رصد تقرير صادر عن موقع بيزنس إنسيدر – نُشر في الرابع من شهر مايو – العديد من التساؤلات التي باتت تحيط بالدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في المشهد الدولي ومدى قدرتها على التأثير في الصراعات الدولية في وقت تستعر فيه الأزمات الدولية سواء ما يتعلق منها بالأزمة الأوكرانية، أو الحرب التي تدور رحاها في سوريا، أو في فلسطين التي تشهد محادثات سلام لم يتم التوصل بعد إلى تسوية نهائية بشأنها بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
وفيما يلي عرض لأهم ما جاء في التقرير.
جولة آسيوية وضمانات إضافية
في ظل الصراعات التي تكتنف المشهد الدولي ثمة أسئلة كثيرة تدور في ذهن العديد من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية حيال موقفها المتخاذل تجاه الأطماع الروسية، وصمتها أمام المذابح التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه الأعزل، والمساعي الصينية لتوسيع حدودها البحرية بالقوة, بالإضافة إلى الاستفزازات النووية لكوريا الشمالية، ما دفع البعض للتساؤل حول الوقت الذي ستتحرك فيه واشنطن لردع من وصفهم التقرير بمثيري الشغب, وهو ما بدا واضحًا في تعليق ورد عن الرئيس السابق للاستخبارات السعودية عن الأزمة الأوكرانية قال فيه: “سيأكل الذئب الغنم إذا غاب الراعي”، في إشارة منه إلى ما قامت به القوات الروسية من الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في قت اكتفت فيه الولايات المتحدة ببعض عقوبات فرضتها بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي على موسكو.
من جانبه سعى الرئيس الأمريكي بارك أوباما لمنح المزيد من الضمانات حول استمرار الدعم الأمريكي لبعض الحلفاء خلال جولته الآسيوية، التي تضمنت أربع دول شملت اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا والفلبين, ففي طوكيو أكد أوباما على أن معاهدة الدفاع بين كل من اليابان والولايات المتحدة ستشمل جميع الأراضي التي تشرف عليها اليابان بما في ذلك جزر سينكاكو المتنازع عليها مع الصين, كما أنه تعهد باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة خلال الزيارة التي قام بها لمقر القوات الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية والتي تقدر بثمانية وعشرين ألفًا من عناصر الجيش الأمريكي, بالإضافة إلى التوقيع على اتفاق جديد يمتد لعشر سنوات في الفلبين يسمح للقوات الأمريكية بالوصول إلى القواعد المحلية, خلافًا لفرض المزيد من العقوبات على بعض المسئولين في روسيا شملت حظر السفر للولايات المتحدة وتجميد أصول بعض المقربين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت الذي بلغ فيه عدد القوات الأمريكية إلى دول البلطيق قرابة الستمائة جندي في مواجهة التحركات الروسية.
وعلى النقيض مما يعتقده البعض من أن التدخل العسكري ربما يكون واحدًا من الحلول التي يجب اتخاذها لمواجهة العقبات التي تقف عثرة في معترك السياسة الخارجية, عكست تصريحات أدلى بها الرئيس أوباما أمام حشد في مدينة سيؤول في كوريا الجنوبية؛ رفضه لاستخدام التدخل العسكري في مواجهة مشاكل السياسة الخارجية, مؤكدًا في تصريحات أخرى أدلى بها خلال زيارته للفلبين على أن التكتيكات التي ينتهجها عززت من موقف الولايات المتحده الدولي.
وبالرغم مما يؤمن به معظم الأمريكيون من أهمية الدفاع عن الحلفاء, أظهرت استطلاعات الرأي أن ما نسبته 6 % فقط من الشعب الأمريكي يؤيدون الحل العسكري في أوكرانيا بالإضافه إلى معارضة الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي لاتخاذ خطوات عسكرية ضد النظام السوري، بالتزامن مع قيام الرئيس الأمريكي بتقليص خطط الدفاع الصاروخي في أوروبا مع خفض الوجود العسكري الأمريكي في القارة الأوروبية لاثنين من الألوية القتالية، وهو ما يلقي بظلال من القلق لدى غالبية الدول التي تتكئ على الحماية الأمريكية مثل دول البلطيق التي تشمل لاتفيا وأستونيا وليتوانيا التي تحتضن بعض الأقليات التي تتحدث اللغة الروسية شأنها في ذلك شأن أوكرانيا التي شهدت ضم روسيا لأجزاء من أراضيها في شبه جزيرة القرم بدعوى حماية الأقليات التي تتحدث اللغة الروسية.
الولايات المتحدة والشرق الأوسط
بات الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط مختلفًا عما كانت تسير عليه الأمور في السابق، وهو ما عكسته التطورات والمستجدات التي حدثت فى المنطقة خلال السنوات الماضية التي شهدت انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 في عهد أوباما بعد فترة احتلال امتدت لثماني سنوات منذ عام 2003، الذي شهد غزو القوات الأمريكية للعراق في أسابيع معدودة, كما أن الحكومة الانتقالية في مصر والتي أعقبت الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو تدير ظهرها لانتقادات الحليف الأمريكي فيما يتعلق بسياساتها التي تنتهك حقوق الإنسان ناهيك عن تعاقدها على صفقات لشراء المعدات العسكرية من روسيا, بالإضافة إلى ما تشهده الأزمة السورية من انتهاكات واسعة وجرائم حرب يرتكبها النظام السوري بقيادة بشار الأسد، ما يشي بأن الانطباع السائد لدى العديد من الأنظمة في الشرق الأوسط حيال الولايات المتحدة في الوقت الراهن هو أن الأسد تحول إلى قط صغير لا يأبه بالخصوم.
وبالرغم مما رصدته بعض التقارير التي تحدثت عن انكماش الدور الأمريكي في منطقة الشرق الاوسط من دلائل على هذا الانكماش والتراجع, ثمة ادعاءات تقال بين الحين والآخر من قِبَل الرئيس الأمريكي أوباما بتحقيق نجاحات عدة في المنطقة، ومنها ما يتعلق باستقرار أسعار النفط وموافقة إيران على تقليص طموحاتها النووية رغم الدعم الذي تقدمه للمليشيات العسكرية وللعديد من الأحزاب الشيعية في العراق كما أنها تقوم بإرسال الدعم العسكرى واللوجستي إلى النظام السوري عبر المجال الجوي العراقي.
مواجهة الصين
أما في آسيا فهناك ثمة تحديات يتحتم على الولايات المتحدة مواجهتها في القريب العاجل خاصة فيما يتعلق منها بالطموحات الصينية لتوسيع حدودها البحرية، أو في أفغانستان التي تحتضن ثلاثين ألفًا من القوات الأمريكية من المتوقع أن يتم إنهاء مهمتها من قِبَل الرئيس الأمريكي أوباما بنهاية هذا العام مع الإبقاء على قوة لا تتعدي عشرة آلاف جندي ضمن اتفاقية لا تزال محل رفض من قِبَل الرئيس الأفغاني حامد كرازاي, وبالتزامن مع عجز الحكومة الأفغانية في كابول – والتي يتم دعمها من قبل الولايات المتحدة – عن السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الأفغانية, تلوح في الأفق مخاطر عدة من أن تظل القوات الأمريكية هدفًا للهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة أو بعض الجماعات الأخرى كرد فعل على مقتل العديد من المدنيين في هجمات قامت بها القوات الأمريكية في حربها في أفغانستان والتي امتدت لسنوات في إطار مكافحة الإرهاب.
وبالرغم مما يعتقده البعض من صعوبة إقدام الولايات المتحدة على الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الصين على خلفية النزاع القائم بين طوكيو وبكين على جزر سينكاكو, إلا أن المصداقية العسكرية الأمريكية باتت على المحك في هذا الشأن خاصة مع التأكيدات الأمريكية على أن معاهدة الدفاع بين كل من اليابان والولايات المتحدة ستشمل جميع الأراضي التي تشرف عليها اليابان بما في ذلك جزر سينكاكو المتنازع عليها مع الصين.
ويبقى التساؤل هل ستذهب الولايات المتحدة حقًّا للحرب ضد الصين خاصة مع الشكوك التي يثيرها البعض حول قدرة الولايات المتحدة على الدخول في حرب ضد إحدى القوى النووية والتي تسعى من جانبها لتصدر المشهد الآسيوي كقوة مهيمنة في آسيا، بالتزامن مع بعض الدلالات التي يسوقها البعض للتأكيد على مواقف الولايات المتحدة المتخاذلة تجاة التحركات الصينية في المنطقة ومن ضمنها الصمت الذي التزمته واشنطن حيال استيلاء الصين على منطقة سكاربورو قبالة الساحل الشمالي الغربي للفلبين – وهي منطقة مياه ضحلة – في عام 2012، وهو ما يدفع العديد من حلفاء الولايات المتحدة في آسيا لتعزيز قواتهم المسلحة خاصة وأن المظلة الأمنية الأمريكية باتت محل شك وترقب في الوقت الراهن الذي يشهد بعض التراجع الأمريكي.