قرَّرت وزارة التجارة الأمريكية مؤخرًا فرض رسوم تعويضية على واردات الفوسفات من المغرب وروسيا، بعد تحقيق أجرته بناء على شكاية تقدمت بها شركة أمريكية، ومن المقرر أن يبدأ تنفيذ القرار في أول ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
والرسوم التعويضية هي تعريفة جمركية تُطبق على الواردات التجارية، تُفرض بموجب قواعد التجارة العالمية من أجل تحييد الآثار السلبية لواردات الشركات الأجنبية، التي تحظى بدعم حكومي، على السوق المحلية.
الإدارة الأمريكية تحمي سوقها من المنافسة!
حدَّدت وزارة التجارة الأمريكية الرسوم التعويضية على واردات الفوسفات المغربية بنسبة 23.5%، فيما وضعت رسومًا تتراوح بين 21% و71.5% على الشركات الروسية المُورِّدة للفوسفات.
وكانت شركة «موازيك» الأمريكية قد اتهمت في يونيو (حزيران) الماضي مجموعة المكتب الشريف للفوسفات المغربية وشركات روسية، «بإغراق السوق الأمريكية بفوسفات مدعم من الحكومة ومنخفض التكلفة؛ ما سبَّب لها خسائر مالية في منافسة غير عادلة»، وعلى إثر ذلك قدمت التماسًا إلى لجنة التجارة الأمريكية لمعالجة تكافؤ الفرص في السوق الأمريكية.
وبناء على شكاية الشركة، باشرت وكالة التجارة الأمريكية تحقيقًا أوليًّا في الموضوع، وتوصلت وفق تقريرها إلى أن «هناك مؤشرًا معقولًا على أن صناعة الفوسفات في الولايات المتحدة قد تعرضت لأضرار مادية بسبب واردات الأسمدة الفوسفاتية من المغرب وروسيا، التي تزعم أنها مدعومة من قبل حكومتي المغرب وروسيا».
وحسب موقع «كابيتال بريس»، نقلًا عن الوكالة الأمريكية، فإن مجموعة الفوسفات المغربية تمكنت من الحصول على قروض بأسعار فائدة منخفضة، والحصول على ضمانات قروض مدعومة من الحكومة دعمت بشكل فعال إنتاجها من الأسمدة، في حين حظيت الشركات الروسية المصنعة للفوسفات بحوافز ضريبية ودعم غير مباشر من الحكومة.
وفي رد فعل على القرار، اعتبرت مجموعة المكتب الشريف للفوسفات أنه «لا يُوجَد أساس لفرض رسوم على واردات الأسمدة المغربية في السوق الأمريكية»، مشيرةً إلى أن هذا الإجراء «يضرُّ بالفلاحين الأمريكيين من خلال حرمانهم من الوُصول إلى مصدر موثوق من الأسمدة عالية الجودة».
فيما رحَّبت شركة «موازيك» الأمريكية بالقرار، وقالت «نؤمن بالمنافسة القوية والتجارة الحرة والعادلة، وأنه يجب معالجة هذه الإعانات الحكومية لواردات الفوسفات الأجنبية من أجل تكافؤ الفرص في السوق الأمريكية».
ومن المقرر أن تتخذ وزارة التجارة الأمريكية قرارًا نهائيًّا بشأن الرسوم التعويضية في 8 فبراير (شباط) 2021، إذ تأمل الشركة المغربية مع الشركات الروسية إلغاء الرسوم التعويضية مع وصول الإدارة الديمقراطية الجديدة للبيت الأبيض.
لكن.. ما التبعات الاقتصادية والسياسية من هذا القرار؟
لم يكن قرار وزارة التجارة الأمريكية مستغربًا، في ظل إدارة الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، الذي يولي الأولوية الكبرى للشركات الأمريكية؛ إذ قالت الوزارة «إن التطبيق الصارم لقانون التجارة الأمريكي هو التركيز الأساسي لإدارة ترامب»، مضيفة أنها بدأت منذ بداية الإدارة الحالية حوالي 266 تحقيقًا جديدًا لمكافحة الإغراق، بزيادة قدرها 241% عن الفترة المماثلة في الإدارة السابقة لباراك أوباما.
ويمثل القرار الجديد خبرًا سارًّا لشركة «موازيك»، وهي واحدة من الشركات العالمية الرائدة في إنتاج محاصيل الفوسفات وتسويقها؛ إذ ارتفعت أسهمها إلى أعلى مستوى منذ عام، ووصل السهم الواحد إلى 23.19 دولار، لتصبح قيمتها السوقية الإجمالية تقارب 10 مليارات دولار.
وفي حال أكدت التجارة الأمريكية فرض الرسوم على الواردات الفوسفاتية المغربية والروسية، فمن المرجح أن تستأثر شركة «موازيك» بالسوق الأمريكية، التي تعد أكبر مستهلك للأسمدة الزراعية في العالم.
غير أنه بالنسبة للمزارعين الأمريكيين لا يُعد الأمر خبرًا جيدًا؛ إذ سيؤدي فرض رسوم على واردات الفوسفات الأجنبية إلى زيادة تكاليف الزراعة، وبالتالي تراجع هامش الربح في نشاطهم الفلاحي.
أما بالنسبة للمغرب، فسيؤثر إجراء التجارة الأمريكية في مبيعات الفوسفات المغربي بشكل حاد؛ إذ يُمثل السوق الأمريكي ما بين 10 و15% من صادرات الفوسفات المغربي، وبلغت قيمة واردات الأسمدة الفوسفاتية من المغرب إلى أمريكا العام الماضي نحو 729 مليون دولار، وفق بيانات الوزارة الأمريكية.
ما يعني أن المغرب قد يفقد ملايين الدولارات من السوق الأمريكية، من جراء الرسوم المفروضة على الواردات الفوسفاتية، خاصة وأن المستهلكين الأمريكيين عادة ما يفضلون المنتج المحلي، عندما لا يجدون فائدة مالية مثل انخفاض السعر؛ مما سيصعب على مجموعة الفوسفات المغربية والشركات الروسية المنافسة مع الشركة الأمريكية!
ويتوقع المراقبون تخفيف الرسوم التعويضية التي أقرتها التجارة الأمريكية في الحكم النهائي، المرتقب صدوره في الشهر الثاني من العام المقبل، تحت ضغط نقابات المزارعين الأمريكيين الذين لا يرغبون في ارتفاع أسعار الأسمدة، وكذا الحسابات السياسية المرتبطة بالعلاقة مع المغرب، خاصة وأن الأخير في اتفاقية التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1786.
وكانت الصادرات المغربية من الفوسفات قد عانت خلال الفترة الأخيرة من تآكل في القيمة، من جرَّاء تراجع أسعار الفوسفات العالمية وتقلص الطلب الدولي؛ إذ تراجع هامش الربح في الربع الأول لـ2020 بحوالي 7.53 مليار درهم مقابل 8.37 مليار درهم السنة الماضية، ليأتي القرار الأمريكي في الربع الأخير من العام ويزيد التحديات المالية على شركة الفوسفات المغربية.
مع ذلك، يظل المغرب محتفظًا بمعظم احتياطيات الفوسفات الموجودة في العالم، مما يمنح مجموعة الفوسفات المغربية نِقاطًا إضافية، على المدى المتوسط والطويل، في منافستها مع الشركات العالمية، لا سيما وأنه من المتوقع نمو سوق الفوسفات العالمي، مدفوعًا بالتوسع في الصناعة الزراعية على مستوى العالم والتزايد السكاني الكبير، حسب تقرير حديث.
وحسب دراسة نشرها موقع «إنيرجي سكيبتيك» المتخصص، فإن المغرب يحوز في أرضه أكثر من ثلثي احتياطي فوسفات العالم، بنسبة تقدر ما بين 75 و85%، أي ما يكفي لتلبية حاجات العالم من هذه المادة مستقبلًا لمدة زمنية لا تقل عن القرون الثلاثة القادمة، كما يحتل المرتبة الثانية بعد الصين دوليًّا في الإنتاج بحوالي 29.5 مليون طن سنويًّا.
بيد أن استغلال هذه الثروة الطبيعية بالشكل الأمثل يتطلب الكثير من الموارد المالية للاستثمار في البنية التحتية واللوجسيتية اللازمة من أجل استخراج الفوسفات وتحويله ونقله وتصديره، ومن ثمَّ أنفق المغرب خلال السنوات الأخيرة ملايين الدولارات لتعزيز الصناعة الفوسفاتية للبلاد، خاصة مع وجود منافسة قوية مع بعض الشركات الدولية، ما يجعل القرار الأخير، ضربة جديدة للفوسفات المغربي!
جدير بالذكر أن سوق الفوسفات العالمية تتضمن شركة «موازيك» الأمريكية (Mosaic Co)، ومكتب الشريف للفوسفات المغربي (Ocp)، وشركة نورتريان الكندية (Nutrien Ltd)، والشركة السويسرية (EuroChem) وشركة مناجم الفوسفات الأردنية، علاوة على شركة «فوساجرو» الروسية.
وتحتوي الأسمدة الفوسفاتية على مادة الفوسفور، وهو عنصر كيميائي ضروري للكائنات الحية على الأرض؛ إذ يستخدم في تغذية النباتات، وفي الصناعات التجميلية والغذائية.