بدأ الأمر بإرهاصات لم يشغل لها العالم بالًا؛ ثم تطور الأمر حتى بات العالم معزولًا بعضه عن بعض. طوارئ أُعلنت، وحدودٌ أُغلقت، ومطارات أُقفلت، وموانئ تعطلت، والسبب فيروس لا يُرى بالعين المجردة، ظهر منتصف ديسمبر (كانون الأوّل) 2019، بمدينة ووهان الصينية، ليجد نفسه بعد أزيد من ثلاثة أشهر فقط حاضرًا في أكثر من 170 بلدًا، حتى وقت كتابة هذا التقرير؛ بعدد إصاباتٍ فاق 370 ألف إصابةٍ، وأزيد من 16 ألف وفاةٍ، بما يُعرف بفيروس كورونا المستجد، حول العالم.
لم تكن دول المغرب العربي بمعزلٍ عن الخطر الداهم الذي صار يهدد البشرية جمعاء؛ بعد أن انتشر الفيروس في معظم دوله، باستثناء ليبيا التي لم تسجّل بها أي حالةٍ حتى الآن؛ وهو الأمر الذي جعل الحكومات المغاربية تعلن حالة الطوارئ الصحية، وتسطّر خططًا اقتصادية لمجابهة هذا الفيروس، غير أنّ المتاعب الاقتصادية الناتجة من انخفاض أسعار النفط، والتي أتت موازيةً لجائحة كورونا، سترفع من تحديات المنطقة المغاربية، فهل تصمد دول المغرب العربي اقتصاديًّا أمام جائحة الكورونا؟
«صندوق خاص بتدابير كورونا».. المغرب يواجه الجائحة بـ 1.4 مليار دولار
بدايةً من ليلة السبت 21 مارس (آذار) الماضي؛ دخل المغرب رسميًّا حالة الحجر الصحي، بعد أن أعلنت الحكومة المغربية حالة الطوارئ الصحية في كامل أرجاء المملكة؛ لمواجهة تفشي جائحة كوفيد-19 المنتشر في أكثر من 10 جهات مغربية؛ ويأتي إعلان المغرب لحالة الطوارئ الصحية بعد أن بلغ عدد الإصابات صباح يوم الأحد الماضي 143 إصابة، توفي منها أربع حالات.
وفور وصول الفيروس إلى المغرب؛ رصدت الحكومة المغربية خطة اقتصادية لمجابهته والحيلولة دون انتشاره؛ من خلال إصدار الملك المغربي مرسوم استحداث صندوقٍ للتبرع ضد الكورونا، تحت مسمى «الصندوق الخاص بتدابير جائحة فيروس كورونا المستجد»، بتمويلٍ أوّلي يصل إلى 1.4 مليار دولار، ساهم فيه كلٌ من صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الذي أعلن تقديم مساهمة بمقدار مليار درهم (101 مليون دولار)؛ وساهم بالقيمة نفسها كلٌ من «بنك أفريقيا»، الذي يترأسه رجل الأعمال المغربي عثمان بنجلون، وشركة «أفريقيا» التابعة لمجموعة «أكوا» التي يُعد وزير الفلاحة عزيز أخنوش أبرز المساهمين فيها.
كما أعلنت الجهات الاثنتا عشرة (المحافظات المغربية) تقديم مساهمة بحوالي 1.5 مليار درهم (150 مليون دولار)، وقررت الحكومة تخصيص الغرامة الصادرة ضد اتصالات المغرب التي تناهز 3.3 مليار درهم لتمويل الصندوق، ومن جهته أعلن «المكتب الشريف للفوسفاط»، أكبر مقاولة عمومية وطنية في المغرب، تقديم مساهمة قدرها 3 مليار درهم.
ولم يقتصر التبرع لصندوق التضامن ضد كورونا على المؤسسات والشركات المغربية؛ فقد أعلن عدد من الفنانين والرياضيين المغاربة مساهمتهم بالتبرع للصندوق المُستحدث بغرض التصدي لتداعيات فيروس كورونا المستجد في المغرب، بينما أعلن آخرون مساهمتهم في مواجهة تداعيات هذا الوباء عبر التكفل بالأسر المعوزة، التي لا يمكنها توفير قوت يومها سوى بالخروج للعمل، وذلك تشجيعًا لها على عدم الخروج في هذه الفترة.

الكورونا ينتشر في المغرب رغم التدابير الحكومية
وتأتي وظيفة موارد الصندوق الأساسية تغطية النفقات الطبية ودعم القطاعات الاقتصادية المتضررة من انتشار الوباء المستجد بالمغرب، حسب نص المرسوم المؤسس للصندوق.
على جانب آخر، لم تسلم خطة المغرب الاقتصادية لمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها من الانتقاد؛ إذ وجّه محمد حمداوي، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للعدل والإحسان، انتقاداتٍ لاذعة للخطة الاقتصادية، وفي بيانٍ حصل «ساسة بوست» على نسخةٍ منه؛ أكّد محمد الحمداوي أن المبلغ المجموع حتى اللحظة، والذي بلغ 22 مليار درهم، لا يكفي لتغطية أجور العاملين لمدة ثلاثة أشهر؛ كما هاجم الحمداوي بعض المتبرعين بالقول إنّ جزءًا من أموالهم تعود إلى الشعب المغربي، والتي جرى نهبها بطرقٍ غير شرعية.
«تونس تتبرع».. هل سينقذ التونسيون اقتصادهم من تأثيرات كورونا؟
أعلن الرئيس التونسي الثلاثاء الماضي فرض حظر تجوال من الساعة السادسة مساءً إلى السادسة صباحًا ابتداء من يوم الأربعاء الماضي؛ وذلك بعد أن سجلت تونس حتى لحظة كتابة هذا التقرير أزيد من 89 حالة إصابة، منها ثلاث وفيات بفيروس كوفيد-19.
ووسط الانتشار التدريجي للفيروس بين محافظات تونس، وتمهيدًا لدخول البلد في حجرٍ صحيٍّ عامٍ، بدأ أول أمسٍ الأحد؛ أعلن رئيس الحكومة التونسية خطَّة اقتصادية للتصدي للفيروس وتداعياته بتونس، من خلال استحداث صندوق بمبلغ قدره 700 مليون دينار، هدفه هيكلة المؤسسات المتضررة.
وتشمل الخطة الحكومية الجديدة، تخصيص ما يقارب 150 مليون دينار تونسي لمساعدة الفئات المجتمعية الهشة، إلى جانب وضع خط ضمان بقيمة 500 مليون دينار لتمكين المؤسسات من الحصول على قروض جديدة في فترة الركود المتوقعة مع انتشار الفيروس.
وعلى هامش إعلان تونس فرض حجرٍ صحيٍّ تامٍ على البلاد ابتداءً من الأحد، كشفت الحكومة التونسية أيضًا عن خطة مساعدات قيمتها 2.5 مليار دينار (850 مليون دولار)، تستهدف دعم المؤسسات والأفراد، بهدف مواجهة تداعيات فيروس كورونا، وذكرت وسائل إعلام محلية بأن حملة تبرعات أطلقها التلفزيون الرسمي تمكنت من جمع أكثر من 27 مليون دينار الجمعة (8.5 مليون دولار) ستُقدَّم لقطاع الخدمات الصحية.
وكان وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي، قد صرّح للتلفزيون الرسمي التونسي بأنّه «من أجل توفير مستلزمات الوقاية للعاملين في القطاع الطبي وحده نحتاج لحوالي 70 مليون دينار. لكن نأمل الوصول إلى رقم 50 مليون دينار»، وهو ما تعمل حملة التبرع التي تقودها الفضائيات التونسية على تحصيله.
ودخلت البنوك التونسية على خطّ التضامن ضد أعباء مكافحة فيروس كورونا المستجد، من خلال إعلانها تأجيل سداد قروض أصحاب الدخول الضعيفة، لمدة ستة أشهر لاحتواء آثار فيروس كورونا. وتتوقع تونس ركودًا اقتصاديًّا هذا العام لأسباب منها آثار فيروس كورونا، وهو ما دفع البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة الرئيسية 100 نقطة أساس هذا الأسبوع.
ورجّح الخبير الاقتصادي التونسي محسن حسن، تضرر العديد من القطاعات الاقتصادية في تونس؛ من جراء انتشار جائحة كورونا، وذلك بسبب انفتاح الاقتصاد الوطني في تونس على الخارج بنسبة كبيرةٍ، وضعف صلابته، إضافة إلى التأثيرات الاقتصادية والمالية في تونس متعددة الأوجه، بالنسبة للمالية العمومية.
وأضاف محسن أنّه «يتعيّن على الحكومة وضع خطط للدفع الاقتصادي؛ للمحافظة على النسيج الاقتصادي الوطني، وضمان استدامة المؤسسات، وخاصة الصغرى والمتوسطة منها، من خلال إسداء امتيازات جبائية استثنائية، وإعادة جدولة الديون الجبائية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي تمر بصعوبات اقتصادية ومالية، وذلك في إطار قانون المالية التكميلي لسنة 2020، الذي لا بد أن يقرَّه مجلس نواب الشعب قبل نهاية يونيو (حزيران) 2020».
تجدر الإشارة إلى أنّ الحجر الصحي، الذي بدأ تطبيقه في تونس منذ أول أمس الأحد إلى غاية 4 أبريل (نيسان)، سيستثني حوالي مليون ونصف المليون مواطن الذين سيكونون مجبرين على مواصلة أعمالهم فيما سيبقى قرابة 10 مليون مواطن في منازلهم.
بين مطرقة الوباء وسندان أسعار النفط.. هل يصمد اقتصاد الجزائر أمام جائحة كورونا؟
ينتظر الجزائريون إعلان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، حالة الطوارئ الصحية، وذلك بعد أن ارتفعت درجة تفشي الجائحة بالجزائر إلى المستوى الثالث، بعد تسجيل 230 حالة مؤكدة الإصابة بالفيروس، توفيت منها 17 حالة؛ غير أن التحديات الاقتصادية التي تعيشها الجزائر قد تجعل مهمتها أصعب من بقية دول المغرب العربي.
فإلى حدّ الساعة لم تعلن الحكومة الجزائرية خطَّة اقتصادية واضحة لمجابهة الفيروس وتداعياته؛ خصوصًا أنّ البلد قد يتجه إلى فرض حالة الطوارئ الصحية، التي تستلزم ميزانية لتغطية توقف قطاعات كبيرة عن العمل.
وينتظر المتابعون أن تطرح الحكومة الجزائرية خطةً اقتصاديةً عاجلة وواضحة، وفي هذا الصدد يشير الخبير الاقتصادي الجزائري عمار عيساوي في حديثه مع «ساسة بوست»، إلى أن «الحكومة الجزائرية الآن بحاجة إلى تخصيص سندات مالية خاصة بعملية مكافحة فيروس كورونا، تكون مقتطعة من البرنامج التكميلي لموازنة 2020؛ إضافةً إلى دعم الشركات المتضررة من أزمة الكورونا، وتوفير دعم مباشر لذوي الدخل وأصحاب المهن الحرة، والعاملين باليومية وليس بالراتب؛ لتقليل التداعيات الاجتماعية من فرض حالة الحجر الصحي»، وأضاف عيساوي أنّ «القطاع الخاص بإمكانه المساهمة في عملية المكافحة، عن طريق تخصيص صندوقٍ للتبرع مثل بقية الدول، في حالة ما أصبح المرض في حالة خطيرة».
ويرى الباحث الاقتصادي، ورئيس قسم الاقتصاد في شبكة «الجزيرة»، الدكتور حاتم غندير، أنّ «السؤال الأهم بعد وضع الخطط، هو من أين ستأتي الحكومة بالأموال اللازمة في ظل التراجع الكبير لأسعار النفط؟» ويشير غندير إلى أنّ طباعة النقود ستكون عملية انتحارية بلا جدوى، ستجعل التضخم عميقًا، وستعزز الركود دون فاعلية على النمو.
ويضيف «ليس لدى الجزائر سوى حلين عاجلين لتفادي الاستدانة المكلفة دوليًّا في الظروف الحالية، أو الاستعانة بصندوق ضبط الموارد الذي تآكل بشكل مريع في السنوات الأخيرة، أمّا الأهم من كلّ ذلك فهو الإسراع في تحصيل «أموال العصابة» التي يقدرها خبراء ما بين 150 و300 مليار دولار».
وكانت الحكومة الجزائرية قد أعلنت تسريح 50% من الموظفين، وخاصة النساء، وتوقيف وسائل النقل، وكذا غلق المقاهي والمطاعم في المدن الكبرى، ابتداءً من أول أمس الأحد في إجراءات جديدةٍ للحد من انتشار كوفيد-19.
وفي خطابٍ له وجَّهه للجزائريين الثلاثاء الماضي، أعلن الرئيس الجزائري تبون استعداد بلاده لكافة الاحتمالات في حالة تفشي الفيروس؛ مؤكدًا أنَّ لدى حكومته «قدرات جاهزة، لم تستغل بعد، سواء على مستوى الجيش الوطني الشعبي، أو الأمن الوطني، وحتّى الفضاءات الاقتصادية، كالمعارض التي يمكن تجهيزها للحجر الصحي على عجل بالإضافة إلى المباني والمنشآت العمومية».
وأضاف تبون أن «الجزائر تمتلك أكثر من ألفي سرير خاص بالإنعاش، ويمكن رفع العدد عند الاقتضاء إلى 6 آلاف سرير وتوفير 5 آلاف جهاز تنفس اصطناعي».
وحتى الآن لم تعلن السلطات الجزائرية أي ميزانية واضحةٍ للحد من تفشي الفيروس في البلاد، سوى مبلغ 30 مليون دولار كانت الحكومة الجزائرية قد أعلنت تخصيصه بداية هذا الشهر لمواجهة الكورونا، فيما أمر أول أمسٍ الأحد الرئيس الجزائري تبون برفعها إلى قيمة 100 مليون دولار مخصصة لاقتناء المواد الطبية والصيدلانية والألبسة، وذلك خلال ترأسه لمجلس الوزراء.
وكشف الرئيس الجزائري خلال الاجتماع الوزاري الذي ترأسه مساء أول أمس، عن ميزانيةٍ جديدة لمكافحة وباء الكورونا، وذلك من خلال مبلغ 100 مليون دولار، وعد البنك الدولي تقديمها إلى الجزائر في إطار جهوده لمكافحة الجائحة، إضافةً إلى مبلغ 32 مليون دولار سيقدمها البنك العالمي للإنشاء والتعمير.
وكان الملياردير الجزائري يسعد ربراب، الذي أفرج عنه من السجن مؤخرًا، قد أعلن استعداد مجمعه «سيفيتال» للمساهمة في مواجهة الأزمة التي تمر بها البلاد، وكشف وزير الصحة الجزائري، عبد الرحمن بن بوزيد، بعد لقاءٍ جمعه مع رجل الأعمال ربراب، عن أنّ هذا الأخير أبلغه رغبته في استيراد أجهزة التنفس وتقديمها للمستشفيات.
موريتانيا.. إجراءات وقائية استباقية للخروج بأقل الأضرار
بدورها أعلنت الحكومة الموريتانية خطَّة استعجالية لمجابهة انتشار فيروس كورونا بالبلاد، وذلك بعد تسجيل حالةٍ واحدة في البلاد الأسبوع الماضي، ورصدت الحكومة الموريتانية مبلغ 15 مليون دولار، حصة أولى دعمّها البنك الدولي إلى 20 مليون بعد تقديمه 5 مليون دولار كمساعدات لموريتانيا لمواجهة المرض.
بدورهم شرع رجال الأعمال في موريتانيا بالتبرع لفائدة وزارة الصحة، بعد أن قدّم رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد عمامتو مبلغ 26 مليون دولار، وساهم اتحاد أرباب العمل الموريتاني بالمبلغ نفسه.
وكانت السلطات الموريتانية قد أعلنت الخميس الماضي فرض حظر التجوال ابتداءً من الساعة الثامنة مساءً وحتى السادسة صباحًا، ضمن إجراءاتها للوقاية من فيروس كورونا.

التدابير الاحترازية لمواجهة الكورونا بموريتانيا مصدر الصورة (البوابة)
وفي حديثه مع «ساسة بوست»، أشاد الإعلامي الموريتاني محمد المختار ولد الشيخ، بالإجراءات الاستباقية التي أخذتها الحكومة الموريتانية؛ وأضاف ولد الشيخ «أطالب رجال الأعمال الموريتانيين، وكل قادر، بالتبرع لصالح البلد في هذه الظروف؛ لأن المرحلة القادمة ستكون مرحلة الاعتماد الذاتي، فكل بلد سيضطر للاعتماد على اكتفائه الذاتي، وما جرى تخزينه والتبرع به؛ لأن العالم كله في أزمة، والاقتصاد والركود الاقتصادي على رأس تلك الأزمات».
وحذّر حزب الإصلاح من أزمة ندرة في المواد التموينية بعد فرض حظر التجوال، داعيًا السلطات إلى «مراقبة الاضطرابات المحتملة في سوق الأدوية والمواد الغذائية؛ للوقوف في وجه المضاربات والاحتكار؛حتى لا تحصل ندرة لهذه المواد أو غلاء في أسعارها يتضرر منه المواطنون، خاصة أصحاب الدخول الضعيفة».