“إن واجب الشرطة ليس تطبيق الإسلام، وإنما وظيفتها تطبيق القانون”.
“وإذا كان الأمر غير ذلك، فإننا نورط أنفسنا في مشكلة فكرية بدون مبرر، ونورِّط الشعب أيضًا”، لم تمر ساعات على كلمات الرئيس روحاني هذه التي قالها بمؤتمر مدراء الشرطة الإيرانية يوم 25 أبريل الماضي، إلا وقد ثار عليه عدد كبير من قيادات التيار المحافظ وعدد من المرجعيات الدينية الإيرانية.
وتأتي تصريحات روحاني هذه في ظل الجدل الدائر في إيران حول تفسير “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، حيث يحاول المحافظون تطبيق هذا الحكم الفقهي من خلال جماعات أهلية أو من خلال الشرطة، مما يواجهه البعض بالرفض.
ويقول روحاني في خطابه المثير للجدل، “إنه ما من وصية في الإسلام تحدد ما إذا على الشخص أن يصلي بشكل بطيء أو سريع”. وسأل: «هل يمكن للشرطي التدخل في هذا الأمر؟ هل يمكنه أن يأتي إلى البنك ويقول لرئيس البنك: «أغلق الأبواب لأنه الظهر وقد حان وقت الصلاة؟» وإذا كان شخص يصلي، هل يمكن للشرطي أن يذهب إليه ويسأله: «لماذا تصلي سريعًا؟» هذا أمر لا علاقة للشرطة به».
فبعد ساعات قليلة من هذا الخطاب، خرج إمام الجمعة في طهران، أحمد خاتمي للرد على روحاني قائلًا: “إن رسالة الحكومة الدينية ومهمتها أيضًا هي إعداد الطريق للجنة”، في حين قال إمام الجمعة بمدينة مشهد: إنه يجب الوقوف بكل قوة أمام من يريدون أن يقفوا حائلًا أمام ذهاب الناس إلى الجنة.
لم يقتصر الرد على بعض المراجع والقيادات السياسية، بل قال مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي في خطاب له أمام جمع من قيادات الشرطة الإيرانية، فيما اعتبرته الصحافة الإيرانية تلميحًا له حول خطاب روحاني الأخير: “إن جميع أعمالنا هي لله، وحين يجد الله نية القرب منه سيكون عملكم سهلًا، لأن عملنا هو خدمة المجتمع والجمهورية الإسلامية ونصرة الإسلام”.
في حين قال رئيس مجلس الخبراء الإيراني محمد يزدي في بداية هذا الشهر، بدون إشارة مباشرة لكلام روحاني: “يجب علينا تطبيق الإسلام، ولا نستطيع أن نقول لا للإسلام، إذا قلنا لا للإسلام، فإن الإسلام سيقول لنا لا”.
البرلمان الإيراني يرد:
لم ينتظر البرلمان الإيراني كثيرًا للرد على الرئيس المنتمي للتيار الإصلاحي، ففي اليوم التالي من الخطاب، خرج عضو اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني، حجة الإسلام سيد علي طاهري، في نهاية جلسة البرلمان، ردًّا على خطاب روحاني الأخير: “إن أعضاء اللجنة يجدون أن مثل هذه الخطابات تسبب الانحراف، حيث إن أي شخص في أي مكان من الواجب عليه تطبيق الإسلام، ونحن نؤكد أن القول بأن تطبيق الإسلام ليس أحد وظائف الشرطة، يعد مقدمة لانحراف كبير، وبهذه الكلمات يستطيع أي شخص أن يتنصل من واجباته تجاه الإسلام، وستكون واجبات الشخص مقتصرة على بعض الأعمال الإدارية، مما لا يتماشى مع تعليمات الإمام الخميني وكذلك الإمام خامنئي، وفي حقيقة الدين نحن كلفنا جميعًا بأن نطبِّق الإسلام وننفِّذ أوامره”، “اليوم أعضاء اللجنة كلهم معترضون بشدة على خطاب رئيس الجمهورية، وسوف يتم اتخاذ إجراءات في هذا الصدد في وقت لاحق”.
وفي نهاية أبريل، أرسل 121 نائبًا إيرانيًّا رسالة إلى رئيس الجمهورية، قالوا فيها: “من هو الشخص أو من هم الأشخاص الملزمون بتطبيق الإسلام، هل هم رجال الدين فقط أو المراجع العظمى؟”.
كما تساءل النواب في الخطاب المرسل: “أليس هذا معناه فصل الدين عن السياسة؟، هل سنعتمد قوانين غير إسلامية؟، أليس هذا معناه تعطيل فروض إسلامية مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟”.
أصوات مؤيدة لروحاني:
على الجهة الأخرى، يقف الإصلاحيون في صف روحاني، منتقدين سياسات رجال الدين ومطالبين بحرية أكثر تسمح لهم بانتقاد الولي الفقيه، وهذا ما عبر عنه، سيد شهاب الدين شاوشي، نائب محافظ طهران، حيث قال: “البعض من قصار النظر أخذوا انطباعًا مشوهًا عن كلام رئيس الجمهورية أمام قيادات الشرطة، ولم يقيسوا الموضوع أو يطالعوه بشكل عميق، ولم يفهموا غرض رئيس الجمهورية من ذاك الكلام، لقد فهم الناس كلام الرئيس بشكل متفاوت ومختلف”.
ويكمل شاوشي: “إن 90% من الشباب قد بَعُدَ عن الإسلام بسببب سلوكنا السياسي”، ويواصل شاوشي قائلًا: “إن احترام الفقهاء العظام هو واجب علينا، لكن اليوم الرأي الفقهي النافذ في دولتنا الدينية يعود للمرشد الأعلى، مع أن هناك استنباطات كثيرة من جانب الفقهاء لكلام رئيس الجمهورية الأخير”.

النائب علي مطهري – المصدر وكالة إرنا الإيرانية
لم يكن شاوشي وحده هو الصوت المعارض لاستئثار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بالقرار وحده، فقد سبقه النائب الإيراني علي مطهري (ابن آية الله مرتضى مطهري، الذي يُعتبر من الشخصيّات الرئيسيّة التي أسّست الجمهوريّة الإسلاميّة)، حيث أثار مطهري الرأي العام الإيراني في مارس الماضي، من خلال تحريضه على معارضة مرشد الثورة الإيرانية إذا استدعى الأمر، حيث قال في حواره مع مجلة مثلث الإيرانية: “إذا كان هناك من يحمل رأيًا مخالفًا لقائد الثورة الإسلامية، يجب عليه أن يعبر عنه، ليس معنى أن المرشد الأعلى له رأي، أن يصمت الآخرون”، أثار هذا الكلام حفيظة التيار المحافظ، مما دفع أحمد علم الهدى، إمام الجمعة في مشهد الرد على مطهري أن يقول: “إن مواجهة المرشد الأعلى ومعارضته تشبه معارضة النبي محمد، حتى ولو كان الشخص مسلمًا وشيعيًّا ويؤمن بالنبوة”.
نحو مزيد من الحرية والديمقراطية:
رغم التعتيم الإعلامي والصحفي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الإيرانية، حتى طال هذا التعتيم شبكة الإنترنت لحجب بعض المواقع، خصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي وتعويضهم عنها ببعض المواقع المشابهة، إلا أن الجيل الإيراني الحالي، يتطلع أكثر من أي وقت مضى إلى مزيد من الحرية والديمقراطية، خصوصًا في الوقت الذي يتوقع الكثيرون حدوث حالة انفتاح في المجتمع الإيراني عقب رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية على إيران في حالة أنه تم التوصل لاتفاق نووي شامل، وبسبب هذه التطلعات حاز التيار الإصلاحي الذي ينادي بدور أقل لرجال الدين في النظام السياسي، وتحديد صلاحيات الولي الفقيه، بشعبية متزايدة خلال السنوات الماضية.
فرغم تصريحات الساسة والمسؤولين الإيرانيين الرسميين الأخيرة، فإن موقفهم هذا لا يعبر بالضرورة عن المزاج الشعبي الإيراني، فالشعب الإيراني الذي انتفض ضد فوز الرئيس المنتمي للتيار المحافظة أحمدي نجاد 2009، والذي خرج بالآلاف في شوارع إيران للاحتفال بفوز الرئيس روحاني في سباق الرئاسة عام 2013، والذي خرج أيضًا مؤخرًا للاحتفال بتوقيع اتفاق لوزان النووي بين إيران والدول 5+1، يبدو أن أغلبيته يميل نحو آراء الإصلاحيين بقيادة الرئيس الروحاني، بدل من المراجع الدينية والتيار المحافظ.