ها هي لحظات فقدان الوعي تتكرر ثانية، ولكن هذه المرة جاءتها تحت سطح الماء وهي تشاهد الشعاب المرجانية، فانطفأ عقلها واصطدمت بالشعاب المرجانية، وبعد أن خرجت إلى الشاطئ ترجَّت من كانوا معها ليحكوا لها ما الذي حدث. الذي حدث هو ما لم تحذّرها منه طبيبتها النفسية عمَّا ستلقاه مع قرار وقف تناول مضادات الاكتئاب: «سينطفئ عقلك، وإما أن تعودي للدواء مرةً ثانية أو علينا الانتظار حتى يتخلَّص جسدك من تأثير الدواء، وهي مدة لا يمكن تحديدها بعد عامين متصلين من تناوله بانتظام». هذا الحديث السابق  من شهادة مريضة نفسية سابقة لـ«ساسة بوست».

نحن نعلم أن الأدوية ساعدت الملايين من الناس في تخفيف الاكتئاب والقلق، حتى أصبحت الحل الأسهل لدى المرضى ممن يصعب عليهم ممارسة العلاج السلوكي في البداية، والذي يتطلب مهارات قد يعجز عنها المريض النفسي مثل التركيز والتحكُّم بالأعصاب والهدوء، وربما معظم المرضى يوقفون الأدوية دون مشاكل كبيرة، لكنّ الاستمرار في استخدامها لفترةٍ طويلة يسبِّبُ مشكلات غير متوقعة ومتزايدة، فالكثيرون ممن يحاولون الإقلاع عنها بعد ذلك، لا يستطيعون بسبب أعراض الانسحاب التي لم يتم تحذيرهم بشأنها، الحال الذي وصل بـصحيفة «نيويورك تايمز» بالتحقيق حول فرضيّة أن «مضادات الاكتئاب تسبِّب الإدمان، ولا يمكن التخلي عنها على المدى الطويل». سنحاول هنا تحليل هذه الفرضية معتمدين على المتاح من الدراسات التي تجنَّبت طويلًا البحث حول أعراض الانسحاب، أو تم التعتيم عليها من أجل الشركات المصنعة، مع شهادات لمرضى سابقين أو حاليين اعتادوا تناول مضادات الاكتئاب.

علوم

منذ 5 سنوات
هل تفكر في شراء كلب.. ماذا تعرف عن العلاج النفسي باستخدام الحيوانات؟

مضادات الاكتئاب.. الأسهل في وصفات الطبيب النفسي

يتم وصف مضادات الاكتئاب لمرضى نوبات الاكتئاب المتوسِّط والشديد، ومرضى القلق ونوبات الهلع، ومرضى اضطرابات الوسواس القهري، واضطرابات الأكل، واضطراب الضغط النفسي بعد الصدمة، وتتركز مهمة مضاد الاكتئاب على تخدير المريض عاطفيًا. والاكتئاب حصيلة تفاعل معقد بين عوامل اجتماعية ونفسية وأخرى بيولوجية، وثمة علاقة تربطه بالصحة البدنية، فأمراض القلب والأوعية الدموية يمكن أن تؤدي مثلاً إلى الإصابة به والعكس، وكذلك فإن ظروفًا من قبيل الضغوط الاقتصادية، والبطالة، والكوارث، والصراع يمكن أيضًا أن تزيد من خطورة الإصابة بهذا الاضطراب.

Embed from Getty Images
في شهادتها لـ«ساسة بوست» تقول (ز.أ)، وهي أنثى، 28 عامًا: «كنت أعاني من الوسواس القهري والاكتئاب، وفي بداية علاجي، كان العلاج بالأدوية أسهل كثيرًا من العلاج السلوكي، فتناولت الكثير من الأدوية وخضت فترة طويلة من التجربة، عامين، مررت فيها على أدوية جعلتني خاملة تمامًا، وأخرى فاقمت من حالتي ودفعتني لمحاولة الانتحار بسبب حساسيتي تجاهها، وتجاهل طبيبي شكوتي المتكررة». ليس هذا فقط، تكمل (ز.أ): «تجربتي السيئة مع الأدوية وشعوري أنني حقل تجارب، وزيادة وزني نظرًا لحبس الدواء السوائل بجسدي، وتكرار فقداني الوعي للحظات، دفعني لوقف العلاج ست مرات، وكل مرة استمرت لنحو 20 ساعة فقط، فكنت أفشل في كل مرة، فبعد ساعات من وقف العلاج يفتك بي الصداع الشديد والرعشة والكوابيس وتيبُّس في مفاصل الفكّ، فأعود لأخذ أول جرعة في موعدها، ولكني نجحت في المرة الأخيرة في وقف العلاج بعد عامين ونصف، مع رفضٍ قاطع من طبيبتي، وكنت على وصفة تضم ثمانية أدوية، ثم ارتفع عددهم لـ12 دواء، وتحملت هلاوس سمعية وبصرية مؤذية، والكوابيس المفزعة والأرق، وآلام بالمعدة والمفاصل وهي الأعراض التي استمر معظمها لشهر ثم توقفت، وما بقي من أعراض الانسحاب بعد ذلك أمكنني التعامل معه».

وفقًا لـتحليل البيانات الوطنية الأمريكية في عام 2018، فقد تعاظم استخدام مضادات الاكتئاب على المدى الطويل، حتى أصبحت نسبة المرضى الخاضعين للعلاج تراكمية ومُطَّردة. وحسب البيانات فإن 15.5 مليون أمريكي يتناولون هذه الأدوية لمدة خمسة أعوام على الأقل، العدد الذي تضاعف عما كان عليه في عام 2010، وأكثر من ثلاثة أضعاف عما كان في عام 2000. وأصبح ما يقرب من 25 مليون بالغ يتناولون مضادات الاكتئاب لمدة عامين على الأقل ، بزيادة 60% منذ عام 2010.

إنّ التوسُّع في استخدام مضادات الاكتئاب ليس مشكلة الولايات المتحدة وحدها، ففي جميع أنحاء العالم تتزايد الوصفات طويلة الأجل فتضاعفت معدلات الوصفات الطبية على مدى العقد الماضي في بريطانيا، ومنها بدأ المسؤولون الصحّيون في يناير 2018 مراجعة نسبة الخاضعين للعلاج النفسي على مستوى البلاد المعتمدين على العقاقير الطبية ودراسة حلول لأعراض الانسحاب. وفي نيوزيلندا، حيث بلغت الوصفات الطبية النفسية طويلة الأجل أيضًا مستويات التاريخية، ووجد مسح لمستخدمي وصفات المدى الطويل أن شدة أعراض الانسحاب كانت أكثر الشكاوى شيوعًا، والذي أشار إليه ثلاثة أرباع المستخدمين لفترة طويلة.

الأزمة بعيدة عن طريقها للحل عالميًا وغير معروفة عربيًا

يبدو أنّ المرض النفسي مختلف، فأعداد مرضاه تراكمي، وباعتباره جزءًا من المسح الوطني الأمريكي لفحص الصحة والتغذية. وعلى وجه الإجمال، فقد تناول أكثر من 34.4 مليون شخص أمريكي مضادات للاكتئاب في 2013، مقابل 13.4 مليون في مسح 1999-2000، وكانت النسبة الأكبر من مستخدمي مضادات الاكتئاب بين البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا، والنساء أكثر من الرجال، لكنَّ الاستخدام يزداد لدى كبار السنّ عبر الطيف الديموغرافي بعيدًا عن النوع الاجتماعي. وتشكِّل النساء اللاتي تزيد أعمارهنَّ عن 45 عامًا حوالي خُمس السكّان البالغين في أمريكا، ولكن تمثِّل 41% من مستخدمي مضادات الاكتئاب، ما يحسب ارتفاعًا بنسبة حوالي 30% عن عام 2000. كما وجد التحليل أنّ النساء المتقدمات في العمر تشكِّلنَ نسبة 58% ممن يتناولون مضادات الاكتئاب على المدى الطويل.

لم ينجح البحث عن عدد الخاضعين للعلاج النفسي لمددٍ طويلة في العالم العربي بسبب انتشار ثقافة تعيب على المريض الإفصاح عن مرضه، ولكن وفقًا لأرقام منظمة الصحة العالمية هناك ما يزيد على 350 مليون فرد يعانون من الاكتئاب في العالم، وتشير تقديرات المنظمة إلى أنَّ الاكتئاب مرضٌ شائع في جميع مناطق العالم، و يمكننا الاعتماد نسبيًا على أرقام جديدة صادرة عن المكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحّة العالمية تؤكّد انتشار مرض الاكتئاب في إقليم الشرق الأوسط بنسبة واحد من كل خمسة أشخاص، وفي مصر على سبيل المثال أصدرت وزارة الصحة إحصائية في عام 2015 قدرت عدد المرضى النفسيين من 14 إلى 16 مليون مريض، لكنّ نسبة 15% فقط منهم يراجعون العيادات النفسية.

عام

منذ 8 سنوات
خواطر مُكتئب 1

المحاولة الصعبة لوقف العلاج النفسي

قبل أربع سنوات كنت أعاني من اضطراب القلق، وظهر في شكل نوبات من العصبية، والتوتر، وعدم القدرة على النوم، أو الإنتاج في العمل، فوصف لي طبيبي النفسي دواء تريبتيزول، ومنذ وقتها وأنا أتناوله حتى الآن، ولا أفكر في التوقف عن تناوله أبدًا، وهذا لتجربتي السابقة مع دواء أدمنته لأربعة أشهر، وعانيت من أعراض انسحابه، ومرضت بشدة، فلا أريد خوض تجربة الانسحاب مرة أخرى. فقد شملت أعراض الانسحاب التي واجهتها مع الدواء نوبات الفزع، واضطرابات المعدة، وفقدان الوزن بسبب فقدان الشهية، والبكاء معظم الوقت. *شهادة (أ.ح) أنثى، 32 عامًا، لـ«ساسة بوست».

في مسحٍ أُجرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي على 250 شخصًا يتناولون أدوية نفسية منذ أمدٍ طويل،  وكان مضاد الاكتئاب هو الأكثر شيوعًا بينهم، والنتيجة أنهم لم يستطيعوا التوقف عن تناول أدويتهم، فحوالي نصف الذين خفَّضوا وصفاتهم صنفوا الانسحاب بأنه شديد، ولا يمكنهم فعل ذلك بسبب هذه الأعراض. وفي دراسة أخرى نشرتها المكتبة الوطنية الأمريكية لطب المعاهد الوطنية للصحة أُجريت على 180 من مستخدمي مضادات الاكتئاب لفترة طويلة ، تم الإبلاغ عن أكثر من 130 حالة واجهت أعراض الانسحاب، وقال نصفهم تقريبًا إنهم يشعرون بالإدمان على مضادات الاكتئاب.

Embed from Getty Images
يقول مستخدمو المدى الطويل في مقابلاتهم إنهم يشعرون بعدم ارتياح يصعب قياسه، فالألم اليومي الذي يواجهونه يتركهم في آخر الليل وهم يشككون في قدرتهم على الصمود واستكمال حياتهم بعد ذلك، وهو ما أكده الدكتور مانجين، من جامعة ماكماستر، بعدما قاد فريقًا بحثيًا في نيوزيلندا، أنهى مؤخرًا أول تجربة حقيقية طويلة الأمد على الانسحاب، وقام الفريق بتجنيد أكثر من 250 شخصًا، في ثلاث مدن، كانوا يتعاطون «بروزاك» على مدى طويل، وكانوا مهتمين بوقف الدواء فكان ثلثا المجموعة يتناولونه لأكثر من عامين، والثلث الأخير لأكثر من خمس سنوات. وبعد البحث قال دكتور مانجين إن بعض الأعراض كانت شديدة لدرجة أن المختبرين لا يستطيعون تحملها، فحتى مع التقليل البطيء للجرعة تعرض أشخاص لصدمة مع الانسحاب دفعتهم للعودة وتناول الدواء.

ما المقصود بـ«متلازمة الانسحاب»؟

كانت التجربة الأولى لي مع مضادات الاكتئاب وعمري 26 عامًا، بعد وفاة والدي، وعندما استقرت حالتي، قمت بخفض الجرعة تدريجيًا، ولم تكن أعراض الانسحاب تعيقني عن عيش يومي، ومررت بفترة استقررت فيها نفسيًا، حتى أصبت وأنا عمري 44 عامًا، بنوبات متتالية من الاكتئاب، وبإشراف من الطبيب تناولت مودابكس، وعندما كنت أتوقف عن أخذه، أواجه أعراض انسحاب شديدة، أشدها قسوة هي الكوابيس الفظيعة، ومنذ هذه التجربة لا أتوقف عن تناول الدواء، فأقلل من الجرعة ببطء حتى تختفي أعراض الانسحاب، خاصة أنني في حاجة للدواء، فهو  يساعدني دومًا على الاستقرار ومواجهة الاكتئاب والعجز والخوف ويحجم ميولي الانتحارية. شهادة (س.ب)، أنثى، 50 عامًا، لـ«ساسة بوست».

تحدث «متلازمة الانسحاب» بعد قرار التوقف عن تناول المضاد للاكتئاب، إذا كنت تأخذه لأكثر من ستة أسابيع، وعادةً ما تستمر أعراض الانسحاب لمدة بضعة أسابيع، ولكن بعض مضادات الاكتئاب من المحتمل أن تسبب أعراض انسحاب أكثر من غيرها وتصل لأشهر. ومن مضادات الاكتئاب الشائعة بالسوق تشمل: فلوكستين (بروزاك)، سيتالوبرام (سيليكسا)، إسكيتالوبرام (ليكسابرو)، باروكسيتين (باكسيل)، سيرترالين (زولوفت)، فينلافاكسين (إيفكسور)، وسيروكسات، وأنافرانيل، وكويتابيكس.

Embed from Getty Images
تظهر أعراض الانسحاب العقلية والبدنية على حدٍّ سواء بسبب أن الناقل العصبي السيروتونين ينشط نشاطه هذا بسبب الأدوية، فيتفاعل مع الناقلات العصبية الأخرى، مثل الدوبامين والنورأدرينالين في الدماغ. وعندما يتم سحب الأدوية النفسية التي تزيد من نشاط السيروتونين، فإن نشاط الناقل العصبي لا يرتد مرة أخرى إلى مستويات نشاطه قبل المعالجة، ولكنه قد يكون أقل مما كان عليه من قبل، وبالتالي يتسبب في كل هذه الأعراض، ويأخذ المريض وقتًا حتى يعود نشاط السيروتونين لما كان عليه سابقًا، وحتى هذا الوقت يشعر المريض بأعراض الانسحاب. خلال فترة الانسحاب قد يعاني الجسم مع الأعراض الجسدية والعاطفية الناجمة عن الغياب المفاجئ لمستويات السيروتونين المتزايدة التي تحدث أثناء تناول مضادات الاكتئاب، وهذه الأعراض  إدمان المخدرات، مع الفارق أن إدمانك لمضاد الاكتئاب لا يدفعك لتناول جرعات أكبر مع الوقت.

ما الذي سيحدث إذا توقفت عن تناول الدواء؟

قبل اليوم كنت أرى المرضى يشتكون من أعراض الانسحاب ولم أصدِّق أن الأمر بهذه الصعوبة، فلم أكن أعير شكواهم اهتمامًا، أما اليوم بعدما شُفيت من أعراض الانسحاب، كنت أسير بالقرب من منزلي، مررت على حديقة، وأدركت فجأة أنني أستطيع أن أشعر بأحاسيسي وعواطفي ثانية، كان صوت الطيور أعلى، وكانت الألوان أكثر حيوية، كنت سعيدًا. *دكتور ستوكمان، الطبيب النفسي في شرق لندن، لم يكن مقتنعًا بقسوة أعراض الانسحاب قبل أن يمر بها بنفسه.

مثل المنشطات، فإن سحب مضادات الاكتئاب من الجسم يجب أن يتم ببطء، بالتوازي مع خفض حجم الجرعة على مدى عدة أشهر. فالآثار الجانبية للانسحاب يمكن أن تحاكي أو تتجاوز الآثار الجانبية من العلاج نفسه، وتتطور الأعراض بشكل مفاجئ بعد أيام من إيقاف مضاد للاكتئاب وتختفي الأعراض بسرعة ما إن تبدأ بتناول مضادات الاكتئاب مرة أخرى.

وفقًا لـمركز علاج الإدمان الوطني الأمريكي تكون أعراض الانسحاب بين القلق والاكتئاب وتقلب المزاج، والدوران، وصعوبة في التوازن، والتعب، وأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، والصداع. إضافة إلى هذه الأعراض غير السارة تنضم: التشنجات العضلية، والغثيان، والقيء، والرعشة، والتشنج، والأرق، والكوابيس، وهذا ما يفسر الاعتقاد بـ«تكرار نوبات الاكتئاب» التي يشخصها الطبيب للمريض الذي توقَّف عن تناول أدويته، فالاكتئاب لم يتكرر، وإنما هو أحد أعراض سحب الدواء، وغالبًا ما تختفي أعراض الانسحاب خلال بضعة أسابيع، أما إذا كانت نوبة اكتئاب مكررة فلن تختفي الأعراض.

في تقرير صادر عن فريق عمل لباحثين من جامعة كامبريدج تم الإبلاغ عن 50 عرضًا تراوحوا بين خفيف وشديد قد يسبب عجزًا حقيقيًا ومنهم: ( غثيان، قيء، تشنجات، إسهال، فقدان الشهية، مشكلة في النوم، أحلام غير عادية، كوابيس، دوار، دوخة، لا تتحكم بساقيك عند المشي، الرعشات، الساقين المضطربة، مشية غير متساوية، صعوبة في تنسيق الكلام، صعوبة المضغ، تقلبات مزاجية، قلق، هوس، اكتئاب، جنون العظمة، خدر ، الحساسية ضد الأصوات، طنين في الأذنين، الانتحار). ومع ذلك، فإن ممتهني الطب ليس لديهم إجابة جيدة لمرضاهم الذين يكافحون من أجل التوقف عن تناول الأدوية النفسية، فلا توجد مبادئ توجيهية مدعومة علميًا، ولا توجد وسيلة لتحديد من هم الأكثر عرضة لخطر التوقف عن الدواء، ولا توجد طريقة لتكييف الاستراتيجيات المناسبة مع الأفراد.

كتب

منذ 6 سنوات
4 كتب قد تشفيك من أعراض الاكتئاب

الشركات المصنّعة للأدوية تتبنى موقفًا اقتصاديًا بحتًا

أتممت ثمانية أعوام وأنا أتناول مضادات الاكتئاب، لعلاج الاكتئاب والرهاب الاجتماعي، ولم أشعر بتحسُّن حتى الآن، ترددت على عددٍ كبير من الأطباء النفسيين، ولم يستطع أحد مساعدتي على الشفاء حتى الآن، لكن لم أفكر أبدًا في التوقُّف عن تناول الأدوية التي توفر لي القدرة على العيش، فأنام طوال النهار، ولا أتحدث، ولا أستطيع قضاء وقت مع أطفالي، ولا أتحمل مسؤوليتهم، وأخسر وزني كل يوم، ومع ذلك فإن الألم الذي يفتك برأسي وعظامي عند نسيان جرعة أو جرعتين يمنعني تمامًا من التفكير بالأمر. *شهادة (ر.م) ذكر، 30 عامًا، لـ«ساسة بوست».

لا ينكر مصنعو الأدوية أن بعض المرضى يعانون من أعراضٍ قاسية عندما يحاولون التخلُّص من مضادات الاكتئاب، فقال توماس بيجي، المتحدث باسم شركة فايزر، التي تُصنّع مضادات الاكتئاب مثل زولوفت وإيفيكسور، إن درجة شدة أعراض الانسحاب تختلف باختلاف الأفراد، ونوع الدواء والجرعة الموصوفة، وعلى المرضى العمل مع أطبائهم من أجل التقليل من حدتها من أجل خلاص أنفسهم عن طريق تقليص الجرعات، فبالنسبة له لا تستطيع الشركة تقديم معدلات سحب محددة للأدوية التي تنتجها لأنها لم تبحث في الأمر قبل ذلك، ورفض التحدث عن الأعراض الشائعة عن وقف أدوية شركته .حسب مركز علاج الإدمان الوطني الأمريكي.

Embed from Getty Images
الأمر ليس بجديد، فقد توقَّع بعض العلماء منذ فترةٍ طويلة، أنّ بعض المرضى النفسيين الخاضعين للعلاج، قد يعانون من أعراض الانسحاب إذا حاولوا التوقف عن تناوله، ورغم ذلك، لم يكن الانسحاب قط من تركيز صانعي الأدوية أو الهيئات الصحية الحكومية الذين لم يدركوا أن مضادات الاكتئاب يمكن أن تسبب الإدمان. فمنذ منتصف التسعينيات، أدرك الأطباء النفسيون البارزون، أن الانسحاب يمثل مشكلة محتملة للمرضى، الذين يتناولون مضادات للاكتئاب، وفي مؤتمر عام 1997 في فينكس برعاية شركة تصنيع الأدوية العالمية «إيلي ليلي»، عرض فريق من الأطباء النفسيين تقريرًا مطولًا يتضمن تفاصيل عن أعراض الانسحاب، مثل مشاكل التوازن، والأرق، والقلق والهلاوس السمعية والبصرية، وحالات الفزع، التي تتوقَّف مع إعادة تناول الأدوية، لكن سرعان ما تلاشى الموضوع من الأدبيات العلمية، ولم يركز المنظمون الحكوميون على هذه الأعراض، حيث رأوا أن انتشار الاكتئاب بين المواطنين هو المشكلة الأكبر، ولم يكن لدى صانعي الأدوية حافز كبير لإجراء دراسات مكلفة حول أفضل السبل لوقف تناول منتجاتهم، ولم يساعد أحد لسد الفجوة البحثية، ونتيجة لذلك، فإن شركات الأدوية التي يعتمد عليها الأطباء والعديد من المرضى، تقدم إرشادات محدودة للغاية لإنهاء الوصفة الطبية بأمان.

وفي واحدة من أقدم دراسات الانسحاب المنشورة عام 1998، قام باحثون في شركة «إيلي ليلي Eli Lilly» العالمية للأدوية، بجمع الأشخاص الذين يتناولون زولوفت أو باكسيل أو بروزاك وطلبوا منهم التوقف فجأة لمدة أسبوع تقريبًا، وكانت النتيجة أن عانى 50% منهم من الدوخة الخطيرة، و 42% عانوا من الارتباك، و 39% من الأرق، و 38% من الهياج الشديد، مع وصفهم لأحاسيس تشبه الصدمة الكهربائية في الدماغ، وكانت الأعراض قد ظهرت بعد وقت قصير من التوقف عن الدواء، واختفت الأعراض بمجرد استئناف تناول الحبوب.

صحة

منذ 6 سنوات
ماذا تعرف عن المرض النفسي الأكثر انتشارًا؟

موقف الطبيب النفسي بين الجهل واللاأخلاقية

تمت الموافقة الصحية على الأدوية في البداية للاستخدام على المدى القصير، فمن المفترض أن تتراوح فترة العلاج من 6 :9 أشهر، ما يكفي للتغلُّب على الأزمة، وليس أكثر، فتعتبر مضادات الاكتئاب في الأصل علاجًا قصير الأجل لمشاكل المزاج العرضي، ويقول الدكتور ألين فرانسيس، الأستاذ الفخري في الطب النفسي بجامعة ديوك، إنّ معظم المرضى يخضعون لهذه الأدوية في مرحلة الرعاية الأولية، وبعد فترةٍ قصيرة عادة ما يحدث تحسُّن، وغالبًا ما يكون الاطمئنان للاستمرار في العلاج بسبب تأثير الدواء الوهمي. لكن المريض والطبيب لا يعرفان ذلك، ويعطيان الاكتئاب بعدها قدرًا لا يستحقه، فكلاهما مترددان في إيقاف ما يبدو أنه الأصلح، وقد تستمر الوصفة غير المفيدة لسنوات، أو مدى الحياة.

مضادات الاكتئاب

مصدر الصورة: www.everydayhealth.com

 

والآن، هل من الأخلاقي وصف مضادات الاكتئاب على المدى الطويل للمرضى بينما لا نعرف ما إذا كانت هي الأفضل لهم، أم هل سيمكنهم التوقف عن تناولها دون ضرر؟

لم يمنع نقص البيانات حول الوصفات طويلة المدى الأطباء النفسيين من وصف مضادات الاكتئاب للملايين لأجل غير مسمى. ويتحوَّل الأشخاص الذين لم يتمكّنوا من الإقلاع بمجرد اتباع نصيحة الطبيب، إلى طريقة يجرون فيها تخفيضات ضئيلة على مدى فترة زمنية طويلة، تصل إلى تسعة أشهر أو سنة أو سنتين، أيًا كان ما يتطلبه الأمر. ويقول الدكتور أنتوني كندريك ، أستاذ الرعاية الأولية في جامعة ساوثامبتون في بريطانيا: «بعض الأشخاص يستمرون أساسًا على هذه الأدوية من أجل الراحة، لأنه من الصعب معالجة أعراض انسحابها، فالأمر مرهق للطبيب والمريض».

يبدو أنَّ جهل الطبيب بحلٍّ لما سيواجهه المريض جهلٌ من الشركة المصنعة أو خوف، فالشركات تهتمّ بالعلاج ولا تهتم بالتوقُّف عنه، لذا يحتاج المريض إلى الحصول على معلومات إضافية حول مضاد الاكتئاب، بما في ذلك قيمة النفع الذي ينتج عن تناوله، والمدة التي يحتاجها ليشعر بالتحسن، ومعلومات حول مرضه النفسي الأساسي، وبدائل لمضادات الاكتئاب، حتى يتمكن من اتخاذ قرار مستنير حول خطة العلاج.

إذا كنت مريضًا نفسيًّا وتخطط لوقف العلاج فالأمر يتطلب إشرافًا طبيًا دقيقًا. فمن الضروري للغاية عدم ترك أي مضادات الاكتئاب دون مساعدة، وهنا موقع على شبكة الإنترنت، وهو مشروع  يوفر معلومات عن سحب الأدوية النفسية، بما في ذلك دليل لتقليص الجرعات، أما إذا كنت تعتقد أن مضادات الاكتئاب قد سيطرت على حياتك ، فاتصل بأحد المتخصصين في الإدمان أو تواصل مع طبيبك العام أولاً. الموقع من هنا.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد