بعد 12 عامًا من سيطرة حكومات يسارية، تحولت الأرجنتين نحو اليمين الوسط في انتخابات الرئاسة نوفمبر 2015 بالتصويت للرئيس السابق لنادي بوكا جونيورز ماوريسيو ماكري) عن حزب (دعوة للتغيير) متقدمًا بنحو ثلاث نقاط عن منافسه دانيال سيولي مرشح الاستمرارية والمدعوم من الرئيسة السابقة لتوها كريستينا فرنانديز دي كيرشنر ما يعني نهاية “الكيرشنرية” بالأرجنتين.
“هو يوم تاريخي” رقص موريسيو ماكري – الرئيس الجديد للأرجنتين- على خشبة المسرح في مسيرة النصر وسط أنصاره ووعد بدخول “حقبة جديدة رائعة وتاريخية”، في ديسمبر سينتقل ماكري إلى القصر الرئاسي (القرنفلي) محل كريستينا فرنانديز التي اتسم الاقتصاد في عهدها بالبطء والتضخم لأكثر من 20% ما سيحتم على ماكري اتباع نهج أكثر تحررًا بشأن الاقتصاد ورفع القيود التجارية كما وعد.
“أنتظر منكم بعض الصبر، لا تتركوني وحيدًا” ماوريسيو ماكري
السيد ماكري(56 عامًا)، سيتولى مهام منصبه في 10 ديسمبر 2015 وهو ابن واحدة من أغنى العائلات في الأرجنتين، والرئيس السابق لبوكا جونيورز، النادي لكرة القدم شعبية في بوينس آيرس وفي 1990تم اختطافه للحصول على فدية.
كان خصمه السيد سيولي 58 عامًا كان بطل القوارب السريعة حتى فقد ذراعه في حادث في عام1989، وحاكم ولاية بوينس آيرس التي تعد دائرة انتخابية بحجم دولة مثل إيطاليا حسب استطلاعات الرأي كان هو الرئيس الأفضل ولكنه يفتقر إلى الكاريزما التي ساعدت على إبقاء السيدة كيرشنر في السلطة.
حذر السيد سيولي أن سياسات السيد ماكري قد تؤدي إلى تخفيض قيمة العملة الرئيسية وتضعف الرواتب والمعاشات التقاعدية للطبقة العاملة الأرجنتينيين، لكن وعود سيولي بالحفاظ على إنجازات كيرشنر وزوجها – الرئيس الأسبق- تعد أقوى أسباب هزيمته، وفقـًا لمراقبين.
الأرجنتين القديمة وضريبة الاندفاع نحو الإصلاح

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا فرنانديز
يخشى سياسيو الأرجنتين عودة ماكري للسياسات الليبرالية للرئيس الأسبق كارلوس منعم في التسعينات وخصخصة خدمات الدولة ووضع أعداد كبيرة من موظفي الدولة كجزء من برنامج السوق الحر الذي أدى لانهيار اقتصادي في 2002 ويزداد الخوف من تكرار ماكري اتخاذه السوق أداته في التحدي مقابل الحكومة واعتباره ممثلاً للرأسمالية.
فمنذ عام 2003 وانتخاب نيستور كيرشنر حقق في البداية مكاسب أثارت الإعجاب، وعقد صفقات مع معظم الدائنين وحد من الفروق بين الطبقات الاجتماعية، وزاد من فرص العمل ودعم التكامل الإقليمي، ورغم ذلك مع وفاته 2010 فقد اقتصاد الأرجنتين زخمه وارتفع التضخم إلى 30% وزحف الفقر لتخوض زوجته كيريستينا سلسلة من المعارك الفاشلة في سبيل العودة.
عواقب التغيير أيضًا قد تكون هائلة، فقد وعد (ماكري) بتعزيز المؤسسات وتقديم المزيد من السياسات الداعمة لرجال الأعمال، عقد صفقات مع الدائنين الأجانب كحل لأزمة الديون، وإعادة تنظيم السياسة الخارجية للأرجنتين بعيدًا عن فنزويلا وإيران والتقرب من الولايات المتحدة وبريطانيا وتبني موقف أقل حدة في الحوار بشأن جزر فوكلاند، لكن لن ننسى تذكيره بأن الانتخابات أوضحت الاختلاف العميق داخل الأرجنتين حتى يفوز بفارق 3% فقط ما يعني أن مجلس النواب لن يجمع أغلبية لصالح قراراته وهو التحدي القادم.
وفي جانب السياسات الدولية حكمت كيرشنر أثناء ولايتيها الرئاسيتين معتمدة على المواجهة مفتقرة للدبلوماسية حتى لجأت لسحب سفرائها كحل للمشكلات الدولية آخرها أزمة بريطانيا أبريل 2015 وطرد شركات النفط البريطانية وسحب السفير، لكن ماكري يعلم أن طريقه الوحيد لحل الأزمات الداخلية هو التعاون الخارجي، وإن كان يتوعد للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بسبب سجنه السياسيين وانتهاك حقوق الإنسان ضد معارضيه.
كيف يمكن لماكري إيقاظ الاقتصاد الأرجنتيني؟
فرض النظام الحاكم للأرجنتين على مدار 12 سنة سياسة مكنت الحكومة من الاقتصاد ففرضت الضرائب العالية على الصادرات الزراعية لتوفي صناديق الاستثمارات الحكومية التزاماتها المالية الخاصة بالبرامج الاجتماعية في وقت ارتفعت فيه أسعار السلع العالمية، الصادرات من بين الذرة وفول الصويا واللذين تحتل الأرجنتين المركز الثاني من بين الدول المصدرة لهما تراجعت عائداتهما بسبب استياء المزارعين من الضرائب المرتفعة المفروضة على صادرات محاصيلهم والتي وصلت إلى 35%.
تراجع احتياطات النقد الأجنبي والقيود المفروضة للتحكم في العملة الأجنبية أيضًا جعلت المؤسسات الاستثمارية الأجنبية ينتابها قلق بسبب قواعد التحكم في رؤوس الأموال المعمول بها في الأرجنتين والتي أحالت بين الشركات وبين أرباحها في الأرجنتين.
“لا أعتقد أن خفض قيمة العملة هو الحل”
تطبيق سياسات جديدة سوف يتطلب زيادة كبيرة مستدامة في احتياطات النقد الأجنبي، والطريقة السريعة والوحيدة لهذا هي أن تصدر الأرجنتين سندات سيادية تطرح للتداول في أسواق المال العالمية، لكن إمكانية تنفيذ هذا في ظل وضع الأرجنتين المالي الحالي المعزول عالميًا بسبب تخلفها عن سداد ديونها في السابق سيجعله –ليس مستحيلاً- صعب جدًا، أو عقد صفقة مع صناديق التحوط الأمريكية، التي أسمتها الرئيسة السابقة “صناديق النسور”، للخروج من الأزمة، وهي الطريقة التي ألمح لها وأبدى رغبته في عقد محادثات مع إدارات الصناديق الأمريكية.
فقراء الأرجنتين حطب الإصلاح إن لم يأكلهم الركود
يمكننا العيش في أرجنتين خالية من الفقر، يمكننا الحلم ببيوت بها الماء والصرف الصحي – الرئيس الأرجنتيني الجديد
في إحصائية نشرتها الصحيفة الأرجنتينية المحلية كرونستا قالت إن كسب المواطن الأرجنتيني ما زال قريبًا جدًا من الحد الأدنى للأجور، وهو ما يساوي 6500 بيزو أو 692 دولارًا أمريكيًا، ووفق تقرير صندوق النقد الدولي ستواجه الأرجنتين ركودا في 2016.
لن يرى كثيرون في الأرجنتين تحسنـًا في دخولهم قريبًا، فرغم وعود ماكري مازال العامة يشعرون بالقلق من الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، خاصة مع خطة ماكري تحرير 400 سلعة أساسية من أسعارها ما قد يأخذ المكاسب من يد الفقراء ليد الفساد المسيطر منذ سنوات طويلة.
وحتى يتم انتخاب مجلس نواب تأتي النسبة الضعيفة التي تشكلها الطبقة العاملة داخل المؤسسات الحكومية العامة مقابل الأغنياء تشويهًا للوجه السياسي الأرجنتيني وتأكيدًا على حقيقة أن المشرعين يأتون بقرارات من خلفية غنية متحيزة لجدول أعمال اقتصادي غير متناسب مع الجميع، لا تتفرد الأرجنتين بهذا الأمر، ففي أمريكا الجنوبية يأتي 10% فقط من المشرعين الوطنيين من الطبقة العاملة، على الرغم من أن 80% من الناخبين للمسئولين من الطبقة العاملة ليكون النائب الواحد أكثر ثراء من مجموع ناخبيه.