويتهم، مساعد رئيس شرطة حدود مدينة نيس، وأب أمريكي ونجله وطالب روسي، ومواطنة سويسرة، ومواطنان أرمينيان. كما أعلن مسؤولون ألمان فقد ثلاثة مواطنين، وأفادت السلطات الفرنسية بوجود أطفال بين قتلى الهجوم. كما أفادت تقارير صحافية بمقتل ما لا يقل عن 10 أطفال، وإصابة 54 آخرين.

فيديو للحظات الأولى لتنفيذ عملية الدهس:

فيديو السيدة التي تقول «وين بنتي؟»:

https://www.youtube.com/watch?v=NM6nWOMWBjU

من هو مُنفذ الهجوم.. وكيف نفذ هجومه؟

أفادت وسائل إعلام فرنسية إن الشرطة المحلية عثرت على بطاقة بنكية وهاتف جوال و أوراق شخصية لسائق الشاحنة، أظهرت أنه فرنسي من أصل تونسي يُسمى محمد لحويج بو هلال، ووُلد في تونس بمدينة مساكن عام 1985 ميلاديًا، ويبلغ عمره 31 سنة. وبحسب وسائل إعلام فرنسية، فقد استأجر بو هلال الشاحنة من منطقة بروفنس ألب كوت دازور، قبل أيام قليلة من تنفيذ عملية الدهس.

وقبل تسع ساعات من الهجوم، أوقف بو هلال شاحنته على كورنيش مدينة نيس، وقال لشرطة المرور أنه بانتظار فض الحشد حتى يتمكن من إيصال «البوظة» (أي المثلجات أو الآيس كريم) إلى أصحابها. وسمحت الشرطة بالفعل له بإيقاف شاحنته على الكورنيش المدينة -الذي يُحظر فيه وقوف الشاحنات عليه في الأعياد والعُطل الرسمية إلا في بعض الاستثناءات كسيارات نقل الأغذية- ليستغل بو هلال الفرصة وينطلق لدهس الحشود.

صورة للبطاقة الشخصية لمنفذ العملية (المصدر: ديلي ميل)

وتذكر وسائل إعلام فرنسية، إنه بو هلال أب لثلاثة أطفال انفصل عن زوجته وأصابته حالة اكتئاب عقب انهيار علاقته مع زوجته، ويقول جيران بو هلال في فرنسا إنه حزن من الانفصال وأصبح مُكتئبًا وغير مُستقر وعدوانيًا ويعاني من مشاكل مالية. ويصفونه بأنه كان وسيمًا وهادئًا و غريبًا بعض الشيء ومزاجيًا ووقحًا وغير مهذب.

«كان يُحب النساء والرقص أكثر من الدين»

هكذا يؤكد جيران بو هلال، الذين لفتوا إلى أنه لم يكن مُهتمًا بالدين ولم يكن يُصلي، وكان شغوفًا بالنساء ورقصة «سالسا» أكثر من الدين، وتقول إحدى جيرانه أنها لم تكن تعرف أنه كان مُسلمًا، ويقول ابن عم بو هلال إن قريبه كان «يشرب الكحول ويأكل لحم الخنزير ويتعاطى المخدرات، ولم يكن يصلي أبدًا أو يذهب إلى المسجد» مُستبعدًا أن يكون «جهاديًا».

وحول السجل الجنائي لبو هلال، يقول مصدر أمني فرنسي إنه كان معروفًا لدى الشرطة الفرنسية بالجرائم الواقعة تحت القانون العام كأعمال السرقة، والعنف، والتهديد ولم يكن له علاقة بحوادث إرهابية، ولم يكن مدرجًا في قائمة مراقبة أجهزة المخابرات الفرنسية.

كيف تعاملت فرنسا تجاه هجوم نيس؟

وصف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الهجوم «الإرهابي»، وقال في كلمة له ألقاها فجر الجمعة، إن فرنسا مستهدفة بالإرهاب، وأعلن هولاند تعبئة 10 آلاف جندي وزيادة الإجراءات الأمنية واستدعاء جنود الاحتياط لمساعدة قوات الأمن. ذلك بالإضافة إلى تمديد حالة الطوارئ لثلاثة شهور أخرى اعتبارًا من 26 يوليو (تموز) الجاري بعد عرض الأمر على البرلمان الأسبوع المُقبل. وتعيش فرنسا في حالة طوارئ منذ هجمات باريس التي وقعت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وأسفرت عن مقتل 130 شخصًا وإصابة العشرات. ومددتها السلطات الفرنسية مرتين قبل التمديد الأخير.

وقال الرئيس الفرنسي، إن فرنسا ستعزز تدخلها في سوريا والعراق عقب عملية نيس، مُشددًا على ضرورة بذل كل ما يُمكن لـ«مكافحة آفة الإرهاب». وجاءت تلك الكلمة قبل أن يتوجه هولاند لمركز الأزمات بمقر وزارة الداخلية، لعقد اجتماع طارئ لبحث الأزمة. وأعلنت السلطات الفرنسية الحداد الوطني لثلاث أيام تبدأ من يوم 16 يوليو (تموز) الجاري. ويتولى جهاز مكافحة الإرهاب التحقيق في العملية، ويبحث عن معاونين مُحتملين لبو هلال، وأفادت المدعي العام في باريس أن زوجة بو هلال السابقة احتجزت للتحقيق معها.

أبرز ردود الأفعال الدولية والعربية

توالت ردود الأفعال الدولية والعربية المنددة بالحادث والمتضامنة مع ضحاياه والمؤكدة على ضرورة مكافحة الإرهاب؛ إذ أدانت وزارة الخارجية التونسية -في بيان لها- الحادث الذي وصفته بـ«الإرهابي الجبان» مُتقدمة بتعازيها لأهالي الضحايا وفرنسا حكومةً وشعبًا. كما عبّرت تونس عن وقوفها بجانب فرنسا لمواجهة آفة الإرهاب داعية العالم للاصطفاف في مكافحة الإرهاب. كما أدانت مصر ودول مجلس التعاون الخليجي الهجوم، معربين عن تضامنهم مع فرنسا في مواجهة الإرهاب.

وعلى الصعيد الدولي، أدان مجلس الامن الدولي -في بيان صدر بإجماع أعضائه الخمسة عشر- «بأشد الحزم الاعتداء الإرهابي الهمجي والجبان» مؤكدًا ضرورة مكافحة الإرهاب بكافة السبل في إطار القانون الدولي. وأدانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الهجوم وقالت إن ألمانيا ستقف بجانب فرنسا في الحرب على الإرهاب مؤكدة أنها ستفوز فيها.

وفي سياق متصل عبّرت رئاسة الوزراء البريطانية عن قلقها وصدمتها من الهجوم، وقال المتحدث باسم تيريزا ماي –رئيسة الوزراء الجديدة- إن بريطانيا مستعدة لمساعدة أي مواطن بريطاني ودعم شركائها الفرنسيين. كما تقدمت روسيا برسالة تعزية لفرنسا.

وفي أمريكا، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وقوفها بجانب فرنسا «في هذه الأوقات العصيبة» بحسب بيان للخارجية الأمريكية، وقال الرئيس الأمريكي باراك أوياما إن بلاده مستعدة لتقديم الدعم لفرنسا في التحقيق لكشف المسئولين «عن هذه المأساة» ووصف أوباما فرنسا بأنها أقدم حليف لأمريكا. وأعربت هيلاري كلينتون-المرشحة الديموقراطية للرئاسة الأمريكية- عن قلقها من نقص التعاون الاستخباراتي بين أمريكا ودول أوروبا.

ومن جانبه، أدان دونالد ترامب -المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكي- الهجمات لافتًا إلى أن الإرهاب خرج عن السيطرة في فرنسا والعالم، وحمّل ترامب المسئولية لأوباما  «الذي يرفض تسمية المشكلة باسمها أي استخدام مصطلح الإسلام الراديكالي» على حد تعبير ترامب.

وبعيدًا عن الصعيد الرسمي، امتد التفاعل مع الهجوم إلى الأوساط الشعبية، إذ شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من التضامن مع ضحايا الهجوم والانشغال بهجوم نيس؛ إذ احتل هاشتاج صلِّ من أجل نيس #PrayForNice صدارة الوسوم عالميًا على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، عقب ساعات قليلة من الهجوم، قبل أن يتفوق عليه هاشتاح #NiceAttack ظهر اليوم. وأدان دونالد توسك  -رئيس المجلس الأوروبي- الهجوم في تدوينة له على هذا الوسم كتب فيها: «من المفارقة المفجعة أن المستهدفين في هجوم نيس كانوا أشخاصا يحتفلون بالحرية والمساواة والأخوة».

 

المصادر

تحميل المزيد