تحولت شركة «بي إيه إي سيستمز» البريطانية للصناعات الدفاعية – خلال العام الماضي- لمورد رئيسي لتكنولوجيات تجسس متطورة لعدد من دول الشرق الأوسط، من بينها دول أنظمة عربية قمعية، استخدمتها في إحكام قبضتها القمعية على مواطنيها، ووضع حريتهم المكفولة بالدستور تحت المراقبة الكاملة، ورهن المساومة.
ومن أبرز الدول العربية التي اشترت هذه الأنظمة: الجزائر وتونس والإمارات والمغرب وعُمان. التقرير يستكشف ما هي أبرز مميزات هذه الأنظمة التجسسية، وكيف تحولت الشركة إلى أهم مستثمر في الدول العربية، خلال العامين الأخيرين، بصفقاتٍ تجارية بلغت مئات الملايين.
الشركة البريطانية التي طورت أجهزة المراقبة والتجسس في العالم
هي شركة متعددة الجنسيات متخصصة في الصناعات الجوية والدفاعية مقرها في لندن في المملكة المتحدة، ولها فروع في جميع أنحاء العالم. الشركة التي تأسست عام 1999، تحولت خلال العشر سنوات الأخيرة لأهم مورد أجهزة تجسس ومراقبة حول العالم، لتصبح أكبر شركات الصناعات الدفاعية في العالم، وواحدة من أكبر ست شركات مورِّدة لوزارة الدفاع الأمريكية، فضلًا عن أسواقها الرئيسية الأخرى: بريطانيا، وأستراليا، والهند، والمملكة العربية السعودية.

السير روجر كار، المصدر: موقع الشركة البريطانية http://www.baesystems.com/en/home
في أكتوبر (تشرين الأول) 2013، جرى اختيار رئيس مجلس الإدارة من جانب لجنة ترشيحات، وقع اختيار كامل أعضائها على «السير روجر كار» مديرًا غير تنفيذي ورئيسًا لمجلس إدارتها. ويعمل السير روجر حاليًا رئيسًا لمجلس إدارة «سينتريكا بي. إل. سي.» وهو أيضًا نائب رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لبنك إنجلترا، بالإضافة إلى كونه عضوًا في المجموعة الاستشارية الخاصة برئيس الوزراء في المملكة المتحدة.
ووسعت الشركة البريطانية من حجم أنشطتها عبر صفقة شراء لشركة «إي تي آي» للصناعات الدفاعية الإلكترونية، التي يقع مقرها في بلدة نورساندباي الدنماركية، مقابل 137 مليون جنيه إسترليني عام 2011. وتزامنت الصفقة التجارية، مع توسيع الشرطة الدنماركية لأنشطتها في تطوير أنظمة مراقبة وتجسس بإمكانات واسعة لمستخدميها من جانب الحكومات.
وتزامن تطوير الشركة لتكنولوجيات التجسس مع نقلة نوعية لها في الصناعات الدفاعية والعسكرية عبر تقنيات عالية، أتاحت لأجهزتها تفوقًا نوعيًّا على مثيلاتها من الشركات المنافسة. تتمثل هذه النقلة النوعية في أنظمة الاستشعار المتقدمة، التي أنتجتها الشركة، والتي تتميَّز بقدرتها على دمج وجمع المعلومات بسرعة، التي تساعد عبر التفوق الزمني في سرعة إنجاز الأهداف المطلوبة، وكذلك أنظمة الرادار الرئيسية للسفن السطحية، والرادارات الأرضية القائمة على أحدث طراز.
وساهمت الشركة في تطوير الجيل القادم من أنظمة الهواء بدون طيار، عن طريق تصميم وتصنيع طائرات قتالية مدربة، مزودة بكافة الأنظمة التي تجعلها طائرات مُدربة، لا ينحصر دورها في الاستهداف من بعد فقط، بل مواصلة القتال، والقدرة على إحداث رد فعل تجاه نقاط الاستهداف المطلوبة منها.
كما استحدثت الشركة في طائراتها نظام مراقبة التسلح (إكس)، الذي يعمل على تشغيل ومراقبة وإطلاق النار، واستخدام مختلف الأسلحة ذاتيًّا بتنسيق الكتروني مع إلكترونيات الطيران. واستحدثت الشركة أيضًا أنظمة البندقية البحرية في سفنها القتالية، بحيث يُتيح هذا التصميم للسفن أنظمة قتال وقيادة ذاتية بكفاءة عالية.
«إيفدنت».. تحديد موقعك من خلال بيانات هاتفك وفكّ الشفرات
«إيفدنت»، هو النظام الجديد الذي استحدثته الشركة البريطانية خلال الأعوام الأخيرة، وتمكَّنت من توريده لعددٍ من الدول العربية، بعد ثورات الربيع العربي، لإحكام قبضتها على الناشطين الحقوقيين، والاطلاع على كافة بياناتهم.

أحد الأنظمة المتطورة التي قامت الشركة بتصميمها في مجال الصناعات العسكرية. مصدر الصورة: موقع الشركة البريطانية http://www.baesystems.com/en/home
نظام التجسس الجديد يوفر لمستخدمه، حسبما كشف تحقيق تليفزيوني لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، «القدرة على تمكين الحكومات من القيام بعمليات مراقبة جماعية لاتصالات مواطنيها، وتحديد مواقع الناس من خلال بياتات هواتفهم المحمولة، والقدرة على فك الشفرات».
وتحايلت الشركة البريطانية على نتائج التحقيق برفضها مقابلة المسئول عن تنفيذ التحقيق، واكتفت بما ذكرته في بيانٍ مكتوب أنَّها «تعمل مع عدد من المنظمات حول العالم من خلال الإطار القانوني لجميع الدول ذات الشأن، ضمن مبادئ التجارة المسؤولة لدينا».
وذكر التحقيق أن مستخدمي هذا النظام يستطيعون إخضاع بلدًا بأكمله للرقابة، فضلًا عن عدم الحاجة للبريد الإلكتروني أو بيانات شخص ما لمراقبته، إذ يُتيح هذا النظام المراقبة دون الحاجة لهذه الأمور، كما كان الأمر في السابق.
وتتيح هذه النسخة من النظام اعتراض سير المعلومات والأنشطة التي تتجمع على شبكة الإنترنت، وقراءة الاتصالات حتى إذا استخدمت فيها برامج أمنية لتشفيرها، وتحليل الشفرات أيضًا، ويعمل بكلماتٍ دالة يستعملها مُستخدم الجهاز، فيُتاح له – عن طريق هذه الكلمات الاسترشادية عن أي شخص أو أكثر- مراقبة جميع المواقع والمدونات والشبكات الاجتماعية المرتبطة بهذا المستخدم، الذي جرى ترميزه بالكلمة الدالة.
وتُتيح استخدام أجهزة تحليل الشفرات، حسب ما توصل له تحقيق BBC، فك رموز المكالمات التليفونية، مما يُتيح لمستخدم النظام سماع المكالمات، والتعرف إلى بيانات أماكن المتحدثين في الهاتف، فضلًا عن قدرتها على التعرف إلى هويات الأشخاص من خلال الأصوات.
هذه هي أبرز أنظمة الدول العربية المستوردة لنُظم «BAE»
شملت قائمة الدول المستوردة لأحدث نظم المُراقبة التي أنتجتها الشركة البريطانية الدول العربية: قطر، وسلطنة عمان، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والمغرب، والجزائر. وتزامن استيراد هذا النظام المتطور في الجزائر، مع تشكيل الحكومة هيئة للمراقبة على شبكة الإنترنت، وصفها نشطاء جزائريون أنها محاولة من السلطات الجزائرية للتجسس على النشطاء، وقادة المعارضة على خلفية التوترات السياسية الأخيرة التي تشهدها البلاد، والمسار المجهول الذي ينتظرها بعد رحيل الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.
بينما دافعت وزارة العدل الجزائرية عن استحداث هذه الهيئة، التي زودتها بأحدث نُظم التجسس بما ذكرته في بيانٍ صادرٍ عنها: «محاربة الإرهاب، الذي أصبح يلجأ إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة من هواتف محمولة وإنترنت من أجل ارتكاب جرائمه، أو التحضير، أو الترويج لها، وكذا بالنسبة للجرائم التي تهدد أمن الدولة، والجرائم العابرة للحدود».
أما مصر التي غابت عن قائمة الدول المُستخدمة لأحدث نظم التجسس التي استحدثتها الشركة البريطانية، كانت قد تعاقدت في منتصف عام 2015، مع شركة «سي إيجيبت»، الشركة الشقيقة لشركة «بلو كوت» ومقرها الولايات المتحدة، بأحد العقود التابعة لوزارة الداخلية المصرية خلال صيف 2015.
ومنح هذا التعاقد الحكومة المصرية قدرة غير مسبوقة على التسلل إلى المعلومات في برنامج «سكايب»، و«فيسبوك»، و«تويتر»، و«يوتيوب»، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث توفر الحكومة المصرية لأول مرة الاستخدام الواسع لتكنولوجيا حزمة الفحص والتفتيش العميقة، التي تقوم بتحديد المواقع والتتبع والمراقبة المكثفة للحركة على الإنترنت.
وأظهرت كراسة الشروط المطروحة من جانب وزارة الداخلية لرصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي، أن من الشروط المطروحة لهذه البرامج مراقبة كل المنشورات على شبكتي التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر».
وقد سبق للمملكة العربية السعودية استخدام برامج تجسس من تصنيع شركة «هاكنج تيم – Hacking Team» الإيطالية، التي سمحت للسلطات السعودية استخدام هذه البرمجية في دخول البريد الإلكتروني، والرسائل القصيرة، وملفات من مواقع فيسبوك وفايبر وسكايب وواتس آب، إضافةً إلى سجلّ الاتصالات على الهاتف المحمول. وتسمح للسلطات أيضًا بالتحكم في تطبيق التجسس عبر تشغيل كاميرا وميكروفون الهاتف المحمول لالتقاط الصور أو تسجيل المحادثات دون علم صاحبه.
بينما تستخدم الحكومة البحرينية نظام «فين فيش» للتجسس، وهو صناعة ألمانية، وكان يوزع آنذاك من طرف شركة مجموعة جاما البريطانية، وقد توسعت السلطات البحرينية في استخدامه للتسهيل من عملية التجسس على الناشطين، والمناهضين لسياسات المملكة.
علامات
أمن المعلومات, الإمارات, الجزائر, السعودية, المراقبة, بي إيه إي سيستمز, تكنولوجيا, سياسة, مصر