قال الشاعر المصري الراحل، أحمد فؤاد نجم، ذات يوم: «المسؤول يدرس خارج البلد، وإذا مرض يتعالج خارج البلد، ويذهب للسياحة خارج البلد، الشيء الوحيد الذي يفعله داخل البلد هو سرقة البلد»، حيث لا يجد حكام البلدان العربية ومسؤولوها الكبار غضاضة في ركوب الطائرة إلى المستشفيات الأوروبية، والأمريكية؛ طلبًا للعلاج، تاركين وراءهم شعوبهم تئن من المرض دون مستشفيات جديرة بالثقة.

وكما أن الجامعات الأمريكية، والبريطانية هي الوجهة المفضلة لأبناء مسؤولي العرب وأثريائهم، وبنوك سويسرا هي الخزانة الأمينة لأموالهم، فإن مستشفيات باريس هي مصحات الرحمة لهم، التي تبرئهم من كل سقم.

حكام العرب ومستشفيات باريس

يربط مسؤولو دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط علاقة وطيدة بمستشفيات باريس، حتى أنها لا تتأثر بغيوم السياسة مع قصر الإليزيه، إذ لا يؤمن هؤلاء المسؤولون صحتهم إلا على يد أطباء باريس، دون سواهم.

ويتابع الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ملفه الصحي في باريس، حيث يتردد بين الفينة والأخرى على مستشفى «فال دو غراس»، لإجراء فحوصاته الطبية، وأحيانًا عند اشتداد المرض، يُنقل إلى  مؤسسة «زانفاليد الوطنية» المتخصصة في الاهتمام بالحالات الصعبة.

ويعاني الرئيس الجزائري منذ سنوات من جلطة دماغية أقعدته على الكرسي المتنقل، لدرجة  أن مسألة مرضه، الذي يغيبه عن مخاطبة شعبه وممارسة مهامه أمام كاميرات الإعلام، أصبحت محل لغط سياسي، حول قدرة الرئيس على إدارة الحكم بفعالية، كما يثير ذلك قلقًا دوليًّا على مستقبل الجزائر في مرحلة ما بعد بوتفليقة.

أما في المملكة المغربية، فيداوم المسؤولون المغاربة على العلاج في مستشفيات باريس، كوجهة غدت تلقائية ومعروفة لدى الرأي العام، حيث يهرع مسؤولو الدولة الكبار إلى مصحات الرحمة في باريس، في كل مرة يشتد بهم المرض، أو حين يمس أفراد عائلاتهم.

وكذلك الأمر ينطبق على الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، الذي يفضل الاستشفاء في مصحات باريس، وسبق أن خضع محمد ولد عبد العزيز قبل سنوات لعملية جراحية في مستشفى «بيرسي»، بعد تعرضه لطلق ناري عن طريق الخطأ من إحدى الدوريات الأمنية.

 

ولا يقتصر الأمر فقط على حكام دول شمال إفريقيا، وإنما أيضًا يفضل أمراء الخليج وملوكهم مستشفيات باريس للعلاج، بخاصة عند تعرضهم لأزمات صحية صعبة، وكانت الصحف الفرنسية قد أثارت جدلًا في سنة 2015 بشأن مستحقات علاج غير مدفوعة، تبلغ قيمتها 3.7 مليون يورو، على عاتق العاهل السعودي الملك سلمان ورعاياه.

مستشفيات باريس مستودع أسرار حكام العرب

تحولت باريس إلى مستودع للأسرار الطبية للمسؤولين العرب، من زعماء ووزراء وسياسيين وقادة أمن وموظفين كبار، من كثرة توافدهم على مستشفياتها دوريًّا، حتى أصبح ملفهم الصحي موكلًا بشكل خاص لأطباء مستشفيات باريس، التي تحتفظ بسجلاتهم الصحية.

ونتيجة لذلك، باتت الحكومة الفرنسية على علم بالأوضاع الصحية بشكل مفصل للمسؤولين الكبار في بلدان شمال إفريقيا، وبعض دول الشرق الأوسط، وبالتالي أصبحت مطلعة بشكل أفضل على خريطة السياسة، ومستقبلها في تلك المناطق.

وفي هذا الإطار، عقدت لجنة الخارجية للبرلمان الفرنسي جلسة خاصة لمناقشة تقرير حول العلاقات مع المغرب العربي في مجلس النواب، تضمن معلومات حساسة تهم كل زعماء كل من الجزائر، والمغرب، وتونس.

وينقل موقع «LCP» الفرنسي، عن النائب الفرنسي جان كالفاني قوله في عرض له حول التقرير، إن «الوضع الصحي للزعماء الثلاثة مقلق، فالقايد السبسي يبلغ من العمر 89 سنة وسيصل إلى 90 سنة في ظرف شهور، وبدوره يعاني الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من الجلطة الدماغية التي أقعدته، وفي المغرب، هناك ملك شجاع، وملك حداثي وله رؤية متقدمة في بعض القضايا، ولكنه مصاب بمرض يتفاقم ببطء، ويعالج بمهدئات، وكل هذا يطرح علامات استفهام حول المستقبل»، على حد قوله.

ويتابع قصر الإليزيه باستمرار الوضع الصحي لحكام المغرب العربي، نظرًا للمصالح الكبيرة التي تربط فرنسا مع المنطقة المغاربية والإفريقية، بخاصة فيما يتعلق بقضايا الإرهاب والهجرة، وتخشى باريس من اضطرابات سياسية في شمال إفريقيا قد تهدد أمن أوروبا.

السياحة العلاجية في مستشفيات باريس

تملك مستشفيات باريس سمعة ممتازة عالميًّا، إذ عادة تدرج في التصنيفات الدولية لأرقى المؤسسات الطبية، وتعتبر محطة عالمية للسياحة العلاجية، ليس فقط بالنسبة لزعماء العالم العربي، وكبار رجالات الدولة، وإنما أيضًا بالنسبة لأثرياء المنطقة العربية ووجهائها، حيث تستقبل سنويًّا عشرات الآلاف من المرضى الأجانب، منهم آلاف المسؤولين الكبار.

ويقول مسيّر مؤسسة الرعاية العمومية لمستشفيات باريس، الطبيب لوييك كابرون، في تصريح صحافي، إن «الأجانب الذين يأتون للعلاج في فرنسا يبحثون عن الكفاءات، والخدمات النوعية التي لا تتوفر في بلدانهم، لا سيما في الجراحة، والأورام، وزرع الأعضاء، وأمراض الدم».

وكانت مصلحة إدارة مستشفيات باريس قد كشفت قبل عام عن مستحقات علاجية غير مدفوعة للأجانب، بمبلغ 120 مليون يورو، حيث تأتي الجزائر في مقدمة الدول المدينة بحوالي 32 مليون يورو، تتبعها المغرب بـ11 مليون يورو، ثم الولايات المتحدة بحوالي ستة ملايين يورو، وبلجيكا بخمسة ملايين يورو، وتونس بأكثر من أربعة ملايين يورو، والسعودية بـ3.7 مليون يورو.

ويعتبر مستشفى «بيرسي» في مدينة كلامار، في الضواحي الغربية القريبة من العاصمة باريس، أشهر مستشفيات باريس التي يقصدها كبار الشخصيات السياسية الأجنبية، وهو تابع لوزارة الدفاع الفرنسية، ويعرف بكفاءاته المحترفة، وتجهيزاته المتطورة مع درجات السرية التي يوليها للسجلات الصحية للمرضى. ويشبهه في مهمته المستشفى «فال دوغراس» العسكري في باريس، وهو المكان الذي يعالج فيه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

كما تتوفر فرنسا على عشرات المستشفيات العمومية، التي لا تقل خدماتها الصحية جودة عن المستشفيات الخاصة في باريس، والمفتوحة في وجه العموم بما فيهم الأجانب، أبرزها المستشفى الأمريكي، وهو مستشفى عمومي معتمد من السلطات الفرنسية.

ويبين الشكل الآتي ترتيب المستشفيات الفرنسية تبعًا للتخصصات الطبية:

 

المصادر

تحميل المزيد