هناك تصور راسخ في ذهن الأغلبية حول العالم عن الرجال، يتعلق بكونهم يفكرون في الجنس طوال الوقت، وكذلك يفكرون فيه أكثر من النساء، وقد ساعد التجسيد الدرامي للرجل في الأفلام والمسلسلات بوصفه كائنًا لاهثًا وراء رغباته الجنسية ومُطارِدًا للنساء من أجل ممارسة العلاقة الحميمة؛ في تعزيز هذا التصور في أذهان النساء، بل الرجال أيضًا عن أنفسهم.

ولكن هل هذا التصور حقيقي؟ وهل حقًّا يفكر الرجال في ممارسة العلاقة الحميمة أكثر من النساء؟ وهل تتفق تلك المقولة الشائعة عن الرجال مع العلم؟ في هذا التقرير نعرض رأي العلم في الأمر؛ وسنحاول توضيح هذا التصور الراسخ في الأذهان عن الرجال وتحليله.

الرجل ليس أسير غرائزه.. وهوسه بالجنس «أسطورة»

«عندما يسمع الرجل عن معلومة تتحدث عن أنه أسير غرائزه ولا يفكر سوى في ممارسة العلاقة الحميمة يشعر بأنه خلق وبه شيء يميزه سلبيًّا عن المرأة، وعندما تسمع المرأة (التي تراودها أفكار جنسية يوميًّا) عن أن الرجال يهتمون بالجنس طوال الوقت تشعر أيضًا بأنها تعاني من أمر خاطئ؛ وقد حان وقت هدم تلك الأساطير».. هكذا صرحت الطبيبة تيري فيشر أستاذ علم النفس في جامعة مانسفيلد بجامعة ولاية أوهايو ومؤلفة دراسة نُشرت في عام 2011 تحت عنوان «Study debunks stereotype that men think about sex all day long»، ورغم أن تلك الدراسة مر عليها أكثر من 10 سنوات، فإن بعض الكتابات الجديدة ما زالت تغذي تلك الأسطورة في أذهان العامة من خلال ما تقدمه من معلومات يأخذ منها القراء القشرة فقط.

فعلى سبيل المثال؛ أكدت دراسة نُشرت في شهر يونيو (حزيران) 2021 تحت عنوان «Brain and testis: more alike than previously thought»؛ أن هناك الكثير من القواسم الجينية المشتركة بين الخصيتين والمخ في جسم الرجل، وتلك ليست المرة الأولى التي تشير فيها بعض الدراسات إلى أن هناك تشابهًا جينيًّا بين المخ والخصيتين لدى الرجل، ففي العام 2017 أكدت دراسة أن جودة الحيوانات المنوية لدى الرجل لها القدرة على التأثير الإيجابي في نسبة ذكائه.

أكد الباحثون في الدراسة الأولى أن من المثير للدهشة أن الدماغ البشري والخصية يمتلكان أكبر عدد من البروتينات الشائعة، مقارنة بأنسجة جسم الإنسان الأخرى، موضحين أن هاتين المنطقتين ليستا متشابهتين فحسب، بل إنهما متطابقتان عمليًّا، ووجدت الدراسة أن دماغ الإنسان يتكون من 14315 بروتينًا مختلفًا، بينما تتكون الخصية من 15687، وبعد مقارنة الأنسجة وجد مؤلفو الدراسة أن لدى كلٍّ من الخصية والمخ 13442 بروتينًا مشتركًا، وصرح أحد مؤلفي الدراسة بأن: «الدماغ البشري والخصية يشتركان في أكبر تشابه جيني عرفه العلم حتى الآن».

كما أكدت الدراسة أيضًا أن المخ والخصية يشتركان فيما يعرف باسم «الجدار الدموي» والذي يحمي الدماء في المخ والخصية من الأكسدة، والتي اكتشف العلماء أيضًا أنها خطر يهدد الخصية والمخ دونًا عن باقي الجسم، وقد جرى استخدام تلك المعلومات لإثبات التصور القائل بأن الرجال يفكرون في الجنس أكثر من المرأة، ولكن ما رأي العلم في ذلك؟

الطعام والنوم مهمان أيضًا للرجل.. هدم الأسطورة

في الدراسة التي نشرت عام 2011 تحت إشراف الطبيبة تيري فيشر؛ أكدت البيانات الواردة في الدراسة أن الرجال بالفعل يفكرون في الجنس أكثر من النساء على مدار اليوم، ولكن هذا ليس له علاقة بالرغبة في ممارسته أو الهوس به، بل لأن الرجال يفكرون في جميع الاحتياجات البيولوجية مثل الأكل والنوم أكثر من النساء أيضًا على مدار اليوم.

وشككت الدراسة في التصور النمطي المنتشر عن الرجال، والذي يروج لأن الرجل يفكر في الجنس كل سبع ثوانٍ، ومن ثم يفكر في العلاقة الحميمة لأكثر من 8 آلاف مرة في الستة عشر ساعة التي يقضيها الرجل مستيقظًا، وهو الرقم الذي وجدته الدراسة مبالغًا فيه، ووفقًا لاستنتاجات الدراسة فقد بلغ متوسط عدد المرات التي يفكر فيها الرجل في الجنس نحو 19 مرة في اليوم فقط.

بينما النساء، وفقًا للدراسة، تراودهن الأفكار الجنسية نحو 10 مرات في اليوم، لكن الدراسة أشارت أيضًا إلى أن الرجال يفكرون أيضًا في الطعام ما يقرب من 18 مرة في اليوم، وفي النوم ما يقرب من 11 مرة في اليوم؛ مؤكدة أن الرجال يفكرون في الاحتياجات البيولوجية بشكل عام أكثر من النساء يوميًّا، وليس العلاقة الحميمة فقط على وجه الخصوص، وقد يكون سبب هذا وضوح الأفكار في أذهان الرجال حول احتياجاتهم، ولكنه ليس له أي علاقة – وفقًا لفيشر- بأن الرجال يفكرون في الجنس أكثر من النساء ويريدون ممارسته أكثر منهم.

النساء يفكرن في الجنس أكثر من الرجال قبل الدورة الشهرية

تقول تيري فيشر في دراستها «إذا كنت تريد أن تخمن عدد المرات التي يفكر فيها شخص ما في ممارسة العلاقة الحميمة يوميًّا ومدى تركيزه فيها، فمن الأفضل ألا تنظر إلى جنسه – أي رجل أم امرأة- بل عليك أن تتعرف إلى توجهه العاطفي، فتكرار التفكير في الجنس مرتبط بمتغيرات تتجاوز الجنس البيولوجي»، وفي هذا السياق أكد الطب النفسي أن النساء اللاتي يحصلن على درجات عالية من القبول من طرف الرجال يتكرر تفكيرهن في الجنس على مدار اليوم أكثر من النساء اللاتي لا يحصلن على الإعجاب الكافي من الرجال.

وفي استطلاع رأي نُشر في عام 2014، وشارك فيه ما يزيد على 10 آلاف شخص من أكثر من 114 دولة؛ أظهرت نتائجه أن المرأة تفكر في ممارسة العلاقة الحميمة يوميًّا أكثر من الرجل، كما أن الأطباء يؤكدون أن رغبة المرأة الجنسية تعتمد على الحالة الهرمونية التي تمر بها وليس الحالة النفسية فقط.

جنسانية

منذ سنة واحدة
ليست متاعب جسدية فقط.. هذه نتائج عدم الرضاء الجنسي عند المرأة

فعلي سبيل المثال هناك أيام محددة في الشهر – قبل الدورة الشهرية، وبعدها أحيانًا- قد يكون تفكير المرأة في الجنس ورغبتها فيه أكثر من الرجل، ولكن بعد مرور تلك الأيام قد تمر أيام دون أن تفكر المرأة في ممارسة العلاقة الحميمة، وأشار بعض الباحثين إلى أنه في «أيام التبويض» – أي نحو 14 يومًا قبل موعد الدورة الشهرية-  من المرجح أن تشعر النساء بأن الدافع الجنسي لديها في أعلى مستوياته.

وأجرى بعض الباحثين في قسم العلوم النفسية والدماغ في جامعة كاليفورنيا تجربة بمساعدة 43 امرأة، وتتبعوا مواعيد الدورة الشهرية للنساء المشاركات، وأعطى الباحثون النساء استبيانًا يوميًّا، سُئلن فيه حول: ما مدى رغبتك في الاتصال الجنسي بالأمس؟ وجرى إعطاؤهن مقياسًا من رقم واحد للرقم سبعة، بالإضافة إلى الأسئلة السلوكية حول ما إذا كانوا قد مارسن العادة السرية؟ أو مارسن العلاقة الحميمة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن الذي بدأ الأمر، هي أم الشريك الذكر؟

بعد ذلك، درس الباحثون مستويات هرمونين رئيسيين ينتجان عن طريق المبايض عند النساء وهما هرمون «الإستروجين» و«البروجسترون»، وكان هناك نوعان من النتائج الرئيسية: إذ ظهر أن «الإستراديول» – وهو نوع من الإستروجين- يرتبط ارتباطًا إيجابيًّا بالرغبة الجنسية لدى النساء، والمزيد منه يعني المزيد من الرغبة الجنسية لديهن، وفي المقابل يبدو أن «البروجسترون» يثبط الرغبة الجنسية في غضون يوم أو يومين، ويتقلب هذان الهرمونان على مدار الدورة الشهرية، بين الرغبة الملحة والتفكير الدائم في العلاقة الحميمة، وبين عدم الرغبة في التفكير فيها أو ممارستها على الإطلاق.

وما زال السؤال القائم: من يفكر في الجنس أكثر، الرجل أم المرأة؟ وحتى الآن لا يوجد إجابة شافية لهذا السؤال؛ إذ يؤكد علم النفس أن التفكير في العلاقة الحميمة من الصعب قياسه حسب نوع الشخص – رجل أم امرأة- فإلى جانب المعطيات البيولوجية هناك معطيات فكرية ونفسية واجتماعية، وليس بالضرورة أن يكون تفكير الشخص في الجنس تفكيرًا إيجابيًّا.

فعلى سبيل المثال أثبتت المعلومات العلمية الطبية أن جسم المرأة قد لا يمر بمرحلة هرمونية تدفعه للتفكير في الجنس، ولكن في المقابل قد تدفعها حالتها النفسية لذلك في حالة إن كان شريكها في الحياة يمتنع عن ممارسة الجنس معها، فيتحول التفكير في العلاقة الحميمة إلى هوس فكري وليس جسديًّا، ومن ثم يكون هوسًا سلبيًّا.

في المحصلة، ما توصل إليه الطب وعلم النفس هو أن مقولة الرجال يفكرون في الجنس أكثر من النساء ليست حقيقة، وليس المقابل لها أيضًا أن النساء تفكر في الجنس أكثر من الرجال أيضًا، فالأمر يختلف من فرد لآخر أيًّا كان جنسه وفقًا للعديد من المعايير النفسية والاجتماعية والثقافية الخاصة بالفرد.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد