في الغابة إذا بلغ الأسد الملك سن الشيخوخة يصارعُه أسد شاب. غالبًا ما يصرع الشابُ العجوزَ ليحصل على سيادة الغابة وينزوي العجوز انتظارًا للموت. الأمر يشبه ما يحدث في غابة الأسلحة دائمة التطور. إلا أن سلاحًا متميزًا استطاع أن يصمد أمام هذه الحتمية الزمنية، المقاتلة «بي- 2» السلاح الأغلى في العالم.

شهدت سماء كوسوفو ذورة شبابها في 17 يونيو (حزيران) 1999. ومنذ ذلك اليوم و«بي-2» رأس الحربة في جيش الولايات المتحدة. غُراب الغابة إذا وُجدت في السماء فالجيش الأمريكي قادم إليك، كما حدث في حرب العراق. فطوال الأيام التسعين الأولى كانت المقاتلة هي السلاح الرئيسي.

في ليبيا فتكت الطائرة وحدها بمعظم سلاح الجو الليبي. أما في حالة السلم الهش بين الولايات المتحدة، وبين أي عدو محتمل فإنها تُرسل لترابط أمام أي منطقة تشعر الولايات المتحدة بالتهديد منها. كوريا الشمالية والصين على سبيل المثال، وبطول المحيط الهادئ عامةً.

أما ميلادها الحقيقي فكان في 17 يوليو (تموز) 1989، بدافع القيام بالهجمات في عمق الأراضي السوفيتية. اختيارها لتلك المهمة جاء لثلاثة أسباب، الأول كونها تنتمي لفئة «المقاتلات الشبحية»؛ ما يعني صعوبة كشفها بالردارات السوفيتية. الثاني أنها طويلة المدى ما يُمكنّها من القيام بمهمتها ثم العودة إلى الولايات المتحدة دون المغامرة باحتمالية نفاذ الوقود، أو تعطل أحد محركاتها.

دولي

منذ 3 سنوات
المدنيون فقط وزراء الحرب.. هل يهدد ترامب السيطرة المدنية على الجيش الأمريكي؟

السبب الثالث، غير المُعلن، أنها المقاتلة الوحيدة القادرة على حمل وإسقاط متفجرات تقليدية ونووية في وقت واحد. بانهيار الاتحاد السوفيتي لم يعد هناك سبب لتلقيمها بالرؤوس النووية، لكنّ وجود مقاتلة تملك هذه الخاصية يرسل رسالةً شديدة الوضوح للدول التي ترابط أمامها.

يمكن للمقاتلة أن تحمل 16 قنبلة نووية بوزن يقارب 1300 كيلو جرام. ويمكنها أن تحمل كميةً هائلةً من الذخيرة التقليدية. كما أن خزان الوقود يكفيها لتحلق مسافة 6900 ميل. وإذا وضعنا احتمالية التزود بالوقود جوًا فإن الطائرة سيصبح مداها لا نهائيًا. في إحدى هجماتها على ليبيا حلقت المقاتلة مدة 34 ساعة متواصلة، منطلقةً من ولاية ميزوري في الولايات المتحدة، الوحدة نفسها التي انطلقت منها القنابل النووية على اليابان، إلى قلب العاصمة اللبية طرابلس، وتزودت بالوقود جوًا أكثر من 15 مرة.

يساعد في ذلك كون المقاتلة «جناحيّة» كما تبدو صورتها، لا وجود لذيل ولا لجسم منفصلين، ما يعني ثقلًا أقل وسرعةً أكبر. رغم صمودها لمدة 30 عامًا، فإن الولايات المتحدة تمنحها 10 سنوات إضافية في الخدمة. لتبقى احتمالية خروجها من الخدمة في 2030 قائمةً لكن مستبعدة.

الهاربة من الرادار و«إس 400»

آلية الطائرات الشبحية تعتمد على خدعة بسيطة نظريًّا شديدة التكلفة عمليًّا. لكي يلتقط الرادار المُقاتلة فإنه يرسل موجات كهرومغناطسية تشبه موجات الراديو. ثم يتحول الرادار إلى وضع الاستقبال لينتظر انعكاس الإشارات إليه ويُحولها إلى صورة على شاشة الرادار. تتفادى «بي-2» هذا الأمر عبر تصميمها ذي الجناحين وتشتيتها للموجات نحو الأعلى. أما المقدمة فمطليّة بجزيئات دقيقة من الحديد تمتص الموجات ولا تعكسها.

مع تصاعد تقنية «الشبح» في صناعة الطائرات تصاعدت صناعة التقنيات المضادة لها، منها صناعة أنظمة رادار مضادة للتخفي. لكن عادت «بي-2» لتثبت تفوقها مرةً أخرى، فتصميمها يجعلها تبدو على الرادار كطائر كبير الشكل لا أكثر، وفي أسوأ الأحوال تبدو كطائرة مُسالمة صغيرة الحجم. رغم أن عرضها 52 مترًا، وطولها 21 مترًا، وارتفاعها خمسة أمتار.

الأفضلية الأخرى لـ«بي -2» تأتي في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي مثل «الباتريوت» و«إس 300» و«إس 400». تلك الأنظمة تعتمد في تحديد ضحيتها على موجات الرادار بجانب الإشارات الحرارية الناتجة من محركات الهدف. أما الرادار فتهرب منه، فكيف تجنبت على حتمية وجود انبعاث حراريّ من محركاتها أو حتى من صواريخها حال الإطلاق! 

الخدعة أن المحركات تم وضعها فوق الجناح وليس أسفله كعادة الطائرات. أيضًا تم وضع جميع الأسلحة داخل الطائرة وليس تحتها. أيضًا إنشاء سلاح الجو الأمريكي لمأوى خاص بها، المأوى يساعد في منح الطائرة عنصر المفاجأة حال الإطلاق. يتكلف مأوى الطائرة الواحدة 2.5 مليون دولار، ويحتاج إلى 29 رحلة متتالية لطائرات نقل جويّة لتنقل أجزاءه.

هل تحيلها الولايات المتحدة إلى التقاعد؟

المميزات السابقة تستبعد أن تحيل الولايات المتحدة هذا السلاح المرعب للتقاعد. إضافة إلى أن الطائرة الواحد تُكلف ملياري دولار. أنتجت منها الولايات المتحدة 21 طائرة حتى الآن. إضافة إلى تكاليف الصيانة الدورية والمأوى لكل طائرة، كل ذلك يجعل من «بي -2» استثمارًا مكلفًا لا يسهل التخلي عنه ببساطة. كما أن الطائرة الواحدة توفر إمكانية إطلاق كل قنبلة من قنابلها الستة عشر على هدف منفصل، ما يجعل «بي- 2» الواحدة تعادل 16 مقاتلة عادية.

نقطة ضعفها الأشد هى قلة سرعتها بجانب المقاتلات الحديثة، لكنّ وزارة الدفاع الأمريكية لا ترى ذلك عائقًا ما دامت قادرة على الاختباء من أجهزة الرادار. كما أن الحل الأمريكي لهذه المعضلة كان شديد البساطة، يمكن أن نتغلب على بطء حركتها بإنشاء قواعد أكثر لها، ونقلها إلى الأماكن المراد مهاجتمها بحاملات طائرات أسرع. احتمالية التقاعد تبدو بعيدةً خاصة أن «بي- 2» توشك أن تصبح طائرة بدون طيار، ما يعني إضافة ميزة جديدة لها.

 

طوال 30 عامًا من العمل لم تستطع أي دفاعات جوية إسقاط المقاتلة. حادثتا التحطم الوحيدتيّن كانتا بسبب أعطال فنية. الأولى كانت في 2008 بعد عدة دقائق من الإقلاع، وكبّدت سلاح الجو خسائر بقيمة 1.4 مليار دولار لأجل إصلاحها. ثم بعدها بعامين تعرضت مقاتلة أخرى لحريق على الأرض أخرجها من الخدمة 15 شهرًا مدة الإصلاح. وشهدت خطأً تقتنيًا واحدًا بإسقاطها قنابل فوق السفارة الصينية بعد أن حدّدتها «وكالة الاستخبارات المركزية» بأنها مستودع للأسلحة. هذا الخطأ قتل ثلاثة دبلوماسيين، وأشعل خلافات دبلوماسية شديدة. لكن الولايات المتحدّة برّأت ساحة طفلتها الأثيرة «بي-2» وألقت اللوم على شركة «intel» المختصة بتطوير تنقيات المُقاتلة.

حتى لو تقاعدت المُقاتلة عن مهامها العسكرية، فقد ابتدعت لها الولايات المتحدة مهمةً جديدة غير عسكرية. في مارس (آذار) 2013، حلّقت «بي -2» فوق كوريا الجنوبية. هذه الطلعة الجوية وصفها المسئولون الأمريكيون بأنها «طلعة دبلوماسية». الدبلوماسية هيى استعراض القوة أمام كوريا الشمالية، بجانب طمأنة كوريا الجنوبية واليابان حليفيّ الولايات المتحدة. على الرغم من أن كل ساعة طيران لـ«بي -2» تكلف 163 ألف دولار، و60 ساعة من الصيانة. إلا أن هذه الدبلوماسية تبدو مقنعةً للخصم، وموفرة لوقت السياسيين.

دولي

منذ 3 سنوات
«ذي أتلانتك»: أمريكا تبيع الأسلحة للخليج لتحقيق أهدافها.. هل حققتها فعلًا؟

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد