أعلن الباجي قايد السبسي حالة الطوارئ بكامل التراب التونسي وحظرًا للتجوال ليلًا بالعاصمة التونسية، بعد التفجير «الإرهابي» الذي راح ضحيته 12 عنصرًا من الأمن الرئاسي ليلة أول أمس، وتبنى تنظيم «داعش» العملية الإرهابية في وقت لاحق.
ووقع انفجار الحافلة الخاصة بالأمن الرئاسي بالقرب من وزارتي الداخلية بشارع محمد الخامس وبالقرب من المقر المركزي للحزب المنحل “التجمع الدستوري”، وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة للتونسيين حول مدى نجاعة الإجراءات والخطط الأمنية للحفاظ على مؤسسات الجمهورية وسلامة الوسائل والأشخاص في هذا الوقت العصيب الذي تمر به تونس والمنطقة بشكل عام.
ويربط الكثير من المحللين التفجير الأخير لتونس بما جرى بنوفمبر الأسود، فمؤخرًا تصاعدت وتيرة الاعتداءات الإرهابية في كل من بيروت، سيناء، باريس، بروكسل وبماكاو بمالي، لتتجدد بتونس بعد اليوم المشؤوم على التونسيين 16 يونيو/جوان الفارط والذي أدى لمقتل 40 سائحًا بين أجنبي وتونسي بفندق في مدينة سوسة الساحلية.
التفجيرات الإرهابية التي تستهدف تونس الناشئة ديمقراطيًّا والتي تعتبر البلد العربي الناجي من الاقتتال الداخلي مقارنة بليبيا وسوريا واليمن، والبعيد عن الانقلاب العسكري مثلما حدث بمصر، تتعرض لضغط أمنى رهيب خاصة مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه حكومة “حبيب الصيد” على إثر حالة الفراغ التي عاشتها تونس بعد الثورة مباشرة.
وقالت وزارة الداخلية في آخر بلاغ لها حول العملية إن قوات الأمن والحرس الوطنيين قامت خلال الليلة الأخيرة (24 الى 25 نوفمبر) بـ 181 مداهمة بكامل التراب التونسي وتم إيقاف حوالي عشرين يشتبه بانتمائهم إلى تنظيمات إرهابية والتخطيط لهجمات داخل تونس.
وقال المتحدث باسم الوزارة “وليد الوقيني” في تصريح صحفي إن الهجوم استهدف حافلة كانت ستقل عناصر من الأمن الرئاسي في شارع محمد الخامس الرئيسي وسط تونس العاصمة، وقالت مصادر بأن الانفجار كان مع ركوب رجال الأمن للحافلة وهو ما يرجح فرضية تفجير الانتحاري نفسه داخل الحافلة.
المارد الجزائري.. مرة أخرى!
كما أصبحت صفحة “المارد الجزائري” على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” تثير قلق الرأي العام التونسي بعد تحذيره منذ عشرة أيام كاملة بأن العاصمة تونس مستهدفة في رجال الأمن هذه المرة، وأن اعتداءات مسلحة مخطط لها خلال هذه الأيام على شاكلة ما حدث بباريس، وهو ما وقع فعلًا! وطرحت وسائل الإعلام التونسية استفهامات عديدة حول من يقف وراء هذه الصفحة التي تنشر مخططات أمنية وأخبارًا في غاية السرية.
وتنبأ “المارد الجزائري” بالعديد من الاعتداءات سابقًا حيث تحقق بعضها مثل اعتداء باردو للعام الماضي واعتداء فندق بسوسة جوان/يونيو الماضي وأحداث جبال “الشعانبي” بالقرب من الجزائر، وصرح وزير الداخلية “محمد ناجم الغرسلي” بأن مصالح الوزارة والأمن التونسي يعرفون من هو المارد وأين يدون منشوراته ويبثها، مؤكدًا في حديثه للصحافة إن المارد ليس بتونس، ولا يمكنه أن يذكر اسم الدولة! ويتضح من تسمية الصفحة “المارد الجزائري” وتحفظ وزير الداخلية أن الدولة المعنية هي “الجزائر” التي تحافظ تونس على مستوى الصداقة والتعاون الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي معها.
وأطلق مدونون مغاربة وجزائريون حملة هاشتاغ أنا عربي أنا تونسي، أنا مغربي أنا تونسي، أنا جزائري أنا تونسي للتضامن مع الشعب التونسي في محنته، وطالب القائمون على الحملة مستخدمي الإنترنت بالتضامن على غرار ما حدث في العالم من تضامن واسع بعد تفجيرات باريس، كما أبدى العديد سخطه على الازدواجية التي تتعامل بها المواقع الكبرى مثل فيس بوك ويوتيوب مع الأحداث التي تحدث بأوروبا مقارنة بالتي تحدث في أحد المدن العربية!
دول ومنظمات تتضامن.. وفرنسا تعزي الديمقراطية
وأرسل الرئيس الجزائري “عبد العزيز بوتفليقة” برقية تضامن وتعزية لعائلات وأهالي الضحايا، وجدد بالمناسبة دعمه للرئيس السبسي حكومة وشعبًا، كما أعربت الجزائر على لسان وزير خارجيتها “رمطان لعمامرة” باستعدادها للتعاون مع تونس في مكافحة الإرهاب، ووضع تجربتها تحت تصرف الأشقاء كما جاء في الندوة الصحفية التي عقدها اليوم الأربعاء، وتلقت تونس إدانة شديدة للهجوم الإرهابي من الجانب التركي، ووجهت الخارجية التركية تعازيها إلى عائلات الضحايا وإلى الشعب التونسي مؤكدة دعمها لتونس في كافة المجالات.
وندد الوزير الأول الفرنسي “مانويل فالس” بالعملية الإرهابية، وصرح بأحد البرامج التلفزيونية الفرنسية أن تونس تستهدف في مسارها الدمقراطي، لأن تونس ربيع عربي ناجح بفضل شعبها وبذلك يرغب الإرهاب في ضربها، مضيفًا بأن فرنسا تساند هذه الديمقراطية وعليها أن تدافع عليها.
وأبرقت عديد من الدول والمنظمات برسائل التعازي والتضامن إلى تونس في مصابها الأمني، حيث شجب مجلس الأمن الدولي بشدة ما وقع، وأعرب الاتحاد الأوروبي عن تضامنه الكامل مع السلطات التونسية، واستنكرت الأردن والكويت وقطر ومصر وإسبانيا هذا الاعتداء الإرهابي.
كما ندد المرصد التونسي لاستقلال القضاء بالعملية الإرهابية، واعتبرها تصعيدًا في المواجهة من الإرهابيين تجاه مؤسسات الجمهورية، وحذر المرصد من خطورة التساهل في التحقيق مع مثل هذه العمليات، وأكد في بيان صادر ضرورة الوقوف صفًّا واحدًا ضد الإرهاب.
وأدانت حركة النهضة عبر كتلتها البرلمانية الاعتداء بشدة، ووصفت الاعتداء بالجبان الذي يرغب في النيل من مكاسب الجمهورية حسب ما جاء في البيان اليوم. ودعت في الأخير إلى التمسك بالوحدة الوطنية ورص الصف للحفاظ على أمن واستقرار تونس وتجربتها الرائدة.
ونشر الرئيس التونسي السابق “منصف المرزوقي” عبر صفحته الرسمية بفيس بوك كلمة، دعا فيها الجميع إلى التكاتف والوحدة ضد كل من يحاول هز أركان الدولة وبث البلبلة والفوضى في أرجاء تونس، وتلقى المرزوقي مؤخرًا تهديدات تجاه شخصه من مجهولين في محاولة لاغتياله حسب ما أوردته الصحافة التونسية.
ما الذي تغير؟ وما هي أهم التحديات؟
وتعتبر الاعتداءات المسلحة من أخطر ما يهدد كيانات الدول في الوقت الحالي، ولعل انتشار هذه الحوادث في إطار زمني واحد ومتسارع سيخضع الدول المتضررة من ولوج معادلة دولية صعبة ومعقدة وإملاءات مثقلة، وهو ما تخشاه تونس في الآونة الأخيرة باعتبارها أمام تحديات كبيرة أهمها التحول الديمقراطي الهش والحساس نتيجة الصراع الخفي بين السلطة والمعارضة رغم التوافق في تشكيل الحكومة، والتحدي الاقتصادي المالي الذي ينتظر حكومة “حبيب الصيد” باعتبار أن التونسيين يحتاجون إلى تنمية سريعة لبلدهم.
كما أن الوضع في ليبيا وانتشار السلاح بشكل واسع وتطرف الجماعات هناك ومنطق اللادولة، يجعل من الجنوب التونسي خطرًا متزايدًا، خاصة وأن تونس معروفة بضعف الجيش مقارنة بدول في المنطقة كالجزائر والمغرب وليبيا سابقًا. وهذا ما يزيد من الضغط على الجبهة الأمنية وتحمل مصاريف مالية إضافية لمواجهة هذا الخطر.
ولعل الأزمة في الحزب الحاكم “نداء تونس” ستزيد من حجم المتاعب لحكومة “حبيب الصيد”، ومع أي انشقاق أو معارضة شديدة للحكومة ستؤدي بتونس إلى نفق مظلم للديمقراطية الناشئة وهو ما تحاول تجنبه حركة “النهضة” في الوقت الحالي حيث أقدمت على مشاركة محتشمة على المستوى الحكومي، وهو ما يحتم على الفرقاء بنداء تونس تأجيل خلافاتهم.
كما أن انتشار الاعتداءات الإرهابية في مناطق عديدة بالعالم وفي قارات مختلفة، يحتم على تونس الانضمام إلى معاهدات واتفاقيات دولية قد تكون هي في غنى عنها لسيطرة القوى الكبرى على مثل هذا الملف المعقد والذي دمرت به دول وقسمت أخرى بدعاوى محاربته واجتثاثه.