نقلًا عن صحيفة راديكال
مراد يتكين يكتب
التخطيط للأعمال اليومية في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في المجال الاستخباراتي والدبلوماسي يدار من قبل الجنرالات العسكرية، ولكن العلاقات السياسية تتصف بالتوتر على المدى الطويل، وكأنها تشير إلى الهدوء الذي يسبق العاصفة في العلاقات بين البلدين، أو أنها ستستمر بالتوتر ولكن بشكل أسوأ من ذي قبل.
وإن تم سؤال أي مسؤول عن العلاقات التي تجمع بين البلدين، فمن المؤكد أنه لن يصرح بوجود أية مشاكل وأن الأمر على خير ما يرام.
وبالفعل تقليد قائد القوات البرية التركي “خلوصي أقار” ميدالية الاستحقاق من وزارة الدفاع الأمريكية خلال زيارته لواشنطن في الشهر الماضي، تدل بأن العلاقات بين الجانبين جيدة على هذا الصعيد فقط.
في تاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر 2014، جرى اتصال بين رئيس الجمهورية التركية “رجب طيب أردوغان” ونظيره “باراك أوباما”، وفي اليوم التالي أعلنت واشنطن تقديم مساعدات وإمدادات عسكرية عبر الجو للقوات الكردية التي تحاصرها قوات تنظيم “داعش” في مدينة عين العرب كوباني، شمال سوريا، بالرغم من دعوات “أردوغان” للوقوف صفًا واحدًا في وجه تهديدات داعش ونظام الأسد.
وتعتبر الحكومة التركية أنه قد تكون هناك مصالح مشتركة بين تركيا والولايات المتحدة، غير أنهما لا تملكان هوية مشتركة، ففي عام 2003 أظهرت حكومة حزب العدالة والتنمية، المنتخبة حديثًا، مؤشرات تدل على بداية مرحلة التغير في العلاقات الأمريكية التركية حين رفضت السماح للقوات الأمريكية بالعبور إلى العراق عبر الأراضي التركية.
وفي حين كان الزعماء الأتراك السابقون يتبنون شعار مؤسس البلاد الحديث “مصطفى كمال أتاتورك” المنادي إلى “التقرب من الغرب”، تؤمن نخبة حزب العدالة والتنمية بأن على تركيا أن تصبح قوة مستقلة في الشرق الأوسط، لا تتعاون مع واشنطن إلا عندما يخدم هذا التعاون مصالحها.
وباتت الوحدة الاستراتيجية خيارًا انتقائيًّا أكثر فأكثر لدى تركيا، وفي أيار/ مايو 2010، صوتت أنقرة ضد القرار المدعوم من الولايات المتحدة وأوروبا في مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على إيران بهدف ردع مطامعها النووية.
ثم في عام 2013، قررت نخبة حزب العدالة والتنمية شراء منظومات دفاع جوية صينية، مبتعدة بذلك عن التزام تركيا التقليدي تجاه مجموعة حلف شمال الأطلسي.
ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن، لم تشهد العلاقات تطورًا على صعيد اللقاءات بين كبار مسؤولي الدولتين، ولم تتعدَ لقاءات عسكرية وبيانات ومجاملات وتهاني في الأعياد والمناسبات الوطنية.

الثلاث شباب المقتولين في كارولينا
وفي الآونة الأخيرة، كثرت الانتقادات شديدة اللهجة التي وجهها أردوغان لشخص أوباما؛ عن صمته على المجازر التي يرتكبها نظام الأسد والنظام المصري وإسرائيل على حد سواء، وكان آخرها انتقاده لصمت أوباما ونائبه جو بايدن ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن جريمة قتل 3 مسلمين، قتلوا رميًّا بالرصاص قرب جامعة نورث كارولاينا، وكان قتلهم بدافع الكراهية للإسلام، مطالبًا بأن يتخذوا موقفًا من هذه الأفعال.
وكان قد اتهم نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بجامعة هارفرد، الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بدعم جماعات راديكالية في سوريا “داعش وجبهة النصرة”، وردّ أردوغان عليه مطالبًا إياه بالاعتذار، ومن ثم جاءت الأخبار بأنه اعتذر، لكن بعد فترة قال بايدن: “لم أعتذر، بل أوضحت”.
في الحقيقة، مصدر هذا التوتر في العلاقات بين البلدين هو الاختلاف الجذري في المواقف؛ حيال قضية سوريا ومصر وإسرائيل، والقضايا الدورية مثل الإسلاموفوبيا أو الموقف من المنظمات الإرهابية المتطرفة، ناهيك عن تطور علاقات تركيا مع روسيا في الآونة الأخيرة، وموقف تركيا من الأزمة الأوكرانية والتي تختلف تمامًا عن مواقف دول حلف النيتو.

أردوغان وبوتين
وعلاوة على ذلك، هذا التوتر سوف يزداد حين يتم التطرق للقضية الأرمينية، والتي ستكون نقطة التحول في العلاقة بينهما.
وجدير بالذكر أن قضية الأرمن هي قضية رفعتها الأمم المتحدة على تركيا تدعوها فيها للاعتراف بمذابح الأرمن التي حدثت في عهد الدولة العثمانية، وبعض المراجع التاريخية تطلق عليها المحرقة الأرمنية أو المذبحة الأرمنية أو الجريمة الكبرى.
تشير إلى القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل القسري وهي عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين. يقدّر الباحثون أن أعداد الضحايا الأرمن تتراوح ما بين 1 و1.5 مليون نسمة. مجموعات عرقية مسيحية أخرى تم مهاجمتها وقتلها من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال هذه الفترة كالسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم، يرى عدد من الباحثين أن هذه الأحداث، تعتبر جزءًا من نفس سياسية الإبادة التي انتهجتها الإمبراطورية العثمانية ضد الطوائف المسيحية.

مذابح الأرمن
ومن المعترف به على نطاق واسع أن مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، والباحثون يشيرون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمة التي نفذت من عمليات قتل هدفها القضاء على الأرمن، وتعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكست. وكلمة الإبادة الجماعية قد صيغت من أجل وصف هذه الأحداث.

أطفال الأرمن
توجد اليوم العديد من المنشآت التذكارية التي تضم بعض رفات ضحايا المذابح، ويعتبر يوم 24 نيسان من كل عام ذكرى مذابح الأرمن، وهو نفس اليوم التي يتم فيه تذكار المذابح الآشورية وفيه تم اعتقال أكثر من 250 من أعيان الأرمن في إسطنبول. وبعد ذلك، طرد الجيش العثماني الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على المسير لمئات الأميال إلى الصحراء من ما هو الآن سوريا، وتم حرمانهم من الغذاء والماء، المجازر كانت عشوائية وتم مقتل العديد بغض النظر عن العمر أو الجنس، وتم اغتصاب العديد من النساء والاعتداء الجنسي عليهن. اليوم أغلبية مجتمعات الأرمن مشتتة نتيجة الإبادة الجماعية.
جمهورية تركيا، الدولة التي خلفت الإمبراطورية العثمانية، تنفي وقوع المجازر التي تؤكدها الأمم المتحدة، وفي السنوات الأخيرة وجهت دعوات متكررة لتركيا للاعتراف بالأحداث بأنها إبادة جماعية. حتى الآن، فقد اعترفت عشرون دولة رسميًّا بمذابح الأرمن حيث إنها إبادة جماعية، ومعظم علماء الإبادة الجماعية والمؤرخين يقبلون بهذا الرأي.
وردًّا على استمرار إنكار الإبادة الجماعية للأرمن من قبل الدولة التركية، دفع ذلك العديد من الناشطين في مجتمعات الشتات الأرمني للتحرك من أجل الاعتراف الرسمي بالإبادة الجماعية للأرمن من مختلف الحكومات في جميع أنحاء العالم.
إذًا تركيا في مواجهة مع اللوبي اليهودي منذ توتر علاقاتها مع إسرائيل، والآن هي في مواجهة مع لوبي آخر على الجبهة الثانية؛ وهو اللوبي العربي.
العلاقات السياسية بين البلدين تتصف بالتوتر على المدى الطويل، وكأنها تشير إلى الهدوء الذي يسبق العاصفة، أو أنها ستستمر بالتوتر ولكن بشكل أسوأ من ذي قبل.