وجّه مدني مزراق رسالة إلى الرأي العام الجزائري، تراجع فيها عن تصريحاته التي وجهها إلى رئيس البلاد “عبد العزيز بوتفليقة” عبر مقابلة أجراها بقناة “الوطن الجزائرية”، وخلّف التهجم الصريح الذي أطلقه الأمير السابق للجيش الإسلامي للإنقاذ تجاه شخص الرئيس ردود أفعال كبيرة، أهمها غلق قناة “الوطن” الخاصة من قبل الحكومة الجزائرية، والمتابعة القضائية لمالك القناة رجل الأعمال جعفر شلي، ورفض عدد كبير من الشخصيات وهيئات المجتمع المدني لمثل هذه التصريحات التي تشكل إساءة جريئة لرمز من رموز الدولة متمثلًا في رئيس الجمهورية.

وعدّد مزراق في الرسالة التي تناقلتها وسائل الإعلام الجزائرية، مناقب الرئيس بوتفليقة في إرسائه للأمن والمصالحة الوطنية، وتعرضه لحملات تشويه من مختلف وسائل الإعلام التي حرفت حسبه التصريحات، واسترسل مزراق في تبرير ما جاء في الرسالة التي تقرأ على شكل اعتذار لرئيس البلاد ورفض في المقابل تحميله مسؤولية غلق قناة الوطن الخاصة، وقال: ((حتى أبطل كيد الكائدين وأفشل مؤامراتهم، وأساهم في إبعاد الجزائر عن كل الأخطار التي تهددها.. قررت أن أتراجع عن الرد الشديد الذي وعدت به.. وأكتب بدلًا منه رسالة هادفة صادقة قوية، أنصح فيها السيد الرئيس، وأذكره بالعهد والميثاق، وأقترح خطوات جادة، نستدرك بها ما فات، وتساعدنا على تحقيق ما هو آت)).

كما تهجّم مُوقّع الرسالة مزراق على المترشح السابق للرئاسيات علي بن فليس، ووصفه بالجبان وقائل ربع الحقيقة، قائلًا له: ((أنا آسف “سي علي بن فليس”، لقد أعماك الطمع، فسقطت سقوطا حرًّا.. وانتحرت سياسيًّا.. وهوى بك الجبن في واد سحيق.. يا هذا، لقد قلت ربع الحقيقة، وبطريقة مشبوهة)). وشدد مزراق اللّهجة ضد رئيس “حريات الطلائع” داعيًا إياه لاستدراك ما فات وقول الحقيقة كاملة للشعب الجزائري.

 

مدني مزراق يعلن عن تأسيس حزب سياسي

o-MADANI-MEZRAG-facebook (1)

وخلّف إعلان مدني مزراق أمير الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقًا تأسيس حزب سياسي جديد على أنقاض الجبهة الإسلامية للإنقاذ المُحلّة مفاجأة كبيرة في الوسطين السياسي والإعلامي في الجزائر، أضاف هذا الحدث غير المتوقع موضوعًا ساخنًا جديدًا إلى ساحة النقاش من خلال ردود الأفعال التي تنوعت من أحزاب وشخصيات وهيئات وجمعيات مدنية. وجاء هذا الإعلان بعد تداول مواقع وجرائد صور وأنباء لملتقى صيفي عقده زعيم التنظيم المسلح لجبهة الإنقاذ الإسلامية في إحدى غابات الغرب الجزائري (ولاية مستغانم الساحلية) مع مجموعة من القيادات السابقة للتنظيم، تبعه تنظيم جامعة صيفية على شاكلة جامعات الأحزاب السياسية المعتمدة بإحدى الفيلات بالشرق الجزائري (ولاية جيجل الساحلية).

رغبة “الأمير” مدني مزراق في تأسيس حزب سياسي جاءت كذلك بعد أن تلقى من الرئاسة دعوة  بصفته شخصية وطنية يتم استشارتها في تعديل الدستور الذي سبق وأعلن عنه الرئيس بوتفليقة، والذي يترقب الرأي العام صدوره للعلن منذ ثلاث سنوات ونصف. هذه الدعوة جعلت مدني مرزاق يدخل بيوت الجزائريين والجزائريات أول مرة منذ التسعينيات من خلال شاشات التلفزيون، حيث تمت استضافته في برنامج المحكمة الذي تقدمه الصحفية  مديحة علالو على قناة الشروق الجزائرية، وكذلك قبله بعام عبر نفس القناة (الشروق تي في) ببرنامج الحلقة المفقودة والذي يقدمه الإعلامي محمد يعقوبي على شكل  سلسلة من الحلقات التي عرضت على المشاهدين واحتوت على تصريح  صادم من قبل مدني مزراق حين اعترف بعدم ندمه على قتله جنديًّا شابًا من الجيش الجزائري  بيديه  بدعوى أنه كان يدافع عن حقه، كما عرفت نفس السلسلة بث فيديوهات لأول مرة كان يحتفظ بها التنظيم الإسلامي المسلح  تجمع بين مزراق والجنرال المتوفى إسماعيل العماري، ويعتبر هذا الأخير الرجل الثاني في المخابرات آنذاك، والتي صرح مزراق أنها مشاهد لجلسات تفاوض مع الجيش الجزائري.

ويبدو أن مزراق يهوى الإثارة الإعلامية، فمنذ سنوات منع عدد لمجلة جون أفريك الفرنسية من البيع بالجزائر بسبب حوار جريء ومثير حينها حول المصالحة الوطنية والرئيس بوتفليقة واستهداف الصحافيين من قبل الجماعات الإرهابية سنوات الأزمة الأمنية (العدد صدر عام 2006)، وعقد ندوة صحفية حينها للرد على الاتهامات الصحفية التي جعلته محل انتقاد واسع.

 

كيف برز مدني مزراق على الساحة؟

maxresdefault

وبعد إلغاء المسار الانتخابي في الجزائر، الذي أفرز تفوقًا واضحًا للتيار الإسلامي ممثلًا في جبهة الإنقاذ (الفيس) على جميع خصومهم من التيارات الأخرى بداية التسعينات، ظهرت معارضة شديدة لهذا القرار الانقلابي من قبل جميع الإسلاميين تقريبًا، فمنهم من اقتصرت معارضته على البيانات، ومنهم من عارض بالمظاهرات والإضرابات، ومنهم من حمل السلاح في وجه النظام الحاكم إلى أن امتد الأمر إلى قطع رؤوس الرجال والنساء، وراح ضحية هذا الصّراع العنيف أكثر من مائتين وخمسين ألف جزائري قتيل، وآلاف العائلات الجزائرية المشردة طوال عشرية كاملة.

وأدّى هذا الصدام العنيف بين النظام، والرافضين لإلغاء المسار الانتخابي إلى تشكيل تنظيمات حاملة للسلاح في مواجهة النظام كلها منسوبة إلى الإسلاميين، منها المخترق من قبل أجهزة الاستخبارات، ومنها حتى الذي قيل عنه أنه مسير مباشرة من قبل هذه الأجهزة.

ومن بين  تلك التنظيمات الحاملة للسلاح ظهر تنظيم واحد ينسب نفسه إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنقلب عليها في الانتخابات حمل اسم الجيش الإسلامي للإنقاذ، ولكن  لم ينل أية تزكية أو اعتراف من القيادة السياسية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، قاد هذا التنظيم رجل يدعى مدني مزراق، وهو الذي يُثار حوله الكثير من اللغط الإعلامي حاليًا.

ويعتبر مزراق أحد قادة أطراف الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر مطلع التسعينات وصاحب المفاوضات مع الجيش الجزائري، والتي أدت لنزول الآلاف من الجبال، من مواليد 1960 بولاية جيجل شرق الجزائر واسمه الحقيقي نور الدين مزراق. مستواه الدراسي ثانوي، اشتغل في المكسرات بين تونس والجزائر وليبيا، واعتقل بهذه الأخيرة لفترة قصيرة وعاد إلى الجزائر سنة 1983، والتحق في بداية عمله السياسي بالتنظيم السري لجماعة الشرق التي كان يتزعمها عبد الله جاب الله، وفي عام 1991 التحق بالجبهة الإسلامية للإنقاذ.

 

شارك بالإضراب الذي دعت إليه الجبهة عام 1991، وسجن بجيجل ونقل إلى العاصمة الجزائر ليفر من السّجن بعد سبعة أشهر فقط، والتحق بالجبل لينخرط بالتنظيمات المسلحة الأولى عام 1992، والتي تشكلت باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وبعد تبوئه مناصب عسكرية عديدة بالجيش الإسلامي للإنقاذ، أصبح عام 1995 أميرًا للجيش الإسلامي للإنقاذ بجهتيه الشرقية والغربية، وكان يوقع بياناته العسكرية والسياسية باسم “أبي الهيثم”. دخل في مفاوضات مع الجيش الجزائري منذ أن كان أميرًا للتنظيم المسلح إلى غاية نزوله عام 1997 من الجبل، وحينها وقع اتفاق الهدنة الذي أسفر عن ترك أربعة آلاف من الجيش الإسلامي للإنقاذ السلاح والجبل، واستفاد جميعهم من العفو الرئاسي الذي أصدره عبد العزيز بوتفليقة رئيس البلاد عام 2000.

وأثار حواره بمجلة جون أفريك الفرنسية سنة 2006 ودعمه لرئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة للترشح لعهدة ثالثة وروايته لعملياته العسكرية ضد الجيش الجزائري إبان الأزمة الأمنية ردود أفعال كبيرة لدى الرأي العام خاصة ضحايا الإرهاب، وسرد بنفس الحوار صورة الجندي الشاب الذي قتله بيديه بمبرر أن كل شيء جاهز في الحروب، ما يعني -حسبه- أن الجزائر كانت تعيش حربًا أهلية.

 

لماذا  يعود مزراق الآن؟ وما هو مستقبله السياسي؟

يرفض مدني مزراق تصنيفه ضمن فئة التائبين، ويقول في حواره مع مجلة جون أفريك ((أرفض هذه التسمية، فأنا قاتلت عن قناعة بأن القتال هو السبيل لاسترجاع الحق وأوقفت القتال بموجب اتفاق مع قيادة الجيش النظامي))، كما يعتبر نفسه غير معني بموانع ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، التي تحظر على مسؤولي وقيادات جبهة الإنقاذ ممارسة السياسة، ويضيف أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أصدر لصالحه وصالح عناصر تنظيمه المسلح عفوًا رئاسيًّا يحفظ لهم حقوقهم المدنية والسياسية.

وأيد مدني مزراق خلال ندوة صحفية مشروع السلم والمصالحة الوطنية الذي يقوده رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة، بل ودعاه إلى مواصلة قيادة البلاد بعهدة ثالثة، وهو ما طرح علامات استفهام كثيرة لدى الرأي العام! وإبان اندلاع الثورات العربية التي اجتاحت عديد البلدان المجاورة، راسل الزعيم السابق للجيش الإسلامي للإنقاذ الجزائريين والجزائريات بعدم الخروج للشارع، والحفاظ على البلاد، والالتفاف حول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطوة غير منتظرة منه تحديدًا.

وأثارت دعوة مدني مزراق إلى المشاورات الخاصة بالدستور التي أشرف عليها مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى لغطًا بين مؤيد ورافض لهذه الدعوة، في حين قاطعت مجموعة من الأحزاب والشخصيات الوطنية المحسوبة على المعارضة هذه المشاورات بحجة عدم شرعية المؤسسات والنظام الحالي.

وكذلك أثار إعلانه لتأسيس حزب سياسي بمدينة جيجل (الشرق الجزائري) ردود أفعال من السلطة وبعض الأحزاب التي رفضت عودة من سمتهم بالأيادي الملطخة بدماء الجزائريين، وقال الوزير الأول سلال خلال افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان الجزائري: ((أؤكد بقوة أننا لن نسمح بقوة القانون ومؤسسات الجمهورية العودة إلى العشرية السوداء))، مضيفًا أنه من غير الممكن أن نسمح بذلك لأي شخص متورط في هذه الأزمة، مستدلًا بقانون المصالحة الوطنية. وهاجمت بعض الأقلام الإعلامية خرجة مزراق الأخيرة رافضة بشكل قطعي أي فضاء سياسي لهذا الأخير على غرار جريدة الفجر والوطن وليبرتي الفرنسيتين. كما التزم أكبر حزب إسلامي حركة مجتمع السّلم ومن ورائها أكبر تكتل للمعارضة الصمت، ولم تصدر أي بيان حتى الآن.

ودافع مدني مزراق عن حقه ورجال تنظيمه السابق في تأسيس حزب بعد دعوته لمشاورات تعديل الدستور، ويتحدث مزراق عن اتفاق بينه وبين الجيش أثناء سنوات التفاوض يقضي بالسماح له بالنشاط سياسيًّا بعد تخليه هو وتنظيمه عن العمل المسلح،  ولكن هذا يعتبر مجرد كلام ما لم يتم إثباته، لكن التساؤلات التي  طرحها المتابعون كانت حول دوافع الرجل  للخروج في هذا الوقت بإعلانه المثير للجدل .فهل هو استغلال لمرحلة كسر العظام التي يعيشها النظام الجزائري؟ أم هو إيعاز من جهات بالسلطة للتخفيف من حالة الانهيار التي سيسببها الضعف الاقتصادي والمالي المنتظر؟

المصادر

تحميل المزيد